بسم الله الرحمن الرحيم
نقول لهم: أليس في التوراة التي في أيديكم ( لو ياسور شبيط ميهودا ومحط قيومبين رغلاف ) تفسيره: لا يزول الملك من آل يهوذا والراسم بين ظهرانيهم إلى إن يأتي المسيح ولا يقدرون على جحده. فنقول لهم: أفما علمتم أنكم كنت أصحاب دولة، وملك إلى ظهور المسيح (عليه السلام)، ثم انقضى ملككم فإن لم يكن لكم اليوم ملك فقد لزمكم من التوراة أن المسيح قد أرسل، وأيضا فإنا نقول: لهم أليس منذ بعث المسيح (عليه السلام) استولت ملوك الروم على اليهود وبيت المقدس وانقضت دولتهم وتفرق شملهم. فلا يقدرون على جحد ذلك إلا بالبهتان ويلزمهم على أصلهم الذي في التوراة أن عيسى بن مريم (عليه السلام) هو المسيح الذي كانوا ينتظرونه. إلزامهم نبوته ونبوة المصطفى (عليهما السلام) : نقول لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم فيقولون، ولد يوسف النجار سفاحا كان قد عرف اسم الله الأعظم يسخر به كثيرا من الأشياء، فنقول لهم : أليس عندكم في أصح نقلكم أن موسى (عليه السلام) قد أطلعه الله على الاسم المركب من اثنين وأربعين حرفا وبه شق البحر وعمل المعجزات؟ فلا يقدرون على إنكار ذلك. فنقول لهم: فإذا كان موسى أيضا قد عمل المعجزات بأسماء الله فلم صدقتم بنبوته وكذبتم بنبوة عيسى؟ فيقولون : لأن الله تعالى علم موسى الأسماء وعيسى لم يتعلمها من الوحي ولكنه تعلمها من حيطان بيت المقدس. فنقول لهم: فإذا كان الأمر الذي يتوصل به إلى عمل المعجزات قد يصل إليه من لا يختصه الله به ولا يريد تعليمه إياه فبأي شيء جاز تصديق موسى فيقولون لأنه أخذها عن ربه، فنقول: وبأي شيء عرفتم أنه أخذها عن ربه، فيقولون: بما تواتر من أخبار أسلافنا، وأيضا فإنا نلجئهم إلى نقل أسلافهم بأن نقول لهم بماذا عرفتم نبوة موسى، فإن قالوا: بما عمله من المعجزات، قلنا لهم: وهل فيكم من رأى هذه المعجزات؟ ليس هذا لعمري طريقا إلى تصديق النبوات، لأن هذا كان يلزم منه أن تكون معجزات الأنبياء (عليهم السلام) باقية من بعدهم ليراها كل جيل فيؤمنوا بها. وليس ذلك بواجب لأنه إذا اشتهر النبي في عصر وصحت نبوته في ذلك العصر بالمعجزات التي ظهرت منه لأهل عصره ووصل خبره إلى أهل عصر آخر وجب عليهم تصديق نبوته، واتباعه لأن المتواترات والمشهورات مما يجب قبولها في العقل وموسى وعيسى ومحمد (صلوات الله عليهم وسلامه) في هذا الأمر متساوون ولعل تواتر الشهادات بنبوة موسى أضعف من تواتر الشهادات بنبوة عيسى ومحمد لأن شهادة المسلمين والنصارى بنبوة موسى ليست إلا بسبب أن كتابيهما شهدا له بذلك فتصديقهم بنبوة موسى فرع عن تصديقهم بكتابهم وأما معجزة القرآن فإنها وإن كانت باقية فتلك فضيلة زائدة لا يحتاج إلى كونها سبب الإيمان فأما من أعطى ذوق الفصاحة فإن إيمانه بإعجاز القرآن إيمان من شاهد المعجزة لا من اعتمد على الخبر إلا أن هذه درجة لم يرسخ بها كل واحد فإن قالوا إن نبينا يشهد له جميع الأمم فالتواتر به أقوى فكيف تقولون إنه أضعف قلنا إن كان إجماع شهادات الأمم صحيحا لديكم فإن قالوا نعم قلنا فإن الأمم الذين قبلتم شهادتهم مجمعون على تكفيركم وتضليلكم فيلزمكم ذلك لأن شهادتكم عندكم مقبولة فإن قالوا لا نقبل شهادة أحد لم يبق لهم تواتر إلا من طائفتهم وهي أقل الطوائف عددا فيصير تواترهم وشرعهم لذلك أضعف الشرائع ويلزمهم مما تقدم أن كل من أظهر معجزات شهد بها التواتر مصدق في مقالته ويلزمهم من ذلك التصديق بنبوة المسيح والمصطفى. |