• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : من نحن في التاريخ .
              • القسم الفرعي : نشأة الشيعة .
                    • الموضوع : التفكر العقلي والفلسفي والكلامي عند الشيعة .

التفكر العقلي والفلسفي والكلامي عند الشيعة

المباحث العقلية:
كما هو معلوم أن القرآن الكريم يؤيد التفكر العقلي, ويعتبره جزءً من التفكر الديني والتفكر العقلي بعد أن يصادق على صدق نبوة النبي الأكرم (صلى الله عليه واله), يجعل الظواهر القرآنية بما فيها الوحي السماوي, وأقوال النبي (صلى الله عليه واله) وأهل البيت (عليه السلام) من موارد الحجج العقلية والحجج العقلية التي يثبت بها الإنسان نظرياته, مع ما لديه من فطرة إلهية تنقسم إلى قسمين: البرهان والجدل.
والبرهان: حجة, ومقدماته الواقعيات, وان لم تكن مشهودة أو مسلمة, وبعبارة أخرى, أمور يدركها الإنسان اضطرارا مع ما عنده من فطرة إلهية, ويصادق عليها, كما نعلم (أن العدد ثلاثة اصغر من العدد أربعة, فهذا النوع من التفكر, يدعى التفكر العقلي, وإذا تحقق وحصل ذلك في الكليات من العالم والكون, كالتفكر في بدء الخلقة, وعاقبة العالم والعالمين, فهو ما يسمى بالتفكر الفلسفي).
والجدل: حجة, إذا حصلت مقوماته من المشهودات والمسلمات, كما هو متعارف بين معتنقي الأديان والمذاهب, إذ أنهم يثبتون آراء ونظريات مذهب مع الأصول المسلمة لذلك المذهب.
والقرآن الكريم يستفيد من الطريقتين, وهناك آيات كثيرة في هذا الكتاب السماوي لكل من هاتين الطريقتين.
أولا: يأمر بالتدبر والتفكر المطلق في الكليات لعالم الطبيعة وفي النظام العام للعالم, وكذا في النظام الخاص مثل, نظام السماء والنجوم والليل والنهار والأرض والنبات والحيوان والإنسان وغيرها, ويثني على التتبعات العقلية الحرة ثناءً جميلاً.
ثانيا: يأمر بالتفكر العقلي الجدلي, ويسمى عادة بالمباحث الكلامية, بشرط أن يتم ذلك بأحسن وجه ممكن ((وذلك لإظهار الحق بدون لجاجة وان يكون مقرونا بالأخلاق الحسنة)), كما في قوله تعالى: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)).

مدى قدم الشيعة في التفكر الفلسفي والكلامي في الإسلام:
منذ اليوم الذي انفصلت الأقلية الشيعية عن الأكثرية السنية, كانت الشيعة تقيم الاحتجاج مع مخالفيها في النظريات التي كانت تتبناها, والخاصة بها.
صحيح أن الاحتجاج ذو طرفين, والمتخاصمان شريكان في دعواهم, ولكن الشيعة كانت تقف موقف الهجوم, والآخرون كانوا في موقف الدفاع, فالذي يقف موقف الهجوم يجب أن يكون قد هيأ الوسائل الكافية للمخاصمة, ومن ثم الإقدام والهجوم.
وكذا في التقدم الذي حظيت به المباحث الكلامية بصورة تدريجية, في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث, فقد وصل في رقيه إلى القمة مع انتشار مذهب الاعتزال, فعلماء الشيعة ومحققوهم, والذين هم تلاميذ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام), كانوا في المقدمة من المتكلمين.
فضلا من أن متكلمي أهل السنة, من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم, يصلون في تدرجهم هذا إلى الإمام الأول للشيعة, وهو الامام علي (عليه السلام), وأما أولئك الذين عرفوا آثار الصحابة, وأطلعوا عليها, يعلمون جيدا أن من بين جميع هذه الآثار التي تنسب إلى الصحابة, (وقد دونت أسماء اثنا عشر ألفا) لم نجد أثرا واحدا يشتمل على التفكر الفلسفي وينفرد الامام علي (عليه السلام) بخطابه وبيانه المبهر في معرفة اللّه تعالى, بأنه يتصف بالتفكيرات الفلسفية العميقة جدا.
لم تكن للصحابة ولا التابعين الذين جاؤوا بعد الصحابة, والعرب بصورة عامة في ذلك اليوم, أية معرفة بالتفكر الفلسفي الحر, ولم نجد في أقوال العلماء في القرنين الأولين للهجرة, نماذج من التدقيق والتتبع, بينما نجد الأقوال الرصينة لائمة الشيعة, وخاصة الامام الأول والثامن, تحتوي على كنوز من الأفكار الفلسفية, كما علّموا تلاميذهم هذا اللون من التفكير.
نعم كان العرب بعيدين عن التفكر الفلسفي, حتى شاهدت نموذجا منها في ترجمة بعض الكتب الفلسفية اليونانية, المترجمة إلى العربية في أوائل القرن الثاني للهجرة, وبعدها, ترجمت كتب متعددة في أوائل القرن الثالث الهجري من اليونانية والسريانية وغيرها إلى العربية, وآنذاك أصبحت طريقة التفكر الفلسفي في متناول أيدي العموم, ومع هذا الوصف, فان الكثيرين من الفقهاء والمتكلمين, لم يبدوا اهتماما بالفلسفة وسائر العلوم العقلية, والتي وردت إليهم حديثا, وان كانت هذه المخالفة في بداية الأمر ذات أهمية, بفضل الالتفات الخاص الذي كانت تبديه السلطة الحاكمة آنذاك لمثل هذه العلوم.
ولكن بعد زمن تغيرت الأوضاع والأحوال, فمنعت دراسة هذه العلوم, والقي في البحر بعض الكتب الفلسفية, وما كتاب رسائل ((اخوان الصفا)) وهو من نتاج فكري لعديد من مؤلفين, إلا مذكر بتلك الفترة, فهو خير دليل على كيفية الأوضاع المضطربة في ذلك الزمن, وبعد هذه الفترة, أي في أوائل القرن الرابع الهجري, ظهرت الفلسفة ونمت, على يد ((ابى نصر الفارابي)).
وفي أوائل القرن الخامس للهجرة, واثر مساعي الفيلسوف المشهور ((ابي علي سينا)) اتسعت الفلسفة اتساعا بالغا, وفي القرن السادس أيضا, نقح الشيخ ((السهروردي)) فلسفة الإشراق, وقد قتل بهذه التهمة, و بأمر من الحاكم ((صلاح الدين الأيوبي)) وبعدها ارتحلت قصة الفلسفة من بين الكثيرين, ولم ينبغ فيلسوف شهير, حتى جاء القرن السابع الهجري فظهر في ((الاندلس)) أطراف الممالك الإسلامية, ((ابن رشد الاندلسى)) وسعى في تنقيح الفلسفة.

