بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله تعالى عندما بعث الأنبياء والرسل إلى عباده إنما كان ذلك بحكمة منه تعالى وهو الحكيم في كل امر يفعله، ولابد أن يكون إرسال الأنبياء والرسل إلى الناس نابع من ضرورة قائمة وحاجة لها. وإلا فإنه يكون عملاً عبثياً. فبعث الرسل إنما هو للهداية والإرشاد. وكما يطرح هذه المسألة الشيخ السبحاني حيث يقول:
لقد اختار اللهُ الحكيم رجالاً صالحين لهدايةِ البَشَرِ وإرشادِهم، وحمّلهم رسالته إلى جميع أفراد النوع الإنساني، وهؤلاء الرجال هُمُ الأنبياء والرُسل الذين بواسطتهم جَرى فيضُ الهداية من جانب الحق تعالى إلى عباده.
وهذا الفيضُ المبارك بدأ بالنزول من جانب الله منذ أن تهيّأ البشرُ للاستفادة منه وإلى عصر النبي الأكرمِ (صلى الله عليه و آله و سلم). ويجب أن نعلم بأنَّ دين كلّ نبيٍّ من الأنبياء يُعدّ بالنسبة إلى عصره وأُمّته أكملَ دين، وأتَمَّ شريعة، ولو أنّ هذا الفيض الرباني لم يستمرّ لما بلغ البشرُ إلى حدِّ الكمال.
وحيث إنّ خَلقَ الإنسان هو من فعل اللَّه «الحكيم» فلا بّد أن يكون له من هَدَف وغرض، ونظراً إلى أن تركيب الكيان البشري- مضافاً إلى الغرائز التي هي مشتركة بينه وبين الحيوان - ينطوي على العَقل أيضاً، لهذا لابُدّ أنْ يكونَ لِخَلقه غرض عُقلائيٌ، وهَدَفٌ مَعْقولٌ. ومن جانب آخر، فإنّ عَقل الإنسان، وإنْ كان مؤثِّراً ومفيداً في سلوكه طريقَ الكمال، إلا أنّه غيرُ كاف لذلك.
ولو اكتُفيَ في هداية الإنسان بالعقل وحده لما عَرفَ الإنسان طريقَ الكمال بشكل كامل قط، ونذكر للمثال مسألة الوقوف على قضايا المبدأ والمعاد التي هي من أَهم مسائل الفكر البشري، وقضاياه على مدار التاريخ.
فإنّ البشر يريد أن يَعْلَم من أين جاء؟ ولماذا جاءَ؟ وإلى أين يذهب؟ ولكنّ العقلَ لا يقدر وحدَه على إعطاء الإجابات الصحيحة الكافية على كلّ هذه الأسئلة، ويشهد بذلك أنّه رغم كل ما أحرزته البشرية المعاصرة من التقدّم والرقيّ في ميادين العلم لا يزالُ قِسمٌ عظيمٌ من البشريّة وثنيّين. إنّ عجز العَقل والعلم البشريَّين، وقصورهما لا ينحصر في مجال قضايا المبدأ والمعاد، بل الإنسان لم يتمكّن من أن يختار الطريقَ الصحيحَ في كثير من مجالات الحياة أيضاً. إنّ اختلاف الرؤى والنظريات البشريّة في قضايا الاقتصاد، والأخلاق، والعائلة، وغير ذلك من مناحي الحياة ومجالاتها، خير دليل على قصوره عن الإدراك الصحيح لهذه المسائل، ولهذا ظهرت المدارس المتعارضة. مع أخذ كلّ هذا بنظر الإعتبار يحكم العقلُ الصحيحُ بأنّه لابدّ - بمقتضى الحكمة الإلهيّة - من بعث وإرسال قادة ربانيّين، ومربّين إلهيّين، لِيعَلِّمِوا البَشّريّة النهجَ الصحيحَ للحياة.
إنَّ الّذين يَتصوَّرون أنّ في مقدور «الهدايات العقليّة» أنّ تحلَّ محلّ «الهدايات الإلهيّة السّماويّة» يجب أن يدركوا أمرين:
1- إنّ العَقل والعلم البشريّين قاصران عن المعرفة الكاملة بالإنسان، وبمسيره في صعيد الماضي والمستقبل، في حين يعلم خالقُ البشر- بحكم كون كلّ صانع عارفاً بمصنوعه - بالإنسان، ومحيطٌ بأبعاده، وأسرار وجوده، إحاطةً كاملةً.
2- إنّ الإنسان بمقتضى غريزة حبّ الذات المودَعة في كيانه، يحاول - عِلماً أو جهلًا - أن يُتابعَ منافِعَه الشخصيّة ويهتمّ بها، فيعجز- في تخطيطه وبرمجته - عن الخروج من دائرة منافعه الفرديّة أو الجماعية بشكلٍ كاملٍ.
ولهذا من الطبيعي أن لا تتسم البرامج البشرية بالجامعيّة والشموليّة الكاملة، ولكن برامج الأنبياء والمرسلين لكونها من جانب اللَّه العالم، المحيط، الحق، المنزّه، مبرّأةٌ عن مِثل هذه النقيصة.
وبملاحظة هاتين النقطتين يمكن القولُ - على وَجه القطع واليقين -: بأنّ البشر ليس في غنىً قط عن الهدايات الإلهيّة، وعن برامج الأنبياء، لا في الماضي، ولا في المستقبل إنما هو في حاجةٍ مستمرةٍ إليها. والحمد لله رب العالمين.
|