بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الفخري في ادابه السلطانية هذا الامر بوضوح فقال تحت عنوان:
الأمين ولهوه ولعبه
وممن دخل النقص عليه من الملوك بسبب اللهو واللعب محمد بن زبيدة الأمين، كان كثير اللهو واللعب منهمكاً في اللذات، قيل إنه لعب يوماً هو ووزيره الفضل بن الربيع بالنرد فتراهنا في خاتميهما ، فغلب الأمين فأخذ الخاتم، وأرسل في الحال وأحضر صائغاً ، وكان مكتوباً على خاتمه : ً الفضل ابن الربيعً، فقال للصائغ: اكتب تحته ....، فنقش الصائغ ذلك في الحال ثم أعاد الخاتم إلى الفضل بن الربيع، وهو لا يعلم ما نقش عليه، ثم مضت على ذلك مدة، فبعد أيام دخل الفضل بن الربيع عليه فقال له: ما على خاتمك مكتوب؟ قال: اسمي واسم أبي، فتناوله الأمين ثم قال له: ما هذا المكتوب تحت اسمك؟ فلما قرأه الفضل بن الربيع فهم القضية وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا والله هو الخذلان المبين، أنا وزيرك ولي اليوم كذا وكذا يوماً أختم الكتب بهذا إلى الأطراف وهو على هذه الصفة؟! هذا والله آخر الدولة ودمارها، والله لا أفلحت ولا أفلحنا معك! فكانت الفتنة بعد ذلك بيسير.
آخر الخلفاء اللاهين
وكان المستعصم آخر الخلفاء شديد الكلف باللهو واللعب وسماع الأغاني، لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعةً واحدةً، وكان ندماؤه وحاشيته جميعهم منهمكين معه على التنعم واللذات، لا يراعون له صلاحاً، وفي بعض الأمثال: الحائن لا يسمع صياحاً. وكتبت له الرقاع من العوام، وفيها أنواع التحذير وألقيت فيها الأشعار في أبواب دار الخلافة ، فمن ذلك :
قل للخليفة مهلاً ... أتاك ما لا تحب
ها قد دهتك فنون ... من المصائب غرب
فانهض بعزمٍ وإلا ... غشاك ويل وحرب
كسر وهتك وأسر ... ضرب ونهب وسلب
وفي ذلك يقول بعض شعراء الدولة المستعصمية من قصيدة أولها:
يا سائلي ولمحض الحق يرتاد ... أصخ فعندي نشدان وإنشاد
واضيعة الناس والدين الحنيف وما ... تلقاه من حادثات الدهر بغداد
هتك وقتل وأحداث يشيب بها ... رأس الوليد وتعذيب وأصفاد
كل ذلك وهو عاكف على سماع الأغاني واستماع المثالث والمثاني، وملكه قد أصبح واهي المباني.
ومما اشتهر عنه أنه كتب إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يطلب منه جماعةً من ذوي الطرب، وفي تلك الحال وصل رسول السلطان هولاكو إليه يطلب منه منجنيقات وآلات الحصار، فقال بدر الدين: انظروا إلى المطلوبين وابكوا على الإسلام وأهله. وبلغني أن الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي كان في أواخر الدولة المستعصمية ينشد دائماً :
كيف يرجى الصلاح في أمر قومٍ ... ضيعوا الحزم فيه أي ضياع
فمطاع المقال غير سديدٍ ... وسديد المقال غير مطاع
قالوا: ولا ينبغي للرجل الكامل إلا أن يكون في الغاية القصوى من طلب الرياسة أو في الغاية القصوى من تركها:
إذا ما لم تكن ملكاً مطاعا ... فكن عبداً لخالقه مطيعا
وإن لم تملك الدنيا جميعا ... كما تهواه فاتركها جميعا((1))
-----------------------------------------------------------------------------
((1))كتاب الاداب السلطانية للفخري
|