• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : عقائدنا (الشيعة الامامية) .
              • القسم الفرعي : في توحيد الله .
                    • الموضوع : اعتقادنا بتوحيد الله عز وجل .

اعتقادنا بتوحيد الله عز وجل

1- شخصية الملحد ضد المنطق:
   إسم المؤمن: مأخوذ من الأمن والإطمئنان، لأنه يعتقد بوجود الله تعالى، فقد اطمأنت نفسه بإيمانه. أما الشاك بوجود الله تعالى فهو الذي لا يعرف هل أن لهذا الكون خالقاً أم لا، فهو متحير لا ينفي ولا يثبت.
   وأما الملحد فهو المائل عن الحق، لأن الإلحاد في اللغة الميل عن الحق، والملحد يميل عن المسار الطبيعي لعقله وفطرته لأنهما يدلانه على وجود الله عز وجل، وهو يتعمد الإلحاد والميل عن ذلك.
   وإنما حكمنا على الملحد بأنه يتعمد معاكسة عقله وفطرته لأن غاية ما يمكن للإنسان الشك في وجود خالق للكون، أما نفي وجوده فيتوقف على إحاطته بالكون المنظور وغير المنظور، ولا يوجد إنسان محيط بالكون، ولا بنفسه!
   أما لماذا يتعمد الميل وإنكار وجود الله تعالى، فلأنه إذا اعترف بوجوده اعترف بأنه مخلوقٌ له وعبده وعليه طاعته، وهو لايريد أن يكون عبداً، بل إلها!
   ولذلك قرر أن يكابر أمام الدليل ويتكبر على ربه! وقد  سأل أحدهم الإمام الصادق (عليه السلام) :عن أدنى الإلحاد؟ فقال: إن الكِبْرَ أدناه. (الكافي:2/309)
   كما وصف الإمام الصادق (عليه السلام) قول إبليس في القرآن الكريم: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، بأنه: عتى عن أمر ربه وألحد فتوارث الإلحاد ذريته.(تحف العقول/406).
   وروي أن نمروداً لمَّا رأى النار صارت برداً وسلاماً على إبراهيم (عليه السلام) سأله: من أنجاك؟! قال: ربي ورب العالمين. فقال نمرود لمن حوله: لقد نفعه ربه، فمن أراد أن يتخذ إلهاً فليتخذه مثل إله إبراهيم!(الكافي:8/369).
    يقصد نمرود أنه هو وأمثاله لا يحتاجون الى اتخاذ إله! وبهذا حرَّف القضية من الإعتراف بحقيقة موضوعية، وجعلها حاجة لبعض الناس، أما هو فلا يحتاج!
   إن أصل جريمة الملحد أنه قرر مسبقاً أن ينفي وجود الله تعالى، ويرفض الأدلة عليه مهما كانت قوية! وهذا هو الظلم والعلو الذي قال الله تعالى عنه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ). والآية تدل على أن الإلحاد يستتبع الإفساد، لأن الملحد ظالم متكبر، فهو يفسد في المجتمع لا محالة! 
2- النظرية الحسية غير محسوسة!
   يهرب الملحد من البحث المنطقي لأنه بنى أمره على معاكسة المنطق!
   ويرفع شعار النظرية الحسية القائلة: كل شيء غير محسوس فهو غير موجود! فهو يجعل الحس أصل نظريته، غافلاً عن أن الحس نفسه غيب غير محسوس! لأن الحس لا يعرف بالحواس لا بالسمع ولا الشم ولا الذوق ولا اللمس ولا البصر، بل يعرف بالعقل! فهو موجود من مدركات العقل غير المحسوسة!
 وبهذا تبطل نظريتهم الحسية لأن الحس نفسه غير مادي! فهم مضطرون الى الإعتراف بأن الحقائق منها ما يعرف بالحس ومنها بالعقل، وكلها حقائق.
   وقد سألناهم ما هو الموجود: الأذن..أو السمع؟ فهل تسمع بسمعك أم بأذنك؟ وهل الموجود الأذن والسمع كلاهما، أم الأذن فقط؟!
