• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : عقائدنا (الشيعة الامامية) .
              • القسم الفرعي : حول القرآن الكريم .
                    • الموضوع : الدفاع عن النفس والدين بنظر القرآن .

الدفاع عن النفس والدين بنظر القرآن

لقد تناول التشريع الاسلامي ناحية الدفاع عن النفس والدين، وتعرضت جملة من الآيات الكريمة لهذه الناحية، وقد بقي الرسول (صلى الله عليه واله) نحوا من ثلاث عشرة سنة بمكة بعد بعثته يدعو إلى الاسلام بالبراهين والآيات البينات، ويتحمل من مشركي قومه صنوفا وألوانا من الاذى والعذاب والتنكيل باصحابه الذين آمنوا برسالته، حتّى اضطر أن يأمرهم بالهجرة إلى الحبشة خوفا عليهم من قريش، ولم يكن يملك من القوة ما يدفع عدوانهم عن نفسه وأصحابه، وبقي في نفر قليل يقاسي في سبيل دعوته المصاعب والآلام، ولما أيقنت قريش أن تلك الاساليب التي كانت تستعملها ضد دعوته المباركة لم تغنها شيئا وأن الأسلام يزداد اتساعا والايمان بمبادئه رسوخا وثباتا، بعد أن لمسوا ذلك، لم يبق لديهم من الوسائل ما يجديهم نفعا سوى التخلص منه، فاتفقوا على قتله. ولكن ارادة اللّه التي قضت بأن يرسل محمدا إلى البشر هاديا ونذيرا بالهدى ودين الحق، وان يظهره على الدين كله ولو كره المشركون حالت بينهم وبين ما يريدون، فلم تشأ ارادته سبحانه أن يصبح رسوله فريسة لأولئك الطغاة، فأوحى إليه ان يخرج من مكة ليتم رسالته، فخرج منها بعد أن استجاب له ابن عمه المقرب إلى نفسه وقلبه علي (عليه السلام) ووطن نفسه ان ينام على الفراش الذي قررت قريش أن تغتال محمدا عليه، فنام ليلته غير هياب من سيوف قريش المسلولة ورماحها المشرعة مستهينا بنفسه ليسلم سيده القائد الحكيم. لقد أقدم علي (عليه السلام) على الموت وهو يراه بعينه ولم يتجاوز العشرين عاما من عمره، يستقبل حياة حافلة بالاماني والاحلام، ولكنه في تلك اللحظة يستقبل الموت الذي هو أعز امانيه وأحلامه السعيدة في تلك الساعات التي يراها من أحرج ساعات الحياة. إنه لا يتصور إلاّ سلامة محمّد (صلى الله عليه واله) ونجاته من أعدائه ليؤدي رسالة ربه كاملة غير منقوصة وينشر بين مئات الملايين من البشر تلك المبادئ التي تأمر بالعدل والاحسان والمساواة، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. وهذه كل آماله واحلامه يوم كان طفلا وشابا وكهلا ويوم حاربه ابن هند والزبير وطلحة ويوم تجمعت قوى البغي ضده ويوم قال: (واللّه لو اعطيت الاقانيم السبعة بما تحت افلاكها على أن أعصي ا للّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت).
لقد هيأ اللّه سبحانه عليا (عليه السلام) ليفدي محمدا ودعوته بنفسه، وهيأ من بين العرب أهل يثرب، فرحبوا بمحمد ودعوته وآمنوا بها وبايعوه على أن يمنعوا عنه كيد قريش وغدرها ويبذلوا في سبيله الغالي والرخيص، وفي المدينة، نزلت الآيات التي أباحت له القتال دفاعا عن النفس وعن تلك الدعوة المباركة وأول الآيات التي شرعت الجهاد قوله سبحانه: (أذِنَ للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن اللّه على نصرهم لقدير), وقد استمر المشركون على إيذاء المسلمين والتنكيل بهم، فكانوا يأتون الرسول ما بين مضروب ومشجوج ولكنه كان يأمرهم بالصبر لأنه لم يأمر بقتالهم، ولما هاجر نزلت عليه هذه الآية، وهي كالصريحة في أنه سبحانه انما أذن لهم بقتال المشركين لدفع الظلم والعدوان، لأنهم اخرجوهم من ديارهم بلا سبب إلاّ قولهم ربنا اللّه وحده، ثمّ تتابع نزول الايات التي أباحت للرسول القتال دفاعا عن الدين والنفس، قال سبحانه: (وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان اللّه لا يحب المعتدين).
وقد روى عبد اللّه بن عباس في سبب نزول هذه الاية ان النبي لما خرج مع اصحابه يريدون العمرة وكانوا الفا واربعمائة، فلما نزلوا الحديبية، صدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي في الحديبية، ثمّ صالحهم المشركون على أن يرجع النبي من عامه ويعود في العام المقبل، ويخلوا له مكة ثلاثة أيام ليطوف بالبيت ويفعل ما يريد فرجع النبي. ولما كان العام المقبل تجهز النبي (صلى الله عليه واله) لعمرة القضاء وخاف أن لا تفي له قريش بما عاهدت عليه وكان يكره قتالهم، في الحرم وفي الشهر الحرام إذا ارادوا قتاله، فنزلت هذه الاية وفيها امر اللّه سبحانه بقتال المشركين إذا أرادوا قتاله، وان كان في الاشهر الحرم، وقيل كما عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن هذه أول آية نزلت في القتال وبعد نزولها كان الرسول يقاتل من أراد قتاله ويكف عمن كف عنه. وجاء في آية أخرى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة أشد من القتل. ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين), وفي هذه الآية امر بقتال المشركين اينما وجدهم المسلمون ولكنها نهت عن قتالهم عند المسجد الحرام إلاّ إذا أراد المشركون قتالهم عنده، كما نصت على ذلك الاية السابقة، فتكون الايات المتقدمة والفقرة الاخيرة من هذه الاية مخصصة للعموم المستفاد من صدرها الظاهر في وجوب قتالهم اينما كانوا وفي أي زمان كان، وقد دلت الاية الكريمة على أن الفتنة التي تحصل من شركهم وبقائهم على الكفر اعظم من قتالهم في الاشهر الحرم، لان الشرك باللّه فتنة لا يمكن التغاضي عنها. وقد تطغى مفاسده على جميع القيم الانسانية التي نادى بها الاسلام واكدها القرآن.
وقد جاء في الآية 193: (وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين). أي حتّى لا يكون الشرك ويظهر الاسلام على الاديان كلها وتضعف دولة الكافرين والمشركين كما عن ابن عباس ومجاهد وجعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام).
أما إذا دخل المشركون في الاسلام، وآمنوا باللّه ورسوله، فقتالهم عدوان لا يقره الاسلام بحال أبدا، ومن مجموع ما ورد في الكتاب الكريم من الايات حول الجهاد والقتال، نستطيع أن نقول إن الاسلام لم يتخذ القتال والجهاد كمبدأ عام لا بد منه على المسلمين، بل كل ما يمكن القول به هو أنه أباحه أو فرضه على الرسول لرد عدوان المشركين، حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه، ان المبدأ العام الذي اتخذه الرسول أساسأ لدعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة قال سبحانه: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ولم يخرج عن هذه المبدأ إلاّ لظروف خاصة فرضت عليه لرد كيدهم وعدوانهم وحتى لا يطغى الشرك على التوحيد، والكفر على الاسلام.


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=1505
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 9