• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : إشكالاتنا العقائدية على فرق المسلمين .
              • القسم الفرعي : في توحيد الله .
                    • الموضوع : من ردود علماء المسلمين على تجسيم الوهابية .

من ردود علماء المسلمين على تجسيم الوهابية

بسم الله الرحمن الرحيم


أولاً: السبكي والحلبي
قال السبكي في طبقات الشافعية(1) .
أحمد بن يحيى بن اسماعيل ، الشيخ شهاب الدين الجلابي الحلبي الأصل ... مات سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة... ووقفت له على تصنيف صنفه في نفي الجهة رداً على ابن تيمية لا بأس به وهو هذا... (ويقع هذا المصنف في نحو خمسين صفحة وجاء فيه في ص 40 ـ 41) :وقد قال الشافعي رضي الله عنه:سألت مالكاً عن التوحيد فقال: محال أن نظن بالنبي (ص) أنه علم أمته الإستنجاء ولم يعلمهم التوحيد ... ولم يقل : من التوحيد إعتقاد أن الله تعالى في جهة العلو . انتهى . ويقصد مالك أنه لو كان الله تعالى وجوداً مادياً على العرش كما قال ابن تيمية لعلم النبي ذلك للأمة .ثم قال السبكي نقلاً عن ابن يحيى :وسئل الشافعي رضي الله عنه عن صفات الله فقال : حرام على العقول أن تمثل الله تعالى ، وعلى الأوهام أن تحد ، وعلى الظنون أن تقطع ، وعلى النفوس أن تفكر ، وعلى الضمائر أن تعمق ، وعلى الخواطر أن تحيط ، إلا ما وصف به نفسه على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) .
وها نحن نذكر عقيدة أهل السنة فنقول : عقيدتنا أن الله قديم أزلي لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شئ ، ليس له جهة ولا مكان ، ولا يجري عليه وقت ولا زمان... ولا يقال له أين ولا حيث ، يرى لا عن مقابلة ولا على مقابلة ، كان ولا مكان ، كون الكون ودبر الزمان ، وهو الآن على ما عليه كان ...
ـ وجاء في ص43 : أهل التوحيد اتفقت على نفي الجهة، سوى هذه الشرذمة مثل ابن تيمية.
وفي ص 53 ـ 54 : أورد أحمد بن يحيى حديث الرقية الذي استدل به ابن تيمية على أن الله تعالى موجود في جهة ، ويظهر أنه من نصوص التوراة أو الانجيل وهو (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك . أمرك في السماء والأ رض كما رزقك في السماء) وكذلك حديث (والعرش فوق ذلك كله، والله فوق ذلك كله) وقال ابن يحيى : فقد فهمه هذا المدعي أن الله فوق العرش حقيقة... الخ
ـ وجاء في ص 83 : في تنزيه الله عن الجهة والأخبار والآثار فيه وأقوال العلماء بذلك ... في إبطال ما موّه به ابن تيمية من القرآن والخبر ...ثانيا: النبهاني في شواهد الحق
قال النبهاني في شواهد الحق(2). ومنهم الإمام عبدالرؤوف المناوي الشافعي ، قال رحمه الله في شرح الشمايل : وقول ابن القيم عن شيخه ابن تيمية : إن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لما أري ربه واضعاً يديه بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة ، رده الشارح يعني ابن حجر المكي بأنه من قبيح ضلالهما ، وهو مبنى على مذهبهما من إثبات الجهة والجسمية ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . قال المناوي بعدما ذكره وأقول : أما كونهما من المبتدعة فَمُسلَّم ، وأما كون هذا بخصوصه مبنياً على التجسيم فغير مستقيم . ثم استدل لرد ذلك ، كما رده الشيخ علي القاري في شرحه على الشمايل أيضاً .
ثالثاً: الزهاوي: وقال الزهاوي في الفجر الصادق تحت عنوان : تجسيم الوهابية (3).