   وهم عاجزون عن الإجابة لأن الأذن والأعصاب تنقل الذبذبات الى المخ، وهي موجودات محسوسة، والسمع الذي نسمع به وجودٌ غير محسوس!
   وفي الحقيقة أن الأذن ليست هي التي تسمع، بل هي جهاز ينقل الذبذبات كأي طبلة وأسلاك، والمخ ليس هو الذي يسمع، بل هو جهاز ينقل الإشارات الى السمع، فهذا السمع إن كان موجوداً مادياً فأين هو وأين مكانه؟ وإن لم يكن موجوداً فلا يمكن أن نسمع! ولا جواب إلا أنه موجود غير مادي عرفناه بالعقل فهو غيبي وليس مادياً!
   ويدل على أن السمع ليس انعكاساً مادياً لأدواته، أن أدواته لو لم توجد فهو موجود، ولو وجدت وسيلة أخرى غير الأذن تؤدي دورها لحصل السمع!
   وإن أصروا على أن السمع أثر للمادة، فالسؤال: هل هو أثرٌ مادي أم غير مادي؟ فإن كان مادياً فأين هو؟ وإلا فقد سقطت النظرية الحسية من أصلها!
  فالصحيح في السمع والحس أنه موجود بشكل مستقل عن الجسم، وأنه قوةٌ من قوى الروح التي ترتبط بالبدن بنحو تتقبل رموز تفاعلاته المادية، وتترجمها الى مدركات! والذي يكلمك ليس بدن مخاطبك بل روحه، بوسيلة آلية معينة. والذي يفهم منه ويجيبه ليس بدنك بل روحك بواسطة آلية معينة!
   قال الله تعالى: (ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً). (الإسراء:85). وستبقى معلومات البشر عن الروح قليلة، وستبقى روح المؤمن والملحد التي بين جنبيه لغزاً، بها يحيا ويفكر ويتساءل ولا يعرف عنها إلا القليل! وكلما اكتشفوا معلومة منها، انكشفت جوانب أكثر إعجازاً وإلغازاً!
3- الطرق العلمية لمعرفة الله تعالى:
  توجد ثلاث طرق لمعرفة الله تعالى، والمعرفة الإنسانية عموماً:
   1- طريق الكشف الذاتي: فإن خاصة أولياء الله تعالى يعرفونه به: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ).
 وفي دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) : «يامن دلَّ على ذاته بذاته» (البحار:84/339).
 وفي دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) : «متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، ومتى بَعُدْتَ حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عَمِيَتْ عينٌ لا تراك عليها رقيباً». (البحار:64/142).
   وفي دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) : «بك عرفتُك، وأنت دللتني عليك، ودعوتني اليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت». (البحار:95/82 ).
  2- دليل العِلِّيَّة: فكل إنسان إذا نظر إلى نفسه وما حوله، يدرك أن عدم وجود هذا الشيء ليس محالاً، بل وجوده وعدمه ممكنان، لأن ذات الشيء لا تتضمن ضرورة وجوده أوعدمه، وهو يحتاج إلى سببٍ يوجده، وبما أن كل جزء من أجزاء العالم يحتاج إلى من يعطيه وجوده، فمن الذي أعطاه الوجود؟!
   إن قيل خلق نفسه، فيقال: فاقد الشيء لا يعطيه! وإن قيل أعطاه الوجود موجودٌ آخر مثله، يقال: هذا الآخر عاجزٌ عن إيجاد نفسه فكيف يوجد غيره؟! وهكذا كل جزء في العالم، فالمعدوم لا يمكن أن يكون سبب وجود لشيء!
   ولهذا كان وجود هذه الموجودات دليلاً على وجود خالق لها لا يحتاج إلى غيره، وهو قول الله تعالى: (أم خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيء أم هُمُ الْخَالِقُونَ). وقد سأل رجل الإمام الرضا (عليه السلام) :«يا ابن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تُكوِّنْ نفسك، ولا كوَّنك من هو مثلك».(البحار:3/36).
   3- دليل النظم الكوني: فكل ما في الكون مخلوق على قواعد وأصول، بعلم وحكمة، من أصغر ذراته الى أكبر مجراته!
