• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : من نحن في التاريخ .
              • القسم الفرعي : الشيعة في العهد الاموي .
                    • الموضوع : انتقال الخلافة إلى معاوية وتحولها إلى ملوكية موروثة وحال الشيعة فيها .

انتقال الخلافة إلى معاوية وتحولها إلى ملوكية موروثة وحال الشيعة فيها

بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام), تصدى لمنصب الإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) وذلك وفقا لوصية الامام علي (عليه السلام), ومبايعة الناس له, ويعتبر الامام الثاني للشيعة الأثنا عشرية, ولكن معاوية لم يستقر ويهدأ لهذا الأمر, فجهز جيشه واتجه به إلى العراق مقر الخلافة, معلنا الحرب على الحسن بن علي (عليه السلام).
افسد معاوية رأي أصحاب الحسن (عليه السلام) بمختلف الطرق والدسائس, ومنح الأموال الطائلة لهم واجبر الامام الحسن (عليه السلام) على الصلح معه , وان تصير الخلافة إليه ,على شرط أن تكون للحسن (عليه السلام) بعد وفاة معاوية, وألا يتعرض إلى شيعته, فصارت الخلافة لمعاوية وفقا لشروط.
استولى معاوية على الخلافة (سنة 40 للهجرة), فاتجه إلى العراق, فخطب فيهم قائلا: ((يا أهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ولكني قاتلتكم لأتآمر عليكم وقد آتاني اللّه ذلك, وانتم كارهون)).
وقال أيضا : ((الا إن كل دم أصيب في هذه مطلول, وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين)).
ومعاوية بكلماته هذه يشير إلى انه يريد أن يفصل السياسة عن الدين, فهو لا يريد إلزام احد بأحكام الدين, وإنما كان اهتمامه بالحكومة فحسب, واستحكام مقوماتها, وبديهي أن مثل هذه الحكومة ملوكية وليست خلافة واستخلافا لمنصب الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) وقد حضر بعض الناس مجلسه, فسلموا عليه بسلام الملوك وكان يعبر في بعض مجالسه الخاصة, عن حكومته بالملوكية علما بأنه كان يعرف نفسه خليفة في خطبه والملوكية التي تقام على القوة تتبعها الوراثة وفي النتيجة كان الأمر كما أراد ونوى فاستخلف ابنه يزيد وجعله خليفة له من بعده وكان شابا لا يتصف بشخصية دينية إذ قام بأعمال وجرائم يندى لها الجبين.
فمعاوية مع بيانه السالف, كان يعني انه لم يرغب في أن يصل الحسن (عليه السلام) إلى الخلافة بعده أي انه كان يفكر في موضوع الخلافة بشيء آخر وهو دس السم إلى الحسن (عليه السلام) فهو بهذا الأمر قد مهد السبيل إلى ابنه يزيد ومع إلغائه معاهدة الصلح كان يهدف إلى اضطهاد الشيعة, ولن يسمح لهم بالحياة المطمئنة أو أن يستمروا كما في السابق في نشاطهم الديني ووفق في هذا المضمار أيضا.
وصرح معاوية في خصوص مناقب أهل البيت, بأن كل ناقل لحديث في هذا الشأن لم يكن بمأمن في حياته وماله وعرضه, وأمر أن تعطى الهدايا والجوائز لكل من يأتي بحديث في مناقب سائر الصحابة والخلفاء, وكانت النتيجة أن توضع أخبار كثيرة في مناقب الصحابة, وأمر أن يُسب الامام علي (عليه السلام) في جميع الأقطار الإسلامية على المنابر (وهذا الأمر كان ساريا حتى زمن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي سنة 99-110ه).
فقتل جماعة من خاصة شيعة علي (عليه السلام) بمساعدة عماله, وكان بعضهم من الصحابة, ورفعت رؤوسهم على الرماح, تنقل من بلد لآخر, وكلف عامة الشيعة بسب علي (عليه السلام), والتبري منه, فكان القتل حليف من خالف وأبى.
الأيام العصيبة التي مرت بالشيعة:
من اشد الأيام التي مرت بها الشيعة قساوة, هو زمن حكومة معاوية بن أبي سفيان, والتي استمرت زهاء عشرين عاما, لم تكن الشيعة بمأمن, وكان اغلب رجال الشيعة يشار إليهم بالبنان ـ ولم تكن لدى الحسن والحسين (عليهما السلام), اللذين عاصرا معاوية, أدنى الوسائل تمكنهم من القيام والقضاء على الأوضاع المؤلمة والإمام الحسين (عليه السلام) عندما نهض في الأشهر الأولى من حكومة يزيد, استشهد ومن كان معه من أولاد وأصحاب, علما بأنه لم يجرأ على القيام طوال السنوات العشر التي عاشها في زمن معاوية.