إن الوهابية التي كَفَّرت من زار قبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متوسلاً به إلى الله تعالى وعَدَّت ذلك شركاً في ألوهيته ، وقالت بوجوب تنزيهه تعالى عن ذلك ، قد خبطت كل الخبط في تنزيهه تعالى ، حيث أبت إلا جعل استوائه سبحانه ثبوتاً على عرشه واستقراراً وعلواً فوقه ، وأثبتت له الوجه واليدين ، وبَعَّضَته سبحانه فجعلته ماسكاً بالسموات على إصبع والأرض على إصبع والشجر على إصبع ، والملك على إصبع ، ثم أثبتت له تعالى الجهة فقالت هو فوق السموات ثابت على العرش يشار إليه بالأصابع إلى فوق إشارة حسية ، وينزل إلى السماء الدنيا ويصعد ، حتى قال بعضهم :لئـن كان تجسيـماً ثبوت اسـتوائه علـى عرشـه إنـــي إذاً لمجــسمُ
                                 وإن كــان تشبيـهاً ثبــوت صفاته       فعن ذلـــك التشبيـه لا أتلـــعثم
                                 وإن كــان تنزيهاً جحـود استوائه       وأوصـافـــه أو كـــونـــه يتكــلم
                                 ومــن ذلــك التنزيـه نزهـت ربنـا       بتــوفيقـه واللــه أعلـــى وأعلــم
نحن ننقل لك هاهنا بعض عباراتهم التي وردت في هذا الشأن مسطورة في كتاب الدين الخالص قال صاحبه : إن أردتم بالجسم المركب من المادة والصورة أو المركب من الجواهر الفردة فهذا منفي عن الله تعالى قطعاً ، والصواب نفيه عن الممكنات أيضاً فليس الجسم المخلوق مركباً من هذه اه‍ .
فأقول : أنظر إلى مافي هذه العبارة من الخبط ، فإنه أنكر فيها وجود جسم بالمعنى الذي ذكره سواء كان واجباً أو ممكناً ، والظاهر أن غرضه من هذا الإنكار هو التوصل إلى نفي الجسمية التي تلزم من معتقده في الله تعالى، فلئلا يقال إنه شبه الخالق بمخلوقه ، نفى الجسمية بالمعنى المذكور عن مخلوقه أيضاً ، وأنت تعرف أن الجسم إن لم يكن مركباً من المادة والصورة فلا محيص أن يكون مركباً من الجواهر الفردة ، ولكن الجهل ليس له حد ينتهي إليه ، فلا غرو أن وصل به إلى هذا الخبط الشنيع ، فلي‍ته بين بعد نفيه تركب الجسم مما ذكر ، ذكر من أي شئ‌ تتركب الأجسام ؟ ولا أعتقد أنه يذهب به طيشه أن يقول بتركبها من أجزاء تتجزأ إلى غير النهاية ، فإن ذلك مما أنكره علماء الكلام قاطبة ، ونفته العلوم الحاضرة وقامت البراهين على بطلانه . ولولا أن في ذكرها خروجاً عن الصدد لبسطناها . ثم قال : وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ، ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب ، فهذه المعاني ثابتة‌ للرب تعالى وهو موصوف بها ، فلا ننفيها عن‍ه بتسميتكم الموصوف بها جسماً ... إلى آخر ما قال .فأقول : لم نعرف أحداً عَرَّف الجسم بأنه المتكلم المكلم السميع البصير الذي يرضى ويغضب ، وإنما هذه صفات تقوم بالحي العاقل ، نعم إن الجسم يرى بالأبصار كما قال ولكن إثباته الجسم له تعالى بهذا المعنى تنزيل له سبحانه منزلة مخلوقاته مما ينافي الألوهية ، فإن كون الله ‌تعالى جسماً بهذا المعنى نقص يجب تنزيهه عنه ، أما عقلاً فلأن الرؤية كما تحقق في علم البصر إنما تتم بوقوع أشعة النور على سطح المرئي وانعكاسها عنه إلى البصر ، فيلزم منه كون المرئي ذا سطح ، وذلك يستدعي تركبه من أج‍زاء وهو ينافي الآلوهية، لأن الجسم بهذا المعنى عين الجسم الذي نفاه أولاً عنه تعالى بل حتى عن الممكن .
