مسائل في تفضيل عمر على الأنبياء (عليهم السلام):
عصمة عمر عندهم أعلى من عصم ة جميع الأنبياء (عليهم السلام)
قال البخاري في صحيحه: 4/96: (استأذن عمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله؟ قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي فلما سمعنَ صوتك ابتدرنَ الحجاب! قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يَهَبْنَ، ثم قال: أيْ عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبنَ رسول الله؟ قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلا سلك فجاً غير فجِّك) (وكرره في: 4/199و7/93).
وما دام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بفرار الشيطان من عمر وعدم تأثيره عليه، فهو معصومٌ من كل أنواع الذنوب، بل هو أفضل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! لأنهم رووا أن شيطان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معه لا يهرب منه، وأنه تصارع معه فأعانه الله عليه!!
قال النووي في شرح مسلم: 15/165: (وهذا الحديث محمولٌ على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكاً فجّاً هرب هيبة من عمر، وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر، لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئاً! قال القاضي: ويحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشيطان وإغوائه منه، وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان والصحيح الأول) (والديباج: 5/380).
وقال ابن حجر في شرح البخاري: 7/38: (فيه فضيلة عظيمة لعمر، تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه، لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة، إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته! فإن قيل: عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة، لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له، فيمكن أن يكون حُفِظَ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له، لأنها في حق النبي واجبة، وفي حق غيره ممكنة.
ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ: إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه، وهذا دل على صلابته في الدين، واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض). ثم نقل كلام النووي، وفي آخره: (والأول أولى، بدل: والصحيح الأول)!
أقول: كلام ابن حجر تحريف من أجل التخفيف! فقد رأى أن حديث البخاري يجعل عمر معصوماً بدرجة فوق درجة عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فأراد أن يخفف من وقعه، فزعم أن ذلك لا يستلزم العصمة، وأن فرار الشيطان منه لا يمنع أنه يحاول الوسوسة له من بعيد وهو هارب منه! ثم اعترف بأن فراره منه ينفي إمكانية وسوسته أصلاً، وقد قبل رواية: أن الشيطان يخرُّ لوجهه إذا لقي عمر! ومع ذلك تحايل في التأويل وقال هي عصمة جائزة، وعصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واجبة! ولا مانع أن تكون العصمة الجائزة لغير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل من عصمته! وهذا طعن صريح بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتلاعبٌ بالألفاظ من أجل عمر! فيكفي لأي عاقل أن يقرأ زعمهم: إن الشيطان يفرّ من عمر ويخرّ لوجهه، ولا يفرّ من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يخرّ على وجهه!
ولا ينفعهم أن علماء السلطة القرشية عصروا أدمغتهم من أجل عمر، فجعلوا النبوة قسمين: نبوة واجبة على الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونبوة ممكنة لعمر كادت تكون فعلية! (لو كان بعدي نبي لكان عمر)!
ثم جعلوا العصمة قسمين: واجبة على الله للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومستحبة لله وهي لعمر، وقالوا: إن الله تعالى أتقن عمله المستحب أكثر من عمله الواجب، فخص عمر بأن الشيطان يهرب منه ويخرُّ لوجهه إذا لقيه، ولم يقدم هذه المساعدة لخاتم أنبيائه وسيد رسله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل تركه يغالب شيطانه وسلّطه عليه حتى في صلاته!
قال ابن القيم في زاد المعاد: 1/268: (وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي فجاءه الشيطان ليقطع عليه صلاته، فأخذه فخنقه حتى سال لعابه على يده)! وأفتى به في فقه السنة: 1/265، وصححه الألباني في تمام المنة/304. قال: (وقد صح أن الشيطان أراد أن يفسد على النبي صلاته، فمكنه الله منه وخنقه، حتى وجد برد لعابه بين إصبعيه)! والبيهقي: 2/264 وأحمد: 2/298 والبخاري...
س1: ما قولكم في تحايل علمائكم وتخبطهم في ترقيع تفضيل عمر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
قال الصالحي في سبل الهدى: 1/507: (فإن قيل: لمَ سُلِّطَ عليه الشيطان أولاً، وهلاَّ كان إذا سلك طريقاً هربَ الشيطان منه كما وقع لعمر بن الخطاب؟!
الجواب: أنه لما كان رسول الله معصوماً من الشيطان ومكره، ومحفوظاً من كيده وغدره، آمناً من وسواسه وشره، كان اجتماعه به وهربه منه سيان في حقه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولما لم يبلغ عمر هذه الرتبة العالية والمنزلة السنية، كان هرب الشيطان منه أولى في حقه، وأيقن لزيادة حفظه، وأمكن لدفع شره)!
لكن هل ينفع هذا التحايل بعد أن قبلوا أن الشيطان يهرب من عمر دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنسبوا لله تعالى أنه عصم التابع بأفضل مما عصم به المتبوع (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
تفضيل عمر على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)!
في كنز العمال: 3/847 و949: (عن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: يا رسول الله إني قد حمدت الله ربي تبارك وتعالى بمحامد، ومدح وإياك، فقال رسول الله: أما إن ربك يحب المدح، هات ما امتدحت به ربك، وما مدحتني به فدعه، فجعلت أنشده فجاء رجل فاستأذن، آدم طوال أصلع أعسر يسر، فاستنصتني له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصف أبو سلمة كيف استنصته، قال كما يصنع بالهر فدخل الرجل، فتكلم ساعة ثم خرج، ثم أخذت أنشده أيضاً، ثم رجع بعد فاستنصتني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفه أيضاً، فقلت: يا رسول الله من ذا الذي تستنصتني له؟ فقال: هذا رجل لا يحب الباطل هذا عمر بن الخطاب)!! ومجمع الزوائد: 8/219.
أسئلة:
س1: هل تصدقون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاف من عمر ويهابه؟!
س2: هل تقبلون أن الله تعالى يحب المدح والثناء عليه من عباده حتى في الشعر، لأن ذلك مصلحة لهم، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب مدح الله وثناءه بالشعر، وعمر أتقى منه فهو لا يحب الباطل لأن الشعر باطل حتى لو كان ثناء على الله تعالى؟!
10. مسائل في مزايدات عمر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
خمس مزايدات.. من عشرات!
قال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه: المواجهة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) /378، ملخصاً: (كان عمر يزايد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! ويتصور الغافلون أنه أحرص على الدين من الرسول نفسه، وأفهم بالدين من الرسول نفسه! وهذه نماذج من مزايداته:
1- صلح الحديبية: الله سبحانه وتعالى هو الذي أخرج محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) للعمرة، واختار الحديبية محطاً لرحاله ومركزاً لمفاوضاته مع بطون قريش، وأعلمه أن المفاوضات ستنتهي بصلح الحديبية، وهذا الصلح هو الفتح الحقيقي المبين، وهو يحقق الغاية التي سعى إليها محمد طوال مناوشاته وحربه مع بطون قريش، وكفى بالله شهيداً على ذلك، فهو الذي أمر نبيه بتوقيع الصلح.
مزايدة عمر: وصف عمر الصلح الذي رضيه الله ووقعه رسوله بأنه (دنيَّة) حيث قال عمر لرسول الله: فعلام نعطي الدنية في ديننا! راجع المغازي: 2/606 فقال الرسول: أنا رسول الله ولن يضيعني! وجعل عمر يرد الكلام على رسول الله ويصف الصلح بأنه (دنية) وقاد حملة رهيبة من التشكيك بصحة عمل رسول الله! وأخذ ينفرد بأصحاب الرسول ويقول لهم إن محمداً وعدنا أن ندخل الكعبة، ويحاول أن يستقطب الصحابة ضد الرسول، لعله ينجح بإفشال الصلح الذي عقده النبي مع قريش، ويكسر كلمة رسول الله! ومع أن حملته بالتشكيك قد هزت الثقة برسول الله إلى حين، إلا أنه فشل بتكوين قوة قادرة على إجهاض الصلح! وقد اعترف عمر فيما بعد، فقال: ارتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذ، ولو وجدت شيعة تخرج عنهم رغبة عن القضية لخرجت! راجع الواقدي: 2/607.
ولم يتوقف عمر عن حملته بالتشكيك إلا بعد أن أقبل عليه رسول الله، فقال: أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم. (الواقدي: 2/609) فكأن الرسول الأعظم يعيد بهذه التذكيرات الحجم الحقيقي لعمر، ويقول له: أنت الذي تدعو للحرب فرَّيت في المعركة وتركتني!
2- مزايدة أخرى في صلح الحديبية:
جاء أبو جندل ابن سهل بعد توقيع الاتفاق، وعملاً بالاتفاق يتوجب إعادته إلى قريش، واحتج عمر: بأنه لا ينبغي إعادته، ولكن الاتفاق واضح، فقال الرسول لأبي جندل: اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهداً، وإنا لا نغدر. واقتنع أبو جندل. راجع المغازي للواقدي: 2/608
وبعد أن أغلقت دائرة البحث في هذا الموضوع قال عمر لأبي جندل: أبوك رجل وأنت رجل ومعك السيف فاقتل أباك! وكان هدف عمر أن ينقض أبو جندل على سهيل بن عمرو ويقتله وهو في حضرة الرسول وجواره، وهو سفير البطون! وليضفي عمر على هذا التحريض طابعاً دينياً وبطولياً، قال عمر لأبي جندل: إن الرجل يقتل أباه في الله. وفطن أبو جندل لأسلوب عمر بالمزايدة فقال لعمر: مالك لا تقتله أنت يا عمر؟ فقال عمر: نهاني رسول الله عن قتله، وعن قتل غيره! راجع المغازي للواقدي: 2/609 ولعل هذا هو السر الذي لم يقتل فيه عمر أحداً من المشركين طوال تاريخ دولة النبي!
وهدأت العاصفة التي أثارها عمر ؟ تدخل أبو بكر صديقه الحميم، وتدخل أبو عبيدة، وطلباً من عمر أن يمارس ضبط النفس، فهو أمام رسول!
وبعد أن أخفق بجمع الأعوان ليلغي ما أوجده الرسول ويحل ما ربطه، وبعد أن وزع الشك بالرسول وشكك به! قال الرسول لأم سلمة: عجباً يا أم سلمة إني قلت للناس انحروا واحلقوا وحلوا مراراً، فلم يجبني أحد من الناس، وهم يسمعون! راجع المغازي للواقدي: 2/613
في مرحلة المفاوضات التي سبقت إبرام معاهدة الصلح طلب رسول الله من عمر أن يذهب إلى قريش ويبلغها أن الرسول ليست لديه نوايا ضدها، وأن غايته (نذبح الهدي وننصرف) فرفض عمر طلب الرسول وقال له: إني أخاف قريش على نفسي وقد عرفت قريش عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني. الخ راجع المغازي للواقدي: 2/600 ومع هذا فإن الرجل الذي لا يقوى أن يكون سفيراً لتبليغ جملة واحدة، ويدعو للحرب!
احتمالات لو نجحت حملة عمر بالتشكيك بالنبي: ولو نجح باستقطاب العدد الذي يراه من الصحابة لإجبار الرسول على إلغاء الاتفاقية بالقوة، وجر من معه إلى حرب مع قريش، فالمؤكد: أن عمر لا يحسن الحرب، ولا يحبها إنما كان يزاود!
ولو نجح عمر بإقناع أبي جندل بقتل أبيه سهيل بن عمرو في حضرة الرسول أو في معسكره لكان في ذلك إحراجاً هائلاً لرسول الله، ولتقوّلت قريش بأن الرسول قد قتل كبير مفاوضيها وغدر به وهو في رحابه، ولأدت هذه التقولات إلى نتائج خطيرة! ولكن عمر قد لا يقصد ذلك يريد أن يقنع الصحابة بأنه أحرص على الإسلام من الرسول نفسه! وأن يشكك بكلام الرسول!
3- أحجب نسائك يا محمد!
روى البخاري في صحيحه (1/69) ما يلي وبالحرف: عن عائشة أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصح وهو صعيد أفيح، فكان عمر يقول للنبي أحجب نساءك، فلم يكن رسول الله يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة! حرصاً أن ينزل الحجاب، عندئذ أنزل الله آية الحجاب!
المشكلة الحقيقية: أن الرواة يتصرفون بالوقائع والأحداث ليعطوا الرجل دائماً دور البطولة في كل مزايدة! ولا يجدون غضاضة ولا حرجاً لو أعطوه هذا الدور حتى على حساب رسول الله!
فما هي علاقة عمر بزوجة رسول الله؟ وهل هو أكثر غيرة من الرسول أو معرفة للصواب من الخطأ منه؟ وهل يترقب الوحي إشارة من عمر! أو توجيهاً منه لمواقع الخطأ في المجتمع؟! شهد الله أن هذه التصورات لا تطاق!
4- بشرى للموحدين:
لما أتم رسول الله هدم أوكار الشرك، وتشجيعاً للناس على الدخول في دائرة التوحيد والاطمئنان فيها، أمر النبي أبا هريرة أن يبشر من لقية مستيقناً قبله بشهادة لا إله إلا الله بالجنة، فكان أول من لقيه عمر، فلما بشره أبو هريرة ضربه عمر بيده بين ثدييه فأسقطه على الأرض، وقال له ارجع! فرجع أبو هريرة إلى رسول الله، فقال له الرسول: ما لك يا أبا هريرة؟ فقال أبو هريرة: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لإستي! فقال النبي ارجع. ودخل عمر فقال له الرسول: ما حملك على ما فعلت؟ فقال عمر: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها؟ راجع صحيح مسلم: 1/44 والغدير: 6/176 وسيرة عمر لابن الجوزي/38..
والكارثة حقيقة أن النووي والقاضي عياش يرون أن الصواب كان في جانب عمر! قال النووي: إن الإمام الكبير مطلقاً إذا رأى شيئاً، ورأى بعض أتباعه خلافه، ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع، فإذا ظهر له أن ما قاله التابع هو الصواب رجع المتبوع إليه! أي يرجع الرسول لعمر بهذه الحالة.شرح النووي: /404
وهنا تكمن الكارثة فقد فعلت إشاعات قادة التحالف فعلها! فهم يعتقدون أن الرسول لا يتلقى الوحي إلا بالقرآن وحده، وما عدا القرآن فهو يتصرف به من تلقاء نفسه (وعلى ذراعه)!
ولقد أكد الرسول مراراً وتكراراً لعمر ولحزبه، بأنه لا يخرج من فمه إلا حق وأقسم على ذلك! لكن لا عمر ولا حزبه ولا شيعتهم يصدقّون رسول الله في هذه الناحية، لأنها تتعارض مع إشاعاتهم! ولأن الناس إذا صدّقوها ستخرب كل خطط التحالف المستقبلية!
فعندما ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص نهي قريش (قادة التحالف) له عن كتابة كلما يسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدعوى أنه يتكلم في الغضب والرضا! أومأ الرسول بإصبعه إلى فمه وقال: أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق!
راجع سنن الدارمي: 1/125 وأبي داود: 2م126 ومسند الإمام أحمد: 2/162 و 207 و 216 ومستدرك الحاكم: 1/105 و 106 وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر/1/85
ومن الطبيعي أن يحاط عمر علماً بما قاله الرسول، ولكن مثل عمر يحتاط، ولا يصدق ذلك! لأن ذلك يتعارض مع الإشاعات التي أطلقها هو وحزبه للتشكيك بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، تمهيداً لإجهاض الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة، حيث كان يرى أن هذه الترتيبات ليست لمصلحة الإسلام.
تماماً كما كان يرى أن صلح الحديبية الذي أمر الله به ورضيه رسوله (دنية) في الدين! إنه رجل مؤمن محتاط لدينه، وإيمانه واحتياطه يخرج عن دائرة المعقول!
5- المزايدة العظمى:
الرسول على فراش المرض، وقد خُيِّر فاختار ما عند الله، وأطلع الأمة بأنه سيموت في مرضه هذا، فأراد أن يلخص الموقف لأمته.
ويبدو أن الرسول الكريم قد حدد وقتاً لكتابة وصيته، ويبدو أيضاً أن عمر بن الخطاب قد أحيط علماً بالوقت الذي حدده الرسول لكتابة وصيته، وهذا هو الذي دفع عمر لحشد أعوانه، الذين يرون رأيه ليتواجدوا في بيت الرسول بالوقت المحدد لكتابة الوصية، ويبدو أن عمر قد أحيط علماً بمضمون الوصية من العدد الذي أعلمه بموعد عزم الرسول على كتابتها!
فجمع عمر ثلة من حزبه وذهبوا إلى بيت الرسول كعواد، وكأنهم لا علم لهم بموعد كتابة الوصية ولا بمضمونها، فجلسوا كعواد وزوار للرسول فقال الرسول: قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً!
وعلى الفور تصدى له عمر وقال إن الرسول قد غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله! هذا هو القول الملطف!
أما في الحقيقة كما يروي أبو حامد الغزالي وابن الجوزي: إنه ما أن أتم رسول الله كلامه حتى تصدى له عمر وقال: إن الرسول يهجر، وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله! وعلى الفور قال الحاضرون من حزب عمر: القول ما قاله عمر، إن الرسول يهجر، حسبنا كتاب الله! فصعق الحاضرون من غير حزب عمر من هول ما سمعوا، ولم يصدقوا آذانهم، وطلبوا إحضار الكتف والدواة!
ولكن عمر وحزبه أصروا على عدم إحضار الكتف، وأكثروا اللغط والتنازع وكرروا أقوالهم السابقة بأن الرسول قد هجر ويهجر. الخ!
فقدر الرسول أن الكتابة بهذا المناخ ليست مناسبة، وعقب فقال: ولا ينبغي عندي تنازع، ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني!
وهكذا نجح عمر وحزبه بالحيلولة دون رسول الله وكتابة ما أراد!
وهذه الحادثة لا مثيل لها في التاريخ البشري: الرسول على اتصال دائم مع الوحي، وهو رئيس الدولة، ما زال رئيساً، وما زال نبياً، وهو يجلس في بيته لا في بيت عمر، ولا في بيت أحد من حزب عمر، وهو مريض ويريد أن يكتب وصية قبل أن يتوفى، تماماً كما فعل أبو بكر، وكما فعل عمر نفسه، وكما يفعل أي مسلم، أو أي إنسان! فَمَن الذين جعل عمر وصياً على الرسول، ونائباً عن المسلمين حتى يكسر هو وحزبه خاطر النبي الشريف فيقول له: أنت تهجر وعندنا القرآن، وهو يكفينا ويردد حزبه هذه المقولة في مقام النبي الأعظم!
هل هو مسلم حقاً من يقول مثل هذه الألفاظ النابية لرسول الله؟!
كيف يعتذرون عن هذه الحادثة، كيف يبررونها؟!
هل عمر أحب إليهم من رسول الله؟! بئس للظالمين بدلاً!
لقد صار التحالف المكون من بطون قريش مهاجرها وطليقها، ومن منافقي المدينة وما حولها من الأعراب، ومن المرتزقة، دولة حقيقية برئاسة عمر وأبي بكر وبقية قادة التحالف، بيدها السلطة الفعلية والنفوذ، ولكن بدون إعلان!
دولة تؤمن بأن القرآن جاءها عن طريق الرسول، وأن محمداً رسولٌ بلغ القرآن وانتهى دوره، وكل ما قاله ويقوله لا يقدم ولا يؤخر، لأن القرآن وحده يكفي!
أقول: لا يمكنك أن تفهم حقيقة الأمر حتى تعرف سبب مزايدات عمر وهدفه منها؟! فقد كان عمر يرى أن الفرصة جاءت للمسلمين في الحديبية ليدخلوا مكة بالقوة ويقتلوا قادة قريش ويحكموا مكة! فقد كانت الحديبية في السنة السابعة للهجرة، بعد انتصار المسلمين على قريش في بدر، وتعادلهم معها في أحد، ثم انتصارهم عليها وعلى الأحزاب، وهزيمتهم لليهود وإجلائهم من ضواحي المدينة.
وهم الآن على أبواب مكة بألف وأربع مئة مقاتل، وقد خافت منهم قريش، ولا شك أنها ستنهزم إن قاتلتهم، فلماذا الضعف وتحمل إذلال قريش القديم للمسلمين، وإعطاؤهم (الدنية) في الدين؟!
لكن من أعطى لعمر هذا الحق بأن يفكر للمسلمين ويقرر لهم؟
فجوابه أنه أحد قادتهم وله الحق في ذلك.
وما هو موقع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذن؟
جوابه: أنه نبي لكن يجب تنبيهه إلى الأمر والإصرار عليه! فإن لم يقبل فيجب تحريك المسلمين ضده، وفرض الأمر الواقع عليه وإجباره على قتال المشركين وفتح مكة!
ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن ربه أمره بالصلح ولو كان فيه تنازل للمشركين!
وجواب عمر أن هذا اجتهاده وليس وحياً، وعلينا أن نفرض عليه اجتهادنا!
والسؤال: ألا تخاف أن يغضب النبي عليك ؟! وجوابه: كلا، فحتى لو غضب فإنه لا يتخذ إجراء ضد أصحابه، ثم يرضى بعدها!
وتسأله: ألا ترى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يواصل مفاوضته مع سهيل ويريد توقيع الصلح؟ وجوابه: يجب العمل لمنع توقيع الصلح، ثم العمل لنقضه حتى لو وقعه النبي، فهذه فرصة لأن ندخل مكة فاتحين، ونرى زعماء قبائل قريش قتلى أو أسرى أذلاء!
ثم تسأله: وهل أنت من أهل الحرب حتى تدعو إليها ؟ وجوابه: أن المسلمين أهل حرب وقتال، وأنه هو من كبار أصحاب نبيهم.
ومهما وجهت إلى عمر من أسئلة فرضها تصرفه الغريب، فلها عنده جواب!
والنتيجة أن النبي يرى وأنا أرى، ولا يجب أن ألتزم برأيه فلست من عباد محمد! وليس كل ما يقول وحي من ربه هو وحي، بل حتى لو كان وحياً، فالمجال مفتوح للرأي الآخر!