   فكما نستدل بالسطر مكتوب على وجود كاتبه، فكذلك نستدل بالنبتة على وجود خالقها عز وجل، فأي علم وحكمة أعطى الماء والتراب سراً يبعث الحبة من يبسها وموتها نباتاً حياً سوياً؟ وأعطى لجذرها قدرة على شق الأرض والعثور على قوته وغذائه في مائدة التراب الغنية.
   وأي قدرة وحكمة خلقت الجذور واعيةً لعملها، ضاربةً في أعماق التربة. والجذوع والفروع باسقةً الى أعلى الفضاء! يكافح كل منهما قانوناً يضاده ويمضي في مساره، هذه في الأعماق وهذه في الآفاق؟! إن التأمل في شجرة واحدة وأنظمتها، من عروقها الى آلاف أوراقها، يبعث في الإنسان الدهشة والذهول أمام علم الخالق وقدرته اللامتناهية: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ). (راجع مقدمة منهاج الصالحين للوحيد الخراساني)
4- من استدلال الأئمة (عليهم السلام) على وجود الله تعالى:
  1- جاء رجل من الزنادقة الى الإمام الرضا (عليه السلام) فقال له:«رحمك الله أوجدني كيف هو وأين هو؟ فقال: ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط، هو أيَّنَ الأيْنَ بلا أين وكيَّفَ الكيفَ بلا كيف، فلا يُعرف بكيفوفية ولا بأينونية، ولا يُدرك بحاسة، ولا يُقاس بشيء! فقال الرجل: فإذاً إنه لا شيء، إذا لم يدرك بحاسة من الحواس! فقال أبو الحسن (عليه السلام) : ويلك! لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته؟! ونحن إذ عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شيء من الأشياء! قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبو الحسن: أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان! قال الرجل: فما الدليل عليه؟ فقال أبو الحسن: إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانياً فأقررت به. مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات، علمتُ أن لهذا مقدراً ومنشئاً». (الكافي:1/78) . 
   2- عن أحمد بن محسن الميثمي قال: كنت عند أبي منصور المتطبب فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق، وأومأ بيده إلى موضع الطواف، ما منهم أحد أُوجِبُ له إسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس، يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام). فأما الباقون فرعاع وبهائم!
   فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبتَ هذا الإسم لهذا الشيخ، دون هؤلاء؟
   قال: لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم! فقال له ابن أبي العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فيه منه! قال فقال ابن المقفع: لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك. فقال: ليس ذا رأيك، ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت!
   فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت عليَّ هذا فقم إليه، وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال! وسِمْهُ مالك أو عليك.
   قال فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين، فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع ما هذا ببشر! وإن كان في الدنيا روحانيٌّ يتجسد إذا شاء ظاهراً، ويتروَّح إذا شاء باطناً، فهو هذا!
 فقال له: وكيف ذلك؟ قال: جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء، وهو على ما يقولون، يعني أهل الطواف، فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر على ما تقولون، وليس كما تقولون، فقد استويتم وهم!
   فقلت له: يرحمك الله وأي شيء نقول وأي شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحداً! فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحداً، وهم يقولون: إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأن في السماء إلهاً، وأنها عمران. وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد! قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان! ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به؟ فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك: نُشوءك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك وحبك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك... وما زال يُعدِّد عليَّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه!».(الكافي:1/74).
   3 ـ قال محمد بن إسحاق: إن عبد الله الديصاني (ملحد معروف) سأل هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى، قال أقادرٌ هو؟ قال: نعم قادر قاهر. قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة, لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة (أي أمهلني) فقال له: قد أنظرتك حولاً، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) فاستأذن عليه فأذن له فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) :عن ماذا سألك؟ فقال قال لي: كيت وكيت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا هشام كم حواسك؟ قال: خمس. قال: أيها أصغر؟ قال الناظر، قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها. فقال له: يا هشام! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراري وجبالاً وأنهاراً. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة، لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة! فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال: حسبي يا ابن رسول الله، وانصرف إلى منزله.