فبعض إخواننا أهل السنة يذهبون إلى التوجيه والتأويل في سفك الدماء هذه, وما شابهها من أعمال إجرامية, كان يقوم بها بعض الصحابة, وخاصة معاوية, مبررين أعمالهم ومواقفهم هذه, بأنهم من صحابة الرسول (صلى الله عليه واله) ووفقا للأحاديث المروية عنه (صلى الله عليه واله), أن الصحابة مجتهدون معذورون, وان اللّه جل وعلا راض عنهم, لكن الشيعة ترفض هذا بأدلة:
أولا: يستحيل على قائد كالنبي (صلى الله عليه واله) الذي نهض لأحياء الحق والحرية والعدالة الاجتماعية, واتبعه جمع من الناس, فضحوا بما لديهم في سبيل تحقق هذا الهدف المنشود, وعند تحققه, يترك العنان لهم, ويمنحهم الحرية المطلقة, أمام الأحكام المقدسة, كي يقوموا بأي عمل شاؤوا, وهذا يعني أن ينهار البناء الشامخ بتلك الأيدي التي ساهمت في إقامته وتشييده.
ثانيا: أن الروايات التي تقدس الصحابة وتنزههم, وتصحح أعمالهم غير المشروعة وتوجهها, وتعتبرهم من الذين قد كفر اللّه عنهم سيئاتهم, وأنهم مصونون وما إلى ذلك, هذه الروايات قد وضعت من قبل هؤلاء الصحابة أنفسهم, والتاريخ يشهد أن الصحابة, لم يكن احدهم ليحترم الأخر, ولم يغض النظر عن أعماله القبيحة, وإنما كان يشهر به ويعرفه للملأ فقد قام بعضهم بالقتل الجماعي واللعن والسب وفضح الآخرين, ولم تكن هناك أية مسامحة أو غضاضة فيما بينهم.
ووفقا لما ذكرنا فان الصحابة يشهدون أن هذه الروايات غير صحيحة, وإذا ما تحققت صحتها فان المراد منها معنى آخر, غير التنزيه والتقديس القانوني للصحابة.
ولو قدر أن اللّه سبحانه وتعالى قد مدحهم ورفع شأنهم في بعض آياته, فإن هذا يدل على ما قدموه من خدمات في سابق حياتهم, وتنفيذا لأوامر اللّه تعالى , فطبيعي أن يتحقق رضا اللّه تعالى, ولم يكن المراد من أنهم يستطيعون أن يقوموا بكل ما تراودهم نفوسهم في المستقبل, وان كان خلافا لأحكام اللّه تعالى.
استقرار ملوكية بني أمية:
توفي معاوية (سنة 60 للهجرة ), واستولى على عرش الخلافة ابنه يزيد وفقا للبيعة التي أخذها أبوه من الناس, وأصبح زعيما لحكومة إسلامية.
والتاريخ يشهد بان يزيد لم يكن ليتصف بأية شخصية إسلامية, فقد كان شابا لا يبالي بأحكام الإسلام حتى في زمن أبيه, كان فاسقا فاجرا, لا يتناهى عن شرب الخمر, متبعا لأهوائه وشهواته, قام بأعمال إجرامية طوال السنوات الثلاثة التي حكم فيها, لم يسبق لها مثيل منذ ظهور الإسلام, مع ما انطوت عليه من أحداث وفتن.
ففي السنة الأولى, قتل الحسين بن علي (عليه السلام) سبط النبي المرسل (صلى الله عليه واله), ومن كان معه من أولاده وأقربائه وأصحابه, قتلة مفجعة, وطاف بالنساء والأطفال لأهل بيت العصمة والطهارة مع رؤوس الشهداء في البلدان.

وفي السنة الثانية, أمر جيشه بالإبادة الجماعية للناس في مدينة الرسول (صلى الله عليه واله), وأباح دمائهم وأموالهم وأعراضهم لثلاثة أيام.