هذا هو تفكير عمر بن الخطاب العدوي، الذي كان شخصاً مغموراً في مكة فدخل قبيل الهجرة في الإسلام، وتدخل في عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتصدى للأمور السياسية والقيادية إلى جانبه فكان أجرأ الناس عليه، بل انتقد قيادته في أحد وقال: (لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شيءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا) وها هو في الحديبية على مقربة من مكة يحلم بالدخول إليها قيادياً فاتحاً، ويفرح بذلة زعماء قبائلها وصعود نجم بني عدي الذين طردوهم من مكة لما سرقوا بعيراً فسكنوا في خيم عند صخور الحثمة!
أما المسلم لربه تعالى حق الإسلام، والمسلِّم لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حق التسليم، فترتعد فرائصه من أفكار عمر، ولا يسمح لنفسه أن تخطر بباله فضلاً عن أن يتخذها مسلكاً ومنهجاً، لأنه يؤمن بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم مسدد من ربه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)! وأن الله لم يرسله إلا ليطاع: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ). ولأن الله أمره بالخصوص بطاعة الرسول حرفياً فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)!
س1: لو كانت هذه المزايدات مرة واحدة لقلتم: إنها اشتباه أو اجتهاد، لكن تعددها يكشف عن منهج عند صاحبها وحالة في شخصيته، فما تقولون؟!
11. مسائل بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمر:
المرة الوحيدة التي ذهب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها إلى بيت عمر!
المرة الوحيدة التي ذهب النبي إلى بيت عمر، كانت قرب وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)! فقد روى في الدر المنثور: 3/155، عن عمر بن الخطاب قال: (أتاني رسول الله وأنا أعرف الحزن في وجهه، فأخذ بلحيتي! فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أتاني جبريل آنفاً فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! قلت: أجل فإنا لله وإنا إليه راجعون، فما ذاك يا جبريل ؟ فقال: إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير! قلت: فتنة كفر أو فتنة ضلالة؟ قال: كل ذلك سيكون! قلت: ومن أين ذاك وأنا تارك فيهم كتاب الله؟ قال: بكتاب الله يضلون! وأول ذلك من قبل قرائهم وأمرائهم! يمنع الأمراء الناس حقوقهم لا يعطونها فيقتتلون، وتتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون! قلت: يا جبريل فيم يسلم من سلم منهم ؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه)
س1: من الواضح أن القضية التي جاء من أجلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كبيرة وخطيرة على مستوى الأمة، وأنه جاء ليتم الحجة على عمر، فأخذ بلحيته وحذره!
والغريب أن عمر يروي الحادثة وكأنها خبر طبيعي وأمر سيقع ولا يخصه! ويزعم: إن علاج هذه الفتنة بصبر الناس على ظلم أمرائهم وانحراف علمائهم!
فكيف تفسرون هذه الحادثة، وهذا الإقرار، وهذه التعمية لها من عمر؟!
آخر ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمر:
في سيرة ابن كثير: 4/457: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب في مرض وفاته: (فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إني لمنافق وإني لكذوب وإني لنؤوم! فقال عمر بن الخطاب: ويحك أيها الرجل، لقد سترك الله لو سترت على نفسك! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مه يابن الخطاب! فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة! اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً وأذهب عنه النوم).
س1: هل يدل هذا الحديث على أن عمر يفضل فضوح الآخرة على فضوح الدنيا؟!
سلم عمر مراراً فلم يجبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
في البخاري (6/153) عن ابن عباس قال: (أصبحنا يوماً ونساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكين عند كل امرأة منهن أهلها فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من الناس، فجاء عمر بن الخطاب فصعد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في غرفة له، فسلم فلم يجبه أحد، ثم سلم فلم يجبه أحد، ثم سلم فلم يجبه أحد! فناداه فدخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: لا ولكن آليت منهن شهراً. فمكث تسعاً وعشرين ثم دخل على نسائه) والنسائي: 6/166، و3/367.
وبعد موقف عمر في الحديبة لم يكلّمه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى في طريق عودته وسلم ولم يرد عليه! ففي الدر المنثور: 6/68: أخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب، قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر فسألته عن شيء ثلاث مرات، فلم يرد عليَّ فقلت في نفسي: ثكلتك أمك يابن الخطاب نزرت رسول الله ثلاث مرات فلم يرد عليك! فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيَّ القرآن، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي فرجعت وأنا أظن أنه في شيء، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة أحب إلى من الدنيا وما فيها: (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر).
وكذلك سلم هو وأبو بكر على فاطمة (عليها السلام) فلم ترد عليهما السلام! ففي الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1/20: (فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال...).
وفي علل الشرائع: 1/187: (سلما عليها فلم ترد عليهما وحولت وجهها عنهما)!
س1: اتفق الفقهاء على وجوب رد السلام على المسلم، فبماذا تفسرون عدم رد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) السلام على عمر وأبي بكر ؟!
اعترض ذو الخويصرة وعمر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حنين!
روى المسلمون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قسم غنائم هوازن بعد معركة حنين، اعترض عليه مؤسس مذهب الخوارج ورئيسهم زهير بن حرقوص التميمي، وقال له: اعدل يا محمد! فوالله إنها قسمة ما أريد بها وجه الله!
فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخبر: أنه وأصحابه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأنهم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلى الله وسيلة! (فتح الباري: 12/253). وقد قتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال البخاري: 4/60: قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله! فقلت: والله لأخبرن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), فأتيته فأخبرته، فقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)!
وفي البخاري: 8/52: (فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل!).
واعترفوا بأن عمر أيضاً اعترض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يومها! ففي مسند أحمد: 1/20، عن عمر قال: (قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قسمة، فقلت: يا رسول الله لغير هؤلاء أحق منهم، أهل الصفة! قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنكم تخيروني، إنكم تسألوني بالفحش، وبين أن تبخلوني ولست بباخل)!
س: ما لفرق بين اعتراض حرقوص رئيس الخوارج واعتراض عمر؟!
عاش النخل الذي غرسه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة إلا نخلة عمر!
ويناسب هنا أن الله تعالى جعل البركة في يد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلبها من يد عمر، فقد روى الحاكم (5/354) وصححه الذهبي: إن سلمان الفارسي (رحمه الله) كان استعبده اليهود فاشتراه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكذا وكذا درهماً، وعلى أن يغرس نخلاً فيعمل سلمان فيها حتى يطعم، قال: فغرس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما شأن هذه؟ قال عمر: أنا غرستها يا رسول الله قال فنزعها فقلعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم غرسها فحملت من عامها! وأحمد: 5/354، والاستيعاب: 2/635 والبيهقي: 10/321، والحاكم: 2/16، وتاريخ دمشق: 21/395، والتمهيد: 3/99.
س1: بماذا تفسرون هذا الحديث المتواتر في سلب البركة من يد عمر؟!
خالف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وابتدع التراويح وقال: نعمت البدعة!
فقد أراد المسلمون أن يأتموا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قيام شهر رمضان فنهاهم، لأنه لا جماعة في النوافل، لكن عمر ابتدع ذلك وأمرهم به!
قال في المواجهة مع رسول الله/422: (كان الرسول يقيم ليالي رمضان ويؤدي سننها بغير جماعة، والناس يفعلون كما كان الرسول يفعل، وجاء عهد أبي بكر وكل واحد من المسلمين يقوم شهر رمضان ويصلي منفرداً. وبعد أن مات أبو بكر وآلت مقاليد الأمور إلى عمر بن الخطاب وفي سنة 14 هجرية أي بعد سنة من وفاة أبي بكر، دخل المسجد فرأى الناس بين قائم وراكع وساجد وقارئ ومسبح، ومحرم بالتكبير، فاستاء من هذا المنظر، ورأى أنه غير مناسب وفيه خلل كبير! لذلك أصدر أوامره أن يصلي الناس التراويح جماعة، وليس كما كانوا يصلونها في زمن رسول الله وأبي بكر! وعين إماماً للرجال وآخر للنساء! راجع الكامل لابن الأثير: 3/31 والطبقات الكبرى لابن سعد: 3/81 راجع صحيح مسلم باب الترغيب في قيام رمضان، و 2/177 وصحيح البخاري: 2/251 وموطأ مالك: 1/113.
ولما شاهد عمر الناس على هذه الحال ارتاحت نفسه وقال: نعمت البدعة! راجع ج 5/4 من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري، وراجع روضة الناظرين لابن شحنة بهامش الكامل حيث قال: إن عمر أول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح، وراجع تاريخ الخلفاء للسيوطي، والكامل لابن الأثير: 3/31.
هكذا تدخل عمر في العبادات أيضاً، ورأى أن سنة رسول الله التي قضت بأن يصلي كل واحد من المسلمين منفرداً، ويقوم رمضان بدون جماعة، أمر لم يعد مقبولاً ولا مناسباً، لذلك حمل الناس على ترك سنة الرسول الفعلية التي كلفت المسلم بأن يقوم رمضان منفرداً، إلى اتباع رأيه الشخصي الذي يرى أن جمع التراويح أنسب! وبالفعل ترك الناس سنة رسول الله وأطاعوا عمر بن الخطاب واتبعوا رأيه الشخصي، لأنه رأي الدولة الحاكمة!
قال في جواهر الكلام: 13/140: (كما أنها لا تجوز في شيء من النوافل على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل في الذكرى نسبته إلى ظاهر المتأخرين بل في المنتهى والتذكرة وعن كنز العرفان الإجماع عليه، بل يظهر من السرائر في صلاة العيد أنه من المسلمات، للنصوص المستفيضة، منها صحيح زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل، الذي هو في أعلى درجات الصحة، سألوا أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق (عليهما السلام) عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في اليوم الثالث على منبره فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل، ولا تصلوا صلاة الضحى فإن تلك معصية، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار، ثم نزل وهو يقول: قليل في سُنَّة خير من كثير في بدعة.
ومنها موثق عمار عن الصادق (عليه السلام) سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال: لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أمر الحسن بن علي (عليهما السلام) أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا: وا سنة عمراه، وا عمراه، وا عمراه! فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له: ما هذا الصوت ؟ قال: يا أمير المؤمنين الناس يصيحون: وا عمراه وا عمراه! فقال له أمير المؤمنين: قل لهم صلوا!
ومنها خبر سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان: اتباع الهوى وطول الأمل - إلى أن قال -: قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته! ولو حملت الناس على تركها لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو في قليل من شيعتي - إلى أن قال -: والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري! ولعله ظاهر في بدعة الاجتماع في مطلق النوافل التي منها نوافل شهر رمضان، ولا ينافيه مناداتهم بالنهي عن التطوع فيه بعد أن كان مورد عمومه ذلك.
وقال الشريف المرتضى في الانتصار/167: (قال مالك: قال وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس. وقال مالك: وأنا أفعل ذلك وما قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا في بيته.وقال الشافعي: صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أحب إليَّ، وهذا كله حكاه الطحاوي في كتاب الاختلاف، فالموافق للإمامية في هذه المسألة أكثر من المخالف، والحجة لها: الإجماع المتقدم وطريقة الاحتياط، فإن المصلي للنوافل في بيته غير مبدع ولا عاص بالإجماع، وليس كذلك إذا صلاها في جماعة! ويمكن أن يعارضوا في ذلك بما يروونه عن عمر بن الخطاب من قوله وقد رأى اجتماع الناس في صلاة نوافل شهر رمضان: بدعة ونعمت البدعة فاعترف بأنها بدعة وخلاف السنة، وهم يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)! والخلاف: 1/529، والمعتبر: 2/370.
وفي سبل السلام للكحلاني: 2/10: (فأما الجماعة فإن عمر أول من جمعهم على إمام معين وقال: إنها بدعة، كما أخرجه مسلم في صحيحه، وأخرجه غيره من حديث أبي هريرة: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. قال: وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمر على ذلك، وفي خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر. زاد في رواية عند البهيقي: قال عروة: فأخبرني عبد الرحمن القارئ أن عمر بن الخطاب خرج ليلة فطاف في رمضان في المسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: والله لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد، فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاته، فقال عمر: نعم البدعة هذه، وساق البيهقي في السنن عدة روايات في هذا المعنى. واعلم أنه يتعين حمل قوله بدعة على جمعه لهم على معين وإلزامهم بذلك، لا أنه أراد أن الجماعة بدعة فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جمع بهم كما عرفت ). وموطأ مالك: 1/167.
كبَّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجنائز خمساً وجعلها عمر أربعاً!
قال المحامي أحمد حسين يعقوب في المواجهة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) /423: (استقرت سنة رسول الله الفعلية بأن على الجنازة خمس تكبيرات، وانتقل الرسول إلى جوار ربه والناس على هذه الحالة. ولما تسلم عمر بن الخطاب خلافة المسلمين رأى أن الخمس تكبيرات التي سنها رسول الله ليست مناسبة، وأن الأفضل أن يكبر الناس أربع تكبيرات على الجنازة بدلاً من الخمس تكبيرات التي كان يكبرها الرسول، واستخف الناس بالفعل فأطاعوه، وقايضوا سنة رسول الله برأي عمر بن الخطاب الشخصي، راجع روضة الناظر لابن شحنة بهامش الكامل: 1/203، والكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/31، والغدير للأميني: 6/45 والإصابة لابن حجر: 2/22، ومسند أحمد بن حنبل: 5/406. وهكذا ألغيت سنة رسول الله الفعلية في صلاة الجنازة وحل محلها رأي عمر بن الخطاب الشخصي)!
أقول: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكبر خمساً على المؤمن وأربعاً على المنافق، لأن الدعاء للميت بعد التكبيرة الخامسة. فجعل عمر الصلاة على جنائز كل المسلمين صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنافقين!
س1: هل رويتم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كبَّر على الجنازة خمساً، وكيف تقبلون أن يجعل عمر التكبير على جنائزكم أربعاً كما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكبر على المنافقين؟!
أذَّن رسول الله بحي على خير العمل وحذفها عمر!
قال المحامي أحمد حسين يعقوب في المواجهة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) /423: (الثابت عن أهل بيت النبوة أن جبريل هبط على رسول الله بالأذان، وأن جبريل قد أذّن وأقام وعندها أمر رسول الله عليا بأن يدعو له بلالاً فعلمه رسول الله الأذان وأمره به كما جاء به جبريل، وسائل الشيعة للحر العاملي/الصلاة باب من أبواب الأذان والإقامة.
والخلاصة: أن جملة (حي على خير العمل) جزء لا يتجزأ من الأذان الذي تلقاه الرسول من ربه، وطوال عهد الرسول كانت هذه الجملة، هذا ما تعلمه أولياء أهل بيت النبوة من الأئمة الكرام، وقد اعترف الكثير من شيعة الحكام: بأن هذه الجملة كانت من الأذان. راجع سنن البيهقي: 1/524 - 525 والسيرة الحلبية: 2/105 ومقاتل الطالبين: 297، وميزان الاعتدال للذهبي: 1/139، ولسان الميزان: 1/168 ونيل الأوطار للشوكاني: 2/32، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد: 3/276، وكنز العمال: 4/66.
ولما تسلم عمر بن الخطاب الخلافة حذف هذه الجملة لأنها غير مناسبة!
راجع القوشجي آخر بحث الإمامة من شرح التجريد/484 وكنز العرفان: 2/158والغدير للأميني: 6/213 والنص والاجتهاد للإمام العاملي/199.
أسئلة:
س1: رويتم: أن عبد الله بن عمر كان يؤذن بحي على الخير العمل، ويقول هو الأذان الأول، فلماذا لا تقبلون شهادته؟!
س2: ما تقولون في تناقض عمر حيث فضل التجارة على الجهاد، ثم حذف حي على خير العمل لئلا يتركوا الجهاد لأنه خير العمل؟! وتقدم قوله: (لئن أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله، أحبُّ من أن أجاهد في سبيل الله)! (السير الكبير: 3/1012).
س3: ما رأيكم فيما رويناه عن الإمام الكاظم (عليه السلام) (علل الشرائع: 2/368) في جواب سؤال محمد بن عمير عن حي على خير العمل: (لم تركت من الأذان؟ فقال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً، فقال: أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالاً على الصلاة، وأما الباطنة فإن خير العمل الولاية، فأراد من أمره بترك حي على خير العمل من الأذان، ألا يقع حثاً عليها ودعاء إليها)!
12مسائل في موافقات عمر للجاهلية!
إرجاعه مقام إبراهيم (عليه السلام) إلى مكانه في الجاهلية.
نورد فيما يلي مسائل في اجتهادات عمر مقابل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في العقيدة والشريعة موافقة للجاهلية! ففي المسترشد لمحمد بن جرير الطبري الشيعي/521: (ومما نقموا عليه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع المقام بين الكعبة والحجر، بينه وبين جدار الكعبة ذراع، فكان هناك صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ولاية الأول، وأمر الله جل ذكره نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلّى وفرض ذلك عليه وعلى الأمة.
فلما وليَ عمر قال: من يعرف موضع المقام في الجاهلية؟ فقال ابن أبي وداعة السهمي: أنا يا أمير المؤمنين أعرفه، لقد أخذت مقداره وقياسه بشبر عندي وعلمت أنه سيحتاج إليه يوماً ما! فقال له الثاني: آت به، وقدره وقاسه حتى انتهى إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية فوضعه فيه! فهو فيه إلى يومنا هذا، فأزال المقام عن الموضع الأول الذي وضعه فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووضعه في الموضع الذي كان فيه في الجاهلية! ولم يرض بفعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا بقول الله حيث قال: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، فأبطل أمر الله ودفع أمر رسول الله وأحيا أمر الجاهلية، والمهاجرون والأنصار حوله قد ضربت عليهم الذلة فليس منهم منكر ولا مُغَيِّر! وقد نقل شريعتهم التي شرعها الله ورسوله إلى الشرائع الجاهلية، ثم يزعمون أنه لم يغير ولم يبدل)!
وفي علل الشرائع: 2/423، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لما أوحى الله تعالى إلى إبراهيم (عليه السلام) أن أذّن في الناس بالحج، أخذ الحجر الذي فيه أثر قدميه وهو المقام فوضعه بحذاء البيت لاصقاً بالبيت بحيال الموضع الذي هو فيه اليوم، ثم قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره الله تعالى به، فلما تكلم بالكلام لم يحتمله الحجر فغرقت رجلاه فيه! فقلع إبراهيم (عليه السلام) رجليه من الحجر قلعاً، فلما كثر الناس وصاروا إلى الشر والبلاء ازدحموا عليه، فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه اليوم ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت، فلما بعث الله تعالى محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ردّه إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم (عليه السلام)، فما زال فيه حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي زمن أبي بكر وأول ولاية عمر. ثم قال عمر: قد ازدحم الناس على هذا المقام، فأيكم يعرف موضعه في الجاهلية؟ فقال له رجل: أنا أخذت قدره بقدر. قال: والقدر عندك؟ قال: نعم قال: فائت به فجاء به، فأمر بالمقام فحمل ورد إلى الموضع الذي هو فيه الساعة).
وفي مدونة الإمام مالك: 1/452: (قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب لما وليَ وحج ودخل مكة أخر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم، وقد كان ملصقاً بالبيت في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهد أبي بكر وقبل ذلك، وكانوا قدموه في الجاهلية مخافة أن يذهب به السيل). راجع: الطبقات: 3/284، وثقات ابن حبان: 2/218، والإصابة: 6/380، والنص والاجتهاد/279، وتفسير ابن أبي حاتم: 1/226، وفتح الباري: 6/289، وعمدة القاري: 4/241، و9/212، وتفسير ابن كثير: 1/175.
س1: قالت أم سلمة لعمر كما رواه البخاري (6/69): (عجباً لك يا ابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه)!
وما رأيكم في عمل عمر في تغيير مكان المقام، وفي طاعة المسلمين له ؟!
تحريمه متعة الحج موافقة لحج الجاهلية
قال محمد بن جرير الطبري، الشيعي في المسترشد/516: (ومما نقموا على الثاني الذي سمّوه فاروقاً، وزعم المحتج أنه إنما سمي بذلك، لأنه فرّق بين الحق وأهله! أنه صعد المنبر وقال: أيها الناس، ثلاث كنّ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن! منها: المتعتان، متعة النساء، ومتعة الحج، فإنه متى لم يتمتع الناس بالعمرة إلى الحج اعتمر الناس في كل وقت، فدرَّت عليكم الحيرة وقامت أسواقكم في كل وقت، مع ما في ذلك من تحصين الإحرام وتعظيمه، فإني أستفظع أن يروح الحاج إلى منى شعثاً غبراً قد لوحتهم السماء، وغيرت ألوانهم الشمس، وروح المتمتعون لم يصبهم من ذلك شيء!
وأما متعة النساء فإني متى أبحتها للناس لم يزل الرجل يرى في حرمه مثل هذا الطفل وجاء بطفل من ولادة متعة!
والثالثة: حي على خير العمل، فإن الناس إذا سمعوها في الأذان، اتكلوا عليها وعطلوا الحج وسائر الأعمال!
فما أعجب من هذا الفعل يا معشر المسلمين أن يقوم عمر على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحرم ويحلل ويحظر ويطلق من غير أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد انقطاع الوحي، فلا برسول الله، ولا بصاحبه الذي أقامه ذلك المقام، اقتدى! وأعجب من هذا أن المهاجرين و الأنصار قعود، ولا ينكر ذلك منكر، ولا يدفعه دافع، قد أطيع في ذلك كله وأخذ بأسماعهم وأبصارهم، حتى قال بعض الصحابة: إنا لنراه بقية الرهبان! وقال الله عز وجل: (اتّخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ)، وما صلوا لأحبارهم ورهبانهم ولكن دعوهم إلى معاصي الله عز وجل، فأجابوهم فكانت تلك عبادتهم! وهم المهاجرون و الأنصار الذين شهدوا رسول الله وشهدوا أحكامه ونزل القرآن بين ظهرانيهم)!
وقال محمد بن جرير الطبري السني في تاريخه: (3/290 ط الاستقامة: (يا أيها الناس، متعتان كانتا على عهد رسول الله، أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج، فأتموا الحج والعمرة لله، كما أمركم الله تعالى في كتابه! ومتعة النساء، فوالذي يحلف به عمر لا أدل على رجل تزوج امرأة إلى شرط إلا غيبتهما كلاهما في الحجارة) (زواج المتعة للسيد مرتضى: 2/225).
