• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : إشكالاتنا على أهل الكتاب (النصارى) .
              • القسم الفرعي : في عقيدة التثليث .
                    • الموضوع : هل سمى المسيح نفسه ابن الله؟ .

هل سمى المسيح نفسه ابن الله؟

بسم الله الرحمن الرحيم


أول ما يلفت المحققون النظر إليه أنه لم يرد عن المسيح - في الأناجيل - تسميته لنفسه بابن الله سوى مرة واحدة في يوحنا 10/37، وفيما سوى ذلك فإن الأناجيل تذكر أن معاصريه وتلاميذه كانوا يقولون بأنه ابن الله.
... لذا فإن المحققين يشككون في صدور هذه الكلمات من المسيح أو تلاميذه، يقول سنجر في كتابه "قاموس الإنجيل": ليس من المتيقن أن عيسى نفسه قد استخدم ذلك التعبير".
... ويقول شارل جنيبر: " والنتيجة الأكيدة لدراسات الباحثين، هي : أن المسيح لم يدع قط أنه هو المسيح المنتظر، ولم يقل عن نفسه إنه ابن الله... فتلك لغة لم يبدأ في استخدامها سوى المسيحيين الذين تأثروا بالثقافة اليونانية"(1). وقد قال العالم كولمن بخصوص هذا اللقب: "إن الحواريين الذين تحدث عنهم أعمال الرسل تأسَوا بمعلمهم الذي تحفظ على استخدام هذا اللقب ولم يرغب به، فاستنوا بسنته".
ويرى جنيبر أن المفهوم الخاطئ وصل إلى الإنجيل عبر الفهم غير الدقيق من المتنصرين الوثنيين فيقول: "مفهوم "ابن الله" نبع من عالم الفكر اليوناني". ويرى القس السابق سليمان مفسر - ويوافقه الدكتور شارل جنيبر - أن بولس هو أول من استعمل الكلمة، وكانت حسب لغة المسيح (عبد الله) وترجمتها اليونانية servant، فأبدلها بالكلمة اليونانية pais بمعنى طفل أو خادم تقرباً إلى المتنصرين الجدد من الوثنيين(2).
المسيح هو أيضاً ابن الإنسان. ثم هذه النصوص التي تصف المسيح أنه ابن الله معارضة بثلاثة وثمانين نصاً من النصوص التي أطلقت على المسيح لقب " ابن الإنسان "، فلئن كانت تلك التي أسمته ابن الله دالة على ألوهيته فإن هذه مؤكدة لبشريته، صارفة تلك الأخرى إلى المعنى المجازي.
ومنها قول متى: " قال له يسوع: للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له، أين يسند رأسه" (متى 8/20)، وأيضاً قوله: " ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه" (مرقس 14/21)، وقد جاء في التوراة: "ليس الله إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم" (العدد 23/9). فالمسيح ليس الله.
أبناء كثر لله، فهل هم آلهة؟ ولفظ البنوة الذي أطلق على المسيح أطلق على كثيرين غيره، ولم يقتضِ ذلك ألوهيتهم، بل حملت بنوتهم على المعنى المجازي، أي المؤمنين والصالحين.
منهم آدم الذي قيل فيه: "آدم ابن الله" (لوقا 3/38).
ومثله قوله لداود: " أنت ابني، أنا اليوم ولدتك " (المزمور 2/7).
وسليمان أيضاً قيل أنه ابن الله، فقد جاء في سفر الأيام عنه: "هو يبني لي بيتاً …أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً" (الأيام (1) 17/12-13). كما سمى لوقا الملائكة أبناء الله لشيوع مثل هذه الاستخدام في الصدر الأول للمسيحية "مثلَ الملائكةِ وهم أبناء الله " (لوقا 20/36). وسمت النصوص أيضاً آخرين أبناء الله، أو ذكرت أن الله أبوهم، ومع ذلك لا يقول النصارى بألوهيتهم. فالحواريون أبناء الله، كما قال المسيح عنهم: " قولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم " (يوحنا 20/17). وقال للتلاميذ أيضاً: " فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (متى 5/48).وعلمهم المسيح أن يقولوا: "فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك.." (متى 6/9)، وقوله: " أبوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسألونه" (متى 6/11)، فكان يوحنا يقول: " انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (يوحنا (1) 3/1).
بل واليهود أيضاً كلهم أبناء الله كما يوضحه قول المسيح لليهود: "أنتم تعملون أعمال أبيكم. فقالوا له: إننا لم نولد من زنا. لنا أب واحد، وهو الله" (يوحنا 8/41).
وفي سفر هوشع "يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال ولا يعدّ، ويكون عوضاً عن أن يقال لهم: لستم شعبي، يقال لهم: أبناء الله الحي" ( هوشع 1/10).
ونحوه قال عنهم: "لما كان إسرائيل غلاماً أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (هوشع 11/1).
ومن ذلك أيضاً ما جاء في سفر الخروج عن جميع شعب " فتقول لفرعون: هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. فقلت لك: أطلق ابني ليعبدني، فأبيت" (الخروج 4/22). وخاطبهم داود قائلاً: "قدموا للرب يا أبناء الله، قدموا للرب مجداً وعزّاً" (المزمور 29/1). ومثله قوله: "لأنه من في السماء يعادل الرب. من يشبه الرب بين أبناء الله" ( المزمور 89/6). وفي سفر أيوب: "كان ذات يوم أنه جاء بنو الله، ليمثلوا أمام الرب " (أيوب 1/6).
وقال الإنجيل عنهم: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون" (متى 5/9). وعن المؤمنين يقول بولس : "فإذ نحن ذرية الله، لا ينبغي أن نظن أن اللاهوت شبيه بذهب أو فضة أو حجر نقش صناعة واختراع إنسان" (أعمال 17/29)، فوسم المؤمنين بأنهم ذرية الله، أي المحبون والمطيعون لله. كما نرى في التوراة هذا الإطلاق على الشرفاء والأقوياء من غير أن يفهم منه النصارى أو غيرهم الألوهية الحقيقية، فقد جاء فيها: "أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات. فاتّخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا.... إذ دخل بنو الله على بنات الناس، وولدن لهم أولاداً، هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم" (التكوين 6/2).
وعليه فلا يمكن النصارى أن يجعلوا من النصوص المتحدثة عن بنوة المسيح لله أدلة على ألوهيته ثم يمنعوا إطلاق حقيقة ذات اللفظ على آدم وسليمان و… وتخصيصهم المسيح بالمعنى الحقيقي يحتاج إلى مرجح لا يملكونه ولا يقدرون عليه.
__________
(1) انظر: المسيحية، نشأتها وتطورها، ص.50.
(2) انظر: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، رؤوف شلبي، ص 263-264، عيسى رسول الإسلام، سليمان مفسر، ص44-47، المسيحية، نشأتها وتطورها، ص50.

 

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=450
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12