• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : ردودنا العقائدية على فرق المسلمين .
              • القسم الفرعي : حول القرآن الكريم .
                    • الموضوع : دليل السيد الخوئي في ابطال نسخ التلاوة .

دليل السيد الخوئي في ابطال نسخ التلاوة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قسموا النسخ في الكتاب العزيز الى ثلاثة اقسام:

1- نسخ الحكم دون التلاوة، وهذا هو القسم الذي نطق به محكم التنزيل، وهو المشهور بين العلماء والمفسرين، وهو أمر معقولٌ مقبولٌ، حيثُ إنّ بعض الأحكام لم ينزل دفعةً واحدةً، بل نزل تدريجياً لتألفه النفوس وتستسيغه العقول، فنسخت تلك الأحكام وبقيت ألفاظها، لأسرارٍ تربويةٍ وتشريعيةٍ يعلمها الله تعالى.

2- نسخ التلاوة دون الحكم، وقد مثّلوا له بآية الرجم، فقالوا: إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها.

3- نسخ التلاوة والحكم معاً، وقد مثّلوا له بآية الرضاع.

أنّ البعض حمل قسماً من الروايات الدالة على النقصان على أنّها آيات نسخت تلاوتها وبقيت أحكامها، أو نسخت تلاوةً وحكماً، وذلك تحاشياً من التسليم بها الذي يفضي إلى القول بتحريف القرآن، وفراراً من ردّها وتكذيبها الذي يؤول إلى الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، أو الطعن في الأعيان الذين نُقلت عنهم. ولا شكّ أنّ القول بالضربين الأخيرين من النسخ هو عين القول بالتحريف، وهو باطل لما يلي:

أ- يستحيل عقلاً أن يرد النسخ على اللفظ دون الحكم، لأنّ الحكم لابدّ له من لفظ يدلّ عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدلّ عليه؟ فالحكم تابع للّفظ، ولا يمكن أن يرفع الأصل ويبقى التابع.

ب- النسخ حكم، والحكم لابدّ أن يكون بالنصّ، ولا انفكاك بينهما، ولا دليل على نسخ النصوص التي حكتها الآثار المتقدّمة وسواها، إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في حديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في واحدٍ منها أنّها منسوخة، والواجب يقتضي أن يُبلّغ الأمة بالنسخ كما بلّغ بالنزول، وبما أنّ ذلك لم يحدث فالقول به باطل.

ج- الأخبار التي زعم نسخ تلاوتها أخبار آحاد، ولا تقوى دليلاً وبرهاناً على حصوله، إذ صرحوا باتّفاق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد(1)، ونسبه القطّان إلى الجمهور(2)، وعلّله رحمة الله الهندي: بأنّ خبر الواحد إذا اقتضى عملاً ولم يوجد في الأدلّة القاطعة ما يدلّ عليه وجب ردّه(3)، بل إنّ الشافعي وأصحابه وأكثر أهل الظاهر، قد قطعوا بامتناع نسخ القران بالسُنّة المتواترة، وبهذا صرّح أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل من قال بإمكان نسخ الكتاب بالسُنّة المتواترة منع وقوعه(4)، لذا لا تصحّ دعوى نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو بدونه، حتّى لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ، فضلاً عن كونها أخبار آحاد ضعيفة الإسناد واهية المتن كما تقدّم.

د- أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء الإمامية وأعلامهم الضربين الأخيرين من النسخ واعتبروهما نفس القول بالتحريف، وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنة المتقدمين منهم والمتأخرين، وحكى القاضي أبو بكر في "الانتصار" عن قومٍ إنكار الضرب الثاني منه(5)، وأنكره أيضاً ابن ظفر في كتاب "الينبوع(6)، ونُقِل عن أبي مسلم: "أنّ نسخ التلاوة ممنوع شرعاً(7).

وفيما يلي بعض أقوال محققي أهل السنة في إبطال القول بنسخ التلاوة:

1- قال الخضري: "أنا لا أفهم معنى لآيةٍ أنزلها الله تعالى لتفيد حكماً ثمّ يرفعها مع بقاء حكمها، لأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والإعجاز معاً بنظمه، فما هي المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها؟ إنّ ذلك غير مفهوم، وقد أرى أنّه ليس هناك ما يدعو إلى القول به(8).

2- وقال الدكتور صبحي الصالح: "أمّا الجرأة العجيبة في الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معينة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأً مركباً، فتقسيم المسائل إلى أضرب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضربٍ شواهد كثيرةٍ أو كافيةٍ على الأقل ليتيسّر استنباط قاعدةٍ منها، وما لعشّاق النسخ إلا شاهدٌ أو اثنان على كلّ من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها.

3- وقال ابن الخطيب: "أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها، فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل، إذ ما هي الحكمة من نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها؟ ما الحكمة من صدور قانون واجب التنفيذ ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟ ويستدلّون على باطلهم هذا بإيراد آيةٍ من هذا النوع يدّعون نسخها، ويعلم الله تعالى أنّها ليست من القرآن، ولو كانت لما أغفلها الصحابة (رضوان الله عليهم) ولدونّها السلف الصالح في مصاحفهم(9).

اما دليل السيد الخوئي بإبطال نسخ التلاوة فهو: إنّ القول بالنسخ مضافاً إلى أنّه قول بلا دليل فهو عين التحريف والإسقاط, لأنّ نسخ التلاوة هذا، إمّا أن يكون قد وقع من رسول الله ( صلى الله عليه واله ) وإمّا أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله (صلى الله عليه واله)، فهو أمر يحتاج إلى الإثبات. وقد اتّفق العلماء أجمع، على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الأصول وغيرها(10). بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه، وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل إنّ جماعة ممّن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة  منع وقوعه الإحكام(11).  وإن أرادوا أنّ النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبي (صلى الله عليه واله) فهو عين القول بالتحريف. وعلى ذلك، فيمكن أن يُدّعى أنّ القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنّة، لأنّهم يقولون بجواز نسخ التلاوة، سواء أنسخ الحكم، أم لم ينسخ(12).

___________

1- الموافقات للشاطبي: 3: 106.

2- مباحث في علوم القرآن: 237.

3- إظهار الحق: 2: 90.

4- الاحكام للآمدي: 3: 139، أُصول السرخسي 2: 67.

5- البرهان في علوم القرآن: 2: 47.

6- البرهان في علوم القرآن :2: 43.

7- مناهل العرفان: 2: 112.

8- التحقيق في نفي التحريف: 279، صيانة القرآن من التحريف: 30.

9- الفرقان: 157.

10- الموافقات لابي اسحاق الشاطبي: ج 3 ص 106

11-  اصول الأحكام للآمدي: ج 3 ص 217.

12- البيان: 206.

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=561
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12