بسم الله الرحمن الرحيم
وقع الكلام والخلاف بين المذاهب الإسلامية حول العصمة، فمنهم من يرى أنها عن الكبائر والصغائر عمداً ومنهم من يراها عن الكبائر والصغائر مطلقاً وغيرها من الآراء والأقوال. فالعصمة في العمل بالاحكام الالهية من الاتيان بالواجبات وترك المحرمات على أقوال:
القول الأول: ما عليه جمهور المسلمين على العصمة عن الكبائر مطلقاً والصغائر عمداً لا سهواً. قال التفتزاني في شرح المقاصد ج5 ص50: (والمذهب عندنا منع الكبائر بعد البعثة مطلقا والصغائر عمداً لا سهواً). وقال القوشجي في شرح التجريد ص359: (والمذهب عند محققي الاشاعرة منع الكبائر والصغائر الخسيسة عمدا لا سهوا .وذهب امام الحرمين من الاشاعرة وابو هاشم من المعتزلة الى تجويز الصغائر عمداً).
القول الثاني: العصمة من الكبائر والصغائر مطلقا وهذا مختار الامامية والمحققين من المعتزلة والاشاعرة وان كان جمهورهم على القول الاول ونحن سوف لا نستشهد بكلام علماء الامامية لان امرهم ظاهر بل نكتفي بذكر اقوال بعض علماء السنة الذين وافقوا الشيعة في امر العصمة. فيذكر صاحب النبراس ص 452 راي جمهورهم ويناقشه بقوله: (هذا مذهب اكثر الاشاعرة واكثر المعتزلة وبعض المشايخ على المنع فدعوى الاتفاق محل نظر وقال القاضي عياض ذهب طائفة من محققي الفقهاء والمتكلمين الى العصمة من الصغائر كالعصمة من الكبائر للاختلاف في الصغائر واشكال تمايزها عن الكبائر ولان المعلوم من السلف الاقتداء بكل ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) والاحتجاج به). قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنيه عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): انه معصوم من الذنوب بعد النبوة وقبلها كبيرها وصغيرها وعمدها وسهوها على الاصح في ظاهره وباطنه سره وجهره جده ومزحه رضاه وغضبه كيف وقد اجمع الصحب على اتباعه والتاسي به بكل ما يفعله وكذلك الانبياء وقال السبكي: (اجمعت الامة على عصمة الانبياء فيما يتعلق بالتبليغ وغيره من الكبائر والصغائر الخسة والخسيسة والمداومة على الصغائر وفي صغائر لا تحط من رتبتهم خلاف ذهب المعتزله وكثير من غيرهم الى جوازها والمختار المنع لانا امرنا بالاقتداء بهم فيما يصدر عنهم فكيف يقع منهم ما لا ينبغي ومن جوزه لم يجوز بنص ولا دليل). شرح المواهب اللدنية في المنح المحمدية ج5 ص314. إذاً محل الخلاف بين الجمهور وبين الشيعة ومن تابعهم من اهل السنة هو وقوع الصغائر غير الخسيسة والتي لا تحط من رتبتهم.
وقال علي القاري في شرح الفقه الاكبر ص48-49 في ذيل كلام ابي حنيفة: (والانبياء (عليهم السلام) كلهم منزهون عن الصغائر والكبائر هذه العصمة ثابتة للانبياء قبل النبوة وبعدها على الاصح).
كذلك قال صاحب النبراس ص454: (المذكور من كلام الشارحٍ {التفتزانيِ} هو مذهب عامة المتكلمين وخالفهم جمهور جم من العلماء فذهبوا الى العصمة عن الصغائر والكبائر قبل الوحي وبعده وهو مختار ابي المنتهى وشارح الفقه الاكبر والشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي وقال بعض المشايخ: زلات الانبياء بسبب زيادة قربهم الى الله سبحانه وفي تفسير النسفي ان ائمة سمرقند لا يطلقون اسم الزلة على افعال الانبياء لانها نوع ذنب ويقولون فعل الفاضل وترك الافضل فعوتبوا عليه لان ترك الافضل منهم كترك الواجب من الغير فان قيل هذه العصمة مذهب الشيعة قلت اولا لا باس بالاتفاق الاتفاقي اذ مقصود المشايخ اتباع الحق لا وفاق الشيعة.
وثانياً: ان بين الفريقين بعد المشرقين لان الشيعة على تجويز الكفر تقية -[ملاحظة هنا المصنف خرج عن جادة الحياد واظهر مكنونات نفسه على الشيعة او تكون صادرة من جهل بعقائد الشيعة وهذه عقائد وكتب الشيعة دونك فهل يدلنا احد اين جوز الشيعة اظهار الكفر من الانبياء والاوصياء (عليهم السلام) وقد يكون منشأ هذا اللبس هو تجويز اظهار الكفر تقية من غير الانبياء والائمة لكن هذا عليه عموم المسلمين ودونك قصة عمار بن ياسر]-.
ويستمر صاحب النبراس قائلاً: ان قلت ذكر بعض الفقهاء ان من ذهب الى عصمة الانبياء عن المعاصي فهو كافر لانه رد النصوص كقوله تعالى (وعصى آدم ربه فغوى) واستدل بعضهم على كفر الشيعة بها اجيب بان الحق سبحانه وتعالى سمى ترك الافضل منهم معصية لعلو شانهم وعظم رتبتهم ولا تجوز هذه التسمية من غيره لان الملك اذا عاتب وزيره بخطاب خشن لم يجز للسوقي ان يخاطبه بذلك الاسم .] ومن المتاخرين. قال الشيخ احمد بن محمد الخليلي ـ وهو المفتي العام لسلطنة عمان -: ذهب اصحابنا الى انهم معصومون من الكبائر والصغائر حال النبوة وقبلها وهو يتفق مع ما نسي الى اكثر المعتزلة من ان عصمتهم من وقت البلوغ ونسب الفخر الى الرافضة: (انهم معصومون من الميلاد) وهذا هو اللائق بمقام المختصين بالاصطفاءالالهي]. ومما تقدم اتضح بصورة تامة لا شك فيها ان جمهور المسلمين على عصمة الانبياء عن الكبائر سهواً وعمداً وعن الصغائر الخسيسة كذلك وعن تعمد البقاء على الصغائر فمحل الخلاف هو خصوص صدور الصغيرة التي لاتضر بمقام النبوة واما ما يسوق له هذه الايام الوهابيون من ان اهل السنه لا يقولون الا بالعصمة في التبليغ فقد اتضح كذبه وهذه نصوص القوم دونك بل ان ما يدعونه من عدم عصمتهم عليهم السلام هو في الحقيقة قول سلفهم من الحشوية المجسمة يقول التفتزاني شارح المقاصد ج5 ص50: (والجمهور على وجوب عصمتهم عما ينافي مقتضى المعجزة وقد جوزه القاضي سهوا زعما انه لايدخل في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر وجوزه الازارقة وكذا عن تعمد الكبائر بعد البعثة وجوزه الحشوية اما لعدم دليل الامتناع واما لما سيجئ من شبه الوقوع وكذا عن الصغائر المنفرة لاخلالها بالدعوة الى الاتباع).
اذن ما يسوق له الوهابيون اليوم هو امتداد لما ذكره اسلافهم.
|