الشيعة يهتمون دائما بحقل الفلسفة وسائر العلوم العقلية:
الشيعة ـ كما اشرنا كانوا عاملا مؤثرا في إيجاد الفكر الفلسفي, ويعتبرونه عاملا مهما في تقدم هذا الفكر, وكانوا يسعون دوما في نشر العلوم العقلية, ومع وفاة ((ابن رشد)) ذهبت الفلسفة من بين الأكثرية من أهل السنة, ولكنه لن ترحل من بين الشيعة, وبعدها اشتهر فلاسفة كبار مثل ((خواجه نصير الدين الطوسي)) و((ميرداماد)) و((صدر المتألهين)) وسعى كل من هؤلاء, الواحد بعد الأخر في تحصيل العلوم الفلسفية وتدوينها.
و كذلك في سائر العلوم العقلية ظهر كل من ((الخواجه الطوسي)) و ((البير جندي)) وغيرهم كل هذه العلوم وخاصة الفلسفة الإلهية, تقدمت تقدما باهرا اثر المساعي الدائبة لعلماء الشيعة ومفكريهم, ويتضح ذلك, بمقارنة آثار كل من ((الخواجه الطوسي)) و ((شمس الدين تركه)) و ((مير داماد)) و ((صدر المتألهين)) مع مؤلفات القدماء.

لماذا استقرت الفلسفة عند الشيعة؟
فكما أن العامل المؤثر في وجود ونشأة الفكر الفلسفي والعقلي بين الشيعة هو آثار أئمة الشيعة وعلمائهم, والتي بواسطتهم أصبحت من الذخائر العلمية الشيعية لدى الآخرين, فإن بقاء واستقرار هذه اللون من الفكر, يرجع إلى وجود تلك الذخائر العلمية, التي يهتم بها الشيعة ويبدون لها احتراما وتقديسا, ولكي يتضح الأمر, يكفينا مقارنة الذخائر العلمية لأهل البيت (عليهم السلام ) مع الكتب الفلسفية التي صنفت مع مرور الزمن, فإننا سنرى بوضوح, أن الفلسفة كانت تقترب من الذخائر العلمية في أكثر الموارد, وحتى مجيء القرن الحادي عشر, فإنها كانت متقاربة جدا, بل منطبقة, ولم يكن هناك فارق سوى اختلاف في التعبير.

