بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنّ لِدَعوة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) خصائصَ أهمُّها أربعة أُمور، نذكرها في ثلاثة أُصول:
الاول:عالمية دعوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته.
إنّ دعوةَ النبيّ الأكرم ونبوَّتَه ورسالَتهُ، عالميةٌ، ولا تختصُّ بقومٍ دون قومٍ، ومنطقةٍ دون أُخرى. كما قال تعالى: «وَما أرْسلْناكَ إلّاكاّفةً للنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيْراً» «1».
ويقول أيضاً: «وَما أرْسَلْناكَ إلّارَحْمَةً لِلعالَمِين» «2».
من هنا نرى كيفَ أنّه كانَ يستفيدُ في دعوته من لفظة (النّاس) وقال: «يا أيُّها النّاسُ قَد جاءَكُمُ الرَّسُولُ بالحقّ مِن رَبّكُمْ فآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ» «3».
نعم عندما بدأَ النبيُّ الأكرمُ دعوَته كان طبيعيّاً أنْ ينذِرَ قومَه في المرحلةِ الأُولى، ويوجّه خِطابه إلى قومِهِ لينذرَ قوماً لم يُنذَرُوا مِن قَبل: «لِتُنْذِرَ قوماً ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ» «4».
ولكنَّ هذا لم يكن ليعني أنَّ مجالَ رسالته محدودٌ بجماعةٍ خاصةٍ، وإرشادِ قومٍ خاصّين.
ولهذا السبب نرى القرآنَ - أحياناً - في الوقت الذي يوجّه دعوته إلى جماعة خاصّة، يعمد فوراً إلى اعتبار دعوته تلك حجةً على كلّ الذين يمكن أن تبلغَهُمْ دعوتُه. إذ يقول: «وَأُوحِيَ إليَّ هذا القرآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ» «5».
إنّ مِنَ البديهيّ أنّ على الأَنبياء أنْ يَبدأوا أقوامَهم في البداية سواء أكانت دعوتهم عالميّة، أم محلِّية.
وهذا هو القرآنُ الكريم يُذَكّرُ بهذه الحقيقة: «وَما أرْسَلْنا مِنْ رسَوِلٍ إلّابِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبيّن لَهُمْ» «6».
الثاني: إنّ نبي الإسلام (صلى الله عليه و آله و سلم) خاتم الأنبياء.
إنّ نبوّة رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) نبوّةٌ خاتمةٌ، كما أنّ شريعته كذلك خاتمةُ الشرائع، وكتابهُ خاتمُ الكتب أيضاً.
يعني أنّه لا نبيَّ بعدَه، وأنّ شريعَتَه خالدةٌ، وباقيةٌ إلى يوم القيامة.
ونحنُ نستفيدُ من خاتميّة نبوّته أمرين:
1. إنّ الإسلام ناسخٌ لجميع الشرائعِ السابقة، فلا مكانَ لتلك الشرائعِ بعد مجيء الشريعةِ الإسلاميةِ.
2. إنّه لا وجودَ لِشَريعةٍ سماويةٍ في المستقبل، وادّعاء أي شريعة بعد الشريعة الإسلامية أمرٌ مرفوضٌ.
إنّ مسألة الخاتميّة طُرحت - في القرآن والأحاديث الإسلامية - بشكلٍ واضحٍ، بحيث لا تترك مجالاً للشك لأحد.
وفيما يأتي نشيرُ إلى بعضها في هذا المجال:
«ما كانَ مُحمَّدٌ أبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِن رَسُولَ اللَّه وَخاتمَ النَبِيّين وكان اللَّهُ بِكُلّ شَيءٍ عَليْماً» «7».
والخاتَم هو ما يوضع في الإصبع من الحُليّ، وكان في عصر الرسالة يُخَتُم بفصّه على الرسائل، والمعاهدات، ليكونَ آيةً على انتهاءِ المكتوب.
وفي ضوء هذا البيان يكون مفاد الآية هو أنّ كتابَ النبوّات والرسالات خُتِم بمجيء رسول الإسلام فلا نبيَّ بعدَه، كما يُخَتمُ الكتاب بالخاتَم، فلا كلامَ بعدَه.
على أنّ لفظَ الرسالة حيث إنّه ينطوي على معنى إبلاغ أشياء (الرسالة) يتلّقاها النبي عن طريق الوحي (النبوة)، لهذا فإنّ من الطبيعي أنْ لا تكونَ الرسالة الإلهيّةُ من دون نبوّة، فيكون ختم النبوات ملازماً - في المآل - لختم الرسالات.
ثم إنّ في هذا المجال أحاديث وروايات متنوّعة، وعديدة، نكتفي بذكر واحد منها وهو حديثُ «المنزلة».
فعندما كان رسولُ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) - يريد أنّ - يتهيّأَ لغزوة تبوك، خلّف الإمامَ عليّاً (عليه السلام) في المدينة وقال له: «أما ترضى أنْ تكونَ منّي بِمَنزلةِ هارونَ مِن مُوسى إلّاأنّه لا نبيَّ بَعدِي».