   وغدا عليه الديصاني فقال له: يا هشام إني جئتك مسلِّماً ولم أجئك متقاضياً للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب، فخرج الديصاني عنه حتى أتى باب أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذن عليه فأذن له، فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد دُلَّني على معبودي. فقال له أبو عبد الله: ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟ قال: لو كنت قلت له: عبد الله، كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد؟ فقالوا له: عد إليه وقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك. فرجع إليه فقال له: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي ولا تسألني عن إسمي. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : أجلس، وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد الله: ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها, فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : يا ديصاني، هذا حصن مكنون له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبراً؟! قال: فأطرق ملياً ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه» (الكافي:1/79).
5- ما دام للكوْن عُمْرٌ فله خالق!
   من الأمور المتفق عليها في العلم الحديث أن للأرض عمراً وللنجوم عمراً، وكل جزء في الكون. وسواء كان عمرها لحظة أو ملايين السنين، فلو رجعنا الى الوراء نصل الى نقطة العدم المحض (حيث) لم يكن الكون ثم كان! أي لم يكن شيء ثم انبثقت أول نقطة وجود من العدم، فهل وُجدت بدون خالق خلقها؟!
   إن ممكن الوجود يستحيل أن يوجد إلا بواجب وجود  يدفعه من العدم الى الوجود وذلك هو الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إذا أَرَادَ شيئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
   إنك بقبولك أن للكون عمراً، قبلتَ أن احتمال وجوده وعدمه كانا متساويين، وأنه يستحيل ترجيح أحدهما بلا مرجح، فلا بد من إلهٍ من غير نوعه أوجده!
   إن وجود ممكن الوجود والعدم، بنفسه دليل على وجود واجب أوجده. كما أن وجود حركةٍ وتغيُّرٍ في الكون دليل على وجود محرك من غير نوعه، يحركه ويدبره.
  قال الشريف المرتضى (قدس سره) في الفصول المختارة/76: «دخل أبو الحسن علي بن ميثم (التمار) على الحسن بن سهل (رئيس وزراء المأمون) وإلى جانبه مُلْحِدٌ قد عظَّمَهُ، والناس حوله، فقال (ابن ميثم) : لقد رأيت ببابك عجباً! قال: وما هو؟ قال: رأيت سفينة تَعْبُرُ بالناس من جانب إلى جانب بلا ملاح، ولا ماصِر! (مسؤول حركة السفن). فقال له صاحبه الملحد وكان بحضرته: إن هذا أصلحك الله لَمَجنون!
   قال فقلت: وكيف ذاك؟ قال: خشبٌ جمادٌ لا حيلة له ولا قوة ولا حياة فيه ولا عمل كيف يَعْبُرُ بالناس؟
   فقال أبو الحسن: فأيهما أعجب؟ هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يَمْنَةً ويَسْرةً بلا روح ولا حيلة ولا قوى، وهذا النبات الذي يخرج من الأرض، والمطر الذي ينزل من السماء، تزعم أنت أنه لا مدبر لهذا كله، وتنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر وتَعْبُر بالناس!  قال: فبهت الملحد»!
6- من أدلة توحيد الله عز وجل
  الدليل الأول: أن وحدة المخلوقات تدل على وحدة الخالق عز وجل، فكل شيء في الكون مصنوع بدقة وإتقان بقوانين موحدة، من الذرة الى المجرة!
   وهذا يعني أنه من خلق إله واحد أحد، عليم قدير حكيم، وهو كما يقول عز وجل: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ.
    الدليل الثاني: أنه لو كان لله شريك لأظهر آياته، قال أمير المؤمنين لولده الحسن (عليه السلام) : «واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه».
    الدليل الثالث: لو كان للكون إلهان لكان بينهما فاصلة، فيكونان ثلاثة، وهكذا! وقد سئل الصادق (عليه السلام) : لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟ فقال (عليه السلام) : ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما، فيلزمك ثلاثة، وإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الإثنين، حتى تكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة! ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة».