خمسة من نوابغ علماء الشيعة:
1) ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني: المتوفى سنة 329 للهجرة.
هو أول علم شيعي, استخرج ورتب الموضوعات الفقهية والاعتقادية منه الروايات الشيعية التي كانت مدونة في الأصول, (الأصل هو ما جمعه المحدث من روايات أهل البيت (عليهم السلام) في مصنف خاص) فسمي كتابه بـ((الكافي)) وينقسم إلى أقسام ثلاثة:
الأصول والفروع والروضة (المتفرقات), و يشتمل على 16199 حديثا, ويعتبر هذا الكتاب من اشهر كتب الحديث التي عرفت في عالم التشيع, وهناك ثلاثة كتب, تأتي بعد ((الكافي)) من حيث الأهمية وهي:
كتاب ((من لا يحضره الفقيه)) للشيخ ((الصدوق محمد بن بابويه ألقمي)) المتوفى سنة 381 للهجرة وكتاب ((التهذيب)) و كتاب ((الاستبصار)) لمؤلفهما ((الشيخ الطوسي)) المتوفى سنة 460 للهجرة.
2) ابو القاسم جعفر بن حسن بن يحيى الحلي: المعروف بالمحقق المتوفى سنة 676 للهجرة.
يعتبر من نوابغ علم الفقه, ومن اشهر مشاهير فقهاء الشيعة, وما كتاب ((المختصر النافع)) وكتاب ((الشرائع)) إلا من أروع ما حرره في الفقه, ومنذ 700 سنة وحتى الآن لا يزال مورد أعجاب وتقدير الفقهاء, وفي متناول أيديهم.
ومن الكتب التي تأتي بعد الكافي هو كتاب ((اللمعة الدمشقية)) لمؤلفه ((المحقق )) الشهيد الأول ((شمس الدين محمد بن مكي)) استشهد في دمشق سنة 786 للهجرة, بتهمة تشيعه, وقد دون كتابه هذا بمستوى رفيع, في السجن, خلال سبعة أيام.
ويعتبر كتاب ((كشف الغطاء)) للشيخ ((جعفر كاشف الغطاء النجفي)) من أجود مؤلفاته.
3) الشيخ مرتضى الأنصاري التستري: المتوفى سنة 1281 للهجرة.
نقح علم أصول الفقه, وحرر طرق الأصول العملية, والتي تعتبر من أهم أقسام هذا الفن, ولا تزال مدرسته (طريقته) قائمة, وموضع تقدير العلماء منذ 100 عام.
4) الخواجة نصير الدين الطوسي: (المتوفى سنة 676 للهجرة ).
وهو أول من اظهر علم الكلام, بصيغته الفنية الكاملة, ومن اشهر مؤلفاته وأجودها كتاب ((تجريد الكلام)) ولا يزال ومنذ أكثر من 700 سنة, لم يفقد اعتباره بين رواد هذا الفن, وقد طبع الكتاب مع شروح وحواش عديدة من قبل العامة والخاصة.
فهو فضلا عن نبوغه في علم الكلام, يعتبر من نوابغ عصره في علم الفلسفة والرياضيات أيضا, وخير شاهد على ذلك, هو الكثير من مؤلفاته المهمة في مختلف العلوم العقلية, وقد قام بإنشاء مرصد أيضا.
5) صدر الدين محمد الشيرازي: المولود سنة 979, والمتوفى سنة 1050 للهجرة.
هو أول فيلسوف قام بتصنيف وترتيب المسائل الفلسفية كالمسائل الرياضية (بعد سيرها قرونا متمادية في العصر الإسلامي) بعد أن كانت مبعثرة, فحصلت النتائج التالية:
أولا: فسح المجال للفلسفة بان تطرح وتحل فيها مئات من المسائل الفلسفية, والتي لم يكن لها المجال أن تطرح في السابق.
ثانيا: أتيح المجال لعرض مجموعة من المسائل العرفانية, (والتي كانت حتى ذلك الوقت تعتبر مواضيع خارجة عن نطاق العقل, و فوق مستوى الفكر الإنساني) وبحثها وتمحيصها بأيسر السبل.
ثالثا: اتضحت كثير من الظواهر الدينية, والعبارات الفلسفية العميقة لائمة أهل البيت (عليهم السلام), والتي بقيت لقرون متتالية تتصف باللغز الذي لا يحل, وكانت تعتبر من المتشابهات غالبا, وبهذا اتصلت الظواهر الدينية بالعرفان والفلسفة في أكثر الموارد, وسلكت سويا, طريقا واحدا.
وهناك من قام بهذه المهمة قبل ((صدر المتألهين)) أيضا, مثل الشيخ ((السهروردي)) مؤلف كتاب ((حكمة الإشراق)) من فلاسفة القرن السادس, و ((شمس الدين محمد تركه)) من فلاسفة القرن السادس الهجري, حيث قاما بدراسات مثمرة, إلا إنهما لم يوفقا توفيقا كاملا, وقد حظي بهذه الموفقية ((صدر المتألهين)).
وفق صدر المتألهين اثر اتخاذ هذه الطريقة في أن يثبت نظرية الحركة الجوهرية, واكتشف البعد الرابع والنظرية النسبية (خارج عن نطاق الذهن والفكر), وصنف ما يزيد على خمسين كتابا ورسالة ومن أهم كتبه في الفلسفة, كتاب (الأسفار) في أربعة مجلدات.


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=1624
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12