بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف التقية: التقية في اللغة: التقية من الأسماء المتفرعة من الوقاية، بمعنى الحفظ بالتجنب عن الضرر ونحوه، والتقية والتقاة بمعنى واحد كما صرح الفيومي في المصباح المنير(1).
التقية في الاصطلاح: تعريف إبن حجر العسقلاني للتقية: يقول الـحافـظ ابن حجر في فتح الباري: ومعنى التقية الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير.(2)
وقال الشيخ المفيد: التقية كتمان الحق وستر الإعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذا علم بالضرورة او قوي الظن، فمتى لم يعلم ضررا بإظهار الحق ولا قوي في الظن لم يجب فرض التقية.(3)
والتقية بهذا المعنى لا خلاف فيها بين المذاهب الاسلامية ووصف البعض لها بانها نفاق جهل بمعناها فهما - التقية والنفاق - وان اتفقا في مخالفة الظاهر للباطن الا ان النفاق هو اظهار الحق وابطان الباطل فهو عكس التقية لانها اظهار الباطل واخفاء الحق ومما يؤيد قولنا من اتفاق المسلمين على جواز التقية قول الشوكاني كتاب القول المفيد في حكم التقليد:
وحينئذ لم يقل بهذه التقليدات عالم من العلماء المجتهدين، أما قبل حدوثها فظاهر وأما بعد حدوثها فما سمعنا عن مجتهد من المجتهدين أنه يسوغ صنيع هؤلاء المقلدة الذين فرقوا دين الله وخالفوا بين المسلمين، بل أكابر العلماء منكر لها وساكت عنها سكوت تقية لمخافة ضرر أو لمخافة فوات نفع كما يكون مثل ذلك كثيرا لاسيما من علماء السوء، وكل عاقل يعلم أنه لو صرح عالم من علماء الإسلام المجتهدين في مدينة من مدائن الإسلام في أي محل كان بأن التقليد بدعة محرمة لا يجوز الاستمرار عليه ولا الاعتداد به: لقام عليه أكثر أهلها إن لم يقم عليه كلهم وأنزلوا به الإهانة والإضرار بماله وبدنه وعرضه بما لا يليق بمن هو دونه إذا سلِمَ من القتل على يد أول جاهل من هؤلاء المقلدة ومن يعضدهم من جهلة الملوك والأجناد فإن طبائع الجاهلين بعلم الشريعة متقاربة وهم لكلام من يجانسهم في الجهل أقبل من كلام من يخالفهم في ذلك من أهل العلم، ولهذا طبقت هذه البدعة جميع البلاد الإسلامية وصارت شاملة لكل فرد من أفراد المسلمين....
وقال أيضاً:
وأما ذلك العالم المحقق المتكلم بالصواب فبالأحرى أن لا ينجو من شرهم ويسلم من ضرهم، وأما عرضه فيصير عرضة للشتم والتبديع والتجهيل والتضليل فمن ذا ترى ينصب نفسه للانكار على هذه البدعة ويقوم في الناس بتبطيل هذه الشنعة مع كون الدنيا مؤثرة وحب الشرف والمال يميل بالقلوب على كل حال فانظر إليها أيها المنصف بعين الإنصاف هل يعد سكوت علماء الاجتهاد على إنكار بدعة التقليد مع هذه الأمور موافقة لأهلها على جوارها كلا والله، فإنه سكوت تقية لا سكوت موافقة مرضية ولكنهم مع سكوتهم عن التظاهر بذلك لا يتركون بيان ما أخذ الله عليهم بيانه فتارة يصرحون بذلك في مؤلفاتهم وتارة يلوحون به وكثيرٌ منهم يكتم ما يصرح به من تحريم التقليد إلى ما بعد موته كما روى الأرتوي عن شيخه الإمام ابن دقيق العيد أنه طلب منه ورقة وكتبها في مرض موته وجعلها تحت فراشه فلما مات أخرجوها فإذا هي في تحريم التقليد مطلقا، ومنهم من يوضح ذلك لمن يثق به من أهل العلم ولا يزالون متوارثين لذلك فيما بينهم طبقة بعد طبقة يوضحه السلف للخلف ويبلغه الكامل للمقصر وأن انحجب ذلك عن أهل التقليد فهو غير محتجب عن غيرهم وقد رأينا في زماننا مشايخنا المشتغلين بعلوم الاجتهاد فلم نجد فيهم واحدا منهم يقول أن التقليد صواب ومنهم من صرح بانكار التقليد من أصله وإن كان في كثير من المسائل التي يعتقدها المقلدون فوقع بينه وبين أهل عصره قلاقل وزلازل ونالهم من الامتحان ما فيه توفير أجورهم وهكذا حال أهل سائر الديار في جميع الاعصار.
قال أيضاً:
فالله سبحانه حافظ دينه بهم وحجته قائمة على عباده بوجودهم وإن كتموا الحق في بعض الأحوال إما لتقية مسوغة كما قال تعالى: إلا أن تتقوا منهم تقاة, أو بمداهنة أو طمع في جاه أو مال ولكنهم على كل حال إذا عرفوا من هو طالب للحق راغب فيه سائل عن دينه سالك مسالك الصحابة والتابعين وتابعيهم لم يكتموا عليه الحق ولا زاغوا منه.
_____________
(1) المصباح المنير: ص257، مادة وقى.
(2) فتح الباري: ج12 ص388.
(3) تصحيح الإعتقاد للشيخ المفيد: ص115.
|