أسئلة:
س1: قال السيد جعفر مرتضى في كتابه: زواج المتعة: 2/220: (خطب عمر الناس فقال: إن الله عز وجل رخص لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما شاء، وإن النبي قد مضى لسبيله! فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله عز وجل، وحصنوا فروج هذه النساء (تاريخ المدينة لابن شبة: 2/716 و717، والأوائل: 1/238 ط سنة 1975) سنده صحيح!
لكن أتباع عمر خالفوا عمر في متعة الحج وحكموا بجوازها! وقبلوا منه تحريم زواج المتعة، مع أنه حرمهما في موقف واحد). !! ما جوابكم؟!
س2: ألا ترون أن متعة الحج أي إنهاء إحرام العمرة حتى يحين موعد الذهاب إلى عرفات، يخالف عادة الجاهلية بالبقاء محرمين مهما بقوا في مكة، فأعاد عمر الحج إلى الجاهلية كما أعاد مكان مقام إبراهيم (عليه السلام)؟!
س3: في مسند أحمد: 3/317، وابن ماجة: 2/992: (فقدمنا مكة صبح رابعة مضت من ذي الحجة فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حلوا واجعلوها عمرة، فبلغه أنا نقول لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس، أمرنا أن نحل فيروح إلى منى ناس منا ومذاكيرنا تقطر منياً! فخطبنا فقال: قد بلغني الذي قلتم وإني لأتقاكم وأبركم، ولولا الهدي لحللت، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت! حلوا واجعلوها عمرة. فقال سراقة بن مالك: أمتعتنا هذه لعامنا هذا، أم لأبد؟ فقال: لا، بل لأبد الأبد)!
وفي الكافي: 4/249: (وإن رجلاً قام فقال: يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنك لن تؤمن بهذا أبداً)!
س4: لقد نهى عمر عن متعة الحج كمتعة النساء وهدد عليهما، فماذا تصنعون بقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمَرَةِ إلى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ)؟ راجع تهديد عمر لمن فعله! في زواج المتعة للسيد جعفر مرتضى: 3/15. وما دمتم تتبعون عمر حتى لو خالف القرآن فلماذا تحجون حج متعة؟!
س5: إذا أفتى شيخ بما يخالف القرآن صراحة فهل تحكمون عليه بالفسق والانحراف عن الدين؟! وما رأيكم بشهادة الصحابة بأن عمر فعل ذلك؟! ففي صحيح البخاري (2/153و: 5/158) عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه (وهو صحابي) قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات! قال رجل برأيه ما شاء! قال محمد: يقال إنه عمر)! وفي صحيح مسلم: 4/47: (قال ابن حاتم في روايته: ارتأى رجل برأيه ما شاء، يعني عمر).
إعادته موازين الجاهلية في الزواج!
قال محمد بن جرير الطبري، الشيعي في المسترشد/524: (ومما نقموا عليه ما أحدث في الفروج وقوله: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء، فمضت السنة بذلك، إلى اليوم وجرى الحكم بالحكمية والعصبية! والكتاب ينطق بخلاف ذلك والسنة وجاء بإجماع الأمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل في ذلك بخلاف ما عمله الثاني وسنه)!وذكر في هامشه: مصنف عبد الرزاق (6/152، وسنن البيهقي (7/133).
تمييزه العرب على غيرهم موافقة للجاهلية.
قال محمد بن جرير الطبري، الشيعي في المسترشد/524: (ومما نقموا عليه قوله: ليس على عربي ملك! وقد سبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبائل العرب فأعتق واسترق وأطلق كما فعل بالعجم، وفعل ذلك أبو بكر فيمن سبى من أهل الردة، فخالف عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخالف صاحبه وقال: ليس على عربي ملك! خلافاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلافاً على صاحبه.
ومما نقموا عليه قوله: لا تجلدوا العرب ولا تجمروها فتفتنوها، والأمر عن الله تعالى وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أن العجمي والعربي في إقامة الحدود سواء إذا وجب عليهما. وفي ذلك تعطيل الحدود والخلاف على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال محمد بن جرير الطبري السني في تاريخه: 3/273: (كان عمر إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول: إني لم أستعملكم على أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)على أشعارهم ولا على أبشارهم، إنما استعملتكم عليهم لتقيموا يهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بينهم بالعدل وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا على أشعارهم ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها. جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن محمد وأنا شريككم)! وتاريخ دمشق: 44/277.
وقال ابن حجر في فتح الباري: 5/123: (والجمهور على أن العربي إذا سبي جاز أن يسترق، وإذا تزوج أمة بشرطه كان ولدها رقيقاً. وذهب الأوزاعي والثوري وأبو ثور إلى أن على سيد الأمة تقويم الولد. ويلزم أبوه بأداء القيمة. ولا يسترق الولد أصلاً. وقد جنح المصنف إلى الجواز، وأورد الأحاديث الدالة على ذلك). ونحوه عمدة القاري: 12/138، و: 13/100، والبيهقي: 9/74، والمحلى: 10/39.
أسئلة:
س1: أين ذهب عمر بالقاعدة الإسلامية: الناس سواسية، والمؤمن كفؤ المؤمنة ؟!
س2: ما قولكم في هذا التشريع القومي العنصري لعمر، في الزواج وفي رفع الحد أو التعزير عن العرب، وهل أن فقهاء مذاهب السلطة لم يقبلوا به لأنهم غير عرب ؟!
تشريعه الطلاق ثلاثاً موافقة لطلاق الجاهلية
قال محمد بن جرير الطبري، الشيعي في المسترشد/519: (ومما نقموا عليه أن الناس كانوا على عهد رسول الله وعهد الأول، وصدراً من ولايته يطلقون النساء طلاق السنة، حتى أجاز الثاني الثلاث في مجلس واحد وقال: أجيزوها لئلا يتبايع فيها الغيران والسكران. وقال: إن الله جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموها فأجزت عليكم ما استعجلتم! وقد أنكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطلاق الثلاث... عن محمود بن لبيد يذكر، أن رجلاً طلق امرأته على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثاً بمرة واحدة، فقال: يُلعب بكتاب الله وأنا بين ظهرانيكم) ؟!
س1: ما قولكم في الطلاق بالثلاث الذي رويتم نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه، وأجمع أهل البيت (عليهم السلام) على بطلانه، وانه إن استجمع الشروط لا يقع إلا واحدة ؟!
إعادته طبقية الجاهلية المفرطة إلى المجتمع الإسلامي!
قال محمد بن جرير الطبري، الشيعي في المسترشد/524: (ومما نقموا عليه وضعه للعطاء وفرضه إياه للناس واتباعه سير الأكاسرة والقياصرة، رغبة عن الاستنان بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن من سنته حمل الناس على الجهاد وطلب الثواب من الله، فأفسد على الناس الجهاد وأفسد النيات، وسن فيهم الجهاد بالكرى، فترك الناس ما أمرهم الله به ومالوا للكرى، والناس يجاهدون منذ زمانه إلى اليوم على مطامع العطاء وكرى الديوان، فذهب الجهاد الذي أمر الله به إلا من قوم قليل).
ومما نقموا عليه تفضيله للناس بعضاً على بعض في القسمة، وتفضيله المهاجرين على الأنصار، وتفضيله الأنصار على غيرهم، وتفضيله العرب على العجم، وقد كان أشار على أبي بكر بذلك فلم يقبل منه، قال: لقد عهدنا رسول الله أمس في هذه القسمة، وقد كان معه المهاجري والأنصاري، والعجمي، فلم يفضل أحداً على أحد، و إن أنا عملت برأيك لم آمن أن ينكر الناس عليَّ لقرب عهدهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما هذه القسمة معاش الناس، يحتاج الأنصاري، إلى ما يحتاج إليه المهاجري، وإنما المهاجرون والأنصار فضلهم وشرفهم عند الله جل ذكره، لا في القسمة التي لا يجب أن يفضل فيها أحد عن أحد! فلما أفضى الأمر إليه فضل بعضهم عن بعض، خلافاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلافاً على صحابه في كثير من الأشياء).
أقول: كانت موارد الدولة وما زالت: الخراج والزكوات التي تسمى الصدقات، والأعشار أي الضرائب، والغنائم، والأنفال، وبقية الثروات الطبيعية. ومع أن الله تعالى جعل الأنفال لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبسط يده فيها، لكنه أوجب المساواة في العطاء في الغنائم للمقاتلين، والمساواة في العطاء من الخراج والصدقات لعامة المسلمين والعطاء مصطلح إسلامي هو الراتب الذي تعطيه الدولة لكل الناس بالمساواة، بقطع النظر عن أي اعتبار طبقي أو عرقي.
وقد بحث المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه: حقوق الإنسان عند أهل البيت والفكر المعاصر، سياسة عمر التي خالف فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسس فيها الطبقية في المجتمع الإسلامي فقال ملخصاً: (انفردت الشريعة الإسلامية من دون الشرائع، بأنها توجب على الدولة أن تقدم عطاء شهرياً أو أسبوعياً أو يومياً بحسب تقدير الإمام، إلى كل واحد من رعاياها، على قدم المساوة بين جميع أفراد المجتمع. والعلة في ذلك أن المال الذي بيد الدولة مال عام، تعود ملكيته لأبناء المجتمع كلهم فهم يملكونه على الشيوع وبالتساوي فيما بينهم.
فعندما أعلن الرسول قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، أمره الله سبحانه وتعالى أن يوزع ما زاد عن نفقات الدولة على رعاياها، وبالسوية، لا فضل في ذلك لعربي على أعجمي، ولا لمهاجر على أنصاري، ولا لسيد على مولى، فقام الرسول بتنفيذ هذا الأمر الإلهي طوال عهده الخالد، ولم يفرق في ذلك بين إنسان وإنسان، حتى صار عمله سنة فعلية واجبة الإتباع، علاوة على أنها أمر إلهي.
وجاء الخليفة الأول أبو بكر واتبع سنة الرسول الفعلية هذه، فكان يقسم المال بالسوية بين الناس، ولما تسلم عمر بن الخطاب الخلافة من بعد أبي بكر رأى أن سنة الرسول التي تسوِّي بالعطاء بين الناس ليست مناسبة ولا عادلة! فهل يعقل أن يعطى الأعجمي كالعربي! ويعطى ابن أحد القبائل العربية كما يعطى ابن قبيلة قريش! ويأخذ العبد كما يأخذ السيد! وتعطى زوجة الرسول أم سلمة، كما تعطى زوجة الرسول عائشة أو حفصة ؟!
لقد رأى هذا الخليفة أن التسوية بالعطاء ليست عدلاً، وتصوَّر أنه قد اكتشف فيها عيوباً، فقرر بوصفه خليفة رسول الله أن يبطلها ويُحِلَّ محلها سنة جديدة أوحى له بها عقله، فقسم الناس على مراتب في نفسه، وقسم العطاء عليهم بحسبها! بل إن عمر لم يساو في العطاء حتى بين زوجات الرسول، فأعطى عائشة اثني عشر وحفصة مثلها، وأعطى لكل واحدة من زوجات الرسول الأخر عشرة آلاف درهم.
وينبغي التذكير بأن الصحابة كانوا حددوا راتب الخليفة أبي بكر بستين درهماً في الشهر، وكانت تكفيه لنفقات عائلته وضيوف الخلافة.
كما أغدق عمر عطاياه على كبار رجالاته وأعوانه، كعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص، وغيرهم من كبار الأغنياء، وخص بعطاياه رؤساء القبائل ووجهاء المجتمع، ومن هو بحاجة إلى ولايتهم وتأييدهم، فكان يعطي الواحد منهم الآلاف المؤلفة، أما بقية الناس، فكان يعطي كل واحد منهم بضعة دراهم! وبهذه السياسة أبطر عمر الأقلية المترفة وزاد الأغنياء غنى وصل إلى درجة الفحش! وزاد المعدمين فقراً وصل إلى الإرقاع والتسول! واستمر بهذه السياسة تسع سنين من عهده الرائد، مخالفاً لسنة رسول الله وعاملاً برأيه الشخصي!
النتائج المدمرة لاستبدال سنة النبي برأي عمر:
لم يستفظع فعل عمر إلا أهل بيت النبوة وقلة من مواليهم، فتجاهلهم الخليفة الغالب ونسي الناس أو أنسوا سنة الرسول، واتبعوا رأي عمر الذي تحول مع العمل والتكرار بقدرة قادر إلى سنة واجبة الإتباع، ثم اكتشف عمر نفسه آثار رأيه المدمرة، ومع هذا بقي سائراً عليه حتى مات!
وجاء الخليفة الثالث فسار على نهج صاحبه وبالغ بالعطاء إلى أقاربه باسم (صلة الرحم) وكوَّنَ منهم طبقة اجتماعية جديدة مترفة! وجاء الخلفاء فنسجوا على منوال الخليفتين الثاني والثالث، تاركين شرع الله وسنة نبيهم ومتبعين سنة عمر! وظلوا على ذلك حتى سقوط آخر سلاطين بني عثمان!
بعد تسع سنين من تطبيق رأي عمر بن الخطاب ظهرت الطبقية والغنى المترف جنباً إلى جنب مع الفقر المدقع، وظهر الموت من التخمة والموت من الجوع معاً! فطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعمر بن العاص، وأمثالهم، كانوا يملكون الذهب الذي يكسر برؤوس الفؤوس، وعمار وبلال وأهل بيت النبوة كانوا يعيشون التقشف والحاجة، وبعض جماهير الناس كانوا يموتون من الجوع موتاً حقيقياً فقد روى الذهبي في ترجمة أويس القرني أنه كان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب ثم يقول: (اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياً فلا تؤاخذني به)!
ونمت بذور الصراع القبلي بين ربيعة ومضر، وبين الأوس الذين قربهم عمر والخزرج الذين عارضوه، وبين العرب والعجم، وبين الموالي والصرحاء، وتحولت البذور فيما بعد إلى نار كبرت وكبرت حتى التهمت المجتمع الإسلامي كله، ونزعت منه فكرة العدالة الاجتماعية! راجع تاريخ اليعقوبي: 2/107، وشرح نهج البلاغة: 8/111، وراتب أبي بكر الشهري في المجموع للنووي: 20/126.
وبعد تسع سنوات اكتشف عمر بن الخطاب أنه بإلغائه سنة رسول الله القائمة على المساواة بالعطاء، قد أسس النظام الطبقي في المجتمع الإسلامي، فهناك فئة محدودة يملك كل واحد من أفرادها مليارات الليرات الذهبية وعشرات الآلاف من دونمات الأرض الزراعية، ويكاد أن يموت من التخمة، بينما الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع لا يجد الواحد منهم رغيف عيش يابس يسد به جوعه، أو متراً من الأرض يدفن فيه! !
وأمام هذه النتائج المدمرة أعلن عمر عن عزمه على الرجوع إلى سنة رسول الله فقال: (إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، فلم أفضل أحمر على أسود ولا عربياً على أعجمي، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر). تاريخ اليعقوبي: 2/107، وشرح النهج: 8/111 والطبري: 5/22، وكتابنا: المواجهة مع رسول اللَّه وآله القصة الكاملة/220.
ولم يعش للسنة القادمة، واستطاع بقصد أو بغير قصد، أن يهدم أعظم سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن يهدم الأساس الذي قام عليه الاقتصاد الإسلامي كله! والأهم أن عمله صار سنة بديلة لسنة رسول الله، وجاء جيل من الناس في عهده لا يعرف إن كان رسول الله يساوي بالعطاء بين الناس، وأن المساواة جزءٌ من الشرع الإلهي! وجاء الخليفة الثالث فتبنى سنة عمر وحول العطاء إلى أقاربه بني أمية، ولما انتهى عهده كان الغنى الفاحش لدى قلة من الناس، والفقر المدقع سمة عامة للجمهور، وجاءت في عهده أجيال تجهل تماماً أن العطاء بالسوية جزءٌ من الدين!
الإمام علي يعيد سنة الرسول ويقسم مال الله بالسوية:
عندما قتل الخليفة الثالث لاذ المؤمنون الصادقون بالإمام علي، وأصروا عليه أن يبايعوه فبايعوه فعلاً وبايعه الذين بايعوا الخلفاء الثلاثه السابقين، وتخلف عن بيعة الإمام قسم من الطبقة المترفة التي استغتنت من حكم الخلفاء الثلاثة السابقين، كما تخلف عن بيعته المنافقون وأعداء الله الذين تستروا بالشهادتين!
والناس مجتمعون يلحون على الإمام للقبول بالخلافة أعلن الإمام برنامجه، وكان على رأس بنود هذا البرنامج: العدل في الرعية وتقسيم المال بالسوية. وسأل الإمام الذين ناشدوه القبول بمنصب الخلافة إن كانوا يوافقون على هذا البرنامج، فأجابوه نعم بالإجماع، عندئذٍ قبل الإمام وبايعه الناس على ذلك. كان هدف الإمام أن يعيد شرع الله وسنة نبيه، ومن أبرزها تقسيم المال بين الناس بالسوية لأنها سنة تميز دين الإسلام عملياً ونظامه السياسي عن غيره، وتشكل الأساس للنظام الاقتصادي الإسلامي، وتشكل تأميناً ضد البطالة والعوز، وتضمن تلبية الحاجات الأساسية لكل أفراد المجتمع الإسلامي، ولأنها الفائدة العملية التي يجنيها كل فرد من وجود الدولة لذلك أعطى الإمام اهتمامه لهذه السنة التي أوشك الناس أن يتناسوها، بعد أن هجرها الخليفتان قرابة عشرين سنة وحملا الناس على تناسيها وتركها بقوة الدولة وسلطانها.
ولم تكن مهمة الإمام سهلة فقد أحدث الخليفتان الثاني والثالث انقلاباً حقيقياً بالمفاهيم والقيم، ولذلك وجد الإمام مقاومة عنيفة من كل أولئك الذين استفادوا في العهود السابقة من عدم التسوية في العطاء، فكان الإمام يسألهم: (أليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين؟!) (تحف العقول/12).
وقال لما عوتب على تصييره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولي السابقات والشرف: (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟ والله ما أطور به ما سمر سمير، وما أمّ نجم في السماء نجماً، ولو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله. ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله. ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه ولا عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم، فإن زلت به النعل يوما فاحتاج إلى معونتهم فشر خدين وألام خليل)! ) (نهج البلاغة، 289 ـ 290، عبده: 2/10)
وجاءه الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، يطلبان التفريق والتفضيل بالعطاء! (فقالا له: إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفئ، فأعطوا كل واحد منا مثل ما أعطوا سائر الناس، قال: وما تريدان ؟ قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر. قال: فما كان رسول الله يعطيكما ؟ فسكتا، فقال: أليس كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم بالسوية بين المسلمين من غير زيادة ؟ قالا: نعم. قال: أفسنة رسول الله أولى بالإتباع عندكما أم سنة عمر ؟ قالا: سنة رسول الله، ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وغناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس فافعل، قال: سابقتكما أسبق أم سابقتي؟ فقالا سابقتك، قال الإمام: فقرابتكما أم قرابتي؟ قالا: قرابتك، قال الإمام: فغناؤكما أعظم أم غنائي؟ قالا: غناؤك، فقال الإمام: ) فوالله ما أنا وأجيري هذا إلا بمنزلة واحدة، وأومى بيده إلى الأجير) (المناقب: 2/108 و 111). وقال (عليه السلام) : (أيها الناس، إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار، ولكن الله خول بعضكم بعضاً، فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عز وجل. ألا وقد حضر شيء ونحن مسوون فيه بين الأسود والأحمر. فقال مروان لطلحة والزبير: ما أراد بهذا غيركما، فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير، وأعطى رجلاً من الأنصار ثلاثة دنانير، وجاء غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير، فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام بالأمس تجعلني وإياه سواء ؟!! فقال الإمام: إني نظرت في كتاب الله، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلاً)! (الكافي: 8/29).
ولو فعلت الدول المعاصرة كما فعل الإسلام، وقدمت من مواردها الهائلة عطاء شهرياً لكل واحد من مواطنيها لما احتاج إنسان قط، ولا ختفت ظاهرة الفقر واختفت مع السنين والأيام ظاهرة الطبقية البغيضة، وليس بعيداً ذلك اليوم الذي تعترف فيه الشرائع الوضعية وتعترف الأمم بهذا الحق الإنساني الطبيعي الفريد من نوعه، والذي نص عليه الإسلام، وجعله أساس العدل الاقتصادي والاجتماعي).
س1: ما رأيكم في هذه الآراء الفقهية؟!
عقيدة عمر في الغول والجن مثل عرب الجاهلية!
روى في سنن البيهقي: 7/445، وكنز العمال: 9/697: قصة شخص أخذه الجن فزوج عمر زوجته، ثم رجع الرجل فسأله عمر عن سفرته وأخبره، فخيَّره عمر بين الصداق وبين امرأته!
وفي معجم البلدان: 4/386: (خرجنا مع عمر بن الخطاب، أيام خرج إلى الشام فنزلنا موضعاً يقال له القلت.) وذكر قصة رجل نزل في بئر فأخذته الجن إلى الجنة، ثم رجع وأخبر عمر، فأيد كلامه كعب الأحبار، وصدقه عمر!
وقال الدميري في حياة الحيوان: 2/236: (زعموا أن الغول حيوان شاذ مشوه لم تحكمه الطبيعة، وأنه لما خرج مفرداً لم يستأنس وتوحَّش وطلب القفار، وهو يناسب الإنسان والبهيمة وأنه يتراءى لمن يسافر وحده، في الليالي وأوقات الخلوات.. وذكر جماعة من الصحابة أنهم رأوا الغول في أسفارهم، منهم عمر بن الخطاب رأى الغول في سفره إلى الشام، قبل الإسلام فضربه بالسيف)!
س1: إذا قرأتم آراء عمر في الجن والغول والحيات، فهل تجدون فرقاً بينها وبين عقيدة عرب الجاهلية في ذلك ؟!
