بسم اللَّه الرحمن الرحيم
موضوع بحثنا حديث المنزلة، قوله (صلّى اللَّه عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السّلام) : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى»، وقوله في بعض الألفاظ: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»، أو «علي منّي بمنزلة هارون من موسى».يمتاز هذا الحديث عن كثير من الأحاديث في أنّه حديث أخرجه البخاري ومسلم أيضاً، إلى جنب سائر المحدّثين الذين أخرجوا هذا الحديث الشريف، وأنه حديث اتّفق عليه الشيخان بإصطلاحهم.ومن جهة أُخرى يستدلّ بهذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين (عليه السّلام) من جهات عديدة، لوجود دلالات متعدّدة فيه.لذلك اهتمّ بهذا الحديث علماؤنا منذ قديم الأيام، كما اهتمّ به الآخرون أيضاً في مجال روايته بأسانيدهم، وفي مجال الجواب عنه بطرقهم المختلفة.
رواة حديث المنزلة:
قبل كلّ شيء نذكر أسامي عدّة من الصحابة الرواة لهذا الحديث، وأسماء أشهر مشاهير الرواة له، من محدّثين ومفسّرين ومؤرّخين في القرون المختلفة.
على رأس الرواة لهذا الحديث من الصحابة:
1- أمير المؤمنين (عليه السّلام).
ويرويه أيضاً:
2- عبد اللَّه بن العباس.
3- جابر بن عبد اللَّه الأنصاري.
4- عبد اللَّه بن مسعود.
5- سعد بن أبي وقّاص.
6- عمر بن الخطّاب.
7- أبو سعيد الخدري.
8- البراء بن عازب.
9- جابر بن سمرة.
10- أبو هريرة.
11- مالك بن الحويرث.
12- زيد بن أرقم.
13- أبو رافع.
14- حذيفة بن أسيد.
15- أنس بن مالك.
16- عبد اللَّه بن أبي أوفى.
17- أبو أيّوب الأنصاري.
18- عقيل بن أبي طالب.
19- حبشي بن جنادة.
20- معاوية بن أبي سفيان.
ومن جملة رواة هذا الحديث من الصحابيات:
1- أُم سلمة أُمّ المؤمنين (رضي اللَّه عنها).
2- أسماء بنت عميس.
رواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين، وربّما يبلغون الأربعين رجل وامرأة.يقول ابن عبد البر في [الإستيعاب] عن هذا الحديث: هو من أثبت الأخبار وأصحّها.قال: وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً.فذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث، ثمّ قال: وجماعة يطول ذكرهم«1».وهكذا ترون المزي يقول بترجمة أمير المؤمنين (عليه السّلام) من كتابه الكبير في الرّجال [تهذيب الكمال] «2».وذكر الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين من [تاريخ دمشق] كثيراً من طرق هذا الحديث وأسانيده عن عشرين من الصحابة تقريباً«3».ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في [شرح البخاري] بعد أن يذكر أسامي عدّة من الصحابة، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول: وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي«4».فهذا الحديث - مضافاً إلى أنّه متواتر عند أصحابنا الإماميّة - من الأحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنّة، بل هو من الأحاديث المتواترة عندهم كذلك.يقول الحاكم النيسابوري: «هذا حديث دخل في حدّ التواتر»«5».كما أنّ الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه [الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة]«6»، وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه [قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة].وممّن اعترف بتواتر هذا الحديث: الشاه ولي اللَّه الدهلوي محدّث الهند في كتابه [إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء]«7». ولنذكر أسماء عدة من أشهر مشاهير القوم الرواة لهذا الحديث في القرون المختلفة، فمنهم:
1- محمّد بن إسحاق، صاحب السيرة.
2- أبو داود الطيالسي، في مسنده.
3- محمّد بن سعد، صاحب الطبقات.
4- أبو بكر ابن أبي شيبة، صاحب المصنف.
5- أحمد بن حنبل، صاحب المسند.
6- البخاري، في صحيحه.
7- مسلم، في صحيحه.
8- ابن ماجة، في صحيحه.
9- أبو حاتم بن حبّان، في صحيحه.
10- الترمذي، في صحيحه.
11- عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، هذا الإمام الكبير الذي ربّما يقدّمه بعضهم على والده، يروي هذا الحديث في زيادات مسند أحمد وزيادات مناقب أحمد.
12- أبو بكر البزّار، صاحب المسند.
13- النسائي، صاحب الصحيح.
14- أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند.
15- محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير.
16- أبو عوانة، صاحب الصحيح.
17- أبو الشيخ الإصفهاني، صاحب طبقات المحدثين.
18- أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.
19- أبو عبد اللَّه الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك على الصحيحين.
20- أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب الألقاب.
21- أبو بكر بن مردويه الإصفهاني، صاحب التفسير.
22- أبو نعيم الإصفهاني، صاحب حلية الأولياء.
23- أبو القاسم التنوخي، له كتاب في طرق أحاديث المنزلة.
24- أبو بكر الخطيب، صاحب تاريخ بغداد.
25- ابن عبدالبر، صاحب الإستيعاب.
26- البغوي، الملقّب عندهم بمحي السنّة، صاحب مصابيح السنّة.
27- رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصّحاح.
28- ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق.
29- الفخر الرازي، صاحب التفسير الكبير.
30- ابن الأثير الجزري، صاحب جامع الأُصول.
31- أخوه ابن الأثير، صاحب أُسد الغابة.
32- ابن النجّار البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.
33- النووي، صاحب شرح صحيح مسلم.
34- أبو العباس الطبري، صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة.
35- ابن سيّد الناس، في سيرته.
36- ابن قيّم الجوزية، في سيرته.
37- اليافعي، صاحب مرآة الجنان.
38- ابن كثير الدمشقي، صاحب التاريخ والتفسير.
39- الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.
40- جمال الدين المزّي، صاحب تهذيب الكمال.
41- ابن الشحنة، صاحب التاريخ المعروف.
42- زين الدين العراقي المحدّث المعروف، صاحب المؤلفات، صاحب الألفية في علوم الحديث.
43- ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات.
44- السيوطي، صاحب المؤلفات كالدر المنثور وغيره.
45- الديار بكري، صاحب تاريخ الخميس.
46- ابن حجر المكّي، صاحب الصواعق المحرقة.
47- المتقي الهندي، صاحب كنز العمّال.
48- المناوي، صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير.
49- وليّ اللَّه الدهلوي، صاحب المؤلفات ككتاب حجة اللَّه البالغة وإزالة الخفاء.
50- أحمد زيني دحلان، صاحب السيرة الدحلانيّة.
وغير هؤلاء من المحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين من مختلف القرون والطبقات.
نصّ حديث المنزلة وتصحيحه:
أمّا نصّ الحديث في [صحيح البخاري]: حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن سعد قال: سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه [أي سعد بن أبي وقّاص] قال النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لعلي: «أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى»«8».قال: وحدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب- مصعب بن سعد بن أبي وقّاص - عن أبيه: إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) خرج إلى تبوك فاستخلف عليّاً فقال: أتكلّفني بالصبيان والنساء؟ قال: «ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس بعدي نبي»«9».وأمّا مسلم، فإنّه يروي في [صحيحه] هذا الحديث بأسانيد عديدة لا بسندٍ وسندين:منها: ما يرويه بسنده عن سعيد بن المسيّب، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي».قال سعيد: فأحببت أنْ أُشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني به عامر فقال: أنا سمعته، قلت: أنت سمعته؟ قال: فوضع إصبعيه على أُذنيه فقال: نعم، وإلّا أُستكّتا«10».في هذا الحديث، وفي هذا اللفظ نكت يجب الإلتفات إليها.وبسند آخر في صحيح مسلم: عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أنْ تسبّ أبا التراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه فلن أسبّه .... فذكر الخصال الثلاث ومنها حديث المنزلة«11».أقول: فهذا حديث المنزلة في الصحيحين، وأنتم تعلمون بأنّ المشهور بينهم قطعيّة أحاديث الصحيحين، فجمهورهم على أنّ جميع أحاديث الصحيحين مقطوعة الصدور، ولا مجال للبحث عن أسانيد شيء من تلك الأحاديث.وللتأكّد من ذلك يمكنكم الرجوع إلى كتبهم في علوم الحديث، فراجعوا- مثلًا- كتاب [تدريب الراوي في شرح تقريب النوّاوي] للحافظ السيوطي، وبإمكانكم الرجوع إلى [شروح ألفيّة الحديث] كشرح ابن كثير وشرح زين الدين العراقي وغير ذلك، وحتّى لو راجعتم كتاب [علوم الحديث] لأبي الصلاح لرأيتم هذا المعنى، ويزيد شاه ولي اللَّه الدهلوي في كتاب [حجة اللَّه البالغة]، وهو كتاب معتبر عندهم ويعتمدون عليه، يزيد الأمر تأكيداً عندما يقول - وبعد أنْ يؤكّد على وقوع الإتفاق على هذا المعنى - يقول: «اتفقوا على أنّ كلّ من يهوّن أمرهما [أي أمر الصحيحين] فهو مبتدعٌ متبع غير سبيل المؤمنين»«12».فمن يناقش في سند حديث المنزلة - بحكم هذا الكلام الذي ادّعى عليه الاتفاق شاه ولي اللَّه دهلوي- فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين. وعندما تراجعون كتب الرجال، فهناك اتفاق بينهم على قبول من أخرج له الشيخان، حتّى أنّ بعضهم قال: من أخرجا له فقد جاز القنطرة!