    قال الصدوق (قدس سره) : «اعتقادنا في التوحيد: ليس كمثله شيء، قديم لم يزل، سميع بصير، عليم حكيم، حي قيوم، عزيز، قدوس، قادر غني، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان. وأنه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه، وأنه تعالى شيء لا كالأشياء، أحد صمد لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفواً أحد، ولا ند ولا ضد ولا شبه، ولا صاحبة، ولا مثل ولا نظير ولا شريك، لا تدركه الأبصار والأوهام وهو يدركها، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير، خالق كل شيء، لا إله إلا هو له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين. ومن قال بالتشبيه فهو مشرك ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وجد في كتاب علمائنا فهو مدلس. والأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيهاً لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على ما في القرآن من نظائرها، لأن في القرآن: (كل شيء هالك إلا وجهه)، ومعنى الوجه: الدين والدين هو الوجه الذي يؤتى الله منه ويتوجه به إليه. وفي القرآن : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود, والساق وجه الأمر وشدته. وفي القرآن: (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله)، والجنب: الطاعة. وفي القرآن : ونفخت فيه من روحي، والروح هي روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسى (عليهما السلام)، وإنما قال روحي كما قال بيتي وعبدي وجنتي».
7- أسماء الله الحسنى وصفاته عز وجل
   قال الله تعالى: (اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى). وقال: (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). (الأعراف:180). وقال: (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى), (الإسراء:110).
   والأسماء الحسنى في الآيات تشمل كل صفة حسنة يصح أن يوصف بها الله تعالى وليس فيها تجسيمٌ أو تشبيه. والمشهور منها تسع وتسعون.
   ففي التوحيد للصدوق/219، عن النبي (صلى الله عليه واله) قال: «إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين إسماً مائة إلا واحداً، إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة».
 
فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال: إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى، الله، الواحد، الصمد، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الخالق، البارئ، المصور، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الرحمن، الرحيم، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، العلي، العظيم، البارئ، المتعالي، الجليل، الجميل، الحي، القيوم، القادر، القاهر، الحكيم، القريب، المجيب، الغني، الوهاب، الودود، الشكور، الماجد، الأحد, الولي، الرشيد، الغفور، الكريم، الحليم، التواب، الرب, المجيد، الحميد، الوفي، الشهيد، المبين، البرهان، الرؤوف، المبدئ، المعيد، الباعث، الوارث، القوي، الشديد ، الضار ، النافع ، الوافي ، الحافظ ، الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل الرازق ، ذو القوة ، المتين ، القائم، الوكيل، العادل، الجامع، المعطي, المجتبي، المحيي، المميت، الكافي، الهادي، الأبد، الصادق، النور، القديم، الحق، الفرد، الوتر، الواسع، المحصي، المقتدر، المقدم، المؤخر، المنتقم، البديع». 
  أقول: يبدو أن الأسماء المقدسة تتعلق بأنواع فاعليات الله تعالى في الوجود، وأن نظام الأسماء الحسنى عميق في وجود الكون وحياته ومساره، ومن هذا الأفق يمكن أن تفهم معنى أن النبي (صلى الله عليه واله) والأئمة (عليهم السلام) هم الأسماء الحسنى أو مظاهرها.
   ففي الكافي:1/143، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، قال: نحن والله الأسماء الحسنى، التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا».
8- مسألة الرؤية أصل كل الخلاف في التوحيد
   معنى مسألة الرؤية: هل يمكن أن نرى الله تعالى بأعيننا في الدنيا أو الآخرة؟ وقد نفى ذلك أهل البيت (عليهم السلام) نفياً مطلقاً، وكذا عائشة وجمهور الصحابة، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، مستدلين بقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ),(الشورى:11), وايضا: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي),(الأعراف:143), وايضا: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103). ومستدلين بحكم العقل بأن ما يمكن رؤيته بالعين الوجود المادي المحدود في المكان والزمان.