13. مسائل في علاقة عمر باليهود
كان عمر يدرس عند اليهود ويحبونه!
كان بيت عمر بعيداً عن مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد سكن في العوالي قرب بني قريظة، وبسبب بعد المسافة كان يذهب إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كل يومين!
قال عمر كما في البخاري: 1/31: (كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم.).
وكان يحضر دروس بني قريظة في كنيسهم، قال: (إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم، فقالوا: ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك، لأنك تأتينا)! (الدر المنثور: 1/90، وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم).
س1: ما قولكم في دراسة عمر عند اليهود وسكنه قريباً منهم بعيداً عن مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
محاولات عمر أخذ الاعتراف بالتوراة المحرفة!
وطمع اليهود بعمر فعرَّبوا التوراة وقالوا له خذها لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعترف بها!
قال عمر: (يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة، ألا أعرضها عليك؟قال فتغير وجه رسول الله..الحديث، وفيه: والذي نفس محمد بيده لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم) (فتح الباري: 13/438).
لكن اليهود أصروا وبعثوا عمر ثانية إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق! فتغير وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عبد الله بن زيد: أمَسَخَ الله عقلك؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله! فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً)! (مجمع الزوائد: 1/174).
ثم بعثوا عمر ثالثة، قال: (انطلقت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أتيت خيبر فوجدت يهودياً يقول قولاً فأعجبني، فقلت: هل أنت مكتبِّي بما تقول؟ قال: نعم، فأتيته بأديم فأخذ يملي عليَّ، فلما رجعت قلت: يا رسول الله إني لقيت يهودياً يقول قولاً لم أسمع مثله بعدك! فقال: لعلك كتبت منه ؟ قلت: نعم. قال: إئتني به، فانطلقت فلما أتيته قال: أجلس إقراه فقرأت ساعة ونظرت إلى وجهه فإذا هو يتلون، فصرت من الفرق لا أجيز حرفاً منه، ثم رفعته إليه ثم جعل يتبعه رسماً رسماً يمحوه بريقه، وهو يقول: لا تتبعوا هؤلاء، فإنهم قد تهوكوا حتى محا آخر حرف)! (كنز العمال: 1/370).
وفي مرة رابعة: (نسخ عمر كتاباً من التوراة بالعربية.. أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فغضب وقال أمتهوكون فيها يابن الخطاب ؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية! لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به! والذي نفسي بيده لو أن موسى كان فيكم حياً ما وسعه إلا أن يتبعني..الخ.). (مجمع الزوائد: 1/174).
وفي مرة خامسة: (مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب قال نعم فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي). (الدارمي: 1/115، والدر المنثور: 2/48 وأسد الغابة: 3/126).
وفي مرة سادسة: طلب عمر أن يجيزه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدرس التوراة عند اليهود فقال له: (لا تتعلمها وآمن بها وتعلموا ما أنزل اليكم وآمنوا به) (الدر المنثور: 5/148).
وفي مرة سابعة قال عمر: (يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا أن نكتبها! فقال: يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصاراً)! (الدر المنثور: 5/148).
وفي مرة ثامنة ساعدت حفصة أباها: (جاءت إلى النبي بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي يتلون وجهه فقال: والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم) (عبد الرزاق: 11/110).
ومع كل ما تقدم، استمر عمر مع مجموعته بالحضور عند اليهود، حتى رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً يحمل كتاباً فقال له: (ما هذا في يدك يا عمر ؟! فقلت: يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا! فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى احمرَّت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أغضب نبيكم، السلاح السلاح! فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه، واختصر لي اختصاراً، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا، ولا يغرنكم المتهوكون! قال عمر: فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولاً) (الزوائد: 1/173. راجع تدوين القرآن للمؤلف/416).
أسئلة:
س1: ما رأيكم في إصرار عمر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعترف بالتوراة ويعممها على المسلمين ؟!
س2: ما رأيكم في الإسم الذي ابتكره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمقلدي الثقافة اليهودية، فاشتق لهم من التهود لفظ (التهوك) كما نسمي المتأثرين بالغرب المستغربين، ولماذا اختار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا اللفظ، وهل له أصل في العربية ؟!
س3: ألا يلفتكم أن يكون رئيس المتهوكين هو الذي قاد قريشاً لأخذ خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعزلَ عترته الطاهرين (عليهم السلام) وهاجمَ بيتهم وهددهم بالبيعة أو القتل ؟!
س4: ما هو هدف اليهود من الإصرار على أن يتبنى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) توراتهم، وأن يدرس أصحابه عندهم؟!
س5: كانت دراسة عمر ورفقائه المتهوكين عند اليهود وتأثرهم بهم، قضية تابعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باهتمام حتى كان أوجها ما حكاه عمر من غضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غضباً شديداً ودعوته المسلمين وحضور الأنصار بالسلاح وخطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم (ما هذا في يدك يا عمر ؟! فقلت: يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا! فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى احمرَّت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أغضب نبيكم السلاح السلاح! فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال..الخ.)
فهل تعرفون من هم رفقاء عمر المتهوكون ؟!
وهل تعرفون ماذا جرى بعد ذلك؟!
ولماذا حضر الأنصار بالسلاح ولم يحضر القرشيون؟!
س6: ما معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فلا تتهوكوا، ولا يغرنكم المتهوكون! ) فمن هم المتهوكون الذين كانوا يعملون ليضلوا المسلكين ويغروهم بأفكار اليهود وثقافتهم ؟! وهل كان يجب على المسلمين نفي هؤلاء منهم أو قتلهم، لكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقم بذلك حتى لا يقال: قتل محمد أصحابه ؟!
س7: يكشف تكرار عمر محاولته لأخذ الاعتراف بالتوراة، وتعدد نسخها التي كتبوها له أو كتبها هو، على صلات واسعة له باليهود، فقد قال عن نسخة إنه أخذها من أخ له من بني قريظة، وأخرى من أخ له من بني زريق، وأخرى من خيبر، ورابعة من رجل من أهل الكتاب..الخ. فعلى أي شيء يدل ذلك ؟!
س8: كانت علاقة اليهود بالقرشيين قوية خاصة مع بني أمية، وقد تحالفوا معهم في حرب الأحزاب للقضاء على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل كانت علاقتهم بعمر بديلاً لتلك العلاقة، أو رديفاً ومنفذاً للتأثير الثقافي والسياسي على الإسلام ؟!
علاقة عمر ببني قريظة
كانت لعمر علاقة خاصة بيهود بني قريظة، ولذلك عرف دون غيره أيام حصار الأحزاب للمدينة، أنهم نقضوا عهدهم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! (الصحيح من السيرة: 9216).
ولما اتفق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عروة بن مسعود على إقناعهم بطلب رهائن من قريش كشرط لهجومهم على المدينة، لم يوافق عمر وقال: (يا رسول الله، أمر بني قريظة أهون من أن يؤثر عنك شيء من أجل صنيعهم! فقال: الحرب خدعة يا عمر! فكانت تلك الكلمة سبب تفرقهم وتفرق كلمتهم وانهزامهم). (السير الكبير: 1/121).
وعندما اتفق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع بني قريظة على أن ينزلوا على حكم سعد وأرسل من يأتي بسعد، كان عمر حاضراً وكان يعرف نية سعد الانتقام منهم، فأرسل لهم إشارة أن لا يقبلوا بحكمه، لكنهم لم يفهموا إشارة عمر بسبب رعبهم!
قال أحمد بن حنبل في مسنده: 6/142: (وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سعد بن معاذ فأتيَ به على حمار عليه أكاف من ليف، قد حُمل عليه وحَف به قومه. فلما طلع على رسول الله قال: قوموا إلى سيدكم فأنزلوه، فقال عمر: سيدنا الله عز وجل! قال: أنزلوه فأنزلوه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أحكم فيهم، قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم! فقال رسول الله: لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله)! وصحيح ابن حبان: 15/500، والطبقات: 3/423.
وفي أخبار الدولة العباسية/214: (قوموا إلى سيدكم، فقال عمر بن الخطاب: الله سيدنا ورسوله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وسعد سيدك يا عمر)!
س1: يظهر أن عمر لم يستطع إيصال نصيحته لبني قريظة بأن لا يقبلوا بحكم سيدهم أي حليفهم سعد بن معاذ (رحمه الله)، فرأى نفسه مضطراً لأن يواجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما دعاهم أن يقوموا إلى استقبال سعد ليصدر حكمه فيهم! فقال لهم عمر لا تقوموا ولا تقبلوا وقولوا نريد حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو سيدنا وليس سعداً!
فزجره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له إن سعد سيدك أنت أيضاً يا عمر فسكت! فهل معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا يدل على أنه اعتبر عمر منهم لعلاقته بهم!
علاقة عمر بيهود بني حارثة
بنو حارثة بطن من الخزرج، كانت مساكنهم قرب قباء (مجمع الزوائد: 1/307) وأرضهم زراعية خصبة، ودورهم واسعة. روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ألا أخبركم بخير دور الأنصار دور بني النجار ودور بني حارثة) (الآحاد للضحاك: 3/384).
وكان لهم حلفاء من اليهود، يطلق عليهم (يهود بني حارثة)وكان لعمر بن الخطاب علاقات جيدة بهم، فقد أعطوه بستان نخل كبير اسمه (ثمغ).
قال البخاري (3/194): (إن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً) ومعنى تصدق به: أنه أوقفه على أولاده وجعل ولايته لحفصة.
وفي رواية أحمد (2/125) (أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ فقال: يا رسول الله إني أصبت مالاً نفيساً أريد أن أتصدق به قال فجعلها صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، يليها ذو والرأي من آل عمر).
وتعبير (أصبت) يشير إلى أنهم وهبوه له، ولا بد أن يكون ذلك قبل يجليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه صادر أرضهم ووزعها على المسلمين: (وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام ويهود بني حارثة) (صحيح بخاري: 5/22) وبنو قريظة آخر من أجلاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وكان يهود بني حارثة شديدي العداوة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما أراد اليهود قتله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله) (الطبري: 2/180، وابن إسحاق: 3/300، وابن هشام: 2/569). (وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة، وكان حليفاً لحويصة بن مسعود ). (شرح السير الكبير: 1/275).
أما لماذا أعطى يهود بني حارثة هذه الضيعة النفيسة لعمر، فلأنهم كانوا يحبونه أكثر من كل أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال عمر، وتقدم أن بني زريق وبني قريظة وغيرهم أعطوه نسخاً أو أجزاء من التوراة معربة، ليأخذ من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الاعتراف بها، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. الخ.!
قال الخليل في العين (4/403): (الثمغ: خلط البياض بالسواد، وثَمَغَ لحيته ثمْغاً خضبها. وثمغ: ضيعة لعمر بن الخطاب).
وقال البكري (1/346): (موضع تلقاء المدينة، كان فيه مال لعمر بن الخطاب)
وفي وصية عمر: (إن حدث به حدث، أن ثمغاً وصرمة ابن الأكوع وكذا وكذا جعله وقفاً. هما مالان معروفان بالمدينة كانا لعمر) (النهاية لابن الأثير: 1/222).
س1: كان مخيريق رئيس بني النضير خير يهود، فقد اسلم عند وصول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، ودعا اليهود إلى الإسلام فعصوه، واستشهد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحد، وأوصى له بكل ماله وكان سبعة بساتين فأوقفها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل ولايتها لفاطمة (عليهما السلام). فهل يكون بستان ثمغ أعطاه اليهود لعمر مقابل بساتين مخيريق، فأوقفه وجعل ولايته لحفصة؟!
نخيل عمر في خيبر
كما كان لعمر نخيل في خيبر، وسمته بعض الروايات ثمغ، والصحيح أن ثمغاً قرب المدينة كما تقدم، وقد ملكها عمر قبل فتح خيبر وتقسيم أرضها على الصحابة، ففي وصية عمر (أن ثمغ وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه، والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها). (نصب الراية: 4/403، وسنن أبي داود: (1/658، والبيهقي: 6/160، وفتح الباري: 5/400، و299).
س1: قال عمر إنه كان يملك مئة رأس من الماشية فباعها واشترى فيها مئة سهم من النخيل، قال: (إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها). (سنن النسائي: 6/232).
لكن تقدم أنه جاء بنسخة معربة من التوراة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر فغضب، فهذا البستان يشبه ضيعة ثمغ التي أعطاه إياه يهود بني حارثة في المدينة، خاصة أن رأس الماشية لا يبلغ ثمنه سهماً من نخيل! ويظهر أن نخل خيبر كان أفضل من ثمغ، لأن عمر قال: (لم أصب مثله قط)! فما رأيكم؟!
عقيدة عمر بنبوءات كعب الأحبار.
هناك نماذج من اعتقاد عمر بكعب الأحبار، وتصديقه بأن العرب سينتهون، وأن الكعبة ستهدم! (صحيح بخاري: 2/159).
وكان عمر يسأل كعباً عن المستقبل وعن نفسه، قال له: (أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً؟ قال: بل خليفة فاستحلفه فقال كعب: خليفة والله من خير الخلفاء، وزمانك خير زمان)! (كنز العمال: 12/567، ومجمع الزوائد: 9/65، والدر المنثور: 5/347).
أسئلة:
س1: ألا تدل ثقة عمر بعلم كعب على أنه ما زال على عقيدة عرب الجاهلية بأن كتب اليهود فيها كل علم المستقبل، وذلك بسبب أمية العرب وبداوتهم؟!
س2: ما قولكم في تصديق عمر لكعب لعمر بأمر يناقض الحس! وأن الجراد يتولد من أنف الحوت (موطأ مالك: 1/352) وشهادة بعضهم بأنه رأى الحوت يعطس الجراد!
س3: ما قولكم في إخبار كعب لعمر بأنه سيقتل فصدقه! ألا يدل على أن كعباً شريك في قرار اليهود وبني أمية بقتله لتنتقل الخلافة إليهم؟! (تاريخ المدينة: 3/891).
14. مسائل في تخوين عمر لعماله ومناصفتهم أموالهم!
تخوين عمر لأكثر عماله وعقوبته الغريبة لهم!
حكم عمر على عماله بأنه خانوا الله تعالى وخانوا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين، فكتب لهم كما في تاريخ دمشق: 55/278، وابن خياط/81: (أما بعد فإنكم معشر العمال تقدمتم على عيون الأموال، فجبيتم الحرام وأكلتم الحرام، وأورثتم الحرام! وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة الأنصاري فيقاسمك مالك، فأحضره مالك).
وقال عمر لأبي هريرة: (يا عدو الله وعدو الإسلام خنت مال الله! قال قلت: لست عدو الله ولا عدو الإسلام، ولكني عدو من عاداهما، ولم أخن مال الله ولكنها أثمان إبلي وسهام اجتمعت! قال فأعادها عليَّ وأعدت عليه هذا الكلام! قال فغرَّمني اثني عشر ألفاً). (مستدرك الحاكم: 2/347، وفتوح مصر/258).
وفي العقد الفريد: 1/45، أن عمر عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وشاطره ماله، وعزل الحارث بن وهب وشاطره ماله، وكتب إلى عمرو بن العاص: بلغني أنه قد فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد، فمن أين لك هذا ؟ فكتب: إني أعالج من الزراعة ما لا يعالجه الناس، فشاطره ماله حتى أخذ إحدى نعليه، فغضب ابن العاص وقال: قبح الله زماناً عمل فيه ابن العاص لابن الخطاب، والله إني لأعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب، وعلى ابنه مثلها)! ورواه العلامة في نهج الحق/348، عن ابن عبد ربه في العقد الفريد، وفي آخره: (في نمرة لا تبلغ رسغيه)! أي في ثوب لا يبلغ ركبتيه!
وقال اليعقوبي في تاريخه: 2/15: (وشاطر عمر جماعة من عماله أموالهم.، قيل إن فيهم سعد بن أبي وقاص عامله على الكوفة، وعمرو بن العاص عامله على مصر وأبا هريرة عامله على البحرين، والنعمان بن عدي بن حرثان عامله على ميسان، ونافع بن عمرو الخزاعي عامله على مكة، ويعلي بن منية عامله على اليمن، وامتنع أبو بكرة من المشاطرة وقال: والله لئن كان هذا المال لله، فما يحل لك أن تأخذ بعضاً وتترك بعضاً، وإن كان لنا فما لك أخذه)!
وقال في أسد الغابة: 4/330: (محمد بن مسلمة، وهو كان صاحب العمال أيام عمر كان عمر، إذا شكي إليه عامل أرسل محمداً يكشف الحال، وهو الذي أرسله عمر إلى عماله ليأخذ شطر أموالهم). راجع: الغدير: 6/276، والإصابة: 6/553.
وقال ابن كثير في النهاية: 7/23: (وكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن أكذبَ خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول، فانزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين! فقاسمه أبو عبيدة حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الأخرى)!
ومعنى أكذب نفسه: تراجع عن الطعن في حسب عمر لأنه كان يطعن في أمه حنتمة ويسميها أم شملة! وهذه الحادثة مع خالد قبل مقاسمة عمر لبقية العمال لأن المؤرخين ذكروا أن أول رسالة كتبها عمر بعد استخلافه كانت بعزل خالد!
وفي فتوح البلدان: 2/473، وفتوح مصر للقرشي/258: (كان سبب مقاسمة عمر بن الخطاب مال العمال أن خالد بن الصعق قال شعراً كتب به إلى عمر بن الخطاب:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة **** فأنت ولي الله في المال والأمر
فلا تدعن أهل الرساتيق والجزاء **** يشيعون مال الله في الأدم الوفر
فأرسل إلى النعمان فاعلم حسابه ***** وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر
ولا تنسين النافقين كليهما **** وصهر بني غزوان عندك ذو وفر
ولا تدعوني للشهادة إنني **** أغيب ولكني أرى عجب الدهر
من الخيل كالغزلان والبيض والدمى **** وما ليس ينسى من قرام ومن ستر
ومن ريطة مطوية في صوانها **** ومن طي أستار معصفرة حمر
إذا التاجر الهندي جاء بفأرة **** من المسك راحت في مفارقهم تجري
نبيع إذا باعوا ونغز وإذا غزوا **** فأنى لهم مال ولسنا بذي وفر
فقاسمهم نفسي فداؤك إنهم **** سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
فقال: فإنا قد أعفيناه من الشهادة ونأخذ منهم النصف! فقاسم عمر هؤلاء الذين ذكرهم أبو المختار شطر أموالهم، حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً، وكان فيهم أبو بكرة فقال: إني لم أل لك شيئاً! فقال له: أخوك على بيت المال وعشور الأبلة وهو يعطيك المال تتجر به! فأخذ منه عشرة آلاف. ويقال: قاسمه شطر ماله!
وقال: الحجاج الذي ذكره الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات.
وجزء بن معاوية عم الأحنف كان على سَرَق.
وبشر بن المحتفز كان على جند يسابور..
والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة أخوه..
وابن غلاب خالد بن الحارث من بنى دهمان كان على بيت المال بأصبهان.
وعاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر.
والذي في السوق سمرة بن جندب على سوق الأهواز.
النعمان بن عدي بن نضلة ,,.كان على كور دجلة..
وصهر بني غزوان مجاشع بن مسعود السلمي. وكان على أرض البصرة وصدقاتها.
وشبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم.
وابن محرش أبو مريم الحنفي كان على رام هرمز.
فقاسمهم عمر نصف أموالهم، والنعمان هو النعمان بن بشير وكان على حمص وصهر بني غزوان أبو هريرة كان على البحرين). انتهى
أسئلة:
س1: هل يستطيع أحد منكم أن يبين الوجه الشرعي لعمل عمر هذا ؟! فالى الآن لم يستطع قانوني ولا فقيه ولن يستطيع في المستقبل أن يبين الوجه الشرعي فيه، ومع ذلك يدافعون عنه كأنه معصوم!
س2: ألا تلاحظون أن أصحاب علي (عليه السلام) وشيعته من قادة الفتوحات وعمال الأمصار فكان يثق عمر بأمانتهم..كعمار، وسلمان، وحذيفة، والنعمان بن مقرن، وبريدة الأسلمي وخالد بن سعيد بن العاص وأخيه أبان، وعثمان بن حنيف، وهاشم المرقال وعمرو بن الحمق، والأشتر، وغيرهم، فهؤلاء فوق التهمة، وليس عندهم ما يقاسمهم عمر إياه!
س3: لماذا خص عمر اثنين من الحكام بالإعفاء من مصادرة نصف أموالهما، وهما معاوية الأموي وقنفذ العدوي! أما معاوية فكان الوحيد من بين أصحابه وأولاده، الذي لم يوبخه على أعماله ولم يحاسبه على أمواله! وكان يعجبه بذخه ويقول هذا كسرى العرب! (أسد الغابة: 4/386)
وأما قنفذ العدوي، فلم يحاسبه لأنه كلفه بمهمة خاصة جداً لا يجسر عليها أحد من المسلمين، فنفذها، وكان معروفا بالقسوة! (فقال العباس لعلي: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر علي إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج)! (كتاب سليم/223)
س4: ما رأيكم في قول علي (عليه السلام) : (العجب مما أشربت قلوب هذه الأمة من حب هذا الرجل وصاحبه من قبله والتسليم له في كل شيء أحدثه!
لئن كان عماله خونة، وكان هذا المال في أيديهم خيانة، ما كان حل له تركه، وكان له أن يأخذه كله فإنه فئ المسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه ؟!
ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ أموالهم ولا شيئاً منهم قليلاً ولا كثيراً وإنما أخذ أنصافها! ولو كانت في أيديهم خيانة ثم لم يقروا بها ولم تقم عليهم البينة ما حل له أن يأخذ منهم قليلاً ولا كثيراً!
وأعجب من ذلك إعادته إياهم إلى أعمالهم! لئن كانوا خونة ما حل له أن يستعملهم ولئن كانوا غير خونة ما حلت له أموالهم)! (كتاب سليم/223).
15. مسائل من سياسته مع بني هاشم
اعترف بأنه منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة عهد الخلافة لعلي (عليه السلام)!
