كان شيعة علي (عليه السلام) وأصحابه يعتقدون اعتقاداً راسخاً أن الخلافة ستكون لعلي (عليه السلام) بعد وفاة نبي الله وذلك لما كان يتسم به (عليه السلام) من مقام ومنزلة لدى الرسول (صلى الله عليه واله) والصحابة والمسلمين, وظواهر الأمور والحوادث تؤيد ذلك: عدا ما حدث في أيام مرضه (صلى الله عليه واله).
ولكن ما حدث هو غير ما كان يتوقعونه، ففي الوقت الذي التحق النبي (صلى الله عليه واله) بالرفيق الأعلى, ولم يغسل جسده الطاهر, ولم يدفن بعد, وحينما كان أهل البيت وعدد من الصحابة منصرفين في العزاء, وأجراء المقدمات اللازمة, إذ وصلهم نبأ انصراف جماعة قليلة لتعيين الخليفة بعد الرسول (صلى الله عليه واله), وهذه القلة التي غلبت الكثرة, قد بادرت بهذا الأمر عجالة، دون أن يستشيروا أهل البيت, وأقرباء النبي (صلى الله عليه واله) وعشيرته وصحابته إلا أن يروا أنفسهم قبال أمر واقع, وبعد أن فرغ الامام علي (عليه السلام), ومن معه من الصحابة (كابن عباس والزبير وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار) من دفن النبي (صلى الله عليه واله) علموا بالذي حدث, فرفعوا علم المعارضة, وانتقدوا القائمين بهذا الأمر, وابدوا اعتراضهم للخلافة الانتخابية, بإقامتهم جلسات متعددة, والجواب الذي سمعوه هو أن صلاح المسلمين كان في الذي حدث.
فالانتقاد هذا والاعتراف أديا إلى انفصال الأقلية عن الأكثرية, واشتهر أصحاب الامام علي (عليه السلام) باسم (شيعة علي) فالقائمون بأمور الخلافة, كانوا يسعون وفقا للسياسة آنذاك، ألّا يشتهر هؤلاء الأقلية بهذا الاسم، وألا ينقسم المجتمع إلى أقلية وأكثرية، فكانوا يعتبرون الخلافة إجماعاً, ويطلق على المعارض لها, متخلفاً عن البيعة، ومتخلفاً عن جماعة المسلمين، وأحياناً كان يوصف بصفات بذيئة أخرى.
وفي الحقيقة أن الشيعة قد حكم عليها بالتخلف منذ الأيام الأولى، ولم تستطع أن تكسب شيئاً منذ أن أبدت معارضتها, والإمام علي (عليه السلام) لم يعلنها ثورة وحرباً, رعاية لمصلحة الإسلام والمسلمين، ولفقدانه للأشياع بالقدر المطلوب، إلا أن هؤلاء المعارضين لم يستسلموا للأكثرية من حيث العقيدة، وكانوا يرون أن الخلافة والمرجعية العلمية هي حق مطلق للإمام علي (عليه السلام), فكان رجوعهم في القضايا العلمية والمعنوية إليه وحده، وكانوا يدعون إلى هذا الأمر.
موضوع الخلافة والمرجعية العلمية:
وكان الشيعة يعتقدون أن ما يهم المجتمع أولاً وقبل كل شيء هو وضوح وتبيان التعاليم الإسلامية ومن ثم نشرها في المجتمع، وبعبارة أخرى: هي نظرة المجتمع إلى العالم والإنسان نظرة واقعية، والوقوف على الواجبات والوظائف الإنسانية (بالشكل الذي يكون فيه الصلاح الواقعي) والقيام بها, وان كانت مخالفة لأهوائهم وميولهم .
هذا من جهة ومن جهة أخرى، فان قيام حكومة دينية ما هو إلا لتنفيذ الأحكام الإسلامية في المجتمع، والحفاظ عليه، بحيث لا يعبد الناس إلا اللّه جل وعلا, وان يحظوا بحرية تامة وعدالة فردية واجتماعية، وهاتان المهمتان يجب أن تناطا إلى شخص يتسم بالعصمة والصيانة الإلهية، إذ من المحتمل أن يتعهد هذه المسؤولية أناس لم يسلموا من الانحراف الفكري والعقائدي، ولم ينزهوا من الخيانة وتتحول العدالة التي تمنح الحرية الإسلامية إلى ملوكية موروثة مستبدة، كملوكية كسرى وقيصر, وتتعرض التعاليم الإسلامية المنزهة إلى تحريف، كتعاليم الأديان السماوية الأخرى، ولا تكون بمأمن من العلماء الذين قد ركبوا أهوائهم فالشخص الوحيد الذي قد نهجَ نهج الرسول (صلى الله عليه واله) في أعماله وأفعاله، وكان سديداً في سيرته، متبعاً لكتاب اللّه تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه واله) إتباعاً كاملاً هو الامام علي (عليه السلام).
وإذا كانت الأكثرية تدعي أن قريشاً تعارض حكومة علي (عليه السلام) الحقة وخلافته، كان لزاماً عليهم أن يوجهوا المخالفين التوجيه الحسن، وان يرشدوهم إلى طريق الحق والصواب، كما صنعوا مع ممتنعي الزكاة، فحاربوهم، ولم يتوانوا عن اخذ الزكاة منهم، لا أن يدحضوا الحق خوفاً من مخالفة قريش.
نعم، إن الدافع الذي دفع الشيعة للمعارضة أمام الخلافة الانتخابية، هو الخوف من عواقبه الوخيمة ألا وهو فساد وسقم الطريقة التي ستتخذها الحكومة الإسلامية، وما يلازمها من انهدام الأسس العالية للدين وقد أوضحت الحوادث المتتالية صحة هذه العقيدة بمرور الزمان والأيام، أكثر فأكثر, مما أدى بالشيعة إلى أن تكون ثابتة في عقيدتها, مؤمنة بأهدافها علماً بأنها قد كانت أقلية إلا أن هذه الأقلية قد ذابت في الأكثرية ظاهراً, ولكنها بقيت تستلهم التعاليم الإسلامية من أهل البيت باطناً, وكانت متفانية في نهجها وطريقها وفي الوقت ذاته كانت تسعى في التقدم والرقي، والحفاظ على قدرة الإسلام وعظمته، فلم تبد مخالفتها علناً وجهاراً وكانت الشيعة تذهب إلى الجهاد سيراً مع الأكثرية، ولم تتدخل في الأمور العامة، والإمام علي (عليه السلام) كان يرشد الأكثرية لما فيه نفع الإسلام، ومصلحة المسلمين. |