• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : من نحن في التاريخ .
              • القسم الفرعي : نشأة الشيعة .
                    • الموضوع : نظر المحقّقين في قضية عبد الله بن سبأ .

نظر المحقّقين في قضية عبد الله بن سبأ

بسم الله الرحمن الرحيم


1 ـ إنّ ما جاء في تاريخ الطبري من القصّة، على وجه لا يصحّ نسبته إلاّ إلى عفاريت الاَساطير ومردة الجنّ؛ إذ كيف يصحّ لاِنسان أن يصدّق أنّ يهوديّاً جاء من صنعاء وأسلم في عصر عثمان، واستطاع أن يغري كبار الصحابة والتابعين ويخدعهم، ويطوف بين البلاد ناشراً دعواه، بل واستطاع أن يكوّن خلايا ضدّ عثمان ويستقدمهم على المدينة، ويؤلّبهم على الخلافة الاِسلامية، فيهاجموا داره ويقتلوه، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان، هذا شيء لا يحتمله العقل وإن وطّن على قبول العجائب والغرائب.
بل إنّ هذه القصّة تمسّ كرامة المسلمين والصحابة والتابعين وتصوّرهم أُمّة ساذجة يغترّون بفكر يهودي، وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكّرون.
2 ـ إنّ القراءة الموضوعية للسيرة والتاريخ توقفنا على سيرة عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان؛ فإنّهما كانا يعاقبان المعارضين لهم، وينفون المخالفين ويضربونهم، فهذا أبو ذر الغفاري ـ رحمه الله ـ نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة لاعتراضه عليه في تقسيم الفيء وبيت المال بين أبناء بيته، كما أنّه ضرب الصحابي الجليل عمّار بن ياسر حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعاً من أضلاعه(1)، إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم التي يقف عليها المتتبّع، ومع ذلك نرى أنّ رجال الخلافة وعمالها يغضّون الطرف عمّن يؤلِّب الصحابة والتابعين على إخماد حكمهم، وقتل خليفتهم في عقر داره، ويجرّ الويل والويلات على كيانهم!! وهذا شيء لا يقبله من له أدنى إلمام بتاريخ الخلافة وسيرة معاوية. يقول العلاّمة الاَميني: لو كان ابن سبأ بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن، وشقّ عصا المسلمين، وقد علم به وبعبثه أُمراء الاُمّة وساستها في البلاد، وانتهى أمره إلى خليفة الوقت، فلماذا لم يقع عليه الطلب؟ ولم يبلغه القبض عليه، والاَخذ بتلكم الجنايات الخطرة والتأديب بالضرب والاِهانة، والزجّ إلى أعماق السجون؟ ولا آل أمره إلى الاِعدام المريح للاُمّة من شرّه وفساده كما وقع ذلك كلّه على الصلحاء الاَبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟ وهتاف القرآن الكريم يرنُّ في مسامع الملأ الديني: انما جزاء الَّذِينَ يُحارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الاَرضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوا مِنَ الاَرضِ ذَلِك لَهُمْ خِزْيٌ في الدُّنْيَا وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(2), فهلاّ اجتاح الخليفة جرثومة تلك القلاقل بقتله؟ وهل كان تجهّمه وغلظته قصراً على الاَبرار من أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعل بهم ما فعل(3)!!وهناك لفيف من الكتّاب ممّن حضر أو غبر، بدل أن يفتحوا عيونهم على الواقع المرير، ليقفوا على الاَسباب المؤدّية إلى قتل الخليفة، حاولوا التخلّص من أوزار الحقيقة بالبحث عن فروض وهميّة سبّبت قتل الخليفة وأودت به. وفي حقّ هؤلاء يقول أحد الكتّاب المعاصرين:«وفي الشرق كتَّابٌ لا يعنيهم من التاريخ واقعٌ ولا من الحياة حالٌ أو ظرف، فإذا بهم يعلّلون ثورة المظلومين على عثمان، ويحصرون أحداث عصر بل عصور بإرادة فرد يطوف في الاَمصار والاَقطار ويؤلّب الناس على خليفة ودولة!. إنّ النتيجة العملية لمثل هذا الزعم وهذا الافتراء هي أنّ الدولة في عهد عثمان ووزيره مروان إنَّما كانت دولة مثاليّة، وأنّ الاَمويين والولاة والاَرستقراطيين إنَّما كانوا رُسُل العدالة الاجتماعية والاِخاء البشري في أرض العرب. غير أنّ رجلاً فرداً هو عبد الله بن سبأ أفسد على الاَمويين والولاة والاَرستقراطيين صلاحهم وبرّهم؛ إذ جعل يطوف الاَمصار والاَقطار مؤلّباً على عثمان وأُمرائه وولاته الصالحين المُصلحين، ولولا هذا الرجل الفرد وطوافه في الاَمصار والاَقطار لعاش الناس في نعيم مروان وعدل الوليد وحلم معاوية عيشاً هو الرغادة وهو الرخاء.