ومن هنا، نراهم متى ما أعيتهم السبل في ردّ حديث يتمسّك به الإمامية على إثبات حقّهم أو على إبطال باطل، وعجزوا عن الجواب، يتذرّعون بعدم إخراج الشيخين له، ويتّخذون عدم إخراجهما للحديث ذريعة للطعن في ذلك الحديث الذي ليس في صالحهم. أذكر لكم مثالًا واحداً، وهو حديث: «ستفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة»، هذا الحديث بهذا اللفظ غير موجود في الصحيحين، لكنّه موجود في السنن الأربعة، يقول ابن تيميّة في مقام الردّ على هذا الحديث«13»: الحديث ليس في الصحيحين ولكن قد أورده أهل السنن ورووه في المسانيد كالإمام أحمد وغيره.ومع ذلك لا يوافق على هذا الحديث متذرّعاً بعدم وجوده في الصحيحين. إلّا أنّ الملفت للنظر لكلّ باحث منصف، أنّهم في نفس الوقت الذي يؤكّدون على قطعيّة صدور أحاديث الصحيحين، ويتخذون إخراج الشيخين لحديثٍ أو عدم إخراجهما له دليلًا وذريعة ووسيلة لردّ الحديث أو قبوله، في نفس الوقت، إذا رأوا في الصحيحين حديثاً في صالح الإماميّة يخطّئونه ويردّونه وبكلّ جرأة. ولذا لو راجعتم إلى كتاب [التحفة الإثنا عشرية]«14» لوجدتم صاحب هذا الكتاب يبطل حديث هجر فاطمة الزهراء أبا بكر وأنّها لم تكلّمه إلى أن ماتت، يبطله ويردّه مع وجوده في الصحيحين. وينقل القسطلاني في [إرشاد الساري في شرح البخاري]«15»، وأيضاً ابن حجر المكي في كتاب [الصواعق] «16»، ينقلان عن البيهقي أنّه ضعّف حديث الزهري الدالّ على أنّ عليّاً (عليه السّلام) لم يبايع أبا بكر مدّة ستّة أشهر، فالبيهقي يضعّف هذا الحديث ويحكي غيره كالقسطلاني وابن حجر هذا التضعيف في كتابه، مع أنه موجود في الصحيحين. وقد رأيتم أنّ الحافظ أبا الفرج ابن الجوزي الحنبلي أدرج حديث الثقلين في كتابه [العلل المتناهية في الأحاديث الواهية]، مع وجوده في صحيح مسلم، ومن هنا اعترض عليه غير واحد. فيظهر: أنّ القضيّة تدور مدار مصالحهم، فمتى ما رأوا الحديث في صالحهم وأنّه ينفعهم في مذاهبهم، اعتمدوا عليه واستندوا إلى وجوده في الصحيحين، ومتى كان الحديث يضرّهم ويهدم أساساً من أُسس مذهبهم ومدرستهم، أبطلوا ذلك الحديث أو ضعّفوه مع وجوده في الصحيحين أو أحدهما.وهذا ليس بصحيحٍ، وليس من دأب أهل العلم وأهل الفضل، وليس من دأب أصحاب الفكر وأصحاب العقيدة الذين يبنون فكرهم وعقيدتهم على أُسس متينة، يلتزمون بها ويلتزمون بلوازمها.وعندما نصل إلى محاولات القوم في ردّ حديث المنزلة أو المناقشة في سنده، سنرى أنّ عدّةً منهم يناقشون سند هذا الحديث أو يضعّفونه بصراحة، مع وجوده في الصحيحين، فأين راحت قطعية صدور أحاديث الصحيحين؟ وما المقصود من الإصرار على هذه القطعية؟ونحن أيضاً لا نعتقد بقطعيّة صدور أحاديث الصحيحين، ونحن أيضاً لا نعتقد بوجود كتاب صحيح من أوّله إلى آخره سوى القرآن الكريم.لكن بحثنا معهم، وإنّما نتكلّم معهم على ضوء ما يقولون وعلى أساس ما به يصرّحون.فإذا جاء دور البحث عن سند حديث المنزلة، سترون أنّ عدّةً منهم من علماء الأصول ومن علماء الكلام يناقشون في سند حديث المنزلة ولا يسلّمون بصحّته، فيظهر أنّه ليس هناك قاعدة يلجأون إليها دائماً ويلتزمون بها دائماً، وإنّما هي أهواء يرتّبونها بعنوان قواعد، يذكرونها بعنوان أُسس، فيطبّقونها متى ما شاؤا ويتركونها متى ما شاؤا.ولا بأس بذكر عدّة من ألفاظ حديث المنزلة في غير الصحيحين من الكتب المعروفة المشهورة، وفي كلّ لفظ توجد خصوصية أرجو أنْ لا تفوت عليكم، وأرجو أنْ تتأمّلوا فيها:في [الطبقات لأبن سعد]، يروي هذا الحديث بطرق، ومنها: بسنده عن سعيد بن المسيّب، وهو نفس الحديث الذي قرأناه في صحيح مسلم، فقارنوا بين لفظه في الطبقات ولفظه في صحيح مسلم. يقول سعيد:قلت لسعد بن مالك - هو سعد بن أبي وقّاص -: إنّي أُريد أنْ أسألك عن حديث، وأنا أهابك أنْ أسألك عنه! قال: لا تفعل يا ابن أخي، إذا علمت أنّ عندي علماً فاسألني عنه ولا تهبني، فقلت: قول رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لعلي حين خلّفه في المدينة في غزوة تبوك، فجعل سعد يحدّثه الحديث«17».لماذا عندما يريدون أن يسألوا عن حديث يتعلّق بعلي وأهل البيت يهابون الصحابي أن يسألوه، أمّا إذا كان يتعلّق بغيرهم فيسألونه بكلّ انطلاق وبكلّ سهولة وبكلّ ارتياح؟ويروي محمّد بن سعد في [الطبقات]«18» بإسناده عن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم قالا:لمّا كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك، قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لعلي بن أبي طالب: «إنّه لا بدّ أنْ أُقيم أو تقيم».يظهر أنّ في المدينة في تلك الظروف حوادث، وهناك محاولات أو مؤامرات سنقرؤها في بعض الأحاديث الآتية، وكان لا بدّ أنْ يبقى في المدينة إمّا رسول اللَّه نفسه وإمّا علي ولا ثالث، أحدهما لابدّ أنْ يبقى، وأمّا الغزوة أيضاً فلا بدّ وأنْ تتحقّق، فيقول رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لعلي: «إنّه لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم»، فخلّفه.فلمّا فَصَلَ رسول اللَّه غازياً قال ناس - وفي بعض الألفاظ: قال ناس من قريش، وفي بعض الألفاظ: قال بعض المنافقين - ما خلّفه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) إلّا لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك عليّاً، فأتبع رسول اللَّه حتّى انتهى إليه، فقال له: «ما جاء بك يا علي؟» قال: لا يا رسول اللَّه، إلّا أنّي سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي، فتضاحك رسول اللَّه وقال: «يا علي أما ترضى أن تكون منّي كهارون من موسى إلّا أنّك لست بنبي؟» قال: بلى يا رسول اللَّه، قال: «فإنّه كذلك».وفي رواية [سنن النسائي] «19» قال الناس: قالوا ملّه، أي ملّ رسول اللَّه عليّاً وكره صحبته.وفي رواية: قال علي لرسول اللَّه: زعمت قريش أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وكرهت صحبتي، وبكى علي، فنادى رسول اللَّه في الناس: «ما منكم أحد إلّا وله خاصة، يابن أبي طالب، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي؟» قال علي: رضيت عن اللَّه عزّ وجلّ وعن رسوله.وإذا راجعتم [سيرة ابن سيّد الناس] «20»، وكذا [سيرة ابن قيّم الجوزية] «21»، و [سيرة ابن إسحاق] «22»، وأيضاً في بعض المصادر الأُخرى: إنّ الذين قالوا ذلك كانوا رجالًا من المنافقين، ففي بعض الألفاظ: الناس، وفي بعض الألفاظ: قريش، وفي بعض الألفاظ: المنافقون.ومن هنا يظهر أنّ في قريش أيضاً منافقين، وهذا مطلب مهم.وفي [المعجم الأوسط] للطبراني عن علي (عليه السّلام) : إنّ النبي قال له: «خلّفتك أنْ تكون خليفتي»، قلت: أتخلّف عنك يا رسول اللَّه؟ قال: «ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبي بعدي»«23».ففيه: «خلّفتك أنْ تكون خليفتي».وروى السيوطي في [جامعه الكبير] «24» عن كتب جمع، منهم: ابن النجار البغدادي، وأبو بكر الشيرازي في الألقاب، والحاكم النيسابوري في كتابه الكنى، والحسن بن بدر - الذي هو من كبار الحفّاظ - في كتابه ما رواه الخلفاء، هؤلاء يروون عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطّاب: كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب [لماذا كانوا يذكرون عليّاً؟ وبم كانوا يذكرونه؟ حتّى نهاهم عمر عن ذكره؟ أكانوا يذكرونه بالخير وينهاهم؟ قائلًا: كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب] فإنّي سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) يقول في علي ثلاث خصال لو كان لي واحدة منهنّ كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس:كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح [هؤلاء الثلاثة هم أصحاب السقيفة من المهاجرين] ونفر من أصحاب النبي، وهو متّكىء [أي النبي] على علي بن أبي طالب، حتّى ضرب بيده على منكبيه ثمّ قال: «يا علي أنت أوّل المؤمنين إيماناً وأوّلهم إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك».وفي [تاريخ ابن كثير] «25»: «أو ما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة».وفرق بين عبارة «إلّا النبوّة» وبين عبارة «إلّا أنّك لست بنبي» و «إلّا أنّه لا نبي بعدي» فرق كثير بين العبارتين، يقول ابن كثير: «إسناده صحيح ولم يخرجوه».وفي [تاريخ ابن كثير] أيضاً (26) في حديث معاوية وسعد: إنّ معاوية وقع في علي فشتمه [بنصّ العبارة] فقال سعد: واللَّه لأنْ تكون لي إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ ممّا يكون لي ما طلعت عليه الشمس ...، فيذكر منها حديث المنزلة.إلّا أن الزرندي الحافظ يذكر نفس الحديث يقول: عن سعد: إنّ بعض الأُمراء قال له: ما منعك أنْ تسبّ أبا تراب ( «27»).فأراد أنْ لا يذكر اسم معاوية محاولةً لحفظ ماء وجهه وماء وجههم.وفي [تاريخ دمشق] و [الصواعق المحرقة] وغيرهما: إنّ رجلًا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها عليّاً فهو أعلم.قال الرجل: جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب علي.قال معاوية: بئس ما قلت، لقد كرهت رجلًا كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا لا نبي بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه«28».وتلاحظون: أنّ في كلّ لفظ من هذه الألفاظ التي انتخبتها خصوصية، لابدّ من النظر إليها بعين الدقّة والإعتبار.وانتهت الجهة الأُولى، أيجهة البحث عن السند والرواة.