هذا وثمَّت مجموعةٌ من الأحاديث المتواترةِ إجمالًا ترتبط بالخاتميّة عدا حديث «المنزلة» المتواتر نُقِلَت ورُوِيت في الكتب.
الثالث: كمال الدين الإسلامي.
إن سرَّ خلودِ الشريعة الإسلامية يَكْمُنُ في أمرين:
ألف: إنّ الشَريعة الإسلامية تُقَدّمُ لضمان وتحقيق حاجة البَشَرِ الطبيعيّة والفطريّة، الى الهدايات الإلهيّة، أكمل برنامج عُرِف بحيث لايمكن تصوّر ما هو أفضل وأكمل منه.
ب: بَيَّنَ الإسلامُ في مجال الأحكام العمليّة كذلك سلسلةً من الأُصول والكليّات الجامعة والثابتة التي يمكنها أن تلبّي الحاجاتِ البشريةِ المتجدّدةِ والمتنوعة أوّلًا بأوّل.
ويشهد بذلك أنّ فُقَهاء الإسلام (وبالأخص الشيعة منهم) قدروا طوال القرون الأربعة عشرة الماضية أنْ يلبُّوا كلّ إحتياجات المجتمعات الإسلامية على صَعيد الأحكام، ولم يَحْدُث إلى الآن أن عَجَزَ الفِقْهُ الإسلاميّ عنِ الإجابة على مُشكلةٍ في هذا المجال.
هذا والأُمور التالية مفيدةٌ، ومؤثرةٌ في تحقيق هذه الغاية وهذا الهدف:
1. حجيّة العقل:
إنّ اعتبار العقل، ومنحه الحجية، والقيمة المناسبة في المجالات التي يقدر فيها على الحكم والقضاء، هو إحدى طرق استِنْباط وظائِفِ البشر في الحياة.
2. رعايةُ الأهمّ عِند مُزاحمة المهمّ:
إنّ الأحكام الإسلاميّة - كما نعلَمُ - ناشئةٌ من طائفة من الملاكات الواقعيّة، والمصالح والمفاسد الذاتيّة (أو العارضة) في الأشياء، وهي ملاكاتٌ ربما أدرك العقلُ بعضها، وربما لم يدرِكِ البعضَ الآخر، وإنما بيَّنَها الشرعُ.
وفي ضوء معرفةِ هذه الملاكات يستطيعُ الفَقِيهُ - بطبيعة الحال - أن يحلَّ المشكلة بتقديم الأهمّ على المهمّ، فيما إذا وقعَ تزاحمٌ بينهما.
3. فتح باب الاجتهاد:
إن فتح باب الإجتهاد في وجه الأُمّة الإسلامية- الذي يُعتبر من مفاخر الشيعة وامتيازات التشيّع- هو الآخرَ من الأسباب الضامنة لخاتمِيّة الدين الإسلاميّ واستمراريّته، لأنّه في ظلّ الإجتهاد الحيّ والمستمرّ يمكن استنباط أحكام الموضُوعات، والحوادث الجديدة، باستمرار، من القواعد والضوابط الإسلامية الكليّة.
4. الأَحكامُ الثّانَوِيّةُ:
هناك في الشريعة الإسلاميّة مضافاً إلى الأحكام الأوّليّة، طائفةٌ من الأحكام الثانوية التي تستطيع أن تحلَّ الكثيرَ من المشاكل.
فعلى سبيلِ المثال: عندما يصبَحُ تطبيقُ حكمٍ من الأحكام الإسلامية على موضوعٍ موجِباً للعُسر والحَرَج، أو مُستلزِماً للإضرار بأشخاصٍ (بالشروط المذكورة في الفقه الإسلاميّ) هناك أُصولٌ وقواعدُ مثل قاعدة «نفي الحرج»، أو «نفي الضرر» تساعد الشريعة الإسلاميّة على فتح الطرق المسدودة وتجاوز المشاكل.
يقول القرآن الكريم: «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «1».
وجاء في الأحاديثِ النَبَويّة: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ» «2».
ولابَدّ مِنَ القَول- بكل يقينٍ- بأنّ ديناً يَتحلّى بامتلاك هاتين القاعدتين ونظائرهما، لن يواجهَ أتباعُهُ قط طريقاً مسدوداً، في حياتهم، ومسيرتهم.ومعالجةُ مَسألة الخاتميّة بشكلٍ مسهب موكولةٌ إلى الكتب الإعتقادية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سبأ28.
(2) الانبياء107.
(3) النساء170.
(4) السجدة3.
(5) الانعام19.
(6) ابراهيم4.
(7) الأحزاب/40. لا تنحصر الآياتُ الدالّة على خاتميّة رسول الإسلام في هذه، بل هناك سِت آيات قرآنية في هذا المجال تدلّ على خاتميته. راجع كتاب مفاهيم القرآن: 3/130- 139.
(8) الحج78.
(9) وسائل الشيعة ج17باب12من احياء الموات الحديث3. |