• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : عقائدنا (الشيعة الامامية) .
              • القسم الفرعي : حول القرآن الكريم .
                    • الموضوع : النسخ الحقيقي في عرف القرآن الكريم: .

النسخ الحقيقي في عرف القرآن الكريم:

إن ملخص ما نستفيده من الآيات الوارد فيها لفظ «التأويل» وقد سبق ذكر بعضها أنه ليس من قبيل المعنى الذي هو مدلول اللفظ. فان من الواضح أن ما نقل في سورة يوسف من رؤياه وتأويله لايدل اللفظ الذي يشرح الرؤيا على تأويله دلالة لفظية، ولو كانت تلك الدلالة من قبيل خلاف الظاهر. وهكذا في قصة موسى والخضر (عليهما السلام)، فان ألفاظ القصة لاتدل على التأويل الذي ذكره الخضر لموسى. كما أنه في آية (واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم) لا تدل هاتين الجملتين دلالة لفظية على وضع اقتصادي خاص هو التأويل للأمر الوارد فيها. وفي آية (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) لاتدل الآية دلالة لفظية على تأويله الذي هو الوحدة الاسلامية... وهكذا دواليك في الآيات الاخرى لو أمعنا النظر فيها. بل في الرؤيا تأويله حقيقة خارجية رآها الراؤون في صورة خاصة، وفي قصة موسى و الخضر تأويل الخضر حقيقة تنبع منها اعماله التي عملها، والأمر في آية الكيل والوزن تأويله مصلحة عامة تنبع منه، وآية رد النزاع إلى الله والرسول أيضا شبيهة بما ذكرناه.
فتأويل كل شيء حقيقة ينبع ذلك الشيء منها وذلك الشيء بدوره يحقق التأويل، كما أن صاحب التأويل بقاؤه بالتأويل وظهوره في صاحبه. وهذا المعنى جار في القرآن الكريم، لأن هذا الكتاب المقدس يستمد من منابع حقائق ومعنويات قطعت أغلال المادية والجسمانية، وهي أعلى مرتبة من الحس والمحسوس وأوسع من قوالب الألفاظ والعبارات التي هي نتيجة حياتنا المادية.
ان هذه الحقائق والمعنويات لايمكن التعبير عنها بألفاظ محدودة، وانما هي إلفات للبشرية من عالم الغيب إلى ضرورة استعدادهم للوصول إلى السعادة بواسطة الالتزام بظواهر العقائد الحقة والأعمال الصالحة، ولا طريق للوصول إلى تلك السعادة الا بهذه الظواهر، وعندما ينتقل الانسان إلى العالم الآخر تتجلى له الحقائق المكشوفة، وهذا ما يدل عليه آيتا سورتي الأعراف ويونس المذكورتان.
والى هنا يشير أيضاً قوله تعالى: (حم* والكتاب المبين* انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون* وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)(1).
انطباق الآية على «التأويل» بالمعنى الذي ذكرناه واضح لا غبار عليه، وخاصة لأنه قال «لعلكم تعقلون» ولم يقل «لعلكم تعقلونه»، لأن علم التأويل خاص بالله تعالى كما جاء في آية المحكم والمتشابه «وما يعلم تأويله الا الله»، ولهذا عندما تريد الآية أن تذكر المنحرفين الذين يتبعون المتشابهات، فتصفهم بأنهم يبتغون الفتنة والتأويل ولم تصفهم بأنهم يجدون التأويل.
فاذا «التأويل» هو حقيقة أو حقائق مضبوطة في أم الكتاب ولايعلمها الا الله تعالى وهي مما اختص بعالم الغيب.
وقال تعالى أيضاً في آيات اخرى: لا أقسم بمواقع النجوم* وانه لقسم لو تعلمون عظيم* انه لقرآن كريم* في كتاب مكنون* لايمسه الا المطهرون* تنزيل من رب العالمين) (2).
يظهر جليا من هذه الآيات أن للقرآن الكريم مقامان: مقام مكنون محفوظ من المس، ومقام التنزيل الذي يفهمه كل الناس والفائدة الزائد التي نستفيدها من هذه الآيات ولم نجدها في الآيات السابقة هي الاستثناء الوارد في قوله «الا المطهرون» الدال على أن هناك بعض من يمكن أن يدرك حقائق القرآن وتأويله. وهذا الاثبات لاينافي النفي الوارد في قوله تعالى (وما يعلم تأويله الا الله)، لأن ضم احداهما إلى الأخرى ينتج الاستقلال والتبعية، أي يعرف منها استقلال علمه تعالى بهذه الحقائق ولايعرفها أحد الا باذنه عز شأنه وتعليم منه. وعلم التأويل شبيه فيما ذكرناه بعلم الغيب الذي اختص بالله تعالى في كثير من الآيات، وفي آية استثنى العباد المرضيون فاثبت لهم العلم به، وهي قوله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا* الا من ارتضى من رسول)(3). فمن مجموع الكلمات في علم الغيب نستنتج أنه بالاستقلال خاص بالله تعالى ولايطلع عليه أحد الا باذنه عز وجل.
نعم، المطهرون هم الذين يلمسون الحقيقة القرآنية ويصلون إلى غور معارف القرآن كا تدل عليه الآيات التي ذكرناها. ولو ضممنا هذه إلى قوله تعالى (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(2) الوارد حسب أحاديث متواترة في حق أهل البيت (عليهم السلام).
جاء في القران الكريم في قوله تعالى (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره)(1). وبعد مدة أنهي هذا الحكم وأمروا بالقتال معهم في قوله (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب)(4).
والنسخ الذي يدور على ألسنتنا حقيقته هي: وضع قانون لمصلحة ما والعمل به ثم ظهور الخطأ في ذلك والغاؤه ووضع قانون جديد مكانه.
لكن لايمكن نسبة مثل هذا النسخ الدال على الجهل، والخطأ إلى الله تعالى المنزه عن كل جهل وخطأ، ولايوجد هكذا نسخ في الآيات الكريمة الخالية عن وجود أي اختلاف بينها.
بل النسخ في القرآن معناه: انتهاء زمن اعتبار الحكم المنسوخ. ونعني بهذا أن للحكم الأول كانت مصلحة زمنية محدودة وأثر مؤقت خاص تعلن الآية الناسخة انتهاء ذلك الزمن المحدود وزوال الأثر. ونظرا إلى أن الآيات نزلت في مناسبات طي ثلاث وعشرين سنة من السهولة بمكان تصور اشتمالها على هكذا أحكام.
إن وضع حكم موقت في حين لم تتم مقتضيات الحكم الدائم، ثم وضع الحكم الدائم وابدال الحكم الموقت به، شيء ثابت لااشكال فيه. كما يفهم هذا أيضا ما ورد في القرآن الكريم حول فلسفة النسخ. قال تعالى: (واذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا انما أنت مفتر بل أكثرهم لايعلمون* قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين)(5).
______________________________
(1) سورة الزخرف: 1،2،3،4.
(2) سورة الواقعة: 77،78،79،80.
(3) سورة البقرة: 39.
(4) سورة التوبة: 29.
(5) سورة النحل: 102.
 


 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=1623
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12