• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : إشكالاتنا على أهل الكتاب (النصارى) .
              • القسم الفرعي : في عقيدة التثليث .
                    • الموضوع : الاستدلال على الوهية عيسى بمقدمة انجيل يوحنا .

الاستدلال على الوهية عيسى بمقدمة انجيل يوحنا

بسم الله الرحمن الرحيم


وأما الاستدلال على ألوهية المسيح بمقدمة يوحنا "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا 1/1-3) فقد كان للمحققين معه وقفات عديدة ومهمة، منها: - تنبيه العلامة ديدات إلى أن هذا النص قد انتحله كاتب الإنجيل من فيلون الإسكندراني (ت40م)، وأنه بتركيباته الفلسفية غريب عن بيئة المسيح وبساطة أقواله وعامية تلاميذه، وخاصة يوحنا الذي يصفه سفر أعمال الرسل بأنه عامي عديم العلم، فيقول: " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال 4/13 ). - كما ينبه ديدات إلى أن ثمة تلاعباً في الترجمة الإنجليزية، وهي الأصل الذي عنه ترجم الكتاب المقدس إلى لغات العالم. ولفهم النص على حقيقته يعود بنا العلامة ديدات إلى الأصل اليوناني. فالنص في الترجمة اليونانية تعريبه هكذا "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله"، وهنا يستخدم النص اليوناني بدلاً من كلمة (الله) كلمة هثيوس (hotheos)، وفي الترجمة الإنجليزية تترجم (God) للدلالة على أن الألوهية حقيقة. ثم يمضي النص فيقول "وكان الكلمة الله" [وهنا يستخدم النص اليوناني كلمة تنتيوس بمعنى إله (tontheos)]، وكان ينبغي أن يستخدم في الترجمة الإنجليزية كلمة (god) بحرف صغير للدلالة على أن الألوهية مجازية، كما وقع في نص سفر الخروج "جعلتك إلهاً لفرعون" (الخروج 7/1)، ومثله في حديثه عن الشيطان، والذي أسماه بولس إله الدهر، الذي أعمى أذهان غير المؤمنين (انظر كورنثوس (2) 4/4) فاستخدم النص اليوناني لرسالة بولس كلمة (tontheos)، وترجمت في النص الإنجليزي (god) مع وضع أداة التنكير (a). لكن الترجمة الإنجليزية حرفت النص اليوناني لمقدمة يوحنا، فاستخدمت لفظة (God) التي تفيد ألوهية حقيقة بدلاً من (god) التي تفيد ألوهية معنوية أو مجازية، فوقع اللبس في النص، وهذا ولا ريب نوع من التحريف(1). وقد استدركت بعض الترجمات العربية والعالمية الخطأ، فغيرت النص، منها نسخة ترجمة العالم الجديد في ترجماتها العالمية المختلفة، وقد جاء في نسختها العربية: "وكان الكلمة إلهاً".
وقد أفردت ملحقاً خاصاً بتبيان التحريف الذي وقعت فيه النسخ المخالفة في قراءة هذه الكلمة، ومما جاء فيه: "إن عبارة يوحنا أن الكلمة أو لوغوس كان (إلهاً) أو (إلهياً) أو (كإله)، لا تعني أنه كان الله الذي كان هو معه، إنها تعبر فقط عن صفة معينة للكلمة أو لوغوس، ولكنها لا تحدد هويته أنه الله نفسه".
ونقلت عن فيليب هارنر الكاتب في مجلة أدب الكتاب المقدس (المجلد 92/87) قوله: "أنا أرى أن القوة الوصفية للمُسند في يوحنا 1:1 بارزة جداً بحيث إنه لا يمكن اعتبار الاسم معرفة".
يقول الأب متى المسكين في شرحه لإنجيل يوحنا : "وهنا يُحذَّر أن تقرأ (الله) معرفاً بـ أل في (وكان الكلمة الله) ، وإلا لا يكون فرق بين الكلمة والله، وبالتالي لا فرق بين الآب والابن، وهذه هي بدعة سابيليوس .."(2).
- ولو غض المحققون الطرف عن ذلك كله فإن في النص أموراً ملبسة تمنع استدلال النصارى به على ألوهية المسيح. أولها: ما معنى كلمة "البدء"؟ ويجيب النصارى أي الأزل.
لكن ذلك لا يسلم لهم، فإن الكلمة وردت في الدلالة على معانٍ منها:
- وقت بداية الخلق والتكوين كما جاء في " في البدء خلق الله السموات والأرض" (التكوين 1/1)، ومثله قول المسيح عن إبليس أنه كان منذ البدء: " أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاك كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق" (يوحنا 8/44)، ومثله قاله متى على لسان المسيح، وهو يحاجج اليهود "قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلّق، قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا" (متى 19/7-8)، ومعناه أن ذلك لم يكن مأذوناً به عند بداية الخليقة، وبداية الخلق لحظة مخلوقة، وليست الأزل الذي يسبق كل زمان.
- وترد كلمة البدء أيضاً، ويراد منها فترة معهودة من الزمن كما في قول لوقا: "كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء" (لوقا 1/2)، أي في أول رسالة المسيح.
ومثله قول يوحنا: "أيها الإخوة لست أكتب إليكم وصية جديدة، بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء. الوصية القديمة هي الكلمة التي سمعتموها من البدء" ( يوحنا (1) 2/7).
ومثله قوله في جواب اليهود لما سألوه: "فقالوا له: من أنت؟ فقال لهم يسوع: أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يوحنا 8/25)، فكل هذه الاستعمالات لكلمة البدء لا يراد منها الأزل، بل أوقات معينة حادثة.
وعليه فلا يجوز قول النصارى بأن المراد بالبدء هنا الأزل إلا بدليل مرجح.
ويرجح الشيخ العلمي في كتابه الفريد "سلاسل المناظرات" بأن المعنى هنا هو بدء تنزل الوحي على الأنبياء، أي أنه كان بشارة صالحة عرفها الأنبياء كما في (إرميا 33/14).(3)
ثانيها: ما المقصود بالكلمة؟ هل هو المسيح؟ أم أن اللفظ يحتمل أموراً أخرى، وهو الصحيح. فلفظة "الكلمة" لها إطلاقات في الكتاب المقدس: منها: كتاب الله أو وحيه "وكانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا" (لوقا 3/2)، " أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها" (لوقا 8/21) "لكن ليس هكذا حتى إن كلمة الله قد سقطت، لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون" (رومية 9/6). ومنها: الأمر الإلهي الذي به صنعت المخلوقات، كما جاء في المزامير "بكلمة الله صنعت السماوات" (المزمور 13/6)، ومثله "وقال الله: ليكن نور فكان نور" (التكوين 1/3). ولهذا المعنى سمي المسيح كلمة، لأنه خلق بأمر الله، من غير سبب بشري قريب (من غير أب)، أو لأنه - حسي المعنى الأول - أظهر كلمة الله، أو أنه الكلمة الموعودة المبشر بها على لسان الأنبياء عليهم (الصلاة والسلام).
وأما المعنى الذي يزعمونه للكلمة، وأنها الأقنوم الثاني للثالوث، فلم يرد في كتب الأنبياء البتة.

