بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ معاجز رسولِ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما أسلفنا - لا تنحصر في القرآن الكريم، بل إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ربما يأتي ببعض المعجزات في مناسباتٍ مختلفة بهدف إقناع الناس.
وفي هذا الصعيد يجب التذكيرُ بأن ثمّت محاسبةً عقليّةً تثبت أساساً وجودَ معاجزَ لرسولِ الإسلام عدا القرآنِ الكريم.
فالنبيُّ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله وسلم) تحدّث عن (9) معاجز للنبيّ موسى (عليه السلام) «1» وعن (5) معاجز للنبي عيسى (عليه السلام) كذلك «2».
فهل يمكن أنْ نقبل بأنْ يكون رسولُ الإسلام أعلى وأفضل من الأنبياء السابقين، وخاتمهم، وأنّه أثبتَ معاجز عديدة للأنبياء السابقين، ومع ذلك لا تكون له إلّامعجزة واحدة؟ ترى أما كانَ الناسُ - وهم يَسمعون بصُدُور كل تلك المعجزات عن الأنبياء السابقين - يتمنّون صدورَ معاجز مختلفة ومتنوّعة على يد رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يكتفون برؤية معجزةٍ واحدةٍ فقط؟؟!
وكيف لا تكون لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) معاجز سوى «القرآن الكريم» وهذا هو القرآنُ نفسُه يثبت صدور معاجز متعددة على يد رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نشير إليها فيما يأتي:
ألف: شَقّ القَمَر: عندما اشترط المشركون إيمانهم برسول اللَّهِ ودعوته بشقّ القَمَر نصفين، قام النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك بإذن اللَّه تعالى، كما يقول القرآن الكريم:
«إقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ* وإنْ يَرَوْا آيَةً يُعرضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسَتمِرٌّ» «3».
إنّ ذيلَ هذه الآية شاهدٌ واضحٌ على أنّ المقصود من الآية ليس هو انشقاق القمر في يوم القيامة بل يرتبط بعصر النبيّ الأكرمِ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ب: المعراج: إنّ عروجَ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة واحدةٍ من المسجد الحرام في مكة المكرَّمة إلى المسجد الأقصى في فلسطين، ومنه إلى السَّماء، وقد تمّت هذه الرحلة الفضائيّة العظيمة في مُدّةٍ قصيرةٍ جداً، يُعتَبَرُ هو الآخر من معاجز رسول الإسلام التي ذُكِرتْ في القرآن الكريم. «4»
على أنّ قُدرة اللَّه أقوى وأسمى من أن تحول العواملُ الماديةُ والطبيعيةُ دون تحقّق معراج نبيه الكريم إلى العالَم الأعلى، ووقوعه.
ج: مباهلته مع أهل الكتاب: لقد قام رسول الإسلام - بهدف - إثبات حقّانيّته، وصدق دعوته بدعوة طائفة من أهل الكتاب إلى «المباهلة» وقال: «فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَك مِنَ العِلْمِ فقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا وَنِسَاءَكُمْ وأنفُسَنَا وأنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبِين» «5».
ومن المُسَلَّم أنّ المباهَلة تنتهي بفناء أحد الفريقين المتباهِلَيْن، ولكنّ النبيَّ مع ذلك أعلن عن استعداده لذلك، فكانت النتيجةُ أنَّ أهلَ الكتاب لمّا شاهَدوا قاطعيّة النبي، وثباته العجيب، وكيف أنّه أتى بأعزّ أقربائِهِ إلى ساحة «المباهَلَة» من غير خوفٍ أو تهيّبٍ، انسحَبُوا، وقبلوا شرائط النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم).
ولقد كان السيدَ المسيحَ (عليه السلام) يخبر عن الغيب «6» وقد أخبر النبيُّ الأكرمُ محمدّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغيب عن طريقِ الوحي كذلك، ومن إخباراته: الإخبار بغَلَبة الروم على الفرس «7» وبفتح مكة «8».
إنّ هذه المعاجز هي التي ذَكَرَها القرآن الكريم، وأمّا ما ذكرهُ المؤرّخون والمحدّثون المسلمون من معاجز أُخرى لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيفوق ما جاء ذكرُه في القرآنِ الكريمِ، وهي وإنْ لم تكن - في الأغلب - متواترة إلّاأنّه يتمتع مجموعُها بتواترٍ إجماليٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الاسراء 101.
(2) انظر ال عمران 49.
(3) القمر1-2.
(4) انظر الاسراء1والنجم17.
(5) ال عمران61.
(6) انظر ال عمران 49.
(7) انظر الروم2.
(8) انظر الفتح27.
|