بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن تيمية في كتابه "تفسير سورة النور" (1).، ما نصه :
http://islamport.com/d/3/tym/1/40/266.html
( قد طالعتُ التفاسير المنقولة عن الصحابة ، وما رووه من الحديث ، ووقفتُ على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار ، أكثر من مئة تفسير ، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأوَّلَ شيئاً من آيات الصفات !! أو أحاديث الصفات !! بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف!!.) انتهى. فسرت هذه الكلمة بين مقلديه والمغرمين به سريان الريح من غير أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر في كتب التفسير التي نقلت كلام الصحابة في آيات الصفات، ولو تفسير واحدمن التفاسير التي أثنى عليها ابن تيمية، كتفسير الطبري والبغوي وابن عطية.
فهذه التفاسير وغيرها مشحونة بما جاء عن الصحابة والتابعين في تأويل آيات الصفات بعيدا عن التجسيم الذي يقول به ابن تيمية والحشوية. انظر مثلا تفسير آية الكرسي، فقد نقل الطبري عن ابن عباس أن كرسيه يعني علمه ،واستشهد لذلك بكلام العرب في هذا المعنى. وهو الذي نقله البغوي ونقله الشوكاني عنابن عطية ونقله القرطبي وغيرهم أيضا.وانظر تفسير الآيات التي فيها ذكر الوجه فلا تجد في هذهالتفاسير كلمة واحدة تدل على عقيدة ابن تيمية وتشهد لقوله ، بل كل ما فيها مما هومنقول عن السلف يشهد على ضده..
ففي قوله تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه)(2).
قالوا: أي إلاَّ هو . وكذلك في قوله تعالى:
(ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)(3)
وفي سائر الآيات الأخرى:
(وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله)(4).
(والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم)(5).
(ذلك خير للذين يريدون وجه الله)(6).
(وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله)(7).
(إنما نطعمكم لوجه الله)(8). (الدهر: 9)
(إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى)(9). (الليل: 20)
في هذه الآيات جميعا فسروا الوجه بالثواب. ولم يرد عن أحد ولا كلمة واحدة تفيدالمعنى الذي يريده ابن تيمية من ظاهر اللفظ، أي أن الوجه هو هذه الجارحة المعروفةمنالجوارح كما للإنسان!! .
[من كتاب ابن تيمية في صورته الحقيقية ،للسيد الميلاني يقول ابن كثير في تفسيره : (وقوله: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } : إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، كما قال تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ }(10) ، فعبر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله ها هنا: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } أي: إلا إياه. وقد ثبت في الصحيح، من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أصدق كلمة قالها شاعر [كلمة] (7) لبيد: ألا كلُّ شَيْء مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ (8) وقال مجاهد والثوري في قوله: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } أي: إلا ما أريد به وجهه،
وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له.
قال ابن جرير: ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر:
أسْتَغْفِرُ اللهَ ذنبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبّ العبَاد، إلَيه الوَجْهُ والعَمَلُ ...
وهذا القول لا ينافي القول الأول، فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد بها وجه الله عز وجل من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة. والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية وهالكة وزائلة إلا ذاته تعالى، فإنه الأول الآخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء.) تفسير ابن كثير (11). ويقول أيضاً : ({ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (12).
يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه السلام: أنه كان ذا أيد ، والأيد: القوة في العلم والعمل.
قال [ابن عباس] (1) وابن زيد والسدي: الأيد: القوة ، وقرأ ابن زيد: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ }(13).
وقال مجاهد: الأيد: القوة في الطاعة.) تفسير ابن كثير(14).
ويقول أيضاً : (يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أي: جعلناها سقفا [محفوظا] رفيعا { بأيد } أي: بقوة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وغير واحد، ) . تفسير ابن كثير (15).
والشواهد كثيرة للمتتبع ... وفيما ذكرنا كفاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(1) "تفسير سورة النور"،ابن تيمية في كتابه(ص 178).
(2) سورة القصص: 88.
(3) سورة الرحمن: 27 .
(4) سورة البقرة: 272.
(5) سورةالرعد: 22.
(6) سورةالروم: 38.
(7) سورةالروم: 39.
(8) سورةالدهر: 9.
(9) سورة الليل: 20.
(10)سورة الرحمن : 26 ، 27 .
(11) تفسير ابن كثير [6 /262].
(12)سورة ص:17،18،19.
(13)سورة الذاريات: 47.
(14) تفسير ابن كثير [7 /57].
(15) تفسير ابن كثير [7 /424].
|