بسم الله الرحمن الرحيم
(ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء .. أصدق لهجة من أبي ذر) قال ابن تيمية: «هذا الحديث لم يروه الجماعة كلّهم، ولا هو في الصحيحين، ولا هو في السنن، بل هو مرويّ في الجملة. وبتقدير صحّته وثبوته، فمن المعلوم أن هذا الحديث لم يرد به أن أبا ذر أصدق من جميع الخلق، فإن هذا يلزم منه أن يكون أصدق من النبي ومن سائر النبيين ومن علي بن أبي طالب، وهذا خلاف إجماع المسلمين كلّهم من السنّة والشيعة (1)
أقول:
أوّلاً: قوله: هذا الحديث لم يروه الجماعة، ولا هو في الصحيحين ولا هو في السنن. يكذّبه أنه قد أخرجه من أصحاب السنن:
الترمذي بسنده عن عبد ا بن عمرو قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر. قال: وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي ذر. قال: وهذا حديث حسن».
وبسنده عن أبي ذر: «قال قال رسول صلّى الله عليه وآله: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة، أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم عليه السلام. فقال عمر بن الخطاب كالحاسد: يا رسول الله أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له. قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»(2).
وابن ماجة، بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر»(3).
وأخرجه أصحاب المسانيد، كأحمد حيث روى بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر»(4).
وهو في المستدرك من حديث أبي ذر، وعبد اللّه بن عمرو، وأبي الدرداء، قال: «هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه».
وأقرّه الذهبي على التصحيح كما ذكره(5).
ومن رواته أيضاً: ابن سعد، والبغوي، وابن عبد البر، والهيثمي، وابن حجر العسقلاني وغيرهم.
وثانياً: قوله: «لم يرد به أن أبا ذر أصدق من جميع الخلق، فإن هذا يلزم منه... وهذا خلاف إجماع المسلمين..».
فيقال في جوابه: نلتزم بكون معناه ذلك ونرفع اليد بقدر الإجماع، وأي مانع من ذلك؟
سؤال:اذا كان ابو ذر صادق لهذه الدرجة افلا تكون انهاماته لعثمان ومعاوية حق وقوله بامامة امير المؤمنين علي عليه السلام حق؟
قال الواقدي: ثم إن عثمان حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذر ويكلموه ، فمكث كذلك أياما، ثم أتى به فوقف بين يديه. فقال أبو ذر ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت أبا بكر وعمر؟ هل هداك كهداهم؟ أما إنك لتبطش بي بطش جبار. فقال عثمان: اخرج عنا من بلادنا، فقال أبو ذر: ما أبغض إلي جوارك ! فإلى أين أخرج ؟ قال: حيث شئت، قال: أخرج إلى الشام أرض الجهاد ؟ قال: إنما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها أفأردك إليها ؟ قال: أفأخرج إلى العراق؟ قال: لا، إنك إن تخرج إليها تقدم على قوم أولي شقة وطعن على الأئمة والولاة ، قال: أفأخرج إلى مصر؟ قال: لا، قال: فإلى أين أخرج؟ قال: إلى البادية ، قال أبو ذر: أصير بعد الهجرة أعرابيا ! قال: نعم، قال أبو ذر: فأخرج إلى بادية نجد ؟ قال عثمان: بل إلى الشرق الأبعد أقصى فأقصى، امض على وجهك هذا، فلا تعدون الربذة ، فخرج إليها (6).
---------------------------
(1)منهاج السنّة 4 / 264 ـ 268.
(2)سنن الترمذي 5 / 334.
(3)سنن ابن ماجة 1 / 55.
(4) مسند أحمد 2 / 163.
(5) المستدرك على الصحيحين 3 / 342.
(6) راجع شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 8 ص 257، و ج 3 ص 55. و قاموس الرجال: ج 6 ص 262.
|