دلالات حديث المنزلة:
الجهة الثانية: في دلالات حديث المنزلة، وكما أشرنا من قبل، دلالات حديث المنزلة متعددة، وكلّ واحدة منها تكفي لأن تكون بوحدها دليلًا على إمامة أمير المؤمنين.وقبل كلّ شيء لابدّ أنْ نرى ما هي منازل هارون من موسى حتّى يكون علي نازلًا من النبي منزلة هارون من موسى؟ لنرجع إلى القرآن الكريم ونستفيد من الآيات المباركات منازل لهارون:
المنزلة الاولى: النبوّة
قال تعالى: «وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا» «29».
المنزلة الثانية: الوزارة
قال تعالى عن لسان موسى: «وَاجْعَلْ لي وَزيرًا مِنْ أَهْلي* هارُونَ أَخي» «30».وفي سورة الفرقان قال تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزيرًا» «31».وفي سورة القصص عن لسان موسى: «وَأَخي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسانًا فَأَرْسِلْهُ مَعي رِدْءًا يُصَدِّقُني» «32».
المنزلة الثالثة: الخلافة
قال تعالى: «وَقالَ مُوسى لأَخيهِ هارُونَ اخْلُفْني في قَوْمي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبيلَ الْمُفْسِدينَ» «33».
المنزلة الرابعة: القرابة القريبة
والمنزلة الخامسة: الشركة في الأمر
قال تعالى عن لسان موسى: «وَاجْعَلْ لي وَزيرًا مِنْ أَهْلي* هارُونَ أَخي* اشْدُدْ بِهِ أَزْري* وَأَشْرِكْهُ في أَمْري» «34».ورسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) يخبر في حديث المنزلة عن ثبوت جميع هذه المنازل القرآنية لهارون وغيرها كما سنقرأ، عن ثبوتها جميعاً لعلي ما عدا النبوة، حيث أخرج رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) النبوة بعد شمول تلك الكلمة التي أطلقها، فهي تشمل النبوة إلّا أنّه أخرجها واستثناها استثناءً، لقيام الضرورة الدينيّة على أنْ لا نبي بعده (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم)، ويبقى غير هذه المنزلة باقياً وثابتاً لعلي (عليه السّلام)، وبيان ذلك: إنّ عليّاً (عليه السّلام) وإنْ لم يكن بنبي - وهذا هو الفارق الوحيد بينه وبين هارون في المراتب والمقامات والمنازل المعنوية الثابتة لهارون - إلّا أنّه (عليه السّلام) يعرّف نفسه ويذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة، نقرأ في [نهج البلاغة] يقول (عليه السّلام): «ولقد علمتم موضعي من رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) بالقرابة القربية والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يَضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة بقول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن اللَّه به (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) من لدن أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالَم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه عَلَما، ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللَّه وخديجة وأنا ثالثهما».لاحظوا هذه الكلمة: «أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول اللَّه ما هذه الرنّة؟فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته».ثمّ لاحظوا ماذا يقول الرسول لعلي: «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلّا أنّك لست بنبي ولكنّك وزير، وإنّك لعلى خير»«35».أرجوا الإنتباه إلى ما أقول، لتروا كيف تتطابق الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة وكلام علي في الخطبة القاصعة، إنّ عليّاً وإنْ لم يكن بنبي لكنّه رأى نور الوحي والرسالة وشمّ ريح النبوّة.أترون أنّ هذا المقام وهذه المنزلة تعادلها منازل جميع الصحابة من أوّلهم إلى آخرهم في المنازل الثابتة لهم؟ تلك المنازل لو وضعت في كفّة ميزان، ووضعت هذه المنزلة في كفّة، أترون أنّ تلك المنازل كلّها وتلك المناقب، تعادل هذه المنقبة الواحدة؟ فكيف وأنْ يُدّعى أنَّ شيئاً من تلك المناقب المزعومة يترجّح على هذه المنقبة؟علي لم يكن بنبي، لكنّه شمّ ريح النبوّة. لكنْ ما معنى هذه الكلمة بالدقّة؟لا نتوصّل إلى معناها، وعقولنا قاصرة عن درك هذه الحقيقة، وأيضاً: لم يكن علي نبيّاً إلّا أنّه كان وزيراً لرسول اللَّه الذي هو أشرف الأنبياء وخير المرسلين وأكرمهم وأعظمهم وأقربهم إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وأين هذه المرتبة من مرتبة هارون بالنسبة إلى موسى الذي طلب أن يكون هارون وزيراً له، إلّا أنّ كلامنا الآن في دوران الأمر بين علي وأبي بكر.ومن الأحاديث الشاهدة بوزارة علي (عليه السّلام) لرسول اللَّه، الحديث الذي ذكرناه في يوم الدار، يوم الإنذار، حيث قال: «فأيّكم يوآزرني على أمري هذا؟» قال علي: أنا يا نبي اللَّه أكون وزيرك عليه، فقال: «أنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»«36».وفي رواية الحلبي في [سيرته]: «إجلس، فأنت أخي ووزيري ووصيّي ووارثي وخليفتي من بعدي»«37».وفي [تاريخ دمشق]، و [المرقاة]، و [الدر المنثور]، و [الرياض النضرة]، يروون عن ابن مردويه وعن ابن عساكر وعن الخطيب البغدادي وغيرهم، عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) يقول: «اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى: اللهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي أخي عليّاً، اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً، إنّك كنت بنا بصيراً»«38».هذه دلالات حديث المنزلة، لاحظوا كيف تتطابق الآيات والروايات وكلام علي بالذات؟إنّ لعلي (عليه السّلام) موضعاً من رسول اللَّه يقول: «قد علمتم موضعي من رسول اللَّه بالقرابة القريبة»، هذه القرابة القريبة في قصّة موسى وهارون قول موسى: «وَاجْعَلْ لي وَزيرًا مِنْ أَهْلي* هارُونَ أَخي»، ومن هنا نرى- كما سيأتي- أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) قد ذكر حديث المنزلة في قصة المؤاخاة بينه وبين علي (عليهما الصلاة والسلام).مضافاً إلى قوله تعالى: «وَأُولُوا اْلأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُهاجِرينَ»«39».فإنّ الأوصاف الثلاثة هذه - أي الإيمان والهجرة وكونه ذا رحم - لا تنطبق إلّا على علي.فيظهر أنّ القرابة القريبة هي جزء من مقوّمات الخلافة والولاية بعد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم).وقد ذكر الفخر الرازي بتفسير الآية المذكورة«40» استدلال محمّد بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن المجتبى (عليه السّلام) بالآية المباركة هذه، في كتاب له إلى المنصور العباسي، استدلّ بهذه الآية على ثبوت الأولوية لعلي، وأجابه المنصور بأنّ العباس أولى بالنبي من علي، لأنّه عمّه وعلي ابن عمّه، ووافق الفخر الرازي - الذي ليس من العباسيين - في دعواهم هذه، لا حبّاً للعباسيين، وإنّما ....والفخر الرازي نفسه يعلم بأنّ العباس عمّ النبي ليس من المهاجرين، إذ لا هجرة بعد الفتح، فكان علي هو المؤمن المهاجر ذا الرحم، ولو فرضنا أنّ في الصحابة غير علي من هو مؤمن ومهاجر، والإنصاف وجود كثيرين منهم كذلك، إلّا أنّهم لم يكونوا بذي رحم، ويبقي العباس وقد عرفتم أنّه ليس من المهاجرين، فلا تنطبق الآية إلّا على علي.وهذا وجه استدلال محمّد بن عبد اللَّه بن الحسن في كتابه إلى المنصور، وقد كان الرجل عالماً فاضلًا عارفاً بالقرآن الكريم، والفخر الرازي في هذا الموضع يوافق العباسيين والمنصور العباسي، ويخالف الهاشميين والعلويين حتّى لا يمكن - بزعمه - الاستدلال بالآية على إمامة علي أمير المؤمنين.فقوله تعالى: «وَأُولُوا اْلأَرْحامِ» دليل أخر على إمامة علي، ومن هنا يظهر: أنّ استدلال علي (عليه السّلام) وذكره القرابة القريبة كانت إشارة ما في هذه الناحية من الدخل في مسألة الإمامة والولاية.مضافاً إلى أنّ العباس قد بايع عليّاً (عليه السّلام) في الغدير وبقي على بيعته تلك، ولم يبايع غير أمير المؤمنين، بل في قضايا السقيفة جاء إلى علي، وطلب منه تجديد البيعة، فيسقط العباس عن الإستحقاق للإمامة والخلافة بعد رسول اللَّه، ولو تتذكرون، ذكرت لكم في الليلة الأُولى أنه كان هناك قول بإمامة العباس، لكنّه قول لا يستحق الذكر، والبحث عنه عديم الجدوى.ومن منازل هارون:أعلميّته بعد موسى من جميع بني إسرائيل ومن كلّ تلك الأُمّة، وقد ثبتت المنزلة هذه بمقتضى تنزيل علي منه بمنزلة هارون من موسى لأمير المؤمنين (عليه السّلام). وإلى الأعلميّة هذه يشير علي (عليه السّلام) في الأوصاف التي ذكرها لنفسه في هذه الخطبة وفي غير هذه الخطبة.في هذه الخطبة بقول: «كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به».ويقول (عليه السّلام) في خطبة أُخرى بعد أنْ يذكر العلم بالغيب يقول: «فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا اللَّه، وما سوى ذلك [أي ما سوى ما اختصّ به سبحانه وتعالى لنفسه] فعلم علّمه اللَّه نبيّه، فعلّمنيه ودعا لي بأنْ يعيه صدري وتضْطَمّ عليه جوانحي».وأيضاً: تظهر أعلميّته (عليه السلام) من قوله في نفس هذه الخطبة عن رسول اللَّه حيث خاطبه بقوله: «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى».وأيضاً: رسول اللَّه يقول في علي: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها».وهذا الحديث هو الآخر من الأحاديث الدالة على إمامة أمير المؤمنين (سلام الله عليه)..أمّا ثبوت الأعلميّة لهارون بعد موسى، فراجعوا- إنْ شئتم - التفاسير في قوله تعالى: «قالَ إِنَّما أُوتيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدي»«41»عن لسان قارون، ففي ذيل هذه الآية، تجدون التصريح بأعلميّة هارون من جميع بني إسرائيل إلّا موسى، فراجعوا [تفسير البغوي] «4»، و [تفسير الجلالين] «43»، وغير هذين من التفاسير.