قال العلامة الحلي (قدس سره) في كشف اليقين/470: (وروى أحمد بن أبي طاهر في تاريخ بغداد بسنده عن ابن عباس، قال: دخلت على عمر في أول خلافته وقد ألقي له صاع من تمر على خصفة، فدعاني للأكل، فأكلت تمرة واحدة، وأقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جرٍّ كان عنده، واستلقى على مرفقة له، ثم قال: من أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد. قال: كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر فقلت: خلفته يلعب مع أترابه. قال لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت.قلت: خلفته يمتح بالغرب (يسقي بالدلو) على نخلات له وهو يقرأ القرآن فقال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها أبقى في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم.قال: أيزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها له؟ قلت: نعم وأزيدك سألت عما يدعيه فقال: صدق. فقال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذَرْوٌ من قول لا يُثبت حجة ولا يقطع عذراً، وقد كان يربع في أمره وقتاً ما. ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام لا ورب هذه البينة لا تجتمع عليه قريش أبداً! ولو وليها لأنتقضت عليه العرب من أقطارها! فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم! وهذا إشارة من عمر إلى اليوم الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إئتوني بدواة وكتف فقال عمر: إن الرجل ليهجر)! وشرح النهج: 12/20
ورواه في يحيى بن الحسين في التحفة العسجدية/144، وروى أيضاً أن عمر قال لابن عباس في مناسبة: (يا ابن عباس ما أرى صاحبك إلا مظلوماً، فقلت: أردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال: يا ابن عباس ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه، فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك! فأعرض عني)!
س1: قال عمر: (ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام! لا ورب هذه البينة لا تجتمع عليه قريش أبداً! ولو وليها لأنتقضت عليه العرب من أقطارها)!
فهل يحق لعمر عندكم أن يستدرك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وهل هو أعرف منه ومن ربه عز وجل بمصلحة الإسلام وأمته؟!
وهل توافقون العلامة الحلي على أن كلام عمر إشارة إلى (اليوم الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إئتوني بدواة وكتف فقال عمر: إن الرجل ليهجر) ؟!
س2: هل تقبلون عذر أصحاب السقيفة بأن علياً (عليه السلام) كان صغير السن ولذلك اختاروا أبا بكر لأنه أكبر منه سناً؟ وأنتم ترون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمَّر عليهم في مرض وفاته أسامة بن زيد وهو شاب أسود كان عمره سبع عشرة سنة؟!
عزل عمر بني هاشم وقال إن قريشاً قررت ذلك!
في تاريخ الطبري (3/288) عن ابن عباس، وفي شرح النهج (6/50) عن عبد الله بن عمر، ولفظهما متقارب، قال: (كنت عند أبي يوماً وعنده نفر من الناس، فجرى ذكر الشعر فقال: من أشعر العرب؟ فقالوا فلان وفلان، فطلع عبد الله بن عباس فسلم وجلس، فقال عمر: قد جاءكم الخبير، من أشعر الناس يا عبد الله؟ قال: زهير بن أبي سلمى. قال: فأنشدني مما تستجيده له. فقال: يا أمير المؤمنين، إنه مدح قوماً من غطفان يقال لهم بنو سنان، فقال:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم **** قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم **** طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا، جن إذا فزعوا **** مرزؤون بها ليلاً إذا جهدوا
محسودون على ما كان من نعم **** لا ينزع الله منهم ما له حسدوا
فقال عمر: والله لقد أحسن، وما أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت هاشم لقرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ابن عباس: وفقك الله يا أمير المؤمنين، فلم تزل موفقاً. فقال: يا بن عباس، أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين. قال: لكني أدري! قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة، فتجخفوا جخفاً (فتكبروا تكبراً) فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت!
فقال ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع؟ قال: قل ما تشاء. قال: أما قول أمير المؤمنين: إن قريشاً كرهت، فإن الله تعالى قال لقوم: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم! وأما قولك: إنا كنا نجخف، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله الذي قال الله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم، وقال له: واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. وأما قولك: فإن قريشاً اختارت، فإن الله تعالى يقول: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت قريش! فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول وحقداً عليها لا يحول!
فقال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تنسب هاشماً إلى الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكاه، وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى لهم: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا.وأما قولك حقداً، فكيف لا يحقد من غصب شيئه، ويراه في يد غيره!
فقال عمر: أما أنت يا بن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي! قال: وما هو يا أمير المؤمنين ؟ أخبرني به فإن يك باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقاً فإن منزلتي لا تزول به!
قال: بلغني أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منكم حسداً وظلماً! قال: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسداً، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود! وأما قولك: ظلماً، فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو! ثم قال: يا أمير المؤمنين ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله! فنحن أحق برسول الله من سائر قريش فقال له عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك!
فقام، فلما ولى هتف به عمر: أيها المنصرف إني على ما كان منك لراع حقك! فالتفت ابن عباس فقال: إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقاً برسول الله، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع ثم مضى! فقال عمر لجلسائه: واهاً لابن عباس ما رأيته لاحى أحداً قط إلا خصمه)! وجمهرة الأمثال للعسكري: 1/339، والعقد الفريد/1378، ونثر الدرر/238، وأشعار العرب للقرشي/29، ونضرة الإغريض/105
س1: ألا ترون قوة حجة ابن عباس، حتى أن عمر أفحم بها، فاضطر أن يطلب من ابن عباس أن يغادر المجلس؟! فما قولكم؟!
خطة عزل عمر لبني هاشم بعد وفاته!
كتب في هذا الموضوع وحلله تحليلاً علمياً موثقاً المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه: الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية/262، قال ملخصاً: (أدركت بطون قريش ما يرمي له محمد، وفهمت توجه الترتيبات الإلهية، وأنه صار بحكم المؤكد أن قيادة عصر ما بعد النبوة ستكون في بني هاشم، وبالتحديد في علي الذي قتل الأحبة والسادات، ومن بعد علي ستكون في بنيه، فمن يتقدم عليهم وهم أبناء الرسول، ومن يحاربهم وهم ناصية بني هاشم، ومن يرفض الانقياد لهم وهم أبناء النبي، وإذا تحققت هذه النوايا والتوجهات، فمعنى ذلك أن الهاشميين قد أخذوا النبوة، وأخذوا الخلافة معا، أو جمعوا ما بين النبوة والخلافة، وبين الدين والملك معا، وهذا يعني أنهم قد أخذوا الشرف كله، واختصوا بالفخر كله، وحرموا منهما بطون قريش، وتلك والله كارثة برأيهم، الموت خير من مواجهتها أو العيش في ظلالها!
وتفتقت عقلية بطون قريش عن خطة قبلية سياسية مثلى، تجمع بين الصيغة السياسية الجاهلية وبين نظام الإسلام السياسي، وتقوم على خلط الأوراق وإعادة ترتيبها من جديد، تحت إشراف رجالات البطون المسكونة أنفسهم بمرض الصيغة السياسية الجاهلية! لذلك وضعوا مجموعة من الأوراق لمواجهة الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة، والالتفاف عليها)!
ثم عدد أوراق البطون القرشية ومنها أنهم عصبوا دم ساداتهم الذين قُتلوا في حروب قريش مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام)! فهو الذي قتلهم فعلاً بوصفه حامل راية الرسول في كل المواقع، وبوصفه أقوى فرسان الإسلام على الإطلاق.
ثم أوضح كيف قرر زعماء بطون قريش معالجة منظومة الحقوقية الإلهية التي وثقت مكانة أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم والسنة، فاخترقوا الآيات بالتأويل والتفسير وتحميل النص عدة معان تضيع المقصود الشرعي منه!
ثم اخترقوا سنة النبي بفروعها الثلاثة: القول والفعل والتقرير، برفع شعار: حسبنا كتاب الله، بمعنى أن القرآن وحده يكفي ولا حاجة لسنة النبي! بل رفعوا هذا الشعار بمواجهة النبي نفسه عندما أراد أن يكتب وصيته للأمة! والذي رفعه عمر بن الخطاب، وعندما توج أبو بكر رفعه رسمياً، وتم حصر ما يمكن حصره من الأحاديث النبوية المكتوبة وأمر بإحراقه، وكذلك فعل عمر، ومنعا رسمياً رواية السنة أو كتابتها، لأن كتاب الله وحده يكفي!
ولم يكتفوا باختراع مقولة لا يجوز لبني هاشم أن يجمعوا بين النبوة والخلافة حتى قرروا عزلهم سياسياً عزلاً كاملاً، قال: (وعملياً وطوال رئاسة ذلك النفر للأمة لم يصدف أن استعملوا أو استعانوا بأي رجل من آل محمد، ولا بأي رجل يتعاطف مع آل محمد، وذلك من قبيل سد الذرائع! قال عبد الله بن عباس: إن عمر قد أرسل إليه وقال له: إن عامل حمص قد هلك وكان من أهل الخير، وأهل الخير قليل وقد رجوت أن تكون منهم، وفي نفسي منك شيء لم أره منك وأعياني ذلك فما رأيك بالعمل لي؟ قال ابن عباس فقلت: لن أعمل لك حتى تخبرني بالذي في نفسك؟ قال عمر ما تريد إلى ذلك؟ قال ابن عباس فقلت: أريده فإن كان شيء أخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الذي خشيت، وإن كنت بريئاً من مثله علمت أني لست من أهله فقبلت عملك هنالك، فإني قلما رأيتك طلبت شيئاً إلا عاجلته! فقال عمر: يا بن عباس إني خشيت أن تأتي الذي هو آت (الموت) وأنت في عملك فتقول هلم إلينا ولا هلم إليكم دون غيركم!
فمن فرط حرص عمر على مصلحة المسلمين وكراهيته المطلقة لرئاسة آل محمد يريد حتى بعد وفاته أن يتأكد، بأنه لا يوجد في ولايات الدولة ولا أعمالها رجل واحد يؤيد حق آل محمد بالرئاسة! وهو يثق بمعاوية ويثق بكل ولاته لأنه وإياهم على خط واحد، ولهم هدف واحد وهو الحيلولة بين آل محمد وبين الرئاسة العامة للأمة، لأن ذلك النفر لا يرون أنه ليس للأمة مصلحة في رئاسة آل محمد، بل المصلحة كل المصلحة بإبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة، وإبعاد أولياء آل محمد عن الولايات والإمارات والأعمال والوظائف العامة، حتى لا يوطدوا لآل محمد!
لهذه الأسباب هان على ذلك النفر تجاهل سنة الرسول وكافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم أو بمن يخلف الرسول، وأقنعوا أنفسهم بأن الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول في هذا المجال ليست في مصلحة الإسلام، ولا في مصلحة المسلمين! ومع الأيام أقنعوا الأكثرية التي حكموها بذلك! إن هذا لهو البلاء المبين! ) (راجع للمؤلف نفسه: أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها/206).
س1: هل توافقون على هذا التحليل لاستبعاد بني هاشم وعزلهم؟
وبماذا تفسرون أن عمر لم يولِّ أحداً منهم أبداً، وأعطى حق النقض في شورى الخلافة لابن عوف صهر عثمان ليضمن وصولها إلى بني أمية، واستبعاد علي وبني هاشم ؟!
قاد عمر موجة العداء لبني هاشم في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
بحثنا في العقائد الإسلامية (3/275) عداوة قريش لأسرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! وأوردنا أحاديث صحيحة من مصادرهم، تثبت أن الدافع الأساسي لتكذيب قريش للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان سياسياً، لأنهم إذا آمنوا بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد اعترفوا بالقيادة لبني هاشم وهم لا يريدون ذلك! فكانوا شديدين في تكذيبه ومواجهته! وكان بعضهم يفاوضون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الإيمان بنبوته بشرط أن يكون لهم الأمر من بعده! لكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مبلغاً عن ربه، وليس مساوماً على الأمر بعده!
وبعد فتح مكة اضطروا إلى إعلان إسلامهم، فكانوا يستثنون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويذمون بني هاشم! وعندما جاءت ألوف منهم إلى المدينة أخذوا يعملون لتشويه سمعة بني هاشم لعزلوهم ويأخذوا الخلافة! وقادهم في ذلك عمر بن الخطاب! فقد روى أحمد (4/166)، وصححه في الزوائد: (أتى ناس من الأنصار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم: إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا (المزبلة)! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أيها الناس من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - قال فما سمعناه ينتمي قبلها - ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً).
وروى الحاكم (4/73) بسند موثق عن عبد الله بن عمر قال: (إنا لقعود بفناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم: هذه ابنة محمد، فقال رجل من القوم: إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرف في وجهه الغضب، ثم قام على القوم فقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام! إن الله عز وجل خلق السماوات سبعاً فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سماواته من شاء من خلقه، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار).
وروى مجمع الزوائد: 8/216، بسند موثق: (عن ابن عباس قال: توفي ابن لصفية عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبكت عليه وصاحت، فأتاها النبي فقال لها: يا عمة ما يبكيك؟ قالت توفي ابني، قال: يا عمة من توفي له ولد في الإسلام فصبر، بنى الله له بيتاً في الجنة. فسكتت، ثم خرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال: يا صفية قد سمعت صراخك، إن قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً! فبكت فسمعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يكرمها ويحبها فقال: يا عمة أتبكين وقد قلت لك ما قلت؟! قالت: ليس ذاك أبكاني يا رسول الله، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً! قال: فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا بلال هجر بالصلاة, فهجر بلال بالصلاة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فإنها موصولة في الدنيا والآخرة)!
وروايته الصحيحة في تفسير القمي: 1/188، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إن صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها، فأقبلت، فقال لها الثاني: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله لا تنفعك شيئاً، فقالت له: هل رأيت لي قرطاً يا بن اللخناء!
ثم دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع! لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم!
لا يسألني اليوم أحد من أبواه إلا أخبرته! فقام إليه رجل فقال: من أبي؟ فقال: أبوك غير الذي تدعى له! أبوك فلان بن فلان! فقام آخر: فقال من أبي يا رسول الله ؟ فقال أبوك الذي تدعى له ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع! لا يسألني عن أبيه؟! فقام إليه الثاني فقال له: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عني عفى الله عنك)!
أقول: هذا موضوع كبير، فيه أحاديث كثيرة وأحداث مهمة، منها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واجه الطاعنين بأسرته بالطعن في أنسابهم! وتحداهم في المسجد، وكان معه جبرئيل (عليه السلام)، أن يسألوه عن آبائهم! راجع في الموضوع ما كتبناه في العقائد الإسلامية (3/275) والبخاري: 1/31.، وابن ماجة: /546، و أحمد: 3/39و162 و177 و: 5/296 و303، والبيهقي: 4/286، وعبد الرزاق: 11/379، وفردوس الأخبار: 4/399 وأسد الغابة: 1/134، الدر المنثور: 2/335، و: 4/309، وكنز العمال: 4/443 و: 13/453 وغيرها.
أسئلة:
س1: يقول عمر إنه استوعب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلامه عن فضل بني هاشم، ولذلك خطب من علي (عليه السلام) ابنته ليكون له نسب وصهر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد نقل عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة, فقال عمر: فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ، أحببت أن يكون لي منه سبب ونسب) (مجمع الزوائد: 8/216، والحاكم: 3/142، والاستيعاب: 4/1955، والدر المنثور: 3/32، عن عبد الرزاق وعبد بن حميد).
والسؤال: هل نسي ذلك عندما هاجم بيت علي وفاطمة (عليها السلام) وهددهم أن يحرقه عليهم إن لم يبايعوه؟! وقالوا له: إن في البيت فاطمة! قال: وإن! ؟
س2: ما معنى قول صفية لعمر: (يا ابن اللخناء) وهل هو اتهام له في نسبه؟!
س3: روى الجميع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحدى الطاعنين في أسرته، وطعن في أنسابهم، وأمرهم أن يسألوه عن آبائهم الحقيقيين ليخبرهم! فمن الذي سأله ومن خاف من افتضاحه ولم يسأله؟!
س4: هل تجدون في مواقف الأنبياء (عليهم السلام) أعنف من موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه يوم تحداهم في أنسابهم، ويوم طردهم في مرض وفاته وقال لهم: قوموا عني؟!
اعترف عمر بعيد الغدير وقال إنه اصطدام بغيره!
رووا عن أبي هريرة حديثاً قاصعاً ما زالوا ولا يزالون متحيرين فيه! لأنه سند ه صحيح متفق على صحته! قال أبو هريرة: (لما أخذ رسول الله بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم قال: فأنزل الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتيى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً. قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صامه يعني ثمانية عشر من ذي الحجة، كتب الله له صيام ستين شهراً). (تاريخ دمشق: 42/221، و233، وتاريخ بغداد: 8/284، والغدير: 3/358).
ثم رووا اعتراف عمر بعيد الغدير عندما قال له كعب الأحبار كما في صحيح البخاري: 1/16: (يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً! قال: أيَّةُ آية ؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً.قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قائم بعرفة يوم جمعة). ونحوه: 5/127، و: 8/137
وفي رواية النسائي: 5/251: (قال يهودي لعمر: لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتيي!.قال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والليلة التي أنزلت، ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله بعرفات)! انتهى.
فمعنى جوابه أني أوافقك بأن يوم نزول آية إكمال الدين يستحق أن يكون عيداً، ولكن آيته نزلت يوم عيد أو ليلة عيد، فاصطدم العيدان وأدغما! راجع ما كتبناه في آيات الغدير/242.
أسئلة:
س1: ألا ترون أن جواب عمر لا يقنع اليهودي ولا المسلم! لأن اليهودي يقول له: هل كان ربكم لا يعلم أن ذلك اليوم عيد فأنزلها سهواً ؟! أم أراد أن يخرب عليكم هذا العيد، فأنزله في يوم عيد، فأكله العيد الأول؟!
وإن قصد أن يوم عرفة مناصفة بين عيد عرفة وعيد إكمال الدين، فعرفة ليست عيداً ثم أين هذا العيد الذي لا يوجد له أثر عندكم، إلا عند الشيعة؟!
س2: ما بال الأمة الإسلامية لم تعرف بحادثة اصطدام الأعياد الربانية في عرفات، حتى جاء هذا اليهودي في خلافة عمر ونبههم، فأخبره عمر بأنه يوافقه على ما يقوله وأخبره بقصة تصادم الأعياد الإلهية في عرفات، وأن الحكم الشرعي في هذا التصادم هو الإدغام لمصلحة العيد السابق!
س3: اعترف (خليفة المسلمين بأن يوم نزول الآية يوم عظيم، أكمل الله فيه تنزيل الإسلام وأتم فيه النعمة على أمته، فهو يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة مثل أعيادها الثلاث: الفطر والأضحى والجمعة! وبذلك صار عيد إكمال الدين في مذاهبكم عيداً شرعياً سنوياً! فلماذا لا تعترفون به؟!
س4: ألا ترون أن الحقيقة أن عمر تورط في (آية علي بن أبي طالب) فقد ناقض نفسه في آخر ما نزل من القرآن، وفتح على نفسه المطالبة بعيد الآية إلى يوم القيامة! فما بالنا لا نجد لهذا العيد عندكم عيناً ولا أثراً؟
س5: حجتنا في جعل يوم الغدير عيداً، أن اروينا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوم الآية أي يوم الغدير عيد شرعي، وأن جبرئيل أخبره بأن الأنبياء (عليهم السلام) كانوا يأمرون أممهم أن تتخذ يوم نصب الوصي عيداً، وأمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتخذه عيداً.
فما هي حجة عمر في تأييد كلام اليهودي بأن ذلك اليوم يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة الإسلامية! فإن كان أفتى من عنده بذلك، فهو تشريع وبدعة، وإن كان سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلماذا كتمه قولاً وعملاً ولم يذكره لأحد حتى أحرجه اليهودي؟!
تعصب عمر لقريش وبغضه للأنصار!
لعمر مواقف متعددة ضد الأنصار، فقد أشار على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريق بدر أن لا يقاتل قريشاً، ثم انتقده لأن الأنصار أخذوا أسرى منهم!
وفي سنن الترمذي: 4/217: (عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة (الأنصاري) بين يديه يمشي وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله **** اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيلـه **** ويذهــل الخليـل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي حرم الله تقول الشعر؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : خلِّ عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل)!
ورواه البيهقي (10/228) وفيه: (مه يا عمر فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل).
وفي كنز العمال: 5/179: (ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : هيه يا ابن رواحة، قل: لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده).
كما نهى عمر حساناً عن إنشاد شعر معارك الإسلام في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! (أنشد حسان بن ثابت في المسجد، فمر به عمر بن الخطاب فلحظه فقال: أفي المسجد! فقال: والله لقد أنشدت من هو خير منك! قال: فخشي أن يرميه برسول الله، فأجاز وتركه). (سنن البيهقي: 2/448).
وفي أسد الغابة: 2/5: (نهى عمر عن إنشاد الشعر لشيء من مناقضة الأنصار ومشركي قريش! قال: في ذلك شتم الحي والميت، وتجديد الضغائن! وقد هدم الله أمر الجاهلية بالإسلام)! ثم منعه من الإنشاد (وفاء الوفا: 1/497)! وأخذت قريش تسب حساناً في كل مكان، لكن عائشة منعت سبه في حضورها!
(كانت عائشة تكره أن يسب حسان ابن ثابت عندها وتقول أليس الذي قال:
فإن أبي ووالدتي وعرضي**** لعرض محمدٍ منكم وقاءُ).
(الحاكم: 3/487).
أسئلة:
س1: كانت القرشيون يعتبرون بني هاشم عدوهم الأول والأنصار عدوهم الثاني، فكيف كان ينظر إليهم عمر بن الخطاب؟!
س2: هل كان يوجد صراع على الخلافة بين الحزب القرشي وبين الأنصار، وهل دعا الأنصار إلى جلسة في سقيفة بني ساعدة أي بيت سعد بن معاذ؟!
س3: هل صحيح أن عمر نفى سعد بن عبادة إلى الشام ثم قتله؟!
16. مسائل في حقيقة الفتوحات في عهد عمر
فتح فارس والشام كان وعداً نبوياً
إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر الناس من أول بعثته بأن الله تعالى وعده أن يورِّث أمته ملك كسرى وقيصر! فكان فتح فارس والروم وعداً نبوياً، وكان المشركون يسخرون من ذلك!