في مثل هذا الزعم افتراءٌ على الواقع، واعتداء على الخلق، ومسايرة ضئيلة الشأن لبعض الآراء، يغلّف ذلك جميعاً منطق ساذج وحجّة مصطنعة واهية. وفيه ما هو أخطر من ذلك؛ فيه تضليل عن حقائق أساسية في بناء التاريخ؛ إذ يحاول صاحب هذا المسعى الفاشل أن يحصر أحداث عصر بكامله، بل عصور كثيرة، بإرادة فردٍ يطوف في الاَمصار ويؤلّب الناس على دولة فيثور هؤلاء الناس على هذه الدولة لا لشىء إلاّ لاَنّ هذا الفرد طاف بهم وأثارهم!.
أمّا طبيعة الحكم، وسياسة الحاكم، وفساد النظام الاقتصادي والمالي والعمراني، وطغيان الاَثرة على ذوي السلطان، واستبداد الولاة بالاَرزاق، وحمل بني أُميّة على الاَعناق، والميل عن السياسة الشعبية الديمقراطية إلى سياسة عائلية أرستقراطية رأسمالية، وإذلال من يضمر لهم الشعبُ التقدير والاحترام الكثيرين أمثال أبي ذرّ وعمّار بن ياسر وغيرهما، أمّا هذه الاُمور وما إليها جميعاً من ظروف الحياة الاجتماعية، فليست بذات شأن في تحريك الاَمصار وإثارتها على الاُسرة الاَمويّة الحاكمة ومن هم في ركابها، بل الشأن كلّ الشأن في الثورة على عثمان لعبد الله بن سبأ الذي يلفت الناس عن طاعة الاَئمّة ويلقي بينهم الشرّ. أليس من الخطر على التفكير أن ينشأ في الشرق من يعلّلون الحوادث العامّة الكبرى المتّصلة اتّصالاً وثيقاً بطبيعة الجماعة وأُسس الاَنظمة الاقتصادية والاجتماعية بإرادة فرد من عامّة الناس يطوف في البلاد باذراً للضلالات والفساد في هذا المجتمع السليم. أليس من الخطر على التفكير أن نعلّل الثورات الاِصلاحية في التاريخ تعليلاً صبيانياً نستند فيه إلى رغبات أفراد في التاريخ شاءوا أن يحدثوا شغباً فطافوا الاَمصار وأحدثوه»(4).
3 ـ إنّ رواية الطبري نقلت عن أشخاص لا يصحّ الاحتجاج بهم:
أ ـ السري: إنّ السري الذي يروي عنه الطبري، إنّما هو أحد رجلين:
1 ـ السري بن إسماعيل الهمداني الذي كذّبه يحيي بن سعيد، وضعّفه غير واحد من الحفّاظ(5).
2 ـ السري بن عاصم بن سهل الهمداني نزيل بغداد المتوفّى عام (258هـ) وقد أدرك ابن جرير الطبري شطراً من حياته يربو على ثلاثين سنة، كذّبه ابن خراش، ووهاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، و زاد ابن حبّان: ويرفع الموقوفات، لا يحلّ الاحتجاج به، وقال النقاش في حديث وضعه السري(6).
فالاسم مشترك بين كذّابين لا يهمّنا تعيين أحدهما.
احتمال كونه السري بن يحيى الثقة غير صحيح، لاَنّه توفّي عام (167هـ) مع أنّ الطبري من مواليد عام (234هـ) فالفرق بينهما (57) عاماً، فلا مناص أن يكون السري، أحد الرجلين الكذابين.
ب ـ شعيب: والمراد منه شعيب بن إبراهيم الكوفي المجهول، قال ابن عدي: ليس بالمعروف، وقال الذهبي: راوية، كتب سيف عنه: فيه جهالة(7).
ج ـ سيف بن عمر: قال ابن حبّان: كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الاَثبات، وقال: قالوا: إنّه كان يضع الحديث واتّهم بالزندقة. وقال الحاكم: اتّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط، وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة، وعامّتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن عدي: عامّة حديثه منكر. وقال البرقاني عن الدارقطني ـ: متروك. وقال ابن معين: ضعيف الحديث فليس خير منه. وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف، وقال السيوطي: وضّاع، وذكر حديثاً من طريق السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف فقال: موضوع، فيه ضعفاء أشدّهم سيف(8).
د ـ فإذا كان هذا حال السند، فكيف نعتمد في تحليل نشوء طائفة كبيرة من طوائف المسلمين تؤلّف خمسهم أو ربعهم على تلك الرواية، مع أنّ هذا هو حال سندها ومتنها، فالاعتماد عليها خداع وضلال لا يرتضيه العقل.
______________

(1) الاستيعاب 2: 422.
(2) المائدة: 33.
(3) الغدير 9: 219 ـ 220.
(4) الاِمام علي صوت العدالة الاِنسانية 4: 894 ـ 896 وللكلام صلة من أراد فليرجع إليه.
(5) قال يحيى القطّان: استبان لي كذبه في مجلس واحد، وقال النسائي: متروك، وقال غيره: ليس بشيء، وقال أحمد: ترك الناس حديثه.لاحظ ميزان الاعتدال 2: 117.
(6) تاريخ الخطيب: 993، ميزان الاعتدال 2: 117، لسان الميزان 3: 12.
(7) ميزان الاعتدال 2: 275، لسان الميزان 3: 145.
(8) تاريخ الاِسلام السياسي: 347.

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=498
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12