من دلالات حديث المنزلة العصمة:
وهل من شك في ثبوت العصمة لهارون؟ وقد نزّل رسول اللَّه أمير المؤمنين منزلة هارون، ولم يدّع أحد من الصحابة العصمة، كما لم يدّعها أحد لواحد منهم سوى أمير المؤمنين (عليه السّلام).وحينئذ، هل يجوّز عاقل أن يكون الإمام بعد رسول اللَّه غير معصوم مع وجود المعصوم؟وهل يجوّز العقل أنْ يجعل غير المعصوم واسطة بين الخلق والخالق مع وجود المعصوم؟وهل يجوز عقلًا وعقلاءاً الإقتداء بغير المعصوم مع وجود المعصوم؟وإلى مقام العصمة يشير علي (عليه السّلام) لمّا يقول ويصّرح بأنّه كان يرى نور الوحي والرسالة ويشمّ ريح النبوة.وهل يعقل أن يترك مثل هذا الشخص، ويُقتدى بمن ليس له أقلّ القليل من هذه المنزلة؟ولا يخفى عليكم أنّ الذي كان يسمعه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) وكان يراه، هو أسمى وأجلّ وأرقى وأرفع ممّا كان يراه ويسمعه غيره من الأنبياء السابقين عليه، فكان علي يسمع ويرى ما يسمع ويرى النبي، وعليكم بالتأمّل التام في هذا الكلام.من خصائص هارون ومنازله:أنّ اللَّه سبحانه وتعالى أحلّ له ما لم يكن حلالًا لغيره في المسجد الأقصى، وبحكم حديث المنزلة يتمّ هذا الأمر لعلي وأهل بيته بالخصوص، ويكون هذا من جملة ما يختصّ به أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرون ويميّزهم عن الآخرين، فيكونون أفضل - من هذه الناحية أيضاً - من غيرهم.والشواهد لهذا التنزيل في الأحاديث كثيرة، ومن ذلك: حديث سدّ الأبواب، وهذه ألفاظ تتعلّق بهذا الموضوع في السنّة النبويّة الشريفة المتفق عليها بين الفريقين، وأنا أنقل لكم من بعض المصادر المعتبرة عند أهل السنّة:أخرج ابن عساكر في تاريخه، وعنه السيوطي في [الدر المنثور] «44»: إنّ رسول الله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) خطب فقال: «إنّ اللَّه أمر موسى وهارون أن يتبوّءا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أنْ لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء، إلّاهارون وذريّته، ولا يحلّ لأحدٍ أن يقرب النساء في مسجدي هذا ولا بيت فيه جنب إلّا علي وذريّته».وفي [مجمع الزوائد] عن علي (عليه السّلام) قال: أخذ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) بيدي فقال: «إنّ موسى سأل ربّه أنْ يطهّر مسجده بهارون، وإنّي سألت ربّي أنْ يطهّر مسجدي بك وبذريّتك»، ثمّ أرسل إلى أبي بكر أنْ سدّ بابك، فاسترجع [أي قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون] ثمّ قال: سمعٌ وطاعة، فسدّ بابه، ثمّ أرسل على عمر، ثمّ أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثمّ قال رسول اللَّه: «ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن اللَّه فتح باب علي وسدّ أبوابكم»«45».وفي [مجمع الزوائد] و [كنز العمال] وغيرهما - واللفظ للأوّل - لمّا أخرج أهل المسجد وترك عليّاً قال الناس في ذلك [أي تكلّموا في ذلك واعترضوا] فبلغ النبي (صلّى اللَّه على وآله) فقال: «ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي، ولا أنا تركته، ولكنّ الله أخرجكم وتركه، إنّما أنا عبد مأمور، ما أُمرت به فعلت، إنّ أتّبع إلّاما يوحى إليّ»«46».وفي كتاب [المناقب] لأحمد بن حنبل، وكذا في [المسند]، و [المستدرك] للحاكم، وفي [مجمع الزوائد]، و [تاريخ دمشق]، وغيرها«47» عن زيد بن أرقم قال: كانت لنفر من أصحاب رسول اللَّه أبواب شارعة في المسجد، فقال يوماً: «سدّوا هذه الأبواب إلّا باب علي»، قال: فتكلّم في ذلك ناسٌ، فقام رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد، فإني أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، واللّه ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أُمرت بشيء فاتّبعته».وهذا الحديث موجود في [صحيح الترمذي]، وفي [الخصائص] للنسائي«48»، وغيرهما من المصادر أيضاً.ولذا كانت قضية سدّ الأبواب من جملة موارد قوله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) : «علي منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبي بعدي».وإلى الآن ظهرت دلالة حديث المنزلة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السّلام):من جهة ثبوت العصمة له.ومن جهة ثبوت الأفضلية له.ومن جهة ثبوت بعض الخصائص الأُخرى الثابثة لهارون.
دلالة حديث المنزلة على خلافة أمير المؤمنين (عليه السّلام) :
وننتقل الآن إلى دلالة هذا الحديث على خصوص الخلافة والولاية، فيكون نصّاً في المدّعى.ولا ريب في أنّ من منازل هارون: خلافته لموسى (عليه السّلام)، قال تعالى عن لسان موسى يخاطب هارون: «اخْلُفْني في قَوْمي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبيلَ الْمُفْسِدينَ»«49».فكان هارون خليفة لموسى، وعلي بحكم حديث المنزلة خليفة لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم)، فيكون هذا الحديث نصّاً في الخلافة والإمامة والولاية بعد رسول اللَّه.ومن جملة آثار هذه الخلافة: وجوب الطاعة المطلقة، ووجوب الإنقياد المطلق، وهما من أحكام الإمامة والولاية العامة.ولا يتوهمنّ أحدٌ: بأنّ وجوب إطاعة هارون ووجوب الإنقياد المطلق له، كان من آثار وأحكام نبوّته لا من آثار وأحكام خلافته عن موسى، حتّى لا تجب الإطاعة المطلقة لعلي، لأنّه لم يكن نبيّاً.هذا التوهم باطل ومردود، وإنْ وقع في بعض الكتب من بعض علمائهم؛ وذلك: لأنّ وجوب الإطاعة المطلقة إنْ كان من آثار النبوّة لا من آثار الخلافة، إذن لم يثبت وجوب الإطاعة للمشايخ الثلاثة، لأنّهم لم يكونوا أنبياء، وأيضاً: لم يثبت وجوب الإطاعة المطلقة لعلي في المرتبة الرابعة التي يقولون بها له (عليه السّلام)، إذ لم يكن حينئذ نبيّاً، بل هو خليفة.فإذن، وجوب الإطاعة لهارون كان بحكم خلافته عن موسى لا بحكم نبوّته، وحينئذ تجب الإطاعة المطلقة لعلي (عليه السّلام) بحكم خلافته عن رسول اللَّه، وبحكم تنزيله من رسول اللَّه منزلة هارون من موسى.فالمناقشة من هذه الناحية مردودة.وإذا ما رجعنا إلى الكتب المعنيّة بمثل هذه البحوث، لرأينا تصريح علمائهم بدلالة حديث المنزلة على خلافة علي (عليه السّلام).فراجعوا مثلًا كتاب [التحفة الإثنا عشرية] الذي وضعه مؤلفه ردّاً على الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، فإنّه يعترف هناك بدلالة حديث المنزلة على الخلافة، بل يُضيفُ أنّ إنكار هذه الدلالة لا يكون إلّا من ناصبي ولا يرتضي ذلك أهل السنة، لأنّ الكلام في ثبوت هذه الخلافة بعد رسول اللَّه بلا فصل، أمّا أصل ثبوت الخلافة لأمير المؤمنين بعد رسول اللَّه بحكم هذا الحديث فلا يقبل الإنكار، إلّا إذا كان من النواصب المعاندين لأمير المؤمنين (عليه السّلام)، وهذا ما نصّ عليه صاحب التحفة الإثنا عشرية.يقول هذا العالم الحنفي هذا الكلام ويعترف بهذا المقدار من الدلالة«50».إلّا أنّك لو راجعت كتب الحديث وشروح الحديث، لرأيتهم يناقشون حتّى في أصل دلالة حديث المنزلة على الخلافة والولاية بعد رسول اللَّه، أي: ترى في كتبهم ما ينسبه صاحب التحفة إلى النواصب، ويقولون بما يقوله النواصب.فراجعوا مثلًا شرح حديث المنزلة في كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني الحافظ، وشرح صحيح مسلم للحافظ النووي، والمرقاة في شرح المشكاة، تجدوهم في شرح حديث المنزلة يناقشون في دلالة هذا الحديث على أصل الإمامة والولاية، وهذا ما كان صاحب التحفة ينفيه عن أهل السنّة وينسبه إلى النواصب.أقرأ لكم عبارة النووي في [شرح صحيح مسلم]، ونفس العبارة أو قريب منها موجود في الكتب التي أشرت إليها وغيرها أيضاً، يقول النووي «51»: وليس فيه [أي: في هذا الحديث] دلالة لاستخلافه [أي: استخلاف علي] بعده [أي: بعد الرسول]، لأنّ النبي (صلّى اللَّه عليه وآله) إنّما قال لعلي حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك [أي: إنّ هذا الحديث وارد في مورد خاص].يقول: ويؤيّد هذا أنّ هارون المشبّه به لم يكن خليفة بعد موسى، بل توفي في حياة موسى قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو المشهور عند أهل الأخبار والقصص.قالوا: وإنّما استخلف موسى هارون حين ذهب لميقات ربّه للمناجاة، فكانت الخلافة هذه خلافة موقتة، وكانت في قضية خاصة محدودة، وليس فيها أي دلالة على الخلافة بالمعنى المتنازع فيه أصلًا.وهل هذا إلّا نفس الكلام الذي يأبى أن يلتزم به مثل صاحب التحفة، فينسبه إلى النواصب؟وأمّا ما يقوله ابن تيميّة وغيره من أصحاب الردود على الشيعة الإماميّة، فسنذكر مقاطع من عباراتهم، لتعرفوا من هو الناصبي، وتعرفوا النواصب أكثر وأكثر.وإلى هنا بيّنا وجه دلالة حديث المنزلة على الخلافة والإمامة والولاية بعد رسول اللَّه بالنص، وأنّ صاحب التحفة لا ينكر هذه الدلالة، وإنّما يقول بأنّ الدلالة على الإمامة بلا فصل أوّل الكلام، لأن النزاع والكلام في دلالة الحديث على الإمامة بعد رسول اللَّه مباشرة.