واستمر هذا الوعد عنصراً ثابتاً في مراحل دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان برنامجاً إلزامياً للسلطة الجديدة بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، أيّاً كانت تلك السلطة.
في سنن البيهقي: 7/283: (فوالذي نفس محمد بيده ليفتحن عليكم فارس والروم)
وفي الكافي: 8/216: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) : لما حفر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخندق مروا بكدية فتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المعول من يد أمير المؤمنين (عليه السلام) أو من يد سلمان رضي الله عنه فضرب بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد فتح علي في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر، فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلى)! ونحوه ابن هشام: 2/365
وعندما جاءته رسالة تهديد من كسرى أخبره الله تعالى بأنه سيقتله في اليوم الفلاني!
ففي سيرة ابن هشام: 1/45: (كتب كسرى إلى باذان: إنه بلغني أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه، فإن تاب وإلا فابعث إليَّ برأسه، فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب إليه رسول الله: إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا، فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر، وقال: إن كان نبياً فسيكون ما قال، فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! قال ابن هشام: قتل على يدي ابنه شيرويه)!
وهذا يدل على أن الاتجاه إلى الفتوحات كان خطة نبوية وعقيدة معروفة عند المسلمين، وكانت أي سلطة تأتي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ملزمة بهذه (الاستراتيجية)!
س1: بعد وعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوعد الله له بفتح بلاد كسرى وقيصر، هل كان باستطاعة أبي بكر وعمر أن لا يبدءا بالفتوحات؟!
دور علي (عليه السلام) وشيعته في الفتوحات
بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خافت السلطة من حرب مدعي النبوة خاصة طليحة الأسدي والأسود العنسي، كما خافت من التوجه إلى فتح بلاد فارس والشام!
وكان علي (عليه السلام) هو الذي دفعها إلى حرب المتنبئين والى الفتوحات، وقاد تلاميذه الفرسان أهم تلك الفتوحات، وإن لم تعطهم السلطة مناصب قيادية لكنهم كانوا القادة الميدانيين الذين خاضوا المعارك وحققوا النصر للمسلمين، وهم: حذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وأخواه أبان وعمرو، وهاشم بن أبي وقاص الأموي المعروف بالمرقال، وأولاده خاصة عبد الله وعتبة.، وبريدة الأسلمي، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، وعثمان بن حنيف وإخوته، وعبد الرحمن بن سهل الأنصاري، ومالك بن الحارث الأشتر وإخوته، وعدد من القادة النخعيين معه، وصعصعة بن صوحان العبدي وإخوته، والأحنف بن قيس، والعلاء بن الحضرمي، وحجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وأبو الهيثم بن التيهان، وجعدة بن هبيرة ابن أم هاني أخت أمير المؤمنين (عليه السلام)، والنعمان بن مقرن، وبديل بن ورقاء الخزاعي، وجرير بن عبد الله البجلي، ومحمد بن أبي حذيفة الأنصاري، وأبي رافع وأولاده، والمقداد بن عمرو، وواثلة بن الأسقع الكناني، والبراء بن عازب، وأبو أيوب الأنصاري، وبلال بن رباح مؤذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعبد الله بن خليفة البجلي، وعدي بن حاتم الطائي، وأبو عبيد بن مسعود الثقفي، وأبو الدرداء. ويليهم: جارية بن قدامة السعدي، وأبي الأسود الدؤلي، ومحمد بن أبي بكر، والمهاجر بن خالد بن الوليد.، وغيرهم من القادة الميدانيين!
ولكل واحد من هؤلاء الأبطال أدوار هامة عتَّم عليها إعلام الخلافة ورواتها، وأبرزوا بدلها أصحاب الأدوار الشكلية، أو الثانوية، أو المكذوبة!
أسئلة:
س1: هل تلاحظون أن تاريخ السلطة القرشية يختصر بطولة قادة الفتح بخالد بن والوليد وأبي عبيدة، والمثنى بن حارثة، وسعد بن أبي وقاص، ويتجاهل أدوار غيرهم وهي أهم من أدوارهم؟!
س2: هل صح عندكم قتال أحد أبطال السلطة في معارك الفتوحات؟!
خوف أبي بكر وعمر من قتال المرتدين!
خاف عمر من قتال المرتدين فطلب من أبي بكر أن لا يقاتلهم فوبخه أبو بكر! والصحيح أن أبا بكر أيضاً خاف حتى نهض علي (عليه السلام) فأعلن أنهم إن لم يخرجوا إلى قتال المرتدين فسيخرج بمن أطاعه!
ففي كنز العمال: 6/527، عن عمر قال: (لما قبض رسول الله ارتد من ارتد من العرب وقالوا: نصلي ولا نزكي، فأتيت أبا بكر فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش، فقال: رجوت نصرك وجئتني بخذلانك! جبار في الجاهلية خوار في الإسلام! ماذا عسيتُ أن أتألفهم بشعر مفتعل، أو بسحر مفترى! هيهات هيهات مضى النبي وانقطع الوحي! والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً! قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم مني) ونحوه الدر المنثور: 3/241، وكنز العمال: 12/493.
وعلى عادته حرَّف البخاري جوهر الموضوع، فزعم أنها كانت شبهة فقهية عند عمر سرعان ما زالت! قال في صحيحه (8/50) : (قال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟ قال أبوبكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقاتلتهم على منعها! قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق).
أسئلة:
س1: هل توافقونا على أن قرار حرب المرتدين تأخر شهرين، وكانت المسألة في رد وبدل حتى تحرك علي (عليه السلام)، فقد روى المؤرخون أن قرار أبي بكر بقتالهم تأخر حتى أغاروا على المدينة في جمادى الأولى، بعد شهرين من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (تاريخ خليفة/65)
س2: هل ترون أن أبا بكر وعمر رجلا قتال وحرب، وأين ظهر منهما ذلك؟
خوف عمر من حرب الفرس!
كانت خلافة أبي بكر نحو سنتين، وكان فيها حرب مدعي النبوة ومقدمات الفتوحات، وفي خلافة عمر كان علي (عليه السلام) هو المدبر الحقيقي للفتوحات، وكان تلاميذه الفرسان عمدة قادتها الميدانيين.
وقد اعترفت المصادر السنية بخوف عمر وانهياره عندما انكسر المسلمون في أول معركة مهمة لهم مع الفرس قرب الكوفة (يوم القادسية، ويوم الجسر، وقيس الناطف) فطمع الفرس في غزو المدينة، وأعدوا جيشاً كبيراً، فخاف عمر واستشار الصحابة، فثبته أمير المؤمنين (عليه السلام) وطمأنه بالنصر، وأشار عليه أن يقيم في المدينة ويرسل مدداً للمسلمين، فارتاح عمر، وأطلق يد علي (علي ه السلام) في إدارة المعركة، فاختار لها عدداً من القادة الفرسان..الخ.
قال ابن الأعثم في الفتوح: 2/290: (ذكر كتاب عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمار بن ياسر، سلام عليك. أما بعد فإن ذا السطوات والنقمات المنتقم من أعدائه، المنعم على أوليائه هو الناصر لأهل طاعته على أهل الإنكار والجحود من أهل عداوته، ومما حدث يا أمير المؤمنين أن أهل الري وسمنان وساوه وهمذان ونهاوند وأصفهان وقم وقاشان وراوند واسفندهان وفارس وكرمان وضواحي أذربيجان قد اجتمعوا بأرض نهاوند، في خمسين ومائة ألف من فارس وراجل من الكفار، وقد كانوا أمَّروا عليهم أربعة من ملوك الأعاجم، منهم ذو الحاجب خرزاد بن هرمز، وسنفاد بن حشروا، وخهانيل بن فيروز، وشروميان بن اسفنديار، وأنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا وتحالفوا وتكاتبوا وتواصوا وتواثقوا، على أنهم يخرجوننا من أرضنا ويأتونكم من بعدنا، وهم جمع عتيد وبأس شديد، ودواب فَرِهٌ وسلاح شاك، ويد الله فوق أيديهم.
فإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنهم قد قتلوا كل من كان منا في مدنهم، وقد تقاربوا مما كنا فتحناه من أرضهم، وقد عزموا أن يقصدوا المدائن، ويصيروا منها إلى الكوفة، وقد والله هالنا ذلك وما أتانا من أمرهم وخبرهم، وكتبت هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين ليكون هو الذي يرشدنا وعلى الأمور يدلنا، والله الموفق الصانع بحول وقوته، وهو حسبنا ونعم الوكيل، فرأي أمير المؤمنين أسعده الله فيما كتبته. والسلام. قال: فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب وقرأه وفهم ما فيه وقعت عليه الرعدة والنفضة، حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه! ثم قام عن موضعه حتى دخل المسجد وجعل ينادي: أين المهاجرون والأنصار! ألا فاجتمعوا رحمكم الله وأعينوني أعانكم الله!
ثم ذكر ابن الأعثم مجئ الصحابة وطرحهم مقترحاتهم، وكان علي (عليه السلام) ساكتاً فسأله وأعطاه الرأي فأعجب به عمر، قال: (فلما سمع عمر مقالة علي كرم الله وجهه ومشورته، أقبل على الناس وقال: ويحكم! عجزتم كلكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو الحسن! والله لقد كان رأيه رأيي الذي رأيته في نفسي، ثم أقبل عليه عمر بن الخطاب فقال: يا أبا الحسن! فأشر عليَّ الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أجعله أميراً، وأستكفيه من هؤلاء الفرس.
فقال علي رضي الله عنه: قد أصبته! قال عمر: ومن هو؟ قال: النعمان بن مقرن المزني، فقال عمر وجميع المسلمين: أصبت يا أبا الحسن! وما لها من سواه..الخ.).
ونحوه الطبري: 3/209.
أوقف عمر الفتوحات بعد معركة نهاوند!
قاد النعمان بن مقرن معركة نهاوند خير إدارة، واستشد فيها فقادها بعده حذيفة بن اليمان وكتب الله لهم النصر، أدار بعد أن نصر الله المسلمين وفتحوا أكثر العراق والبصرة والأهواز، فخاف عمر من التوغل في إيران وأمر بعدم التوغل وأن لا ينساحوا في بلاد فارس!
قال الطبري: 3/176: (قال عمر حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز، وددت أن بيننا وبين فارس جبلاً من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم! كما قال لأهل الكوفة: وددت أن بينهم وبين الجبل جبلاً من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم)!
وقال الطبري: 3/80: (فكتب إليه عمر: أن قف مكانك ولا تتبعهم واتخذ للمسلمين دار جهرة ومنزل جهاد ولا تجعل بيني وبين المسلمين بحراً لا يصلح العرب إلا حيث يصلح البعير والشاة، في منابت العشب، فانظر فلاة في جنب البحر فارتد للمسلمين بها منزلاً)!
واستمر خوف عمر سنوات حتى فتحت خراسان. ففي الطبري: 3/246: (لما قدم على عمر فتح خراسان قال: لوددت أن بيننا وبينها بحراً من نار، فقال علي: وما يشتد عليك من فتحها، فإن ذلك لموضع سرور)!
فتح حاكم البحرين قسماً من إيران فغضب عليه عمر!
قال الطبري: 3/177، عن العلاء الحضرمي: (واستعمله عمر ونهاه عن البحر فلم يقدر في الطاعة والمعصية وعواقبهما، فندب أهل البحرين إلى فارس فتسرعوا إلى ذلك، وفرقهم أجناداً على أحدهما الجارود بن المعلى، وعلى الآخر السوار بن همام، وعلى الآخر خليد بن المنذر ابن ساوى، وخليد على جماعة الناس، فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر، وكان عمر لا يأذن لأحد في ركوبه غازياً، يكره التغرير بجنده استناناً بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأبي بكر! لم يغز فيه النبي ولا أبو بكر، فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس، وعلى أهل فارس الهربذا اجتمعوا عليه، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم، فقام خليد في الناس فقال: أما بعد فإن الله إذا قصي أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه، وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم، وإنما جئتم لمحاربتهم، والسفن والأرض لمن غلب فاستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالاً شديداً في موضع من الأرض يدعى طاوس، وجعل السوار يرتجز يومئذ ويذكر قومه ويقول:
يا آل عبد القيس للقراع **** قد حفل الإمداد بالجراع
وكلهم في سنن المصاع **** بحسن ضرب القوم بالقطاع
ولما بلغ عمر الذي صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر، ألقى في روعه نحو من الذي كان، فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه يعزله وتوعده، وأمره بأثقل الأشياء عليه وأبغض الوجوه إليه بتأمير سعد عليه! وقال: إلحق بسعد بن أبي وقاص فيمن قبلك! فخرج بمن معه نحو سعد). ونحوه ابن كثير في النهاية: 7/96، وابن خلدون: 2 ق2/122.وروت عامة مصادرهم غزوة العلاء الحضرمي (رحمه الله) كالطبقات: 4/361، وتاريخ دمشق: 60/37، وأسد الغابة: 4/7، وسير الذهبي: 1/264، والإصابة: 2/288، وفتوح البلاذري: 1/104، والنهاية: 7/146، وابن خلدون: 7/240، وحلية الأولياء: 1/8، والاستيعاب 3/1087، والمنتظم: 4/242، والاكتفاء للكلاعي: 4/317، والتراتيب الإدارية: 1/370، وغيرها).
وهذا يرد قول البخاري إن معاوية أول من غزا قبرص في البحر في زمن عثمان، فإن العلاء الحضرمي غزا وفتح جنوب إيران قبله بعشر سنوات. قال بخاري في صحيحه: 3/232: (فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا! قالت أم حرام: قلت يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم! ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم! فقلت: أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال: لا) و: 3/201، وكررها بضع مرات!
وقصده أن معاوية أول من غزا في البحر لفتح قبرص فقد أوجب، أي استحق الجنة فلا يضره بعد ذلك خروجه على علي (عليه السلام) وقتله مئات الألوف من المسلمين ليتأمر عليهم! كما أن يزيداً كان قائد أول جيش غزا القسطنطينية فهو مغفور له ولا يضره بعدها أنه قتل الحسين (عليه السلام) وأصحابه في كربلاء، وقتل خيار الصحابة والتابعين واستباح المدينة في وقعة الحرة، ثم رمى الكعبة بالمنجنيق!
قال في فتح الباري: 6/74: (قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر) ، و: 11/63 و: 6/57.
وقد كذبوا في غزوة معاوية لقبرص، كما كذبوا في غزوة يزيد، وقد جعلوا الكذبيتين منقبتين! وفرح ابن تيمية بهذه المنقبة ليزيد، فقال منهاج السنة: 4/544: (فإنه غزا القسطنطينية في حياة أبيه معاوية وكان معهم في الجيش أبو أيوب الأنصاري وذلك الجيش أول جيش غزا القسطنطينية، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم)!
وفي: 4/571، ومجموع الفتاوى: 3/413، ونحوه في: 4/486، و: 18/352 وغيره من كتبه!
فأين ذهبت منقبة معاوية وغزوته المزعومة، التي كانت بعد غزوة العلاء بعشر سنين وأكثر! لأن فتح قبرص كان في سنة 28!
أسئلة:
س1: ما رأيكم في هذا التناقض في صحاحكم، وهل ترجحون رواية بخاري وتردون غيرها وإن كان صحيحاً ؟!
س2: ما رأيكم في خوف عمر من الحرب وخوفه من البحر؟
س3: ما رأيكم في معاقبة عمر لحاكم البحرين العلاء بن الحضرمي، وهو من الصحابة، ومنصوب من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكماً على البحرين؟
س4: ألا ترون أن الصحابة كانوا مصنفين في ولائهم في زمن عمر، وبعضهم مكشوف الولاء وعلاقته سيئة مع عمر، كالعلاء حاكم البحرين الذي هو من شيعة علي (عليه السلام)، وقد عاقبه عمر فجعله مع جيشه البحراني تحت إمرة سعد بن أبي وقاص الذي كان مبغضاً لعلي (عليه السلام)؟!
خاف عمر من الروم في الشام فطمأنه علي (عليه السلام)
وكذلك كان الأمر في فتح الشام كالعراق، وهما أساس كل الفتوحات الإسلامية، فيكفي أن نعرف دور الأبطال من تلاميذ علي (عليه السلام) كحذيفة، وحجر بن عدي وهاشم المرقال وكان قائد الرجالة، وخالد بن سعيد بن العاص الذي كان أبو بكر كتب له مرسوم قيادة جيش الشام، فأصر عمر على عزله لأنه من شيعة علي (عليه السلام)، لكنه ذهب قائدأ ميدانياً وقطف النصر في معركة أجنادين! ومالك الأشتر الذي قطف النصر في معركة اليرموك، وهما أهم معارك المسلمين مع الروم في كل بلاد الشام!
فقد أرسل خالد بن الوليد إلى أبي بكر بأن الروم يحشدون جيشهم في اليرموك، فاستشار علياً (عليه السلام) فأرسل اليه مالك الأشتر وعمرو بن معد يكرب في مئات.
قال الواقدي: 1/68 (كتب أبو بكر كتاباً إلى خالد.. .وقد تقدم إليك أبطال اليمن وأبطال مكة، ويكفيك بن معد يكرب الزبيدي، ومالك بن الأشتر )
ثم توفي أبو بكر وعزل عمر خالداً وجعل بدله أبا عبيدة، فأرسل أبو عبيدة إلى عمر يخبره بمواصلة الروم تحشيد قواتهم، فقال عمر كما في فتوح الواقدي: 1/178: (ما تشيرون به عليَّ رحمكم الله تعالى؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أبشروا رحمكم الله تعالى فإن هذه الوقعة يكون فيها آية من آيات الله تعالى، يختبر بها عباده المؤمنين لينظر أفعالهم وصبرهم، فمن صبر واحتسب كان عند الله من الصابرين، واعلموا أن هذه الوقعة هي التي ذكرها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي يبقى ذكرها إلى الأبد هذه الدائرة المهلكة! يا أمير المؤمنين أكتب إلى عاملك أبي عبيدة كتاباً وأعلمه فيه أن نصر الله خير له من غوثنا ونجدتنا)
(قال عطية بن عامر: فوالله ما شبهت عساكر اليرموك إلا كالجراد المنتشر إذْ سدَّ بكثرته الوادي! قال: ونظرت إلى المسلمين قد ظهر منهم القلق وهم لا يفترون عن قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (الواقدي في: 1/163).
وقد وصف الواقدي: 1/224، المعركة وبطل الروم ماهان، وقال: (وخرج ماهان إلى القتال وهو كأنه جبل ذهب يبرق، وأقبل حتى وقف بين الصفين ودعا إلى البراز وخوَّف باسمه، فكان أول من عرفه خالد بن الوليد فقال: هذا ماهان، هذا صاحب القوم قد خرج. فخرج إليه غلام من الأوس وقال: والله أنا مشتاق إلى الجنة وحمل ماهان وبيده عمود من ذهب كان تحت فخذه فضرب به الغلام فقتله وعجل الله بروحه إلى الجنة! قال أبو هريرة: فنظرت إلى الغلام عندما سقط وهو يشير بإصبعه نحو السماء ولم يهله ما لحقه، فعلمت أن ذلك لفرحه بما عاين من الحور العين! قال: فجال ماهان على مصرعه وقويَ قلبه ودعا إلى البراز..وكان أول من برز مالك النخعي الأشتر وساواه في الميدان فابتدر مالك ماهان بالكلام وقال له: أيها العلج لا تغتر بمن قتلته وإنما اشتاق صاحبنا إلى لقاء ربه، وما منا إلا من هو مشتاق إلى الجنة، فإن أردت مجاورتنا في جنات النعيم فانطق بكلمة الشهادة أو أداء الجزية، وإلا فأنت هالك لا محالة! فقال له ماهان: أنت صاحب خالد بن الوليد؟ قال لا أنا مالك النخعي صاحب رسول الله! فقال ماهان: لا بد لي من الحرب ثم حمل على مالك وكان من أهل الشجاعة فاجتهدا في القتال، فأخرج ماهان عموده وضرب به مالكاً على البيضة التي على رأسه فغاصت في جبهة مالك فشَتَرتْ عينه فمن ذلك اليوم سمي بالأشتر، قال: فلما رأى مالك ما نزل به من ضربة ماهان عزم على الرجوع، ثم فكر فيما عزم عليه فدبَّرَ نفسه وعلم أن الله ناصره، قال والدم فائرٌ من جبهته وعدو الله يظن أنه قتل مالكاً، وهو ينظره متى يقع عن ظهر فرسه! وإذا بمالك قد حمل وأخذته أصوات المسلمين يا مالك استعن بالله يعنك على قرينك، قال مالك: فاستعنت بالله عليه وصليت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضربته ضربة عظيمة. قال الواقدي: ولما ولى ماهان بين يدي مالك الأشتر منهزماً صاح خالد بالمسلمين: يا أهل النصر والبأس احملوا على القوم ما داموا في دهشتهم) وفتوح ابن الأعثم/230، و268.
أسئلة:
س1: بماذا تفسرون رجوع أبي بكر وعمر إلى علي (عليه السلام) في الشدائد، والأخذ برأيه في خطط الفتوحات وأبطالها؟!
س2: هل توافقون أن النصر في كل المعارك يتوقف بعد أذن الله تعالى على القيادي الممتاز الذي يرفع معنويات الجيش، ثم يقتحم فيبدأ بقطف النصر، وهذا ما اتصف به الصحابي مالك (رحمه الله) ؟!
س3: ما دام بطل معركة أجنادين خالد بن سعيد بن العاص وبطل معركة اليرموك مالك الأشتر، فهما اللذان فتحا فلسطين وسوريا، فلماذا أخفت السلطة دوريهما؟!
علي (عليه السلام) يشكو ظلامته وطمس دوره في الفتوحات
تعامل علي وأهل البيت (عليهم السلام) مع الموجة القرشية ضدهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنبل رسالي، ونفذوا ما أمرهم به حبيبهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسجلوا صبراً لا نظير له، فكظموا غيظهم وصبَّروا أنصارهم، وارتفعوا على جراحهم، فعملوا مخلصين في تسيير سفينة الإسلام وفتوحاته!