    بينما قال الحنابلة وأتباع المذهب الأشعري من الحنفية والمالكية والشافعية: إن الله تعالى يرى بالعين في الآخرة وبعضهم قال حتى في الدنيا! واستدلوا بآيات يبدو منها ذلك بالنظرة الأولى كقوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وبروايات عن رؤية الله تعالى. ثم أولوا الآيات والأحاديث النافية لإمكان الرؤية بالعين.
  قال الصدوق (رحمه الله) في التوحيد/118، في قوله عزوجل: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَلُ الْمُؤْمِنِينَ). (الأعراف:143): «إن موسى (عليه السلام) علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الْجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ)، في حال تزلزله، فَسَوْفَ تَرَانِي، ومعناه إنك لا تراني أبداً، لأن الجبل لا يكون ساكناً متحركاً في حال أبداً، وهذا مثل قوله عز وجل: (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً، كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً.
  (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ)، أي ظهر للجبل بآية من آياته، وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل: (جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً)، من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره.
  (فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ): أي رجعت إلى معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبياء (عليهم السلام) لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدباً يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله. على أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له، ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عزوجل. وقوله: (وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ)، يقول: وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه، بأنك لا ترى».
9- نشر كعب الأحبار رؤية الله تعالى بالعين!
   لم تظهر أحاديث الرؤية بالعين في زمن النبي (صلى الله عليه واله) ولا في زمن أبي بكر، بل كانت عقيدة المسلمين أن الله تعالى ليس من نوع المادة التي تُرى بالعين وتُحس بالحواس، لأنه سبحانه وجود أعلى من المادة ، فلا تناله الأبصار، بل ولاتدركه الأوهام ، وإنما يدرك بالعقل ويُرى بالبصيرة، ورؤيتها أرقى وأعمق من رؤية البصر.
   ثم ظهرت أفكار الرؤية والتشبيه وشاعت في عهد عمر وبعده، فنهض أهل البيت (عليهم السلام) وبعض الصحابة لردها وتكذيبها! وقالت عائشة إنها فِرْيَة عظيمة على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه واله)! فقد روى بخاري في صحيحه:6/50: «عن مسروق قال: قلت لعائشة: يا أُمَّتَاه هل رأى محمد (صلى الله عليه واله) ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً (صلى الله عليه واله) رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَيُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ). ولكنه رأى جبرئيل في صورته مرتين». «من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية».(مسلم:1/110).
   وروى المجلسي في بحار الأنوار:36/194: « عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر. إذ قال عمر يا كعب أحافظٌ أنت للتوراة؟ قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً. فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ومِمَّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه؟ فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟ فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين، نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه! قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) حاضراً فَعَظَّمَ عَلِيٌّ ربه، وقام على قدميه ونفض ثيابه! فأقسم عليه عمر لمَاَ عاد إلى مجلسه، ففعله. قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن، فما علمتك إلا مفرجاً للغم!
   فالتفت علي (عليه السلام) إلى كعب فقال: غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعزّ الله وجل أن يقال له مكانٌ يُومَى إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان، بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان)عجزٌ عن كونه، وهو مما عَلَّمَ من البيان يقول الله عز وجل: (خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، فقولي له (كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كَوَّنَ ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شيء، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شيء كما خلق النور من غير شيء، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم. يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته على قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه! فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر، وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب. لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن»!
    وفي نهج البلاغة:2/99:«سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أفأعبد ما لا أرى! فقال: وكيف تراه؟! فقال: لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريبٌ من الأشياء غير ملامس، بعيدٌ منها غير مباين، متكلمٌ لا بروية، مريدٌ لا بهمَّة، صانعٌ لا بجارحة، لطيفٌ لا يوصف بالخفاء، كبيرٌ لا يوصف بالجفاء، بصيرٌ لا يوصف بالحاسة، رحيمٌ لا يوصف بالرقة. تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته». انتهى. 
   فالقول برؤية الله بالعين جاء من تأثر المسلمين باليهود والنصارى والمجوس، وقد وقف أهل البيت (عليهم السلام) وجمهور الصحابة ضده، ونفوا نسبته إلى الإسلام، لأنه يستلزم التجسيم.
