• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : من نحن في التاريخ .
              • القسم الفرعي : نشأة الشيعة .
                    • الموضوع : العرفان عند الشيعة .

العرفان عند الشيعة

الكشف
الإنسان وادراكه للعرفان:
في الوقت الذي, تسعى الأكثرية من الناس في أمور معاشهم, ورفع احتياجاتهم اليومية للحياة, غير مبالين بالمعنويات, نجد أن هناك غريزة في وجودهم, تدعى غريزة حب الذات, نراها تنمو عندهم, وتجبرهم على إدراك مجموعة من القضايا المعنوية.
كل إنسان (على الرغم من أن السفسطائيين والشكاكين يسمون كل حقيقة واقعية خرافة) يؤمن بواقعيات ثابتة, ونراه أحيانا, ينظر بفطرته وضميره المنزه, إلى الواقعيات الثابتة في الكون, هذا من جهة, ومن جهة أخرى, يحس بفناء أجزاء هذا العالم, فإنه يرى العالم وظواهره كالمرآة التي تعكس الواقعيات الثابتة الخلابة, وعنده إحساس لذاتها, تجعل اللذائذ الأخرى حقيرة في نظره, وبالتالي تجعله ينصرف عن الحياة الفتانة الفانية.
هذا هو مدى جاذبية العرفان, التي تسلك بالمؤمن إلى العالم العلوي, وتقر في قلبه عظمة اللّه وجلاله, فينسى كل شيء, ويغفل عنه, وتحرضه على أن ينبذ كل ما يتمناه ويرجوه في هذه الحياة, وتدعوه إلى عبادة اللّه الذي لا يرى, وهو أوضح من كل ما يرى ويسمع.
وفي الحقيقة أن هذه الجاذبية الباطنية, هي التي قد أوجدت في عالم الإنسان, سبل عبادة اللّه تعالى والعارف هو الذي يعبد اللّه سبحانه عن حب وإخلاص, لا عن أمل وثواب ولا عن خوف وعذاب من هنا يتضح أن العرفان ليس مذهبا في قبال المذاهب الأخرى, بل العرفان طريق من طرق العبادة (عبادة للحب والإخلاص, لا للخوف والرجاء) وهو طريق لدرك وفهم حقائق الأديان, في قبال طريق الظواهر الدينية وطريق التفكر العقلي.
كل الأديان الإلهية, وحتى الوثنية, لها أتباعها, فهم يسلكون هذا الطريق أيضا, فلكل من الوثنية واليهودية والمسيحية والمجوسية والإسلام, لها أناس عارفون وغير عارفين.

ظهور العرفان في الإسلام:
من بين صحابة النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) (وقد جاء ذكر ما يقارب من اثنى عشر الفا منهم في كتب الرجال) ينفرد الامام على (عليه السلام) ببيانه البليغ عن حقائق العرفان, ومراحل الحياة المعنوية, إذ يحتوي على ذخائر جمة, ولم نجد مثيله في الآثار التي بأيدينا من بقية الصحابة, واشهر أصحاب الامام علي (عليه السلام) وتلاميذه ((سلمان الفارسي)) و ((اويس القرني)) و ((كميل بن زياد)) و ((رشيد الهجري)) و ((ميثم التمار)) و العرفانيون عامة في الإسلام يجعلون هؤلاء أئمة وهداة لهم.
وهناك طائفة أخرى تأتي في الدرجة الثانية, وهم ((طاووس اليماني)) و ((مالك بن دينار)) و ((ابراهيم الأدهم)) و ((شقيق البلخي)) الذين ظهروا في القرن الثاني الهجري, وكانوا يعرفون بالزهاد وأولياء اللّه الصالحين, دون أن يتظاهروا بالعرفان والتصوف, وعلى أية حال, فأنهم لم ينكروا ارتباطهم ومدى تأثرهم بالطائفة الأولى.
وهناك طائفة ثالثة ظهرت في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث للهجرة مثل ((بايزيد البسطاني)) و ((المعروف الكرخي)) و ((جنيد البغدادي)) وغيرهم, الذين سلكوا طريق العرفان, وتظاهروا بالعرفان والتصوف, ولهم أقوال تدل على مدى المكاشفة والمشاهدة لديهم, وان كانت هذه الأقوال تتصف بظاهرها اللاذع, إلا أنها قد أثارت عليهم الفقهاء والمتكلمين في ذلك العصر, وسببت المشاكل والفتن فأدت إلى أن يزج ببعضهم في السجون ويقدم بعضهم الأخر إلى أعواد المشانق.
مع هذا الوصف, ابدوا التعصب لطريقتهم أمام المخالفين, فبهذا كانت الطريقة تتسع وتنتشر يوما بعد يوم, ونجدها قد وصلت إلى ذروتها في القدرة والانتشار, في القرنين السابع والثامن الهجريين, حيث كانت تتسم بالرفعة والعلو تارة, والسقوط والانحطاط تارة أخرى, ولا تزال تمارس حياتها حتى اليوم.
والظاهر أن أكثر مشايخ العرفان الذين جاء ذكرهم في كتب العرفان, كانوا على مذهب أهل التسنن, والطريقة التي نشاهدها اليوم (والتي تشتمل على مجموعة من عادات وتقاليد, لم نجد في الكتاب والسنة أساسا لها) تذكرنا بتلك الأيام, وان كان بعض من تلك العادات والتقاليد انتقلت إلى الشيعة.
وكما يقال, أن هؤلاء كانوا يعتقدون أن الإسلام يعوزه منهج للسير والسلوك, والمسلمون استطاعوا أن يصلوا إلى طريقة معرفة النفس, وهي مقبولة لدى الباري عز وجل, مثل ما في الرهبانية عند المسيحيين, إذ لم يوجد أساس له في الدعوة المسيحية, فأوجدها النصارى وحبذها جمع وانتهجها.
ويستنتج مما ذكر, أن كلا من مشايخ الطريقة, جعل كل ما رآه صلاحا من عادات وتقاليد, في منهج سيره وسلوكه وأمر متبعيه بذلك, وبمرور الزمن أصبح منهاجا وسيعا مستقلا, مثل مراسم الخصوع والخشوع, وتلقين الذكر والخرقة والاستفادة من الموسيقى والغناء عند إقامة مراسم الذكر, حتى آل الأمر في بعض الفرق منها إلى أن تجعل الشريعة في جانب, والطريقة في جانب آخر, والتحق متبعوه هذه الطريقة بنهج الباطنية, ولكن المعايير للنظرية الشيعية, استنادا على مصادر أساسية للإسلام (الكتاب والسنة) تقر خلاف ذلك, ومن المستحيل أن النصوص الدينية قد تغافلت عن هذه الحقيقة, أو أنها أهملت جانبا من جوانب هذا النهج والطريق, ويستحيل عليها أيضا أن تغض النظر عن شخص (أي كان) من واجبات أو محرمات.