__________

(1) انظر: مناظرتان في استكهولم، أحمد ديدات، ص 135-137، المسيح في الإسلام، أحمد ديدات، ص 84 -87.

(2) شرح إنجيل القديس يوحنا، الأب متى المسكين 1/35.
ومثله أيضاً قول يوحنا: "ولكن منكم قوم لا يؤمنون، لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه" (يوحنا 6/64).

(3) انظر: سلاسل المناظرة الإسلامية النصرانية بين شيخ وقسيس، عبد الله العلمي، ص 259-262.
ثالثها: "وكان الكلمة الله" غاية ما يستدل بها أن المسيح أطلق عليه: (الله)، كما أطلق على القضاة في التوراة "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي، حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار" (المزمور 82/1)، وكما سمي به أشراف اليهود في قول داود: " أحمدك من كل قلبي، قدام الآلهة أرنم لك" (المزمور 138/1)، وقد قال الله لموسى عن هارون: " وهو يكون لك فماً، وأنت تكون له إلهاً " (الخروج 4 /16). وغيرهم كما سبق بيانه.
رابعها: قوله: "والكلمة كان عند الله"، والعندية لا تعني المثلية ولا المساواة. إنما تعني أن الكلمة خلقت من الله كما في قول حواء: "اقتنيت رجلاً من عند الرب" (التكوين 4/1)، فقايين ليس مساوياً للرب، ولا مثله، وإن جاءها من عنده، وجاء في موضع آخر" وأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب" (التكوين 19/24).

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=448
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12