وفي السنة الثالثة, أمر بهدم الكعبة المقدسة واحرقها, وبعد وفاة يزيد, تسلط على رقاب الناس, آل مروان من بني أمية, هذا ما تتناقله كتب التاريخ, وكانت لحكومة هذه الزمرة والتي شملت احد عشر شخصا, واستمرت مدة سبعين عاما, أيام عصيبة على الإسلام والمسلمين, فلم تكن سوى إمبراطورية عربية همجية جاهلية مستبدة في مجتمع إسلامي, وكانت تدعى بالخلافة الإسلامية, حتى آل الأمر بالخليفة آنذاك خليفة الرسول (صلى الله عليه واله), ويعتبر المدافع الوحيد عن الدين, أن يقرر بناء غرفة على الكعبة, كي يتسنى له الجلوس فيها للنزهة وفي أيام الحج خاصة.
والخليفة آنذاك قد رمى القرآن بالسهام, وقال في شعر له مخاطبا القرآن:
في اليوم الذي تحضر فيه أمام الرب * إنبئه أن الخليفة مزقك شر تمزيقا.
من الطبيعي أن الشيعة كانوا يختلفون اختلافا أساسيا مع أكثرية أهل السنة حول مسألتين, الخلافة الإسلامية, والمرجعية الدينية, وكانت تعاني أياما قاسية في المرحلة المظلمة, ولكن الظلم والجور من قبل حكام الوقت, والمظلومية والتقوى والورع الذي كان يتصف به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانت تجعلهم أكثر رسوخا في عقائدهم, وخاصة بعد استشهاد الحسين (عليه السلام) الأمام الثالث للشيعة, مما ساعد في انتشار الفكر الشيعي في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة مثل: العراق, واليمن, وإيران.
ومما يشهد على صحة هذا الادعاء, ما حدث في زمن الامام الخامس للشيعة, والقرن الأول الهجري لم يكتمل بعد, ولم تمض على مقتل الحسين فترة لا تزيد على الأربعين سنة, ولأضطراب الأوضاع وظهور الاختلال في حكومة بني أمية, اتجه الشيعة من جميع الأقطار الإسلامية إلى الامام الخامس وحرصوا على اخذ الحديث والمعارف الإسلامية منه.
وفي أواخر القرن الأول الهجري, قام جماعة من الأمراء, بإنشاء مدينة قم في إيران , وقد اسكنوا فيها الشيعة, ولكن الشيعة حسب أوامر أئمتهم كانوا يعيشون دون تظاهر بعقيدتهم, التزاما بمبدأ التقية, وطالما نهض رجال من السادة العلويين إثر كثرة الضغوط التي كانت تظهر من قبل الحكام الجائرين, ولكن قيامهم هذا كان نتيجة الفشل والقتل, وقدموا في سبيل عقيدتهم ونهضتهم هذه المزيد من التضحيات ولم تبال الحكومة بإبادتهم والقضاء عليهم.
اخرجوا جثمان ((زيد)) زعيم الشيعة الزيدية من قبره, وصلبوه لمدة ثلاث سنين, ومن ثم احرقوه, وذروا رماده في الهواء, حتى أن أكثرية الشيعة تعتقد أن مقتل الامام الرابع والخامس قد تم على أيدي بني أمية, وذلك بدس السم إليهما, وكذا وفاة الامام الثاني والثالث كان على أيديهم.
إن الفجائع التي ارتكبها الأمويون كانت إلى حد ما جعلت أكثرية أهل السنة يعتقدون بالخلفاء عامة وأنهم مفروضوا الطاعة, و أن يقسموا الخلفاء إلى قسمين: الخلفاء الراشدين, وهم الخلفاء الأربعة الأوائل بعد وفاة الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) وهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ) والخلفاء غير الراشدين أولهم معاوية.
والأمويون طوال حكومتهم, وعلى أثر ظلمهم وجورهم, أثاروا سخط الأمة وغضبها إلى ابعد الحدود, وبعد سقوط دولتهم ومقتل آخر خليفة لهم, فرّ ولدا الخليفة مع جمع من العائلة الأموية من دار الخلافة ولم يجدوا في أي مكان ملجأ يتجهون إليه, فتاهوا في صحارى ((النوبة)) و ((الحبشة)) و ((بجاوة)) ومات الكثير منهم اثر الظمأ والجوع, توجهوا إلى جنوب (اليمن) فمكثوا هناك زمنا, كانوا يحصلون على مال من الناس عن طريق الاستجداء والصدقة والعطف عليهم ومن ثم انتقلوا إلى مكة مرتدين زي الحمالين وانصهروا في ذلك المجتمع.


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=1593
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19