قال عليٌّ (عليه السلام) في كتابه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها: (أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) نذيراً للعالمين، ومهيمناً على المرسلين، فلما مضى تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزج هذا الأمر من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أهل بيته ولا أنهم مُنَحُّوهُ عني من بعده، (يقصد (عليه السلام) أن هذا كان أمراً لا يتصور) فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)! فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، أوكما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتَنَهْنَهْ). (نهج البلاغة: 3/118).
وفي رواية المسترشد للطبري الشيعي/412: (ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألفته، ولولا أني فعلت ذلك لباد الإسلام، ثم نهضت في تلك الأحداث حتى أناخ الباطل وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره المشركون).
ثم سجل علي (عليه السلام) ظلامته للتاريخ، فقال كما في شرح النهج: 20/298: (قال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم، وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟ قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت، ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلماً إلى العز والأمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكرًا، ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف!
وما عسى أن يكون الولد لو كان! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقربني بما تعلمونه من القُرْب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت! وكذاك لم يكن يَقْرُب ما قَرُبْتُ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة. اللهم إنك تعلم أني لم أرد الأمرة ولا علو الملك والرياسة، وإنما أردت القيام بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك). انتهى.
س1: ما رأيكم في هذا المنطق والحجج لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)؟!
17. مسائل في شورى عمر للخلافة بعده!
رفض تحمل مسؤولية الخلافة بعد موته، وتحملها!
في التمهيد لابن عبد البر: 22/128: (عن ابن عمر قال لما طعن عمر قالوا له: ألا تستخلف؟ قال: أحتملكم حياً وميتاً؟! حظي منكم الكفاف لا عليَّ ولا لي. إن أترككم فقد ترككم من هو خير مني ومنكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر). (قال: فوالذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر). (سنن البيهقي: 10/97).
(عن ابن عباس قال: أنا أول من أتى عمر حين طعن فقال: إحفظ عني ثلاثاً، فإني أخاف أن لا يدركني الناس، أما أنا فلم أقض في الكلالة، ولم أستخلف على الناس خليفة، وكل مملوك له عتيق). (الدر المنثور: 2/250).
س1: كيف يقول عمر إنه لا يريد أن يتحمل الخلافة حياً وميتاً, وقد تحملها بعد موته بالشورى الشكلية التي رتبها، وتحملها قبل خلافته بفرض خلافة أبي بكر على المسلمين وإجبارهم على بيعته؟!
قال عمر الأئمة من قريش ومن الفرس!
في تاريخ المدينة: 3/922 و881: (لما طعن عمر قيل له: لو استخلفت؟ قال: لو شهدني أحد رجلين استخلفته! إني قد اجتهدت ولم أتم أو وضعتها موضعها، أبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة..لو كان فيكم مثل سالم مولى أبي حذيفة، لم أشكك في استخلافه)!
س1: كيف تفسرون تناقض عمر، فبينما يؤكد أن الخلافة لقريش فقط، وإذا به يعلن أنه لو كان سالم حياً لأوصى إليه، وسالم غلام فارسي! وكان هو وأبو عبيدة وأبو بكر وعمر أصحاب الصحيفة التي كتبوها في الكعبة، أن يصرفوا الأمر عن بني هاشم.
وجعل الخلافة لعثمان بحيلة الشورى
. أوصى عمر بالشورى لستة وأعطى حق النقض لابن عوف! ففي صحيح مسلم: 2/81: ((إن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر أبا بكر قال إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات، وأني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن أقواماً يأمرونني أن استخلف، وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو عنهم راض، وإني قد علمت أن أقواماً يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال!
ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة وما راجعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء! وإني أن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن.
وإني أشهد الله على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، ويعدلوا عليهم ويقسموا فيئهم بينهم، ويرفعوا إلي مما عمي عليهم.
ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً). ومسند أحمد: 1/48، وعامة المصادر.
أسئلة:
س1: كان عمر يعرف أن هذه الخطبة خطبة وداع وعهد ووصية، فكيف تفسر ذكره لإرث الكلالة وهي مسألة فقهية، والبصل والثوم وهما مسألة أخلاقية؟
س2: لا يعرف أحد حتى عمر من هم هؤلاء الصحابة الكفرة الضالون الذين سيطعنون في شوراه، ولا متى قاتلهم بيده على الإسلام! فهل تعرفونهم؟!
مَهَّدَ عمر بتولية معاوية لنقل الخلافة إلى بني أمية!
قال محمد بن جرير الطبري، الشيعي في المسترشد/534: (ومما نقموا عليه: توليته معاوية بن أبي سفيان وقد سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إذا رأيتم معاوية على منبري هذا فاقتلوه؟ قال الحسن البصري: فلم يفعلوا ولم ينجحوا، وقد ولاه الثاني أمر المسلمين، فخطب على منابرهم، وتحكم في أموالهم وفروجهم وجعل له سبيلا إلى طلب الخلافة، حتى قتل ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجرى على يده ويد ابنه ما جرى). وبهامشه: قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب: 5/110 في ترجمة عباد بن يعقوب: روى عن شريك، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله مرفوعاً: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه! كما رواه السمعاني في الأنساب: 3/95 في ترجمة عباد بن يعقوب، ورواه أيضاً الخطيب في تاريخ بغداد: 12/181 في ترجمة عمرو بن عبيد، عن الحسن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا رأيتم معاوية على المنبر فاقتلوه. ورواه أيضاً نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفين/216 عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب عى منبري فاضربوا عنقه! قال الحسن فما فعلوا ولا أفلحوا. وفي حديث آخر عن الحسن قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه، قال: فحدثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: فلم نفعل ولم نفلح. وفي/217 عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يموت معاوية على غير الإسلام! وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله وسلم) : يموت معاوية على غير ملتي. وفي/219: عن عبد الله بن عمر قال: إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون، وذلك بأن فرعون قال: أنا ربكم الأعلى. ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: 4/312
أقول: لهذا الحديث شواهد عديدة إلى حد التواتر بأسناد كثيرة وألفاظ مختلفة، ومن يريد التفصيل فعليه بكتاب الغدير للعلامة الأميني (رحمه الله): 10/142.
س1: ألا ترون أن عمر رتب الشورى من أجل بني أمية، فركز معاوية في الشام وهدد أهل الشورى إذا لم يتفقوا على عثمان فسيأتي معاوية بجيشه من الشام ويجبرهم، ثم يأتي حليف بني أمية عامل اليمن وينصره! قال لأهل الشورى: (إن اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام، وبعده عبد الله بن أبي ربيعة من اليمن، فلا يريان لكم فضلاً لسابقتكم)! (تاريخ دمشق: 59/124، والإصابة: 4/70).
ومعناه أطيعوني يا أصحاب محمد في بيعة من يختاره ابن عوف، وإلا خسرتم الحكم كلياً، وأخذه منكم بنو أمية بجيش الشام وجيش اليمن؟!
مدح عمر أعضاء الشورى واحداً واحداً
روى الطبراني في المعجم الأوسط: 3/287، عن ابن عمر قال: (لما طعن عمر بن الخطاب وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته فقالت: يا أبة إن الناس يقولون إن هؤلاء القوم الذين جعلتهم في الشورى ليس هم برضى!
فقال أسندوني فأسندوه وهو لما به فقال: ما عسى أن يقولوا في عثمان سمعت رسول الله يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء! قلت: لعثمان خاصة أم للناس عامة ؟قال: بل لعثمان خاصة! قال: وما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف، رأيت النبي وقد جاع جوعاً وعطاء فجاء عبد الرحمن برغيفين بينهما إهالة فوضع بين يدي رسول الله، فقال: كفاك الله أمر دنياك، أما الآخرة فأنا لها ضامن. ما عسى أن يقولوا في طلحة ؟ رأيت النبي وقد سقط رحله في ليلة قرة فقال من يسوي رحلي وله الجنة، فابتدر طلحة الرحل فسواه فقال النبي: لك الجنة عليَّ يا طلحة غداَ! ما عسى أن يقولوا في الزبير؟ رأيت النبي وقد نام فلم يزل بالنبي يذب عن وجهه حتى استيقظ فقال له النبي: لم تزل يا أبا عبد الله، قال لم أزل فداك أبي وأمي. قال: هذا جبريل يقرأ عليك السلام ويقول لك عليَّ أن أذب عن وجهك شرر جهنم يوم القيامة! ما عسى أن يقولوا في علي؟ سمعت رسول الله يقول: يا علي يدك مع يدي يوم القيامة تدخل معي حيث أدخل)!
ثم ذمهم واحداً واحداً إلا رئيس اللجنة!
قال في فتح الباري: 13/169: (لما طعن عمر قيل له: استخلف، قال: وقد رأيت من حرصهم ما رأيت! إلى أن قال: هذا الأمر بين ستة رهط من قريش فذكرهم وبدأ بعثمان، ثم قال: وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثاً فإن قدم فيهن فهو شريكهم في الأمر.
وقال: إن الناس لن يعدوكم أيها الثلاثة فإن كنت يا عثمان في شيء من أمر الناس فاتق الله ولا تحملن بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس! وإن كنت يا علي فاتق الله ولا تحملن بني هاشم على رقاب الناس! وإن كنت يا عبد الرحمن فاتق الله ولا تحملن أقاربك على رقاب الناس! قال ويتبع الأقل الأكثر، ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه)!
وفي تاريخ دمشق: 45/453: (أن عبد الملك بن مروان كان يحدث عن أبي بحرية الكندي أنه أخبره عن عمر أنه خرج على مجلس فيه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص فقال: كلكم يحدث نفسه بالإمارة بعدي! قال: فسكتوا. فقال: كلكم يحدث نفسه بالإمارة بعدي؟ فقال الزبير: نعم كلنا يحدث نفسه بالإمارة بعدك ويراه لها أهلاً! قال: أفلا أحدثكم عنكم؟ قال: فسكتوا، ثم قال: ألا أحدثكم عنكم فسكتوا، ثم قال ألا أحدثكم عنكم؟ قال الزبير: فحدثنا ولو سكتنا لحدثتنا! فقال: أما أنت يا زبير فإنك كافر الغضب مؤمن الرضا، يوماً تكون شيطاناً ويوماً تكون إنساناً! أفرأيت يوم تكون شيطاناً من يكون الخليفة يومئذ؟! وأما أنت يا طلحة فلقد مات رسول الله وإنه عليك لعاتب! وأما أنت يا عبد الرحمن فإنك لما جاءك من خير لأهل. وأما أنت يا علي فإنك صاحب رياء وفيك دعابة! وإن منكم لرجلاً لو قسم إيمانه بين جند من الأجناد لأوسعهم يريد عثمان بن عفان! وأما أنت يا سعد فأنت صاحب مال! والمحفوظ عن عمر شهادته لهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توفي وهو عنهم راض).
ثم أمر بقتلهم جميعاً إن خالفوه!
قال الطبري الشيعي في المسترشد/544: (ومما نقموا عليه اختياره أصحاب الشورى من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من المهاجرين الأولين، وزعمه أن النبي قبض وهو عنهم راض وأنهم من أهل الجنة، وذكر أنه يكره أن يتحملها حياً وميتاً، فلئن كانت خلافته على منهاج رسول الله، فإنه ليحب أن يتحملها حياً وميتاً، لأنها الحق وهو في آخر حين. ولئن كان قد علم أنها على غير جهتها لقد أحسن حيث تحوَّبَ أن يتحملها ميتاً، فاختار هؤلاء الستة الذين اختارهم وقال: إن اتفق أربعة من الستة وأبى اثنان فاضربوا أعناقهما، وهما عنده من أهل الجنة! ثم حكم بحكم آخر فقال: إن افترقوا ثلاثة ثلاثة فالفرقة التي فيها عبد الرحمن بن عوف معها الحق! ثم حكم بحكم ثالث فقال: إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغوا من شأنهم فاضربوا أعناق القوم جميعاً!
فيا عجباً! زعم أنه يتخوف أن يولي أحداً، مخافة أن لا يعلم بالحق، ولا يتخوف من ضرب أعناق ستة من المهاجرين الأولين هم عنده خيار الأمة، ويشهد أنهم من أهل الجنة، وفي عقد دين الله التكفير لمن استحل قتل مؤمن، فأية خصلة من الخصال لم يأمر بها)!
في تاريخ دمشق: 39/196: (عن أبي صالح الحنفي قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى فجعلها في الستة الرهط وأمر صهيباً إذ هو مات أن يصلي بالناس ثلاثاً فإن اختاروا لأنفسهم وإلا ترك الصلاة. فلما قبر عمر صلى بهم صهيب يومين فلما كان اليوم الثالث قال لهم وقد صلى بهم الغداة: اختاروا لأنفسكم فيما بينكم وإلا فقد اعتزلت الصلاة في آخر هذا اليوم كما أمرني أمير المؤمنين عمر!
وقد كان عبد الرحمن بن عوف قبل ذلك يسأل المسلمين في دورهم ويأتيهم في منازلهم فيقول من ترضون أن يكون عليكم خليفة فجيبونه ويقولون عثمان فلما كان اليوم الثالث في وقت الظهر، اجتمع المسلمون في المسجد وجاء أهل العوالي وازدحم الناس في المسجد وتكاثفوا، فلما صلى بهم صهيب قال لهم اختاروا لأنفسكم. فقام عبد الرحمن تحت المنبر منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا معشر الناس على أماكنكم! فجلس الناس وتطاولت أعناقهم واستمعوا فقال: يا معشر الناس ألستم تعلمون أن عمر بن الخطاب جعل هذا الأمر في ستة؟ قالوا بلى فإني خارج منها ومختار لكم فما تقولون؟ قالوا: رضينا، وأقبل على علي وعثمان فقال ما تقولان؟ فقالا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توفي فاجتمع رأي المسلمين بعد على أن استخلفوا أبا بكر فاستخلفوه فقام بأمر الله وأخذ المنهاج الذي أخذه رسول الله حتى مضى لسبيله ثم استخلف عمر فقام بما قام به صاحباه ولم يأل حتى كان من قدر الله ما قد علمتم فجعلها فينا معاشر الستة وإني مختار لكم! قم يا عثمان قم يا علي، فقاما فقال: لهذا أبسط يدك فبسطا أيديهما، فقال يا أبا الحسن إن صار إليك هذا الأمر أتسير سيرة صاحبيك قال نعم، فأعاد القول على علي فقال مثل قوله الأول، وقال لعثمان فقال: نعم، ثم أقبل على علي فقال يا أبا الحسن إن فاتك هذا الأمر فيمن تحب أن يكون قال في آخر هذا وأومى إلى عثمان فقال عبد الرحمن: معاشر الناس ألستم راضين بأحد هذين أيهما بايعتموه فأعادوا القول على علي! فقال أشهد لن يبايعني ولن تبايع إلا عثمان لأن هذا عهد معهود إلي معاشر الناس والله ليقلدن الأمر والخلافة عهد البار الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى أنه البار الصادق الخليفة الثالث بعده، ولئن فعلتما لأسمعن ولأطيعن فقال عبد الرحمن: فابدأ إذا تبايعه فضرب على كفه بالبيعة فكانت أول كف وقعت على يد عثمان، وقال في بيعته: سبقت عدتي بيعتي).
أسئلة:
س1: ما رأيكم في قول علي (عليه السلام) إنه هوال مقصود عمر من الأمر بقتل المخالف! قال (عليه السلام): (والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربي وألصقت كلكلي بالأرض، ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر، وقد علم والله إني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيضي وانتظرت أمر ربي! ثم إن عمر هلك وقد جعلها شورى فجعلني سادس ستة كسهم الجدة، وقال: أقتلوا الأقل وما أراد غيري! فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربي وألصقت كلكلي بالأرض). (أمالي المفيد/154).
س2: ما رأيكم في قول عبد الرحمن بن عوف؟ (عن أبي وائل قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً؟ فقال: ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسنة أبي بكر وعمر؟ قال فقال: فيما استطعت. قال: ثم عرضتها على عثمان فقبلها) ؟! (تاريخ دمشق: 39/202).
قال علي (عليه السلام) : فيا لله وللشورى!
(من خطبة له (عليه السلام) وهي المعروفة بالشقشقية: أما والله لقد تقمَّصها فلان وإنه ليعلم أنَّ محلي منها محلُّ القطب من الرحى، ينحدر عني السَّيل ولا يرقى إلى الطير، فسَدلتُ دونَها ثوباً وطويتُ عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذَّاء أو أصبَر على طخيةٍ عمياء، يَهرمُ فيها الكبيُر، ويَشيبُ فيها الصَّغيرُ ويكدحُ فيها مؤمنٌ حتى يلقى ربَّه، فرأيتُ أنَّ الصَّبرَ على هاتا أحْجَى فَصَبرتُ وفي العينِ قذى، وفي الحلقِ شجَى، أرى تُرَاثِيَ نهباً! حتَّى مضى الأوَّلُ لِسَبيلهِ فأَدلى بها إلى فلانٍ بعدَهُ! ثم تمثل بقول الأعشى: .
شَتَّانَ ما يومي على كُورِها**** ويوم حيانَ أخي جابرِ
فيا عجباً بينا هوَ يَسْتَقِيلُها في حياتِهِ إذْ عقدَها لآخر بعدَ وفاتِهِ! لَشدَّ ما تشَطَّرا ضرعَيها! فصَيَّرَها في حوزةٍ خشناء، يغلظُ كَلْمُها، ويخشنُ مسُّها، ويكثرُ العثارُ فيها والاعتذار منها، فصاحبُها كراكبِ الصَّعبةِ، إن أشنقَ لها خرمَ، وإن أسلسَ لها تقحَّم، فَمُنِيَ النَّاسُ لعمرِ اللهِ بخبطٍ وشماسٍ، وتلوُّنٍ واعتراضٍ، فصَبرتُ على طولِ المدَّةِ وشدَّةِ المحنةِ، حتَّى إذا مضى لسبيلهِ، جعلَها في جماعةٍ زعمَ أنِّي أحدُهم! فيا للهِ وللشُّورى متى اعتَرضَ الرَّيبُ فيَّ معَ الأوَّلِ منهم حتى صرتُ أُقرَنُ إلى هذه النظائر! لكنِّي أَسفَفتُ إذ أسفُّوا وطرتُ إذ طارُوا، فصَغَى رجلٌ منهم لضغنِهِ، ومالَ الآخرُ لصِهرِهِ، مع هنٍ وهنٍ!
إلى أنْ قامَ ثالثُ القومِ نافجاً حضنَيْهِ، بين نثيلهِ ومعتلفهِ، وقامَ معه بنو أبيهِ يخضمونَ مالَ اللهِ خضمةَ الإبلِ نبتة الربيعِ! إلى أن انتكثَ فتله، وأجهزَ عليه عمله، وكَبتْ به بطنتُه!
فما راعني إلا والنَّاسُ كعرفِ الضبعِ إليَّ ينثالُونَ عليَّ من كلِّ جانب، حتى لقد وطئَ الحسنانِ، وشُقَّ عطفايَ، مجتمعين حولي كربيضةِ الغنمِ!
فلما نهضتُ بالأمر نكثتْ طائفةٌ ومرَقتْ أخرى وقسطَ آخرونَ كأنَّهم لم يسمعوا كلامَ اللهِ حيث يقول: تلكَ الدَّارُ الآخرةُ نجعَلُها للَّذينَ لا يريدونَ علوَّاً في الأرضِ ولا فَسَاداً والعاقبةُ للمُتَّقِينَ! بلى واللهِ لقد سمِعُوها ووعوها ولكنَّهم حليت الدُّنيا في أعينِهم وراقهم زبرجُها. أما والذي فلقَ الحبَّةَ وبرأَ النَّسَمةَ لولا حضورُ الحاضرِ وقيامُ الحجَّةِ بوجودِ النَّاصرِ. وما أخذ اللهُ على العلماءِ أن لا يقارُّوا على كِظَّةِ ظالمٍ ولا سغبِ مظلومٍ لألقيتُ حبلَها على غارِبِها ولسَقَيتُ آخرَها بكأسِ أوَّلِها ولألفَيتُم دنياكُم هذهِ أزهدُ عِندِي من عَفْطَةِ عَنزٍ. قالوا: وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتاباً فأقبل ينظر فيه. قال له ابن عباس رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين لو أطردتَ خطبتك من حيث أفضيت. فقال: هيهات يا ابن عباس تلك شِقشِقَةٌ هَدَرَتْ ثمَّ قَرَّتْ!
قال ابن عباس: فو الله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغ منه حيث أراد). (نهج البلاغة: 1/30).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (يقولون إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستخلف أحداً، وإنهم إنما تركوا ليتشاوروا، ففعلوا غير ما أمروا في قولهم! فقد بايع القوم أبا بكر عن غير مشورة ولا رضى من أحد! ثم أكرهوني وأصحابي على البيعة!
ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة!
ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة! ثم قال: يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام، ثم أمر الناس إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم، وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان أن يقتلوا الاثنين! ثم تشاوروا في ثلاثة أيام، وكانت بيعتهم عن مشورة من جماعتهم وملئهم، ثم صنعوا ما رأيتم)! (كتاب سليم/438).
وفي حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) عن لسانه: 2/207: (قال عامر بن واثلة: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت علياً يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر وأحق به، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف!
ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا والله أولى بالأمر منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً! ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذا لا أسمع ولا أطيع!
إن عمر جعلني في خمس أنا سادسهم، لأيم الله لا يعرف لي فضل في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربهم ولا عجمهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك أن يرد خصلة منها). (تاريخ دمشق: 3/118).
وقال (عليه السلام) كما في المسترشد للطبري الشيعي/415: (فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعت وأطعت وناصحت للدين. وتولى عمر تلك الأمور وكان مرضي السيرة ميمون النقيبة عندهم، حتى إذا احتضر قلت في نفسي لن يعدلها عني، فجعلني سادس ستة وأمر صهيباً أن يصلي بالناس! ودعا أبا طلحة زيد بن سهل الأنصاري فقال له: كن في خمسين رجلاً من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستة! كيف قال: قبض رسول الله وهو عن هؤلاء الستة راض، وقال في حالة: أقتل من أبى منهم، وهم عنده ممن قد رضي الله ورسوله عنهم، إن ذلك لمن العجب!