ارشاد الكتاب والسنة إلى معرفة النفس, ومناهجها:
أن اللّه تعالى جل شأنه , يأمر الناس في آيات متعددة في كتابه المجيد, أن يتدبروا القرآن, ويعملوا به, ولا يقنعوا أنفسهم بالفهم والإدراك السطحي للقرآن, وبين في كثير من آياته أن عالم الطبيعة بما فيها (دون استثناء) آيات ودلالات له جل جلاله.
فلو تأملنا وتدبرنا معنى الآية والدلالة, يتضح أن الآية والدلالة هي التي تشير إلى شيء آخر لا إلى نفسها, فعلى سبيل المثال, أن الذي يرى الضوء الأحمر, المشعر بالخطر, فانه مع مشاهدته للضوء, يتبادر إلى ذهنه الخطر ذاته, ولا يلتفت الى الضوء نفسه, وإذا ما فكر في الضوء نفسه, أو ماهية الزجاج أو لونه, فذهنه يصور له الضوء أو الزجاج أو اللون, ولا يصور له مفهوم الخطر.
إذن إذا كان العالم وظواهره, آيات ودلالات لخالق العالم, فإنها مع وجودها هذا ليست مستقلة, ولو شوهدت بأي شكل أو أية صورة, فإنما ترشد إلى وجوده سبحانه, والذي ينظر إلى العالم والعالمين بهذا المنظار, ووفقا لتعاليم القرآن الكريم وهدايته, لا يرى إلا اللّه سبحانه, وبدلا من أن يرى جمال العالم, فإنه يرى جمالا أزليا غير متناه, والذي يتجلى من هذه الزاوية (زاوية العالم), وعندئذ يهب حياته, وينسى ذاته, ويفنى في حب اللّه جل شأنه.
وهذا الإدراك ـ كما يتضح لا يحصل عن طريق الحواس, كالعين والإذن, ولا عن طريق الخيال والعقل, لان هذه لم تكن سوى آيات ودلالات, فهي في غفلة عن هذه الدلالة والهداية.
وهذا الطريق, الذي لابد لسالكه أن ينسى كل شيء سوى اللّه تعالى, عندما يستمع إلى قوله في كتابه المجيد: ((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم, إلى اللّه مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعلمون)).
سيعلم أن الطريق الرئيسي الذي ينتهي به إلى الهداية الواقعية والكاملة, هو طريق النفس الإنسانية, والمرشد الحقيقي له, هو اللّه تعالى , فقد كلفه بمعرفة نفسه, وان يسير في هذا السبيل, بتركه للسبل الأخرى ليرى اللّه من هذه الطريق, فانه سيدرك مطلوبه الحقيقي.
والنبي الكريم (صلى الله عليه واله) يقول: ((من عرف نفسه فقد عرف ربه)).
ويقول أيضا: ((اعرفكم بنفسه, أعرفكم بربه)).
وأما طريقة السير والسلوك, وهي طريقة الكثير من الآيات القرآنية التي تأمر بذكر اللّه تعالى, كقوله: (فاذكروني أذكركم) وغيرها من الآيات في الكتاب, والأقوال في السنة, فقد جائت مفصلة, ويختتمها بقوله: ((لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة)).
وهل من الممكن أن يتصور, أن الإسلام, يعرف لنا الطريق إلى اللّه تعالى, ولا يحث الناس على تتبعه, أو أن يعرفه ويغفل عن تبيان نهجه أو أن يهمله, في حين نجده يقول عز من قائل:
((ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)).


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=1625
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12