محاولات القوم في ردّ حديث المنزلة:
وحينئذ ندخل في الجهة الثالثة من جهات بحثنا عن حديث المنزلة، أي في المناقشات العلمية، وفي محاولات القوم ردّ هذا الحديث وإبطاله.
أوّلًا: المناقشات العلمية
ونحن على استعداد تام لقبول أيّ مناقشة إنْ كانت علمية، وعلى أُسس متينة وعلى القواعد والموازين المقررّة في كيفيّة البحث والمناظرة. ويتلخّص ما ذكروه في مقام دلالة هذا الحديث في المناقشات الثلاثة التالية:
المناقشة الأُولى:
إنّ هذا الحديث لا يدلّ على عموم المنزلة، وحينئذ تتمّ المشابهة بين علي وهارون بوجه شبهٍ واحد، ويكفي ذلك في صحّة الحديث، أمّا أنْ يكون علي نازلًا من رسول اللَّه منزلة هارون من موسى بجميع منازل هارون فلا نوافق على هذا.
المناقشة الثانية:
إنّ هذه الخلافة كانت خلافة موقتةً في ظرف خاص، وزمان محدود، وفي حياة النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم)، كما كانت خلافة هارون لموسى في حياة موسى عندما ذهب لمناجاة ربّه، ويؤيّد ذلك موت هارون في حياة موسى، فأين الخلافة بالمعنى المتنازع فيه؟
المناقشة الثالثة:
إنّ حديث المنزلة إنّما ورد في خصوص غزوة تبوك، وإنّ رسول الله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) قال هذا الكلام عندما خرج إلى تلك الغزوة وترك عليّاً ليقوم بشؤون أهله وعياله ومن بقي في المدينة المنوّرة، فالقضيّة خاصة وحديث المنزلة إنّما ورد في هذه القضية المعيّنة.
ولابدّ من الإجابة عن هذه المناقشات واحدة واحدة:
الجواب عن المناقشة الأُولى:
والمناقشة الأُولى كانت تتلخّص في نفي عموم المنزلة، فنقول في الجواب:
إنّ الحديث يشتمل على لفظ وهو اسم جنس مضاف إلى عَلَم قال: «أنت منّي بمنزلة هارون»، فكلمة المنزلة اسم جنس مضاف إلى علم وهو هارون، ثمّ يشتمل الحديث على استثناء «إلّا أنّه لا نبي بعدي»، فالكلام مشتمل على اسم جنس مضاف إلى علم، ومشتمل على إستثناء باللفظ الذي ذكرناه، هذا متن الحديث.
ولو رجعنا إلى كتب علم أُصول الفقه، وكتب علم البلاغة والأدب، لوجدنا العلماء ينصّون على أنّ الإستثناء معيار العموم، وينصّون على أنّ من ألفاظ العموم اسم الجنس المضاف، فأي مجال للمناقشة؟ اسم الجنس المضاف «بمنزلة هارون» من صيغ العموم، والإستثناء أيضاً معيار العموم، فيكون الحديث نصّاً في العموم، إذْ ليس في الحديث لفظ أخر، فلفظه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي»، وحينئذ يسقط الإشكال وتبطل المناقشة.
وهذه عبارة ابن الحاجب الذي هو من أئمّة علم الأُصول ومن أئمّة علم النحو الصرف وعلوم الأدب، يقول في كتاب [مختصر الأُصول]- وهو المتن الذي كتبوا عليه الشروح والتعاليق الكثيرة، وكان يدرّس في الحوزات العلمية-: ثمّ إنّ الصيغة الموضوعة له - أي للعموم - عند المحققين هي هذه: أسماء الشرط والإستفهام، والموصولات، الجموع المعرفة تعريف جنس لا عهد، واسم الجنس معرفاً تعريف جنس أو مضافاً«52».
وإن شئتم أكثر من هذا، فراجعوا كتابه [الكافية في علم النحو] بشرح المحقق الجامي المسمّى بـ(الفوائد الضيائيّة)، وهو أيضاً كان من الكتب الدراسيّة إلى هذه الأواخر.
وراجعوا من كتب الأُصول أيضاً [كتاب المنهاج] للقاضي البيضاوي وشروحه.
وأيضاً: راجعوا [فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت]، الذي هو من كتب علم أُصول الفقه المعتبرة المشهورة عند القوم.
وراجعوا من الكتب الأدبية كتاب [الأشباه والنظائر] للسيوطي.
وراجعوا من كتب علم البلاغة [المطوّل في شرح التلخيص] و [مختصر المعاني] في شرح التلخيص للتفتازاني، هذين الكتابين اللذين يدرّسان في الحوزات العلمية.
وهكذا غير هذه الكتب المعنية بعلم أُصول الفقه وعلم النحو والبلاغة.
وأمّا الإستثناء، فقد نصّ أئمّة علم أُصول الفقه كذلك كما في كتاب [منهاج الوصول إلى علم الأُصول] للقاضي البيضاوي، وفي شروحه أيضاً، كشرح ابن إمام الكاملية وغير هذا من الشروح، كلّهم ينصّون على هذه العبارة يقولون: الإستثناء معيار العموم.
فكلّ ما صحّ الإستثناء منه ممّا لا حصر فيه فهو عام، والحديث يشتمل على الإستثناء.
وقد يقال: لابدّ من رفع اليد عن العموم، بقرينة اختصاص حديث المنزلة بغزوة تبوك، وإذا قامت القرينة أو قام المخصّص سقط اللّفظ عن الدلالة على العموم، فيكون الحديث دالّاً على استخلافه ليكون متولّياً شؤون الصبيان والنساء والعجزة - بتعبير ابن تيميّة - الباقين في المدينة المنوّرة لا أكثر من هذا.
لكن يردّ هذا الإشكال وهذه الدعوى، ورود حديث المنزلة في مواطن عديدة غير تبوك، كما سنقرأ.
وقد يقال أيضاً: إنّ الإستثناء إنّما يدلّ على العموم إنْ كان متّصلًا، وهذا الإستثناء منقطع، لأنّ الجملة المستثناة جملة خبرية، ولا يمكن أنْ تكون الجملة الخبرية استثناؤها استثناءً متصلًا.
وهذه مناقشة علمية فهذا وجه للإشكال وجيه، ذكره صاحب [التحفة الإثنا عشرية]«53»، ولو تمّ سقط الإستدلال بعموم الإستثناء.
ولكن عندما نراجع ألفاظ الحديث، نجد فيها مجيء كلمة «النبوّة» مستثناة بعد «إلّا» وليس هناك جملة خبرية، وسند هذا الحديث معتبر، وممّن نصّ على صحّته بهذا اللفظ: هو الحافظ ابن كثير الدمشقي في كتابه [البداية والنهاية]«54».
على أنّ من المقرّر عندهم في علم الأُصول وفي علم البلاغة أيضاً: إنّ الأصل في الإستثناء هو الإتصّال، ولا ترفع اليد عن هذا الأصل إلّا بدليل أو قرينة، وأراد صاحب التحفة أن يجعل الجملة الخبرية المستثناة قرينة، وقد أجبنا عن ذلك بمجيء المستثنى إسماً لا جملة خبريّة.
ولو أردتم أن تطّلعوا على تصريحاتهم: بأنّ الأصل في الإستثناء هو الإتّصال لا الانقطاع، فراجعوا كتاب [المطوّل]، هذا الكتاب الموجود بأيدينا، الذي ندرسه وندرّسه في الحوزة العلميّة«55».
وأيضاً يمكنكم مراجعة كتاب [كشف الأسرار في شرح أُصول البزدوي]«56» للشيخ عبد العزيز البخاري الذي هو من مصادرهم الأُصولية.
كما بإمكانكم مراجعة كتاب [مختصر الأُصول لابن الحاجب] «57» أيضاً، وهو ينصّ على هذا.
بل لو راجعتم شروح الحديث، لوجدتم الشرّاح من المحدّثين أيضاً ينصّون على كون الإستثناء هذا متّصلًا لا منقطعاً، فراجعوا عبارة القسطلاني في [إرشاد الساري] «58»، وراجعوا أيضاً [فيض القدير في شرح الجامع الصغير].
إذن، سقطت المناقشة الأُولى، وتمّت دلالة الحديث على عموم المنزلة، وهذه البحوث بحوث تخصصيّة، أرجوا الإلتفات إليها وتذكّروا ما درستموه من القواعد العلمية المفيدة في مثل هذه المسائل.
الجواب عن المناقشة الثانية:
والمناقشة الثانية كان ملخصها: إنّ الإستخلاف هذا كان في قضية معيّنة، وفي حياة النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم)، كما أنّ استخلاف هارون كان في حياة موسى، وقد مات هارون قبل موسى، وإذن، لا دلالة على الإمامة والخلافة بالمعنى المتنازع فيه.
هذا الإشكال طرحه كثيرون، منهم: ابن حجر العسقلاني والقسطلاني والقاري وغيرهم من كبار المحدّثين، والمتكلّمون أيضاً طرحوه في كتبهم الكلاميّة.
مع ابن تيمية:
بل لو رجعتم إلى [منهاج السنّة] لوجدتم عبارات ابن تيميّة مشحونة بالبغض والعداء والتنقيص والطعن في علي (عليه السّلام)، لأقرأ لكم بعض عباراته، يقول: كان النبي كلّما سافر في غزوة أو عمرة أو حجّ، يستخلف على المدينة بعض الصحابة، حتّى أنّهم ذكروا استخلاف رسول اللَّه ابن أم مكتوم في بعض الموارد، ولا يدّعى لابن ام مكتوم مقام لاستخلاف النبي إيّاه في تلك الفترة.
يقول ابن تيميّة: فلمّا كان في غزوة تبوك، لم يأذن في التخلّف عنها وهي آخر مغازيه، ولم يجتمع معه الناس كما اجتمعوا معه فيها، أي في المغازي الأُخرى، فلم يتخلّف عنه إلّا النساء والصّبيان أو من هو معذور لعجزه عن الخروج أو من هو منافق، ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم، كما كان يستخلف عليهم في كلّ مرّة، لقد كان الباقون عجزة وأطفال وصبيان ونسوان، هؤلاء لم يكن حاجة لأنْ يستخلف عليهم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) رجلًا مهمّاً وشخصيّةً من شخصيّاته الملتفّين حوله، بل كان هذا الإستخلاف أضعف من الإستخلافات المعتادة منه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم).
