• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : عقائدنا (الشيعة الامامية) .
              • القسم الفرعي : في الامامة الالهية .
                    • الموضوع : الإمامة مسألة إلهية .

الإمامة مسألة إلهية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إنّ مسألةَ «الإمامة» كانت مسألة إلهيّة، وسماويّة، ولهذا كان من اللازم أن يتم تعيينُ خليفة النبي كذلك عبر الوحي الإِلهيّ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقوم النبيُّ بإبلاغه إلى الناس.
وقبل أن نعمدَ إلى استعراض وبيان الأدلّةِ النقليّة والشرعيّة في هذا المجال، نستعرض حُكم العقلِ في هذه الحالة، آخذين بنظر الاعتبار ظروف تلك الفترة (أي فترة ما قبل وما بعد رحيل النبيّ)، وملابساتها.
إنَّ العقلَ البديهيَّ يحكم بأنّ أي إنسانٍ مصلحٍ إذا استطاع من خلال جهودٍ مُضنيةٍ دامت سَنَواتٍ عديدةً، من تنفيذ أُطروحةٍ اجتماعيّة خاصة له، وابتكر طريقة جديدة للمجتمع البشريّ فإنّه لا بدّ من أن يفكِّر في وسيلةٍ مؤثِّرة للإبقاء على تلك الأُطروحة، وضمان استمرارها، بل رُشدها، ونموّها أيضاً، وليس من الحكمة أن يؤسّسَ شخصٌ مّا بناءً عظيماً، متحمّلًا في ذلك السبيل متاعبَ كثيرة، ولكن لا يفكِّر فيما يقيه من الأخطار، ولا ينصب أحداً لصيانته والعناية به، من بعده.
إنَّ النبيَّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من أكبر الشخصيّات العالميّة في تاريخ البشريّة، قد أوجَد - بما أتى من شريعة - أرضيّةً مساعدةً لتحوّلٍ إلهيٍّ عالميٍ كبيرٍ، ومَهَّدَ لقيام حضارةٍ جدُّ حديثةٍ، وفريدةٍ.
إنّ هذه الشخصيّة العظيمة، التي طَرَحَت على البشريّة شريعةً خالدةً، وقادت المجتمعَ البشريّ في عصرِهِ وأيام حياته، من المسلَّم أنّه فَكَّر لحفظ شريعته من الأخطار والآفات المحتملة التي تهدِّدها في المستقبل، وكذا لهداية أُمّته الخالدة، وإدارتها، وبيّن صيغة القيادة من بعده، وذلك لأنّه من غير المعقول أن يؤسّس هذا النبيُ الحكيمُ قواعدَ شريعةٍ خالدةٍ أبديّةٍ، دون أنْ يطرح صيغة قويّة لقيادتها من بعده، يضمن بها بقاء تلك الشريعة.
إنَّ النبيَّ الَّذي لم يألُ جُهداً في بيان أَصغر ما تحتاج إليه سعادةُ البشرية، كيفَ يُعقَل أنْ يسكتَ في مجال قيادة المجتمع الإسلامي وصيغتها، وكيفيتها، والحال أنها من المسائل الجوهريّة، والمصيريّة، في حياة الأُمّة، بل وفي حياة البشريّة، وفي الحقيقة يترك المجتمعَ الإسلاميَّ حيارى مهمَلين، لا يَعرِفون واجبهم في هذا الصعيد؟!
وعلى هذا الأساس لا يمكن مطلقاً القبولُ بالزَّعم القائل بأنَّ النبيّ الأكرم أغمض عينيه عن الحياة دون ان ينبس ببنت شفة في مجال قيادة الأُمّة. الإمامة والخطر الثلاثي المشؤوم: الروم والفرس والمنافقون.‏
إنّ مراجعةَ التاريخ، وأخذِ الظروف التي كانت تحيط بالمنطقة، وبالعالم في زمان رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقُبَيل وفاتهِ بالذات بنظر الاعتبار تثبت - بِوُضوح بداهة وضرورةَ «تنْصيصيَّة» منصب الامامة وذلك لأنّ أخطاراً ثلاثة كانت تهدّد الدينَ والكيانَ الإسلاميَّ، وتحيط به على شكلِ‏ مُثَلّثٍ مَشؤُومٍ.
الضِلعُ الأوَّل مِن هذا المثلَّث الخَطِر كان يتمثَّل في الإمبراطورية الروميّة.
والضلع الثانِي كانَ يَتمثّل في الإمبراطوريّة الفارسيّة.
والضلعُ الثالث كان يَتَمثَّل في فريق المنافقين الداخِلِيّين.
وبالنسبة لخَطَر الضلعِ الأوّل، وأهميّته القُصْوى يكفي أنَ نعلمَ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل يفكر فيه حتى آخر لحظة من حياته، ولهذا جهّزَ - قُبَيل أيّام بل ساعاتٍ من وفاته - جيشاً عظيماً بقيادة «أُسامة بن زيد» وبَعَثَه لمواجهة الروم، كما ولَعَنَ مَن تَخلَّفَ عنه أيضاً.
وبالنسبة لخطَر الضِلعِ الثاني يكفي أن نعرفَ أنّه كان عَدُوّاً شرساً أيضاً أقدمَ على تمزيقِ رسالةِ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتب إلى حاكم اليمن بأنْ يقبضَ على رسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويبعث به إليه، أو يرسلَ إليه برأسه.
وبالتالي بالنسبة إلى الخَطَر الثالث يجب أن نعلمَ أنّ هذا الفريق (أي المنافقين) كان يقوم في المدينة بمزاحمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باستمرار وكان المنافقون هؤلاء يؤذونه بالمؤامرات المتنوعة، ويعرقلون حركته، وقد تحدّث القرآنُ الكريمُ عنهم وعن خصالهم، ونفاقهم، وأَذاهم، ومحاولاتهم الخبيثة في سوره المختلفة إلى درجة انّه سمّيت سورة كاملة باسمهم، وهي تتحدّث عنهم وعن نواياهم وأعمالِهم الشرّيرةِ.
والآن نطرحُ هذا السؤالَ وهو: هل مع وجودِ هذا المثلَّث الخَطِر كانَ من الصحيحِ أنْ يترك النبيُ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله وسلم) الأُمّة الإسلاميةَ، والدينَ الإسلاميَ الّذَين كانا محاطَين بالأخطار من كلّ جانب، وكان الأعداءُ لهما بالمرصاد من كلّ ناحية، من دونِ قائدٍ معيّنٍ؟!!
إنّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاشكَّ كانَ يَعْلَم أن حياةَ العرب حياة قَبَليّة، عشائرية وأنّ أفرادَ هذه القبائِل كانَتْ مُتَعَصِبّة لرؤساء تلك القبائل، فهم كانوا يطيعون الرؤساء بشدّة، ويخضَعُون لهُمْ خضوعاً كبيراً، ولهذا فإنَّ ترك مِثل هذا المجتمع مِن دون نصبِ قائدٍ معيّن سوف يؤدّي إلى التشتت والتنازع بين هذه القبائل، وسيستفيد الأعداء من هذا التخاصُم والتَنازع، والإختلاف.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة قال الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا: «الاستخلاف بالنصّ أصوب، فإنّ ذلك لا يؤدي إلى التشعّب والتشاغب والاختلاف» «1». (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشفاء الالهيات المقالة العاشرة الفصل الخامس 564.

(2) الشيخ السبحاني.


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=66
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 9