بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في كتاب (الف سؤال واشكال) للشيخ علي الكوراني العاملي الاشكال التالي:
قام مذهب ابن تيمية في التجسيم على أساس باطل هو تحريم تأويل صفات الله تعالى ووجوب حملها على ظاهرها الحسي المادي! فقال إن يد الله في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(1), معناها أن الله تعالى له يد وهي جارحة كأيدينا! وخالف بذلك المسلمين الذين قالوا إن معنى (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قدرته فوق قدرتهم, تعالى الله أن يكون حسياً له جوارح حسية مثلنا!
لكنك تراهم يرتكبون التأويل الذي حرَّموه عندما يضيق بهم الدليل، خاصة عندما يصلون إلى فضائل أهل البيت (عليهم السلام) الذين لا يحبونهم، أو إلى مطاعن بني أمية الذين يحبونهم!
وقد اضطروا بسبب هذا الأساس الباطل إلى إنكار وجود المجاز في القرآن والسنة، فكل الألفاظ بزعمهم يجب أن تحمل على معناها اللغوي المادي، ولا يجوز أن تحمل على معان مجازية، أو تؤوَّل!
فعندما يقول القرآن أو الحديث (يد الله، أو عين الله، أو وجه الله) فمعناه عندهم أن الله تعالى له يد وعين ووجه حقيقةً لا مجازاً! وعندما يقول: (كل شيء هالك إلا وجهه) فمعناه عندهم أن الله يفنى ويبقى وجهه فقط!!
لكن عندما يقول النبي (صلى الله عليه وآله): ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى. فقال (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه. تراهم يحملون عليها مساحيهم ومعاول تأويلهم، لكي يميعوا معناها!!
قال شيخهم ابن باز في فتاويه: الصحيح الذي عليه المحققون (من هم هؤلاء المحققون؟!) أنه ليس في القرآن مجاز على الحد الذي يعرفه أصحاب فن البلاغة، وكل ما فيه فهو حقيقة في محله(2). انتهى .
الأسئلة
1 ـ نزل القرآن باللغة العربية وهي مبنية على الحقيقة والمجاز والكناية والتشبيه والإستعارة، وغيرها من وسائل البلاغة وأساليبها، وهذا من مالها وأسرار بلاغتها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة)(3). وروي عن ابن عباس أنه قال: (نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة)(4). وسأل المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) عن قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)(5), فقال (عليه السلام): (هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته، وكذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين)(6), فما هو دليلكم على نفي المجاز في القرآن؟!
2 ـ يلزم على قولكم بنفي المجاز في القرآن والسنة لوازم كثيرة باطلة، لا يمكنكم الإلتزام بها! فكيف تفسرون قوله تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(7)؟
هل تقولون والعياذ بالله إن الله يفنى إلا صورة وجهه؟!!
3 ـ إن كنتم تعتقدون بحرمة التأويل فتحرمون تأويل الآيات المتشابهة! فلماذا تناقضون أنفسكم فترتكبون تأويل الآيات المحكمة التي تنفي التشبيه والتجسيم، ولا تأخذون بها بظاهرها، وتحملون المتشابه على المحكم كما يفعل عامة المسلمين؟!
من هذه الآيات المحكمة قوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شئ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(8).
(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(9).
(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(10).
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(11).
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)(12).
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(13).
(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُبِيناً)(14).
(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً)(15).
(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(16).
فلماذا تقولون إن التأويل حرام، ثم تؤولون كل ذلك بالتشبيه؟!
4- إذا كان القرآن كله حقيقة والتأويل فيه حرام، فالسنة أيضاً كلها حقيقة والتأويل فيها حرام! فما بالكم لا تتركون حديثاً للنبي (صلى الله عليه وآله) يخالف رأيكم إلا أعملتم فيه معول التأويل؟!
5- ما دام التأويل عندكم حراماً منكراً، فما ينتج عنه حرام ومنكر! فكيف تستندون في تفسيركم للقرآن والسنة الى تأويلكم أو تأويل المتأولين، وتبنون مذهبكم على الحرام والمنكر؟!
6- مادام التأويل عندكم حراماً منكراً، فلا فرق بين أن ترتكبوه أنتم أو يرتكبه غيركم، فما بالكم تبحثون عن شخص أول الآية أو الحديث فتستندون اليه؟! أليس مثلكم في ذلك كمن أفتى بتحريم ذبيحة ثم بحث عمن يحللها لكي يأكل منها؟! وهل سمعتم بالطلمنكي المؤول الذي وجده إمامكم ابن تيمية وإمامكم ابن باز؟! قال ابن باز في فتاويه: (قال أبو عمر الطلمنكي رحمه الله تعالى: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى ( وهو معكم أين ما كنتم ) ونحو ذلك من القرآن أنه علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته مستوٍ على عرشه كما نطق به كتابه)(17), انتهى.
فقد استند ابن باز كإمامه الى تأويل الطلمنكي، والى إجماع المسلمين عليه، الذي ادعاه الطلمنكي!
فإن صح إجماعهم فهو إجماع على التأويل ينقض تحريمكم له، وإن لم يصح، فلا ينفعكم تأويل الطلمنكيين! فما رأيكم؟!
__________
(1) سورة الفتح: 10.
(2) فتاوي ابن باز: 4/382.
(3) الكافي: 2/631.
(4) عصمة الأنبياء, للفخر الرازي: ص 112.
(5) سورة التوبة: 43.
(6) سورة الزمر: 65. عن كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام :2 /180.
(7) سورة القصص: 88.
(8) سورة الأنعام: 102 ـ 103.
(9) سورة الشورى: 11.
(10) سورة طـه: 110.
(11) سورة البقرة: 22.
(12) سورة الأعراف: 143.
(13) سورة البقرة: 55.
(14) سورة النساء: 153.
(15) سورة الفرقان: 21.
(16) سورة الاخلاص:1-4.
(17) فتاوى ابن باز: 1/148.
|