أي استخلاف علي في تبوك كان أضعف من استخلاف ابن أُم مكتوم في بعض موارد خروجه من المدينة المنوّرة.
يقول: لأنّه لم يبق في المدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم، فكان كلّ استخلاف قبل هذا يكون على أفضل ممّن استخلف عليه عليّاً، فلهذا خرج إليه علي يبكي ويقول: أتخلّفني مع النساء و الصبيان؟ فبيّن له النبي أنّي إنّما استخلفتك لأمانتك عندي، وأنّ الإستخلاف ليس بنقصٍ ولا غضّ،، فإنّ موسى استخلف هارون على قومه، والملوك وغيرهم إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعه به ومعاونته له، ويحتاجون إلى مشاورته والإنتفاع برأيه ولسانه ويده وسيفه، فلم يكن رسول اللَّه محتاجاً إلى علي في هذه الغزوة، حتّى يشاوره أو أن يستفيد من يده ولسانه وسيفه، فأخذ معه غيره، لأنّهم كانوا ينفعونه في هذه القضايا.
يقول: وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلّ عليه السياق، ولا يقتضي المساواة في كلّ شيء، ألا ترى إلى ما ثبت بالصحيحين من قول النبي في حديث الأُسارى لمّا استشار أبا بكر فأشار بالفداء، واستشار عمر فأشار بالقتل، قال: سأُخبركم عن صاحبيكم، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، ومثلك يا عمر مثل نوح، فقوله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لهذا: مثلك مثل إبراهيم وعيسى، وقوله لهذا:
مثلك مثل نوح وموسى، أعظم من قوله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى.
هذا كلام ابن تيميّة، أي: قطعة من كلامه، وإنّا لنسأل اللَّه سبحانه وتعالى أنْ يعامل هذا الرجل بعدله، وأن يجازيه بكلّ كلمة ما يستحقّه.
وهنا ملاحظات مختصرة على هذا الكلام:
أوّلًا: إذا لم يكن لعلي في هذا الإستخلاف فضل ومقام، وكان هذا الإستخلاف أضعف من استخلاف غيره من الإستخلافات السابقة، فلماذا تمنّى عمر أنْ يكون هذا الإستخلاف له؟ ولماذا تمنّى سعد بن أبي وقّاص أن يكون هذا الإستخلاف له؟
ثانياً: قوله: «إنّ عليّاً خرج يبكي ...»، هذا كذب، علي خرج يبكي لعدم حضوره في تلك الغزوة، ولما سمعه من المنافقين، لا لأنّ النبي (صلّى اللَّه عليه وآله) خلّفه في النساء والصبيان.
وبعبارة أُخرى: قول علي لرسول اللَّه: أتخلّفني في النساء والصبيان، كان هذا القول قبل خروج رسول اللَّه في الغزوة، قبل أنْ يخرج، وبكاء علي وخروجه خلف رسول اللَّه والتقاؤه به وهو يبكي، كان بعد خروج رسول اللَّه، وإنّما خرج - وكان يبكي - لِما سمعه من المنافقين، لا لأنّ هذا الإستخلاف كان ضعيفاً، فالقول بأنّه لمّا استخلف مع النساء والصبيان جعل يبكي ويعترض على رسول اللَّه لهذا الإستخلاف، افتراء عليه.
وثالثاً: ذكره الحديث الذي شبّه فيه رسول اللَّه أبا بكر بإبراهيم، وشبّه فيه عمر بنوح، وقوله: هذا الحديث في الصحيحين، هذا كذب، فليس هذا الحديث في الصحيحين، ودونكم كتاب البخاري ومسلم، ويشهد بذلك نفس كتاب منهاج السنّة، في هذه الطبعة الجديدة المحقّقة التي حقّقها الدكتور محمّد رشاد سالم، المطبوعة في السعوديّة في تسعة أجزاء، راجعوا عبارته هنا، إذْ يقول محقّقه في الهامش: إنّ هذا الحديث إنّما هو في مسند أحمد، ويقول محقّقه - أي محقّق المسند وهو الشيخ أحمد شاكر في الطبعة الجديدة -: هذا الحديث ضعيف.
وهو أيضاً في مناقب الصحابة لأحمد بن حنبل، المطبوع في جزئين في السعودية أخيراً، فراجعوا لتروا المحقق يقول في الهامش: إنّ سنده ضعيف.
فالحديث ليس في الصحيحين، ليعارض به حديث المنزلة الموجود في الصحيحين، وإنّما هو في بعض الكتب، وينصّ المحققون في تعاليقهم على تلك الكتب بضعف هذا الحديث.
وكأنّ ابن تيميّة ما كان يظنّ أن ناظراً ينظر في كتابه، وأنّه سيراجع الصحيحين، ليظهر كذبه ويتبيّن دجله.
وأمّا ما في كلامه من الطعن لأمير المؤمنين، فكما ذكرنا، نحيل الأمر إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وهو أحكم الحاكمين.
مع الأعور الواسطي:
ومثل كلمات ابن تيميّة كلمات يوسف الأعور الواسطى، فله رسالة في الرد على الشيعة، يقول هذا الرجل:
لو سلّمنا دلالة حديث المنزلة على الخلافة، فقد كان في خلافة هارون عن موسى فتنة وفساد وارتداد المؤمنين وعبادتهم العجل، وكذلك خلافة علي، لم يكن فيها إلّا الفساد، لم يكن فيها إلّا الفتنة، ولم يكن فيها إلّا قتل للمسلمين في وقعة الجمل وصفين.
وهذا كلام هذا الناصبي الخبيث.
وبعدُ، إذا لم يكن لاستخلاف أمير المؤمنين (عليه السّلام) في تبوك قيمة، ولم يكن له هذا الإستخلاف مقاماً، بل كان هذا الإستخلاف أضعف من استخلاف مثل ابن أُم مكتوم، فلماذا هذا الإهتمام بهذا الحديث بنقل طرقه وأسانيده، وبالتحقيق في رجاله، وبالبحث في دلالاته ومداليله؟
إذا كان شيئاً تافهاً لا يستحق البحث، وكان أضعف من أضعف الإستخلافات، فلماذا هذه الإهتمامات؟
ولماذا قول عمر: لو كان لي واحدة منهنّ كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس؟
وقول سعد: واللَّه لأنْ تكون لي إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي طلعت عليه الشمس؟
ولماذا استشهاد معاوية بهذا الحديث أمام ذلك الرجل الذي سأله مسألةً، وكان معاوية بصدد بيان مقام علي وفضله؟
ولماذا كلّ هذا السعي لإبطال هذا الحديث وردّه؟
ألم يقل الفضل ابن روزبهان - الذي هو الآخر من الرادّين على الإماميّة واستدلالاتهم بالأحاديث النبويّة - ما نصّه: يثبت به - أيبحديث المنزلة - لأمير المؤمنين فضيلة الأُخوّة والمؤازرة لرسول اللَّه في تبليغ الرسالة وغيرهما من الفضائل.
وهكذا تسقط المناقشة الثانية.
الجواب عن المناقشة الثالثة:
والمناقشة الثالثة كانت دعوى اختصاص حديث المنزلة بغزوه تبوك.
نعم، لو كان الحديث مختصّاً بغزوة تبوك، ولو سلّمنا بأنّ سبب الورود وشأن النزول مخصِّص، لكان لهذا الإشكال ولهذه المناقشة وجه.
ولكن حديث المنزلة - كحديث الثقلين وكحديث الغدير - كرّره رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) في مواطن كثيرة، وهذه كتب القوم موجودة بين أيدينا، والباحث الحرّ المنصف يمكنه العثور على تلك الروايات، وتلك المواطن الكثيرة التي ذكر فيها رسول اللَّه هذا الحديث.
مواطن ورود حديث المنزلة:
وأنا أذكر لكم بعض تلك المواطن ومصادر ورود حديث المنزلة فيها، أُحاول أن أختصر:
المورد الأول: قصة المؤاخاة
قال ابن أبي أوفى: لمّا آخى النبي (صلّى اللَّه عليه وآله) بين أصحابه، وآخى بين أبي بكر وعمر، قال علي: يا رسول اللَّه ذهب روحي، وانقطع ظهري، حين رأيتك فعلت ما فعلت بأصحابك غيري، فإن كان هذا من سخط عَلَيّ فلك العتبى والكرامة، فقال رسول اللَّه: «والذي بعثني بالحقّ، ما أخّرتك إلّا بنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي»، قال: ما أرث منك يا رسول اللَّه؟ قال: «ما ورّث الأنبياء من قبلي»، قال: ما ورّث الأنبياء من قبلك؟ قال: «كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم»، وأنت معي في قصري في الجنّة، مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي»، ثمّ تَلا رسول اللَّه قوله تعالى: «إِخْوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ».
ذكر هذا الحديث الحافظ جلال الدين السيوطي في [الدر المنثور] في تفسير قوله تعالى: «اللَّهُ يَصْطَفي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ»«59»
ولاحظوا المناسبة بين هذا الحديث وبين الآية: «اللَّهُ يَصْطَفي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ».
رواه الحافظ السيوطي في كتابه المذكور عن جماعة من الأئمة: عن البغوي، والباوردي، وابن قانع، والطبراني، وابن عساكر«60».
وهو أيضاً: في مناقب علي لأحمد«61»، وفي الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة«62»، وفي كنز العمال أيضاً عن مناقب علي «63».
المورد الثاني: في حديث الدار ويوم الإنذار
ففي رواية بعض المصادر عن أبي إسحاق الثعلبي في [تفسيره] الكبير ذكر هذا اللفظ: «فأيّكم يقوم فيبايعني على أنّه أخي ووزيري ووصيّي ويكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي؟».
المورد الثالث: في خطبة غدير خم
وقد تقدم في بحث حديث الغدير.
المورد الرابع: في قضية سد الأبواب
وقد أشرنا إليه، وفي رواية هناك يقول رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) : «وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى»، رواه بهذا اللفظ: المحدّث الفقيه ابن المغازلي في كتاب [مناقب أمير المؤمنين] «64».
