بسم الله الرحمن الرحيم
اختلفت الاثار في جواز البكاء على الميت بين مجيز لها وبين محرم وتبعا لاختلاف الاثار اختلفت تفسيرات الصحابة لها فينقل عن عمر وابنه انهما حرما البكاء على الميت بدعوى ان النبي صلى الله عليه واله قال ان الميت يعذب ببكاء اهله عليه بينما ينقل عن عائشة جوازه واختصاص الحرمة بالبكاء على الكافر فما هو الحق في المقام علما اننا نلتزم في تعيين المراد بما التزم به اهل السنة انفسهم .
بعض الروايات في المقام:
قال عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: توفيت ابنة لعثمان t بمكة وجئنا لنشهدها، وحضرها بن عمر وابن عباس –رضي الله عنهم– وإني لجالس بينهما. فقال عبد الله بن عمر t لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله r قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». فقال بن عباس t قد كان عمر t يقول بعض ذلك ثم حدث قال صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة، فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب. قال فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته فقال ادعه لي. فرجعت إلى صهيب، فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين. فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه وا صاحباه. فقال عمر t: يا صهيب، أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله r: «إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه»؟ قال ابن عباس t: فلما مات عمر t، ذكرت ذلك لعائشة t، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله r: «إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه»، ولكن رسول الله r قال: «إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه». وقالت: «حسبكم القرآن: ]ولا تزر وازرة وزر أخرى[». قال ابن عباس t: ثم ذلك والله هو أضحك وأبكى. قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر t شيئاً.(1)
وعن المغيرة t قال سمعت النبي r يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد. من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار». سمعت النبي r يقول: «من نيح عليه يعذب بما نيح عليه».
وعن النعمان بن بشير t قال: «أغمي على عبد الله بن رواحة. فجعلت أخته تبكي واجبلاه واكذا واكذا، تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلاّ قيل لي: أنت كذا؟ فلما مات لم تبك عليه».
والاحاديث في هذا المقام اشهر من ان تبين ويذكر اسانيدها فعمر وولده يحمان البكاء والسيدة عائشة تجيزه.
فهم اهل السنة وجمعهم بين الروايات:
قال الروياني: "ويستثنى ما إذا غلبه البكاء، فإنه لا يدخل تحت النهي؛ لأنه مما لا يملكه البشر وهذا ظاهر، قال بعضهم وإن كان لمحبة ورقة كالبكاء على الطفل، فلا بأس به، والصبر أجمل، وإن كان لما فقد من علمه وصلاحه وبركته وشجاعته فيظهر استحبابه، أو لما فاته من بره وقيامه بمصالح حاله فيظهر كراهته لتضمنه عدم الثقة بالله تعالى"، قال الزركشي: "هذا كله في البكاء بصوت، أما بمجرد دمع العين فلا مانع منه".
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يُعذب ببكاء أهله" (متفق عليه) من رواية عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما فمعناه: إذا أوصى الميت أن يبكى عليه ويناح بعد موته، وذلك جمعاً بين الأحاديث، وهو قول "الجمهور".
قال الإمام النووي رحمه الله: "تأولها الجمهور على مَن وصى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونواحهم، لأنه بسببه ومنسوب إليه"، وقال ابن حجر في (فتح الباري): "أو يكون قد عرف أن لأهله عادة بفعل أمر منكر وأهمل نهيهم عنه"، وقال أيضاً: "قال ابن المبارك: إذا كان ينهاهم في حياته، ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء" والله أعلم. قال النووي رحمه الله: "وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين"، وقال السبكي: "وينبغي أن يقال: إذا كان البكاء لرقة على الميت وما يخشى عليه من عقاب الله تعالى وأهوال يوم القيامة، فلا يكره، ولا يكون خلاف الأولى، وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء، فيكره أو يحرم" والثاني أظهر.
اذن الحرمة مختصة حسب قول عائشة بالكافر وبحسب مشهور اهل السنة بمن اوصى ان يناح عليه وبخلافه لايعذب الميت ببكاء اهله عليه وتعليل السيدة عائشة بالاية (ولاتزروا وازرة وزر اخرى) معناه كيف يعاقب الله انسانا على ذنب لم يقترفه واقترفه الاخرون
(1) أخرجها البخاري في صحيحه (1\432: #1226):
|