• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : عقائدنا (الشيعة الامامية) .
              • القسم الفرعي : في توحيد الله .
                    • الموضوع : التوحيد في الربوبية .

التوحيد في الربوبية

بسم الله الرحمن الرحيم

المرتبة الرابعة من مراتب التوحيد هو: التوحيد في الربوبية وتدبير الكون والإنسان.
والتوحيد الربوبي يكون في مجالين:
1- التَدبير التكوينيّ.
2- التَدبير التشريعيّ.
وسنتحدّث هنا عن التدبير في المجال التكويني: إنّ تاريخ الأنبياء يشهد بأن مسألة التوحيد في الخالقية لم تكن قط موضع نقاش في أُممهم وأقوامهم، وانما كان الشرك- لو كان- في تدبير الكون وإدارة العالم الطبيعي الذي كان يتبعه الشرك في العبادة. فمشركو عصر النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) كانوا يعتقدون بوحدة خالق الكون، إلّا أنّهم كانوا يعتقدون خطأً بأنّ النجوم والكواكب هي الأرباب والمدبّرات لهذا الكون، وقد تركّزت مناظرة إبراهيم لهم على هذه المسألة كما يتضح ذلك من بيان القرآن الكريم «1». وكذا في عهد النبي يوسف (عليه السلام) الذي كان يعيش بعد النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) فإنّ الشرك كان في مسألة الربوبية، وكأنَّ اللَّه بعد أن خلقَ الكون، فوّض أمر تدبيره وإدارته إلى الآخرين. ويتّضح هذا جلياً من الحوار الذي دار بين يوسف الصدِّيق (عليه السلام) وأصحابه في السجن إذ يقول: «ءأربابٌ مُتَفَرِّقُون خَيْرٌ أمِ اللَّهُ الواحِدُ القهّار» «2». كما ويُستفاد من آيات القرآن الكريم أن مشركي عصر الرسالة كانوا يعتقدون بأنّ بعض مصيرهم إنّما هو بإيدي معبوداتهم إذ يقول: «واتَّخذُوا مِنْ دُونِ اللَّه آلِهَةً ليكُونوا لَهُمْ عزّاً» «3». ويقول أيضاً: «واتَّخذُوا مِنْ دُونِ اللَّه آلِهَةً لَعَلّهُم يُنْصَرون* لايَستطِيعُون نَصْرَهم وَهُم لهُمْ جُندٌ مُحْضَرونَ» «4». إنّ القرآنَ الكريم يحذّر المشركين في آياتٍ عديدة بأنّ ما يعبدونه من الأَرباب المختلفَة غير قادرةٍ على جلب نفعٍ إلى عابِدِيها ولا دفعِ ضررٍ عنهم أبداً. إنّ هذه الآيات تكشف عن أنّ مشركي عصر الرسالة المحمدية كانوا يعتقدون بأنّ تلكَ المعبودات تضرُ أو تنفع عُبّادها. «5» وهذا هو كان الدافع لهم إلى عِبادتها. إنّ هذه الآيات ونظائرَها ممّا يعكس ويصوّر عقائد المشركين في عصر الرسالة، تحكي عن أنّه رغم أنّهم كانوا يعتقدون بالتوحيد في الخالقية، إلّا أنّهم كانوا مشركين في بعض الأُمور المتعلّقة بربوبيّة الحق تعالى، إذ كانوا يعتقدون بأنّ معبوداتهم مؤثرة- على نحو الاستقلال- في الأُمور والأشياء، أي إنَّها فاعِلة في صفحة الكون من دون إذنِ الله ومشيئته بل بصورة مستقلّةٍ وحسب مشيئتها وإرادتها لا غير، وهي من صفات الربِّ الحقيقي.
ولقد عَمَدَ القرآنُ الكريمُ - بهدف منع أُولئك المشركين عن عبادة الأصنام بصورة جذرية- إلى إبطال هذا الإعتقاد الفاسد وهذا التصوّر الخاطئ، وقال بأنّ هذه الأصنام لاتضرّ ولاتنفع ولامثقال ذرة، فليس لهم أيّ تدبير وربوبيّة.
ففي بعض الآيات يندّد القرآنُ بالمشركين لكونهم يتّخذون الله تعالى نظيراً وندّاً، وشبيهاً ومثيلًا، إذ يقول: «وَمن الناسِ مَنْ يتّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْداداً يُحبُّونَهُمَ كحبِّ اللَّهِ» «6». وقد ورد تقبيح اتّخاذ الندّ الله في آيات قرآنية أُخرى أيضا «7». ويتضح من الآيات المذكورة أنّ المشركين كانوا يعتقدون بأنّ لتلك الأصنام شؤوناً مثل شؤون الله سبحانه، ثم انطلاقاً من هذا التصوّر كانوا يحبّون تلك الأصنام ويودّونها بل ويعبدونها!! وبعبارة أُخرى: لقد كان المشركون يعبدون تلك الأوثان والأصنام لكونها- حسب تصوّرهم وزعمهم- «أنداداً» و «نظراء» الله ‏سبحانَه في التدبير. إنّ القرآن الكريم ينقل عن المشركين يومَ القيامة