   والدليل البسيط على ذلك أن ما تراه العين لا بد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان، والله تعالى وجود متعال على الزمان والمكان، لأنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم، فلا يصح أن نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما!
10- من الرؤية بالعين وصلوا الى عبادة الشاب الأمرد!
   واصل كعب الأحبار وتلاميذه في زمن عمر وبعده، نشر أفكار التجسيم! وكذبوا على النبي (صلى الله عليه واله) أنه رأى ربه على صورة شاب أمرد، وأن الله خلق آدم على صورته، وأن لله يداً ورجلاً وساقاً يضعها في جهنم فتمتلئ!
   وكان من أبرز من نشرها من سموه (الإمام) أبو الزناد ابن أخ أبي لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب، وهو موظف حكومي وليس من العلماء ولا الرواة!
   قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:8/103:«قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذي قالوا: إن الله خلق آدم على صورته، والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد، فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد! فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات», انتهى.
   يقصد أن راوي الحديث أبو الزناد متهم، لأنه كان موظفاً عند بني أمية ينشر بين المسلمين أحاديث التجسيم لكعب الأحبار التي تبناها الأمويون!
  لكن الوهابيين أحبوا دين كعب الأحبار! ففي فتاوي ابن باز:4/368/ فتوى رقم2331، قال: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً! وهو حديث صحيح، ولا غرابة في متنه فإن له معنيان: الأول: أن الله لم يخلق آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً والثاني: أن الضمير في قوله:على صورته، يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة: على صورة الرحمن»!
   وكلامه تقليد لإمامه ابن تيمية الذي تبنى الحديث المكذوب عن النبي (صلى الله عليه واله)! قال في كتابه التأسيس في الرد على أساس التقديس: «وهذا يدل على أنه رآه، وأخبر أنه رآه في صورة شاب دونه ستر وقدماه في خضرة، وأن هذه الرؤية هي المعارضة بالآية والمُجاب عنها بما تقدّم، فيقتضي أنها رؤية عين، كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قتادة، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : رأيتُ ربي في صورة أمرد، له وفرة، جعد، قطط في روضة خضراء»! راجع أيضاً: نقض عثمان بن سعيد على المريسي/438، وتفسير ابن كثير:6/448.
11- سبب نشوء الطرق في معرفة الله تعالى 
   عقيدتنا أن الله تعالى لا يمكن أن يترك الأمر للناس ليجتهدوا في معرفته وعبادته وأن القرآن لا يكفي لذلك لأنه حَمَّال وجوه، والسنة لا تكفي لأن رواتها ومفسريها مختلفون، فلا بد من تعيين أئمة معصومين بعد النبي (صلى الله عليه واله) يكونون قدوات للناس فيشرحون لهم معرفة الله تعالى في النظرية، ويجسدونها في التطبيق!
   وهم كما أخبر النبي (صلى الله عليه واله) اثنا عشر ربانياً من عترته (عليهم السلام)، وقد أمرالأمة باتِّباعهم لكن قريشاً سارعت الى أخذ الخلافة، وعزلت العترة (عليهم السلام) وحجبتهم عن إمامة الناس، ولم تعرف الشعوب الجديدة أن إمامتهم جزءٌ لا يتجزأ من الإسلام، وأنها يجب أن تأخذ معرفة الله تعالى وعبادته منهم، فتعددت فيها الإجتهادات، وتأثر مجتهدوها بثقافات الأديان والوثنيات، فنشأ التصوف في الأمة الإسلامية!
  وبرز وُعَّاظٌ وعُبَّادٌ وقراءٌ ومُنَظِّرُون لمعرفة الله وعبادته، كلهم من الشعوب غير العربية، وكان مستواهم الذهني متفوقاً، وكانوا يعتبرون أنفسهم أكثر حضارة ومدنية من العرب, وأنهم إن فهموا لغتهم فهم أقدر منهم على فهم نصوص الدين الذي نزل عليهم، وفهم أغراضه وأهدافه!
   فاتبعهم العرب أتباع الخلافة، وجعلوهم مشايخ طرق صوفية!

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=1067
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29