المورد الخامس: هو المورد الذي قرأناه عن عمر بن الخطّاب عن مصادر كثيرة قال عمر: كفّوا عن ذكر علي ... إلى آخره.
المورد السادس: في قضية ابنة حمزة سيّد الشهداء
وذلك أنّها لمّا أتت من مكة، ووصلت إلى المدينة المنورة، تخاصم فيها علي وجعفر وزيد، وفي هذه القضية تحاكموا إلى رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) لعلي: «أمّا أنت يا علي، فأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة».
روى هذا الخبر الحافظ ابن عساكر في [تاريخ دمشق] «65»، وقد اخرج الخبر:
في مسند أحمد «66»، وفي سنن البيهقي «67»، وغير هما من المصادر، لكن بدل حديث المنزلة: «أنت منّي وأنا منك».
المورد السابع: في حديثٍ عن جابر
قال: جاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) ونحن مضطجعون في المسجد، قال رسول اللَّه: «أترقدون بالمسجد! إنّه لا يرقد فيه»، فحينئذ خاطب عليّاً وكان علي فيهم قال: «تعال يا علي، إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة».
وهذا أيضاً في [تاريخ دمشق] «68».
المورد الثامن:
«يا أمّ سلمة، إنّ عليّاً لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي».
وهذا الحديث أيضاً في [تاريخ دمشق]«69».
وهناك موارد أكثر، وقد تتبعت تلك الموارد وسجّلتها، ولكن أكتفي بهذا المقدار لغرض الإختصار.
واندفعت المناقشات كلّها، وتمّت دلالة حديث المنزلة على خلافة أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام).
خلاصة دلالة حديث المنزلة على الخلافة:
وتتلخص وجوه الدلالة على الخلافة، أي على كون الحديث نصّاً في الولاية والإمامة، بعد رسول اللَّه مباشرةً في:
أوّلًا: تمنّيات بعض أكابر الأصحاب.
ثانياً: تكرار النبي هذا الحديث.
ثالثاً: القرائن الداخلية في الحديث وفي ألفاظه المختلفة، وأقرأ لكم عدّةً من تلك القرائن:
منها: قوله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) في هذا الحديث: «لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم»، ممّا يدلّ على أنّه لا يمكن أن ينوب أحد مناب رسول اللَّه في أمر من الأمور غير علي، ولهذا نظائر كثيرة، منها إبلاغ سورة براءة إلى أهل مكة.
ومن القرائن الداخلية أيضاً: قوله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) : «خلّفتك أنْ تكون خليفتي».
وهذا أيضاً قد تقدّم.
ومنها: قوله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ...»
«فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك».
أخرجه الحاكم في [المستدرك] وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ومن القرائن أيضاً: قوله لعلي: «لك من الأجر مثل ما لي ولك من المغنم مثل ما لي».
رواه صاحب [الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة] «70».
وفي حديثٍ أيضاً من أحاديث المنزلة يقول رسول اللَّه: «إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي».
وهذا الحديث صحيح قطعاً، وهو موجود: في [مسند أحمد] «71»، وفي مسند أبي يعلى، وفي المستدرك «72»، وفي تاريخ دمشق «73»، وفي تاريخ ابن كثير «74»، وفي الإصابة لابن حجر «75»، وغيرها من المصادر.
ومن القرائن: قوله (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) : «أنت خليفتي في كلّ مؤمن بعدي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى وأنت خليفتي في كلّ مؤمن بعدي».
وهو أيضاً بسند صحيح في [السنن] للنسائي «76».
وأمّا القرائن الخارجية فما أكثرها.
وإلى الآن انتهينا من البحث عن حديث المنزلة سنداً ودلالة، وظهر: إنّ حديث المنزلة نصّ في خلافة علي عن رسول اللَّه.
ومن يسعى وراء حمل الإمامة والخلافة بعد رسول اللَّه على أن يكون في المرتبة الرابعة، عليه أنْ يثبت حقيّة خلافة المشايخ بالأدلة القطعية، حتّى يحمل هذا الحديث على المرتبة الرابعة المتأخّرة عن عثمان، وإلّا فلا يتمّ هذا الحمل.
ويدلّ هذا الحديث أيضاً على عصمة أمير المؤمنين.
ويدلّ أيضاً على أفضليّة أمير المؤمنين من جهة الأعلميّة وغيرها.
قصة أروى مع معاوية:
دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم على معاوية، وهي عجوز كبيرة، فقال لها معاوية: مرحباً بك يا خالة، كيف أنت؟
فقالت: بخير يابن أُختي، لقد كفرت النّعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، وكنّا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاءاً، حتّى قبض اللَّه نبيّه مشكوراً سعيه، مرفوعاً منزلته، وَثَبت علينا بعده بنو تيم وعدي وأُميّة، فابتزّونا حقّنا، ولّيتم علينا تحتجّون بقرابتكم من رسول اللَّه، ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا الأمر، وكنّا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان علي بن أبي طالب بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسى.
فقال لها عمرو بن العاص: كفّي أيّتها العجوز الضالّة، وقصّري عن قولك مع ذهاب عقلك.
فقالت: وأنت يابن النابغة، تتكلّم وأُمّك كانت أشهر بغيّة بمكّة، وأرخصهنّ أُجرة، وادّعاك خمسة من قريش، فسألتْ امّك عنهم فقالت: كلّهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فألحقوك به.
فقال مروان: كفّي أيّتها العجوز، واقصري لما جئتي له.
قالت: وأنت أيضاً يابن الزرقاء تتكلّم.
ثمّ التفتت إلى معاوية فقالت: واللَّه ما جرّأهم عَلَيّ هؤلاء غيرك، فإنّ أُمّك القائلة في قتل حمزة:
نحن جزيناكُم بيومِ بدرِ والحربُ بعد الحربِ ذات سعرِ
ما كان لي في عتبة من صبرِ وشكرُ وحشيٍ عَلَيّ دهري
حتّى ترمّ أعظمي في قبري
فأجابتها بنت عمّي وهي تقول:
خزيتِ في بدرٍ وبعدَ بدر يا بنة جبّارٍ عظيمِ الكفرِ
فقال معاوية: عفى اللَّه عمّا سلف يا خالة، هات حاجتك.
فقالت: مالي إليك حاجة، وخرجت عنه.
وفي رواية: قالت: أُريد ألفي دينار لأشتري بها عيناً فوّارة في أرض خرّارة، تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطّلب، وألفي دينار أُخرى أُزوّج بها فقراء بني الحارث، وألفي دينار أُخرى أستعين بها على شدّة الزمان.
فأمر لها معاوية بذلك.
فأروى هذه ابنة عمّ النبي (صلّى اللَّه عليه وآله)، استشهدت بحديث المنزلة، واستدلّت على إمامة أمير المؤمنين به، وشبّهت عليّاً بهارون، وأيضاً شبّهت أهل البيت ببني إسرائيل في آل فرعون.
وهذا الخبر تجدونه مع اختلاف في بعض الألفاظ: في [العقد الفريد]، وفي [تاريخ أبي الفداء]، وفي [روضة المناظر] لابن الشحنة الحنفي، الذي هو أيضاً من التواريخ المعتبرة«77».
وهكذا، فقد تمّت الدلالة وسقطت المناقشات كلّها، والحمد للَّه.
ثانياً: المناقشات غير العلميّة
وتصل النوية الآن إلى الطرق الأُخرى والأساليب غير العلمية في ردّ حديث المنزلة، أذكرها باختصار وإنْ طال بنا المجلس، لئلّا يبقى شيء من البحث إلى الليلة القادمة.
الطرق الأول:
الطريق الذي مشوا عليه بعد المناقشات الفاشلة، هو تحريف الحديث، فبعد أنْ عرفوا أن لا جدوى في المكابرة في أسانيد الحديث ودلالاته، رأى بعض النواصب أنْ لا مناص من تحريف الحديث، ولكنْ ما أشنع تحريفه وما أقبح صنيعه، إنّه حرّف الحديث تحريفاً لا يصدر من الكفّار.
لاحظوا: في ترجمة حريز بن عثمان من [تاريخ بغداد] للخطيب البغدادي، وأيضاً في كتاب [تهذيب التهذيب] لابن حجر العسقلاني، يروون عن حريز قوله:
هذا الذي يرويه الناس عن النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) أنّه قال لعلي:
«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»، هذا حق، ولكنْ أخطأ السامع، يقول الراوي:
قلت: ما هو؟ قال: إنّما هو: أنت منّي بمنزلة قارون من موسى، قلت: عمّن ترويه؟
قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر«78».
فماذا تقولون لهذا الرجل ولرواة هذا الخبر، ولكنّ الأسف كلّ الأسف أن يكون حَريز هذا من رجال البخاري، أن يكون من رجال الصحاح سوى مسلم، كلّهم يعتمدون عليه وينقلون عنه ويصحّحون خبره، وعن أحمد بن حنبل أنّه عندما سئل عن هذا الرجل قال: ثقة ثقة ثقة.
والحال أنّهم يذكرون بترجمة هذا الرجل: إنّه كان يشتم عليّاً، ويتحامل عليه بشدّة، نصّوا على أنّه كان ناصبيّاً، وأنّه كان يقول: لا أُحبّ عليّاً، قَتَل آبائي.
كان يقول لنا إمامنا يعني معاوية - ولكم إماكم - يعني عليّاً، وكان يلعن عليّاً بالغداة سبعين مرّة وبالعشيّ سبعين مرّة.
وقد نقلوا عنه أشياء أُخرى غير هذه.
مع ذلك يصحّحون خبره، وأحمد بن حنبل يكرّر توثيقه: ثقة ثقة ثقة! ويروي عنه البخاري وأصحاب الصحاح عدا مسلم.
ومن هنا يمكن للباحث الحرّ أنْ يعرف موازين هؤلاء ومعاييرهم في تصحيح الحديث وتوثيق الراوي، وأنّهم كيف يتعاملون مع علي وأهل البيت.
الطريق الثاني:
إنّه عَمَدَ بعضهم إلى وضع حديث المنزلة للشيخين، فروى عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) إنّه قال: أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى.
هذا الحديث يرويه الخطيب البغدادي، في [تاريخ بغداد] «79» وعنه المنّاوي في كتاب [كنوز الحقائق من حديث خير الخلائق].