بأنّهم يقولون تنديداً بأَنفسهم وبأَصنامهم: «تَاللَّهِ إنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبينِ* إذ نسَوِّيكُمْ بِرَبّ العَالَمِين» «8» أجل إنّ دائرةَ ربوبية الله واسعة، ومن أجل هذا كان مشركو عصر الرسالة موحّدين في أُمور هامّة. كالرزق والإحياء والإماتة والتدبير الكلي للكون كما يقول القرآن الكريم: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ والأَرْض أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصارَ وَمَنْ يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيّتِ وَيُخرِجُ الميّتَ منَ الحيّ وَمَنْ يُدَبّرُ الأمرَ فَسَيَقُولونَ اللَّه فَقُلْ أفَلَا تَتَّقون». «9» «قُلْ لِمَن الأرضُ ومَنْ فيها إنْ كنْتُمْ تَعلَمونَ* سَيَقُولونَ للَّهِ قُل أفَلا تَذَكَّرُون* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وربُّ العرشِ العظِيم* سَيُقُولُونَ للَّه‏قُلْ أفَلا تَتَّقُونَ» «10». وَلكنَّ هؤلاء الأفراد أنفسَهم- كما مرّ في آيات سورة مريم وسورة يس ينسبون بعض الأُمور والشؤون مثل النَصر في القتال والحفْظ في السَفَر، وَما شابهَ ذلك، إلى مَعْبُوداتهم وأصنامِهمْ ويَعْتَقدون بتأثيرها الذاتيّ والمُستقلِّ في مصائرهم. وأبْرزُ من كل ذلك؛ الشفاعةُ التي كانوا يرون أنّها حقٌ طلْقٌ لتلك الأصنام وكانوا يَعتقدون بأنّها تشفع من غير إذن الله، وأنّ شفاعَتها مفيدةٌ لا مَحالة ومؤثّرة قطعاً وجزماً. وعلى هذا فلا منافاة بين أن يكون بعض الأفراد يعتقدون بتدبير الله لبعض الأُمور دون سواه فيكونون موحّدين في هذا المجال، بينما يعتقدون بتدبير الأصنام والأوثان لأُمور وجوانب‏ أُخرى من مصائرهم وشؤونهم كالشفاعة والإضرار والإنفاع والإعزاز والمغفرة، فيكونون مشركين في‏ هذه المجالات. وَلكنّ «التوحيد في الربوبية» يفنّد كلَّ لونٍ من ألوان تصوّر الإستقلال، والتأثير المستقل عن الإذن الإلهيّ كليّاً كان، أو جزئياً. فهو يُبطل أي ‏إسنادٍ، لتأثير غيرالله في مصير الإنسان والكون، وتدبير شؤونها بمعزلٍ عن الإذن الإلهيّ وبهذا يُبطل ويرفُضُ عبادةَ غير الله تعالى. إنَّ الدليل على التوحيد الربوبيّ واضحٌ تمامَ الوضوح، لأنّ تدبيرَ عالمِ الخلق، في مجال الإنسان والكون، لا ينفصل عن مسألة الخَلْقِ، وليس شيئاً غير عمليّة الخَلق.
فإذا كانَ خالقُ الكونِ والإنسان واحداً، كان مدبّرهما بالطبع والبداهة واحداً كذلك، لوضوح العلاقة الكاملة بين عمليّة التدبير وعملية الخَلْق للعالم. ولهذا فإنّ الله تعالى عندما يصف نفسَه بكونه خالِقَ الأشياء يصف نفسَه في ذاتِ الوَقتِ بأنّه مدبّرُها «اللَّهُ الّذي رَفَعَ السَّمواتِ بِغيرِ عَمَدٍ تَرَونَها ثمّ اسْتَوى‏ على العَرْشِ وسَخّرَ الشَّمسَ والقَمَرَ كلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسمًّى يُدَبّرُ الأمرَ ...» «11».وفي آية أُخرى يعتبر التناسقَ والانسجام السائد والحاكم على الكون دليلًا على وحدة مدبر العالم إذ يقول: «لَوْ كانَ فيهما آلِهةٌ إلّااللَّهُ لَفَسَدَتا» «12». إنَّ التوحيد في التدبير لاينافي وجودَ مدبّراتٍ أُخرى تقومُ بوظائفها بإذن الله في صفحة الكون، فهي بالحقيقةِ مظاهِر لِربوبية الحق تعالى. ولهذا فإنَّ القرآن الكريم مع تأكيده الشديد على التوحيد في الربُوبيّة والتدبير يصرّح بوجود مدبّراتٍ أُخرى في صفحة الكون إذ يقول: «فالمدبّراتِ أمْراً» «13».
((1))الانعام76-78
((2))يوسف39
((3))مريم81
((4))يس74-75
((5))يونس18والفرقان55
((6))البقرة165
((7))البقرة21-ابراهيم30-سبأ33-الزمر8-فصلت9
((8))الشعراء97-98
((9))يونس31
((10))المؤمنون84-87
((11))الرعد2
((12))الانبياء22
((13))النازعات5

 

 

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=4
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19