بسم الله الرحمن الرحيم
قال عبد الله الهاشمي(1) في صحيفة 12، في ذكر إبراهيم النبي (عليه السلام): " ملّة أبينا إبراهيم، فإنه كان حنيفاً مسلماً " وذكر في صحيفة 6 قول الله تعالى في سورة آل عمران: ( مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ )(2). فقال عبد المسيح، صحيفة 30: إن إبراهيم إنما كان نازلا بحرّان مع آبائه تسعين سنة، لم يعبد إلاّ الصنم المسمّى بالعزّى. ثم قال: فكان إبراهيم يعبد الصنم حنيفاً مع آبائه وأجداده وأهل بلده، كما أقررت به أنت أيها الحنيف وشهدت به، إلى أن تجلّى الله له. ثم قال: لأنّا نجد الحنيفيّة في كتب الله المنزلة اسماً لعبادة الأصنام. فليت شعري من أين ينسب عبادة الأصنام لإبراهيم ولم يجئ لهذا ذكر في توراته ولا كتب وحيه؟! وأما قوله: " إن إبراهيم إنما كان نازلا بحرّان مع آبائه تسعين سنة، لم يعبد إلاّ الصنم المسمّى بالعزّى ".. فإنه قد اشتمل على أكاذيب عديدة:
[1] إنّ توراتهم تكذّب قوله هذا، فإنها تذكر في أواخر الأصحاح الحادي عشر من سفر التكوين أن إبراهيم كان ساكناً في أرض ميلاده، أور الكلدانيّين فيما بين النهرين(3) وبقي فيها إلى أن تزوّج وهو أخوه الأصغر منه هاران، وولد لهاران ولده لوط، ثم خرج من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان فأتى إلى حاران.. فأين نزوله تسعين سنة مع آبائه في حاران؟!وأيضاً في الأصحاح الثاني عشر من التكوين، في العدد الرابع: أن إبراهيم لما خرج من حاران وأتى إلى أرض كنعان كان عمره خمساً وسبعين سنة.. فأين تكون التسعين سنة في حاران؟!وبمقتضى دلالة التوراة وتواريخهم: أن إبراهيم لم يسكن في حاران إلاّ سنين قليلة; وتواريخهم المعلّقة على توارتهم تذكر أن خروجه من بلاده ـ أرض الكلدانيّين ـ كان سنة 1923 قبل المسيح، وخروجه من حاران كان سنة 1921 قبل المسيح، فيكون مكثه في حاران سنتين.. فأين التسعون سنة؟!
[2] إن إبراهيم لم يكن له آباء وأجداد في حاران.
[3] إن عبد الله الهاشمي لم يعترف ولم يشهد بأن إبراهيم كان عابد وثن، وإنما ذكر من القرآن الكريم أنه كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين، فما هذه الأكاذيب المتتابعة؟!وأيضاً، أين عبد المسيح عن مقدّسه كتاب العهد الجديد؟ فإنه يذكر في أعمال الرسل، في الأصحاح السابع، في العدد الثاني: أنّ الله ظهر لإبراهيم وهو فيما بين النهرين قبلما سكن في حاران، وأمره بالخروج إلى الأرض التي يريه الله إيّاها وهي أرض كنعان، فخرج بأمر الله ووحيه.فإبراهيم دخل حاران وسكن فيها وهو نبي موحى إليه.. فأين تكون عبادته للأصنام في حاران؟!هب أن في الكذب للكاذب شرفاً وديناً، ولكن ما ذنب إبراهيم مع عبد المسيح ـ الشخصي أو النوعي ـ حتى يرمي قُدسه بعبادة الأصنام، ويكذب عليه بهتاناً وزوراً؟! ومن الظرائف قول عبد المسيح: لأنّا نجد الحنيفيّة في كتب الله المنزلة اسماً لعبادة الأصنام "! وياللعجب! هذا الكتب التي يزعم عبد المسيح وأصحابه أنها منزلة من الله بين أيدينا، وليضمّوا إليها أيضاً ما رفضته المجامع، وما رفضه البروتستنت من كتبهم، ويرونا أين يوجد فيها أن الحنيفية اسم لعبادة الأصنام؟!أفلا يعلمون أن في المسلمين من قرأ كتبهم حرفاً حرفاً؟! ولكن ماذا نقول؟!!ما لم يكن منها لها زاجر ... لا تنتهي الأنفسُ عن غيِّهاأيها القارئ، ما هو حالك في الدهشة والأسف عن الصدق والأمانة والشرف والاستقامة والدين؟!!هب أن الناس يتسامحون في الكذب في الأمور الدنيوية ومعاملات المعيشة، ولكن الدايانة المطلوب بها الهدى والصلاح والاستقامة كيف يُبنى أمرها على الكذب الصريح المتسلسل من رجال الدعوة إلى الدين، ومن الكتب المنسوبة إلى الوحي الإلهي؟!فأين الشرف والأمانة والصلاح؟! وأين الدين والتقوى؟! وما هذه الجرأة على قدس الرسل والأنبياء والصالحين؟!وما هذه الجرأة القبيحة على جلال الله وقدسه؟!!وياللعجب المدهش من أناس يدعوننا بمثل ما ذكرناه من الكذب، إلى مثل ما ذكرناه من الكذب والجرأة على جلال الله وقدسه!! ويا للأسف! وحسبنا الله ونعم الوكيل، وسبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
____________
1- هو عبد الله بن إسماعيل الهاشمي، من أعلام القرن الرابع الهجري، أرسل رسالة إلى عبد المسيح بن إسحاق الكندي يدعوه بها إلى الإسلام، طبعت في لندن سنة 1885م، وفي مصر 1910م، ومرّات أخرى في مطبعة النيل الإنگليزية.انظر معجم المطبوعات العربية والمعرّبة ـ ليوسف إليان سركيس ـ 2/1889. (م).
2- سورة آل عمران 3: 67. (م).
3- أي: دجلة والفرات، والمظنون أنه يكون في مثل نواحي ذي قار "المگيّر".
|