إلّا أن من حسن الحظ أنّ ابن الجوزي قد أورد هذا الحديث الموضوع لكن لا في الموضوعات، بل في [العلل المتناهية في الأحاديث الواهية] وقال: حديث لا يصح«80».
وأيضاً: يقول الذهبي في كتابه [ميزان الإعتدال]: هذا حديث منكر«81».
ويعيد ذكره أيضاً مرّتين ويقول: خبر كذب«82».
وابن حجر العسقلاني أيضاً يكذّب هذا الحديث في [لسان الميزان]«83».
وحينئذ، لا يبقى مجال لاستناد أحد إلى هذا الحديث الموضوع الذي ينصّون على ضعفه أو وضعه وكذبه، مع عدم وجوده في شيء من الصحاح والمسانيد والسنن.
الطريق الثالث:
وتبقى الطريقة الأخيرة، وهي ردّ حديث المنزلة وعدم قبول صحّة هذا الحديث، مع كونه في الصحيحين وغيرهما كما عرفتم.
وهذا الطريق مشى عليه كثير من علمائهم، ممّا يدلّ على فشلهم في الطرق الأُخرى، بعد عدم تمكّنهم من إبطال هذا الحديث بمناقشات علمية.
يقول أبو الحسن سيف الدين الآمدي: إنّ هذا الحديث غير صحيح.
وابن حجر المكي ينقل كلامه في [الصواعق المحرقة]«84».
وتجدون الإعتماد أيضاً على رأي الآمدي هذا في [شرح المواقف]«85» للشريف الجرجاني.
ويقول القاضي الإيجي في الجواب عن حديث المنزلة: إنّه لا يصحّ الإستدلال به من جهة السند«86».
وهكذا غير هؤلاء الذين ذكرتهم، يردّون هذا الحديث بعدم صحّة سنده، وغير واحد منهم يعتمد على كلام الآمدي.
لكن الآمدي يذكره الذهبي في [ميزان الإعتدال] ونصّ عبارته: قد نفي من دمشق لسوء اعتقاده، وصحّ عنه أنّه كان يترك الصلاة«87».
وأقول: إنْ كان ترك الصلاة عيباً مسقطاً للعدالة، وموجباً لسقوط الشخص وكلامه ورأيه في القضايا العلمية، فلماذا يعتمدون عليه وينقلون كلامه؟
ولكنْ عندي كثيرون من حفّاظ الحديث وكبار أئمّتهم الرواة للسنّة النبويّة، الأُمناء على الدين، يذكرون بتراجمهم أنّهم كانوا يتركون الصلاة، ولو اتّسع الوقت لذكرت لكم بعضهم، وذكرت بعض عباراتهم في الثناء عليهم وتبجيلهم وتوثيقهم وتعظيمهم، ممّا يدلّ على أنّ ترك الصلاة التي هي عمود الدين عند المسلمين ليس بطعن في شخص من هؤلاء.
خاتمة المطاف:
فهذه مناقشاتهم، وهذه محاولاتهم، وهؤلاء علماؤهم وحفّاظهم، والذين يعتمدون عليهم في عقائدهم، وفي أحكامم وفروعهم الفقهيّة، ولو أنّ اللَّه سبحانه وتعالى لم يقدّر لهذه الأُمّة خيرة علمائها - من هذه الطائفة المظلومة التي أصبح حالها - كما قالت أروى بنت الحارث حال بني إسرائيل في آل فرعون - لولا هؤلاء، لاندرس الدين وضاعت أثار سيّد المرسلين، ولكن اللَّه سبحانه وتعالى أتمّ الحجة بهؤلاء على غيرهم. وعلى الباحثين المنصفين الذين يريدون أنْ يعرفوا الحق فيتّبعونه أين ما كان، أنْ يتوصّلوا إلى واقعيات القضايا والأحوال.
وإنّنا نسأل اللَّه تعالى أن يثبّتنا على هذه العقيدة المستندة إلى الكتاب والسنّة المعتبرة المقبولة عند الكل، وأنْ يوفّقنا لأنْ نؤدّي واجباتنا وتكاليفنا في تبيين الحقائق وتوضيح الأُمور على ما هي عليه، ونتمكّن من مساعدة أُولئك الذين يريدون الحق، يريدون الوصول إلى الواقع، يريدون الحصول على حقيقة الأمر، وما فيه رضى اللَّه ورسوله.
وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.
( 1) الإستيعاب 3/ 1097.
( 2) تهذيب الكمال 2/ 483.
( 3) أنظر: ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) 1/ 306- 393.
( 4) فتح الباري 7/ 60.
( 5) كفاية الطالب: 283.
( 6) الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة: حرف الألف
( 7) أنظر: نفحات الأزهار 17/ 162.
( 8) صحيح البخاري 5/ 24.
( 9) المصدر 6/ 3.
( 10) صحيح مسلم 4/ 1870 رقم 2404.
( 11) المصدر 4/ 1871.
( 12) حجة اللَّه البالغة 1/ 134.
( 13) منهاج السنّة 3/ 456.
( 14) التحفة الاثنا عشرية: 278.
( 15) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 6/ 363.
( 16) الصواعق المحرقة: 90.
( 17) طبقات ابن سعد 3/ 24.
( 18) طبقات ابن سعد 3/ 24.
( 19) السنن الكبرى: كتاب الخصائص، ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه 5/ 44 رقم 8138 و 120 رقم 8429، فضائل الصحابة: فضائل علي رضي اللَّه عنه، 13.
( 20) عيون الأثر في فنون المغازي والسير 2/ 294.
( 21) زاد المعاد في هدى خير العباد 3/ 559- 560.
( 22) سيرة ابن هشام( السيرة النبويّة) 2/ 519- 520.
( 23) المعجم الأوسط 4/ 484 رقم 4248.
( 24) الجامع الكبير 16/ 244 رقم 7818.
( 25)( 26) البداية والنهاية، المجلد الرابع الجزء 7/ 340.
( 27) نظم درر السمطين: 107.
( 28) ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) من تاريخ مدينة دمشق 1/ 396 رقم 410، الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة 3/ 162، مناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام): 34 رقم 52.
( 29) سورة مريم( 19): 53.
( 30) سورة طه( 20): 29.
( 31) سورة الفرقان( 25): 35.
( 32) سورة القصص( 28): 34.
( 33) سورة الأعراف( 7): 142.
( 34) سورة طه( 20): 31.
( 35) نهج البلاغه 2/ 182 بشرح محمّد عبده.
( 36) تفسير البغوي 4/ 278، ومصادر أُخرى.
( 37) السيرة الحلبيّة 1/ 461.
( 38) السيرة الحلبيّة 1/ 461.
( 39) سورة الأحزاب( 33): 6.
( 40) تفسير الرازي 15/ 213- 214.
( 41) سورة القصص( 28): 78.
( 42) تفسير البغوي 4/ 357.
( 43) تفسير الجلالين 2/ 201.
( 44) ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) من تاريخ مدينة دمشق 1/ 296، الدرّ المنثور 4/ 383.
( 45) مجمع الزوائد 9/ 114.
( 46) مجمع الزوائد 9/ 115، كنز العمّال 11/ 600 رقم 32887.
( 47) فضائل الإمام علي (عليه السّلام) : 72 رقم 109، مسند أحمد 5/ 496 رقم 18801، المستدرك علىالصحيحين 3/ 125، مجمع الزوائد 6/ 114، ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) من تاريخ مدينة دمشق 1/ 279- 280 رقم 324، الرياض النضرة 3/ 158.
( 48) خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) : 73- 74.
( 49) سورة الأعراف( 7): 142.
( 50) التحفة الاثنا عشرية: 211.
( 51) شرح النووي لصحيح مسلم: المجلد الثامن الجزء 15/ 174.
( 52) بيان المختصر: 111.
( 53) التحفة الإثنا عشرية: 211.
( 54) البداية والنهاية، المجلّد 4 الجزء 7/ 340.
( 55) المطوّل: 204- 224.
( 56) كشف الأسرار 3/ 178 باب بيان التغير.
( 57) بيان المختصر: 246.
( 58) ارشاد الساري 6/ 117- 118.
( 59) سورة الحج( 22): 75.
( 60) الدرّ المنثور 6/ 76- 77.
( 61) فضائل الإمام علي (عليه السّلام) : 142 رقم 207.
( 62) الرياض النضرة 3/ 182، قطعة منه.
( 63) كنز العمّال 9/ 167 رقم 25554 و 13/ 105 رقم 36345.
( 64) مناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) : 255- 257.
( 65) ترجمة الإمام علي عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق 1/ 368 رقم 409.
( 66) مسند أحمد 1/ 185 رقم 933.
( 67) سنن البيهقي 8/ 6.
( 68) ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) من تاريخ مدينة دمشق 1/ 290 رقم 329.
( 69) ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) من تاريخ مدينة دمشق 1/ 365 رقم 406.
( 70) الرياض النضرة 3/ 119.
( 71) مسند أحمد 1/ 545 رقم 3052.
( 72) المستدرك على الصحيحين 3/ 133- 134.
( 73) ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) من تاريخ مدينة دمشق 1/ 209 رقم 251.
( 74) البداية والنهاية المجلد 4 الجزء 7/ 338.
( 75) الإصابة 4/ 270.
( 76) السنن الكبرى: كتاب الخصائص، ذكر خصائص أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، 5/ 113 رقم 8409.
( 77) العقد الفريد 2/ 119، تاريخ أبي الفداء( المختصر في أحوال البشر) 1/ 188، روضة المناظر، حوادث سنة 60.
( 78) تاريخ بغداد 8/ 268 رقم 4365، تهذيب التهذيب 2/ 209.
( 79) تاريخ بغداد 11/ 385 رقم 6257، كنوز الحقائق من حديث خبر الخلائق- حرف الألف.
( 80) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 1/ 199 رقم 312.
( 81) ميزان الإعتدال 5/ 473 رقم 6900.
( 82) ميزان الإعتدال 5/ 207 رقم 6015.
( 83) لسان الميزان 5/ 9 رقم 5828 وفيه أبو بكر فقط.
( 84) الصواعق المحرقة: 73.
( 85) شرح المواقف للجرجاني 8/ 362.
( 86) المصدر.
( 87) ميزان الإعتدال 3/ 358 رقم 3652.
|