ثم اجتمعوا، فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني أحاجُّ أبا بكر فأقول: يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن، ويعرف السنة ويدين بدين الحق، فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا، وأخذوا بأنفاسهم، واعترض في حلوقهم، فأجمعوا إجماعاً واحداً فصرفوا الولاية عني إلى عثمان وأخرجوني من الأمرة عليهم، رجاء أن ينالوها ويتداولوها، ثم قالوا هلم فبايع وإلا جاهدناك! فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً! فقال عبد الرحمن يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص! قلت: حرصي على أن يرجع حقي في عافية، ولا يجوز لي عنه السكوت لإثبات الحجة عليكم، وأنتم حرصتم على دنياً تبيد، فإني قد جعلني الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى به منكم، وأنتم تصرفون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه! فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين!
اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي، وأضاعوا سنتي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً كنت أولى الناس به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تُمنعه، فاصبر كمداً أو مت متأسفاً حنقاً! وأيم الله لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سنتي لفعلوا، ولكن لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً!
وكان نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليَّ فقال: يا ابن أبي طالب لك ولاية أمتي من بعدي، فإن ولوك في عافية واجتمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه، فإن الله سيجعل لك مخرجاً، فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا مساعد، إلا أهل بيتي فضننت بهم على الموت والهلاك، ولو كان بهم حمزة أو أخي جعفر ما بايعت كرهاً! فأغضيت على القذى، وتجرعت الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلوب من حز الشفار! ثم تفاقمت الأمور فما زالت تجري على غير جهتها، فصبرت لكم حتى إذا نقمتم على عثمان أنبتموه فقتلتموه، خذله أهل بدر وقتله أهل مصر، ما أمرت ولا نهيت عنه، ولو أمرت به لكنت قاتلاً، ولو نهيت عنه لصرت ناصراً!
ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم فأمسكت يدي فنازعتموني ورافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي تداكَّ الهيم على حياضها يوم ورودها، وازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضاً، وأنكم قاتليَّ، حتى انقطع النعل، وسقط الرداء، ووطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس بيعتهم إياي أن حمل إليها الصغير وخرج إليها الكبير، وتحامل إليها العليل، وحسرت إليها الكعاب، فقلتم: بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك، فبايعنا لا نتفرق ولانختلف، فبايعتكم على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايعني طائعاً قبلت منه، ومن أبى تركته، فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما، كما لم أكره غيرهما! وكان طلحة يرجو اليمن والزبير يرجو العراق، فلما علما أني غير موليهما استأذنا في العمرة ويريدان الغدرة، فأتيا عائشة فاستخفَّاها، مع شيء كان في نفسها عليَّ)!
أسئلة:
س1: ما رأيكم في انتقادات أمير المؤمنين (عليه السلام) لشورى عمر، وهي:
1. أنها شورى شكلية، وأن أعضائها لا يقاسون بالإمام (عليه السلام) قال: (حتَّى إذا مضى لسبيلهِ جعلَها في جماعةٍ زعمَ أنِّي أحدُهم! فيا للهِ وللشُّورى متى اعتَرضَ الرَّيبُ فيَّ معَ الأوَّلِ منهم حتى صرتُ أُقرَنُ إلى هذه النظائر! لكنِّي أَسفَفتُ إذ أسفُّوا وطرتُ إذ طارُوا، فصَغَى رجلٌ منهم لضغنِهِ، ومالَ الآخرُ لصِهرِهِ، مع هنٍ وهنٍ)!
2. أنها شورى محدودة بجزء من أصحاب الحق بالشورى، وهم كافة المهاجرين والأنصار! قال (عليه السلام) : (ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة، ثم قال: يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام، ثم أمر الناس إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم..)! (كتاب سليم/438).
3. أن هدف الشورى بيعة عثمان! قال (عليه السلام) : (ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان! إذا لا أسمع ولا أطيع! إن عمر جعلني في خمس أنا سادسهم، لأيم الله لا يعرف لي فضل في الصلاح، ولا يعرفونه لي، كما نحن فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم، ثم لا يستطيع عربهم ولا عجمهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك، أن يرد خصلة منها). (تاريخ دمشق: 3/118).
4.كانت إدارة الشورى من ابن عوف وغيره لعباً سياسياً، قال (عليه السلام) : (حتى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها عني، فجعلني سادس ستة وأمر صهيباً أن يصلي بالناس! ودعا أبا طلحة زيد بن سهل الأنصاري فقال له: كن في خمسين رجلاً من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستة! كيف قال: قبض رسول الله وهو عن هؤلاء الستة راض، وقال في حالة: أقتل من أبى منهم...)؟!
س2: ما تقولون في رأي معاوية بأن عمر فرَّق المسلمين بالشورى، وشتتهم لأنه أطمع في الخلافة عدداً من قبائل قريش! قال العلامة الحلي في نهج الحق وكشف الصدق/355: (ونقل ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد (3/75، و: 2/203 ط مصر) أن معاوية قال لأبن حصين: أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وجماعتهم وفرق ملأهم وخالف بينهم؟ فقال قتل عثمان، قال: ما صنعت شيئاً، قال: فمسير علي إليك. قال ما صنعت شيئاً، قال: فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال علي إياهم. قال: ما صنعت شيئاً، قال: ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين!
قال: فأنا أخبرك: إنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعل عمر في ستة! ثم فسر معاوية ذلك في آخر الحديث فقال: لم يكن من الستة رجل إلا رجاها لنفسه ورجاها له قومه، وتطلعت إلى ذلك أنفسهم، ولو أن عمر استخلف كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف)!
ورواه في الطرائف/482، وعلق عليه بقوله: (فأراهم قد شهدوا أن عمر كان سبب المنع لنبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصحيفة التي أراد أن يكتبها لهم عند وفاته حتى لا يضلوا بعده أبداً، وكان عمر سبب ضلال من ضل منهم لما تقدم شرحه، وقد شهدوا عليه الآن إن ما عمله في الشورى كان سبب افتراق المسلمين واختلافهم! فقد صار أصل الضلال وفرعه في الإسلام من عمر، على ما شهد به علماؤهم)! فما رأيكم؟!
س3: قال الشيخ باقر القرشي في حياة الإمام الحسين (عليه السلام) : 1/318، ما خلاصته:
(أولاً، إن هذا النظام بعيد عن الشورى خالٍ من جميع عناصرها، فإنه لابد أن تشترك الأمة في الانتخاب، بينما حصرها عمر في ستة زعم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وهو راض عنهم، فإن كان رضا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعطي المسلم حق العضوية فيها فلماذا حصرها بهؤلاء؟! كما يجب أن لا تتدخل الحكومة في الانتخاب بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن تتوفر الحرية للناخبين، وقد فقدت الشورى العمرية هذه العناصر!
ثانياً، ضمت هذه الشورى المعادين للإمام والحاقدين عليه! ففيها طلحة التيمي وهو من عشيرة أبي بكر، وفيها عبد الرحمن بن عوف وهو صهر عثمان، ومن أكثر الناس حقداً على الإمام! وفيها سعد بن أبي وقاص، الذي يكره الإمام (عليه السلام) كأخواله الأمويين، فأمه حمنة بنت سفيان بن أمية! وفيها عثمان بن عفان عميد الأسرة الأموية.
بل إن المقصود من هذه الشورى كما يقول المحققون إقصاء الإمام (عليه السلام) عن الحكم، ومنحه للأمويين! يقول العلائلي: إن تعيين الترشيح مجدهم على أكتاف المسلمين!
ثالثاً، أبعد عمر الأنصار فلم يجعل لهم نصيباً فيها، وهم الذين آووا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصروه، لأنهم لا ينتخبون غير الإمام (عليه السلام) ولا يرضون سواه!
رابعاً، شهد عمر في حق أعضائها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وهو عنهم راض، ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن انتخاب أحدهم! افأين التحرج من إراقة الدماء؟!
خامساً، أعطى حق النقض لعبد الرحمن بن عوف، وهو تحيز ظاهر يلغي كل عملية الشورى! فبأي حق يجعل لابن عوف هذا الحق وهو ممن استأثروا بأموال المسلمين وفيئهم حتى ملكوا من الثراء العريض ما لا يحصى، وترك ابن عوف من الذهب ما يكسر بالفؤوس! أمثل هذا يقدم على الإمام (عليه السلام)؟!
سادساً، أوجدت التنافس بين أعضائها، فقد رأى كل منهم نفسه نداً للآخر ولم يكونوا قبل كذلك! فقد كان سعد خاضعاً لعبد الرحمن، وعبد الرحمان تابعاً لعثمان، وكان الزبير شيعة للإمام! لكن الشورى نفخت فيه روح الطمع فرأى نفسه نداً!
18. مسائل في حال عمر عند موته
طُعِنَ يوم الأربعاء ومات يوم الأحد
اتفق رواة الخلافة على أن عمر طعن يوم الأربعاء في أواخر ذي الحجة، ومات يوم الأحد آخر ذي الحجة (تاريخ دمشق: 44/14)
وخطب يوم الجمعة بعد طعنه بيومين وقال إنه جعل خلافته شورى بين ستة، وأوصى المسلمين بحل مسألة إرث الكلالة ونهاهم عن أكل البصل والثوم!
أوصى عند موته بالكلالة وطبخ الثوم والبصل جيداً
سألوه: أي الشراب أحب إليك؟.فقال: النبيذ ! فسقوه نبيذاً فخرج من الطعنة تحت السرة) (تاريخ المدينة: 3/910).
(يا أيها الناس إنكم تأكلون من شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا الثوم والبصل فمن كان آكلهما لابد فليمتهما طبخاً). (مسلم: 2/81ومسند أحمد: 1/48).
حسرات عمر عند موته!
(عن ابن عباس قال لما طعن عمر قال الآن لو أن لي الدنيا وما فيها لأفتديت بها من هول المطلع)! (تاريخ دمشق: 44/426).
وقال عن الخلافة: (والله لوددت أني لم أدخل فيها، وبلغ ذلك الوليد بن عبد الملك فقال: كذبت أيقول هذا خليفة الله؟ فقال الرجل أو كُذِّبْتُ؟ قال: أو ذاك! وأخذ تبنة من حائط فقال: يا ليتني كنت هذه التبنة! يا ليتني لم أخلق، يا ليت أمي لم تلدني، لم أك شيئاً، يا ليتني كنت نسياً منسياً!
وقال وهو يحتضر: والله إني لو كان لي ما على وجه الأرض لأفتديت به من هول المطلع.! لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء، لأفتديت بها من هول المطلع! قال لابنه عبد الله: ضع خدي بالأرض لا أم لك! ويل لعمر وويل أمه إن لم يغفر الله له! ثم شبك رجليه فسمعته يقول: ويل لي وويل لأمي إن لم يغفر الله لي.! فلم يزل يقزلها حتى خرجت روحه)
يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء، وبعضي قديداً، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً! وقال عن صرفه من بيت المال: يا ليتني كنت حائكاً أعيش من عمل يدي! (تاريخ المدينة: 3/918، وكنز العمال: 12/619).
قال العلامة الحلي (قدس سره) في منهاج الكرامة/102: (ومنها ما رووه عن عمر: روى أبو نعيم الحافظ في كتاب حلية الأولياء أنه لما احتضر قال يا: ليتني كنت كبشاً لقومي فسمنوني ما بدا لهم، ثم جاءهم أحب قومهم إليهم فذبحوني فجعلوا نصفي شواء ونصفي قديدا فأكلوني، فأكون عذرة ولا أكون بشراً!
هل هذا إلا مساو لقول الله تعالى: ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ؟
وقال لأبن عباس عند احتضاره: لو أن لي ملء الأرض ذهبا ومثله معه لأفتديت به نفسي من هول المطلع! وهذا مثل قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!
فلينظر المنصف العاقل قول الرجلين عند احتضارهما، وقول علي (عليه السلام): متى ألقاها، متى يبعث أشقاها ؟ متى ألقى الأحبة محمداً وحزبه ؟ وقوله حين ضرب: فزت ورب الكعبة)!
وفي هامشه: حلية الأولياء: 1/52، والمعجم الأوسط للطبراني: 1/344.. والحاكم: 3/92 وفي طبقات ابن سعد: 3/360: آخر كلمة فاهها عمر حتى قضى: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي! ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي! ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي).
أسئلة في تناقضات أقوالهم في أبي لؤلؤة قاتل عمر؟
س1: ما هي برأيكم علاقة بني أمية بقتل عمر، وهم المستفيد الأول من قتله، وكانت علاقتهم مع المغيرة بن شعبة قوية، وقد أعطوه مناصب بعد قتل عمر، وقد كان أبو لؤلؤة غلاماً للمغيرة بن شعبة!
قال ابن قدامة في المغني: 9/315: (فروي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم كل يوم درهم، وجاء أبو لؤلؤة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة يخفف عنه من خراجه)!
س2: ما هي علاقة كعب الأحبار برأيكم في قتل عمر، ففي تاريخ المدينة: 3/891: (لما قدم عمر من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال: يا أمير المؤمنين إعهد فإنك ميت في عامك، قال عمر: وما يدريك يا كعب؟قال: وجدته في كتاب الله! قال أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب؟ قال: اللهمَّ لا، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك!
فلما أصبح الغد غدا عليه كعب فقال عمر: يا كعب؟ فقال كعب: بقيت ليلتان فلما أصبح الغد غدا عليه كعب قال عبد العزيز: فأخبرني عاصم بن عمر بن عبيد الله بن عمر قال: قال عمر: .
يواعـدني كعـبٌ ثلاثاً يعـدُّها **** ولا شكَّ أن القولَ ما قاله كعبُ
وما بي لقاء الموت إني لميـت **** ولكنَّمـا في الذنـبِ يتبعُـه الذنبُ
فلما طعن عمر دخل عليه كعب فقال: ألم أنهك ؟ قال: بلى، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً)!
س3: هل يمكن أن تكون ضربة عمر استجابة لدعاء فاطمة الزهراء (عليها السلام) عندما أخذ منها عمر كتاب أبي بكر بفدك، وشقه، فقالت له: بقر الله بطنك، كما بقرت كتابي! قال العلامة الحلي في منهاج الكرامة/104: (ولما وعظت فاطمة (عليها السلام) أبا بكر في فدك، كتب لها بها كتاباً ورودها عليها، فخرجت من عنده فلقيها عمر، فخرق الكتاب، فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة به)!
. س4: هل هرب أبو لؤلؤة أم قتل؟ فقد روى ابن الأعثم في الفتوح: 2/236، وهو سني محب لعمر، قال: (فلما كبر عمر وكبر الناس معه، بدر أبو لؤلؤة من الصف والخنجر في يده فجرحه ثلاث جراحات: جراحتين في سرته وجراحة فوق سرته، ثم شق الصفوف وخرج هارباً).
وقال الحاكم: 3/91: (طعن أبو لؤلؤة الذي قتل عمر اثني عشر رجلاً بعمر فمات منهم ستة وأفرق منهم ستة، وكان معه سكين له طرفان فطعن به نفسه فقتلها) ز وفي الفتوح: 2/232، أن ابن عوف صلى بالناس وبعد الصلاة لحقوا أبا لؤلؤة: (ولحقه رجل من ورائه فألقى على رأسه برنساً فأخذه، فلما علم أبو لؤلؤة أنه قد أخذ وجأ نفسه وجأةً فقتل نفسه).
وفي تاريخ المدينة: 3/900: (فبصر به رجلان من حاج العراق فألقى أحدهما عليه برنسه فطعن العلج نفسه فقتلها).فلم يسموا أحداً ممن أخذه، ولا ذكروا أين ولا ماذا فعلوا في جثته، وهذا يوجب الشك في أنه أفلت منهم، فما قولكم؟!
س5: قال رواتكم إن أبا لؤلؤة مجوسي لكنه كان يصلي مع عمر وأن ابنته مسلمة، فقد روى الجميع أن عبيد الله بن عمر عندما ضُرب أبوه، قتل الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة الصغيرة! قال السيد الميلاني في: الإمامة في أهم الكتب الكلامية/243: (لقد قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة وهما مسلمان بلا ذنب أتيا به، بل أراد ألا يترك سبياً بالمدينة إلا قتله، وأمسك عثمان عن القصاص! وهذا مما أكثر الناس فيه وأعظموه، حتى قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لعبيد الله: يا فاسق لئن ظفرت بك يوما لأقتلنك) راجع: الطبري 5/42، الإصابة: 3/619، سنن البيهقي: 8/61، طبقات ابن سعد: 5/8، الكامل 3/32.
وفي الدراية لابن حجر: 2/263: (انطلق عبيد الله إلى ابنة أبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، وأراد أن يضع السيف في السبي فاجتمع عليه المهاجرون فلم يزل عمرو بن العاص يتلطف به حتى أخذ منه السيف).
س6: قال ابن حبان في الثقات: 7/6، ومشاهير علماء الأمصار/215: (أبو الزناد عبد الله بن ذكوان كنيته أبو عبد الرحمن مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة (زوجة عثمان) وكان ذكوان أخا أبى لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب وكان أبو الزناد من فقهاء المدينة وعبادهم وكان صاحب كتاب لا يحفظ مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. سمع أبو الزناد الأعرج روى عنه مالك والثوري وأهل الحجاز).
وقال ابن عبد البر في التمهيد: 18/5: (هكذا قال الواقدي ومصعب الزبيري والطبري). فما دام أبو لؤلؤة عم إمامكم أبي الزناد، فلماذا لا يكون مسلماً؟!
س7: قال عمر لخالد بن الوليد عندما قتل مالك بن نويرة وتزوج في تلك الليلة زوجته: (عدو الله، عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته! فلما أقبل خالد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من لامته وحطمها، ثم قال: أرياء قتلت امرءً مسلماً ثم نزوت على امرأته! والله لأرجمنك بأحجارك! فدخل خالد فاعتذر لأبي بكر فقبل عذره، واعتبر خالد مجتهداً ومأجوراً لأنه قتل صاحب رسول الله وأميره! أما مالك فلا أجر له مع أنه صحابي لأن قاتله خالد بن الوليد من أهل الطاعة! قال ابن تيمية في منهاج السنة: 3/19: (وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوباً، وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد! وقال ابن حزم في المحلى وابن التركماني في الجوهر النقي: (لا خلاف بين أحد من الأمة بأن عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل علياً إلا متأولاً مجتهداً، مقدراً أنه على صواب)! وهكذا فإن المقتول علي مثل القاتل عبد الرحمن بن ملجم وكلاهما مأجور لأن كليهما مجتهد! والقاتل أبو لؤلؤة مثل المقتول عمر، وكلاهما مأجور لأنه مجتهد)! فما رأيكم؟!
س8: كان الهرمزان مسلماً باتفاق الجميع، فقد كان شخصية كبيرة من أسرة كسرى، وكان حاكم الأهواز، فأسلم وسلم منطقته إلى المسلمين وسكن المدينة وكان ولاؤه لعلي (عليه السلام)، وكانت علاقته وثيقة مع عمر وحج معه، وقد ذكرنا في نظافة عمر دعوته له مع جميع المصلين إلى الطعام في منزله، وقد قتله ابن عمر على أثر ضربة أبي لؤلؤة لعمر، وأراد علي (عليه السلام) إقامة الحد عليه، فعفا عنه عثمان، فهل يجوز له ذلك؟!
قال اليعقوبي في تاريخه: 2/163: (وأكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد الله بن عمر، فصعد عثمان المنبر فخطب الناس ثم قال: ألا إني ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر وتركته لدم عمر! فقام المقداد بن عمرو فقال: إن الهرمزان مولى لله ولرسوله وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله! قال: فننظر وتنظرون! ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة وأنزله داراً)!
وفي أنساب الأشراف للبلاذري: 6/130، أن عثمان خطب في أول خلافته فقال: (وكان الهرمزان من المسلمين ولا وارث له إلا المسلمون عامة، وأنا إمامكم وقد عفوت أفتعفون؟ قالوا: نعم. فقال علي: أقد الفاسق فإنه أتى عظيماً، قتل مسلماً بلا ذنب! وقال لعبيد الله: يا فاسق! لئن ظفرت بك يوماً لأقتلنك بالهرمزان).
وفي بحار الأنوار: 30/373: (فقيل لعمر: إن عبيد الله بن عمر قد قتل الهرمزان فقال: أخطأ، فإن الذي ضربني أبو لؤلؤة وما كان للهرمزان في أمري صنع، وإن عشت احتجت أن أقيده به، فإن علي بن أبي طالب لا يقبل منا الدية وهو مولاه، فمات عمر واستولى عثمان على الناس بعده، فقال علي (عليه السلام) لعثمان: إن عبيد الله بن عمر قتل مولاي الهرمزان بغير حق وأنا وليه الطالب بدمه، سلمه إلي لأقيده به! فقال عثمان: بالأمس قتل عمر وأنا أقتل ابنه أورد علي آل عمر ما لا قوام لهم به، فامتنع من تسليمه إلى علي (عليه السلام) شفقة منه بزعمه على آل عمر! فلما رجع الأمر إلى علي هرب منه عبيد الله بن عمر إلى الشام فصار مع معاوية، وحضر يوم صفين مع معاوية محارباً لأمير المؤمنين (عليه السلام) فقتل في معركة الحرب، ووجد متقلد السيفين يومئذ)!
وقال ابن حزم في المحلى: 11/114: (قال الزهري: وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه قال: فيرحم الله حفصة إن كانت لمن شجع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة! قال معمر: قال غير الزهري: قال عثمان أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية، وإني قد جعلتها دية!
قال أبو محمد (ابن حزم): وقد روينا عن أحمد بن محمد عن أحمد بن الفضل عن محمد بن جرير بإسناد لا يحضرني الآن ذكره أن عثمان أقاد ولد الهرمزان من عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وأن ولد الهرمزان عفا عنه)!
|