• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : إشكالاتنا التاريخية على فرق المسلمين .
              • القسم الفرعي : في العهود المتأخرة .
                    • الموضوع : انشغال سلاطين الدولة العثمانية باللهو والانقلابات واهمال المسلمين .

انشغال سلاطين الدولة العثمانية باللهو والانقلابات واهمال المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم


بدأ احتكاك المسلمين بالروم بمعركتهم في مؤتة، ثم في فتح الشام، وكان أهمها معركة اليرموك، وقد انهزم الروم مذعورين، فأمر هرقل بالإنسحاب الى القسطنطينية وقال: سلام عليك يا سوريا.
لكن استمر الإحتكاك العسكري والتجاري بين القسطنطينية وتوابعها، وبين المسلمين في الشام، ثم في المناطق التي فتحوها من تركيا، وقد عدُّوا لسيف الدولة الحمداني من حلب سبعين غزوة ومعركة مع الروم.
ثم جاء الفرنجة من فرنسيين وبرتغال وإنكليز وغيرهم، فكان ساحل تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر على احتكاك معهم بحروب وتبادل تجاري وثقافي. وتميزت تركيا بأنها جاورت الروم في ساحل المتوسط، وفي البر من جهة شرق أوروبا، حيث وصلت فتوحاتها الى النمسا.
وكان في هذا الجوار والصراع فوائد كثيرة استثمرها الأوروبيون فاكتسبوا من المسلمين في مجالات الفكر والعلوم والثقافة، لكن المسلمين لم يستفيدوا منهم في العلوم الطبيعية إلا ضئيلاً! والسبب أن حكوماتهم وخاصة الخلافة العثمانية لم يكن عندها اهتمام بالعلم والإعمار كنصير الدين الطوسي قدس سره والجوينيين، فقد كان خلفاؤها محاربين بيروقراطيين فقط! ولذلك اهتموا بالسفن والمدافع، واهتموا بتشكيلات القصر والمراسم ومؤسسات جباية المال، كما اهتموا بثقافة المطبخ، حتى أنك ترى مطبخ إستانبول اليوم حتى عند عوام الناس ما زال من مطابخ الدرجة الأولى في العالم!
هذا عندما كان (الخلفاء) مستقلين! أما عندما جاء جيل الخلفاء الضعاف الشخصية، أبناء الفرنجيات ومطيعي الفرنجيين، ابتداءً من السلطان سليم، فقد انشغل الخليفة عن الفتوحات والصناعات، وصار همُّهُ محصوراً في الصراعات الداخلية! ثم صار شغل العاصمة وهمها عزل خليفة وقتله أو حجزه، ونصب خليفة بعده، ثم عزله أو قتله!
لاحظ أن القائد الفرنسي نابليون عندما احتل مصر سنة 1798 بعث مهندسين ليدرسوا إمكانية وصل البحرين بقناة السويس: ( فأجابته اللجنة بالإيجاب... ولما تحقق لدى العموم بإجماع العلماء أن مسطح البحرين متساو، سعى المسيو فردينان دي ليسبس قنصل فرنسا في مصر لدى المرحوم سعيد باشا والي مصر إذ ذاك للحصول على فرمان يخوله امتياز تشكيل شركة عمومية لإتمام العمل)(1).
في ذلك الوقت كانت العاصمة العثمانية مشغولة بعزل سلطانها سليم الثالث ونصب السلطان مصطفى الرابع(2), ثم بعزل السلطان مصطفى الرابع: (وحجزه في نفس السراي التي كان محجوزاً بها السلطان سليم! فعزل بعد أن حكم ثلاثة عشر شهراً، وقتل في سرايه بعد ذلك بقليل، وأقيم بعده محمود الثاني الذي أعلن حرباً على الإنكشارية وقتل أكثرهم!(3).
واستمر هذا المسلسل الى آخر حياة الدولة العثمانية، بما له من تأثير كبير في تضعيف أجهزة الدولة وولاياتها وتدويخ مفكريها!
قال محمد فريد, عن الخليفة عبد العزيز الضعيف المتهم باستغراقه في اللهو: (الفتوى بعزله: إذا كان زيد الذي هو أمير المؤمنين مختل الشعور وليس له إلمام في الأمور السياسية، ومابرح ينفق الأموال الميرية في مصارفه النفسانية، في درجة لا طاقة للملك والملة على تحملها، وقد أخل بالأمور الدينية والدنيوية وشوشها، وخرب الملك والملة، وكان بقاؤه مضراً بها، فهل يصح خلعه؟
الجواب: يصح. كتبه الفقير: حسن خير الله، عفي عنه. ثم أناطوا حسين عوني باشا بأمر خلع السلطان عبد العزيز، وشيخ الإسلام وباقي الوزراء بمبايعة السلطان مراد، في يوم الإثنين 6 جمادى الاولى سنة1293 - 30 مايو سنة 1876)(4), انتهى.
أقول: هذا العامل الخارجي هو الأهم في منع تقدم المسلمين في العلوم الطبيعية والإعمار، في تركيا وغيرها، لأنه سبب العامل الداخلي وضعف سلاطين بني عثمان مضافاً الى أنهم لم يكونوا من أصحاب الفكر العلمي والعناية بالتطوير والصناعة، ولا يتسع المجال لعرض تسلسل الأسباب وترابطها.
وهنا مسألة أخرى مهمة هي أن العثمانيين كانوا باب المسلمين الى أوروبا والغرب، والمنظار الذي ينظر به الأوربيون الى الإسلام وأهله، ولذلك يسمون كل مسلم (تركي)! وهي نقطة سلبية مهمة تدل على أن الغربيين فهموا الإسلام من الشخصية العثمانية، والأسلوب العثماني، والتعصب العثماني، والجمود الفكري العثماني على صحيح بخاري، وعلى الغلو في تقديس أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة وحفصة! ولم يعرفوا أنه يوجد وجهً آخر للإسلام له منطقه وأصوله، وأنه كان قبل بني عثمان جُق، وبقيَ بعدهم! ويبدو أن نظرتهم هذه التي تثمر العداء للإسلام وأهله، ستبقى حتى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)!

_________ 

(1) محمد فريد: 568.

(2) محمد فريد: 393 و 398.

(3) محمد فريد: 124.

(4) محمد فريد: 775.

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=585
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12