وأما نقلاً فلقوله تعالى : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ولا تعارض هذه الآية بقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، لأن كيفية رؤيته تعالى يوم‌ القيامة مجهولة كما هو معتقد أهل الحق ، فيمكن أن تكون الرؤية يومئذ بنوع من الإنكشاف والتجلي من غير حاجة للباصرة ولا محاذاة لها ، ويدل على ذلك قوله وجوه ولم يقل عيون ، وفي قوله ناضرة ما يفصح عن حصول السرور التام لها بذلك الإنكشاف . ثم قال : وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية فقد أشار أعرف الخلق بالله تعالى إليه بإصبعه رافعاً لها إلى السماء ، الخ ... فأقول : إن بداهة العقل حاكمة بأن المشار إليه بالاشارة الحسّية لابد أن يكون في جهة ومكان وأن يكون مرئياً ، وكل ذلك مستحيل على الله تعالى، لأنه تعالى لو كان في مكان جهة لزم قدم المكان أو الجهة ، وقد قام البرهان على أن لا قديم سوى الله تعالى .وأيضاً لو كان في مكان لكان محتاجاً إلى مكانه ، وهو ينافي الوجوب .
وأيضاً لوكان في مكان ، فإما أن يكون في بعض الأحيان أو في جميعها.
أما بطلان الأول فلأن الأحيان متساوية في أنفسها وكذلك نسبته اليها متساوية ، فيكون اختصاصه ببعضها ترجيحاً بلا مرجح ، إن لم يكن هناك مخصص خارجي، أو يلزم احتياجه في تحيزه إلى الغير إن كان هناك مخصص خارجي .
وأما بطلان الثاني فلأنه يلزم منه تداخل المتحيزين في الأماكن التي هي مشغولة بالأجسام ، وذلك محال .
وأيضاً لو جاز أن يشار إليه بالإشارة الحسية لجاز أن يشار إليه من كل نقطة من سطح الأرض ، وحيث أن الأرض كروية يلزم أن يكون سبحانه محيطاً بها من جميع الجهات وإلا ما صحت الإشارة إليه ، ولما كان تعالى مستوياً على عرشه ومستقراً عليه كما تزعمه الوهابية . وإن كان عرشه محيطاً بالسموات السبع فيلزم من نزوله إلى السماء الدنيا وصعوده منها كما تقوله الوهابية أن يصغر جسمه تعالى عند النزول ويكبر عند الصعود ، فيكون متغيراً من حال إلى حال ، تعالى الله عما يقول الجاهلون . وأما ما تمسكت به الوهابية من النقول التي تثبت الإشارة إليه تعالى فهي ظواهر ظن‍ية لا تعارض اليقينيات ، فتؤول إما إجمالاً ويفوض تفصيلها إلى الله كما عليه أكثر السلف ، وإما تفصيلاً كما هو رأي الكثيرين . فما ورد من الإشارة إليه في السماء محمول على أنه تعالى خالق السماء أو أن السماء مظهر قدرته ، لما اشتملت عليه من العوالم العظيمة التي لم تكن أرضنا الحقيرة إلا ذرة بالنسبة اليها ، وكذلك العروج إليه تعالى هو بمعنى العروج إلى موضع يتقرب إليه بالطاعات فيه ، إلى غير ذلك من التأويلات .
ـ وقال في الفجر الصادق ص31 تحت عنوان : الوهابية ونبذها للعقل :
لما كان صريح العقل وصحيح النظر مصادماً كل المصادمة لما اعتقدته الوهابية ، اضطروا إلى نبذهم العقل جانباً وأخذهم بظواهر النقل فقط وإن نتج منه المحال ونجم عنه الغي والضلال ، فاعتقدوا متمسكين بظواهر الآيات أن الله تعالى ثبت على عرشه وعلاه علواً حقيقياً ، وأن له تعالى وجهاً ويدين ، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ويصعد نزولاً وصعوداً حقيقيين ، وأنه يشار إليه في السماء إشارة حسية بالإصبع ، إلى‌غير ذلك مما يؤول إلى التجسيم البحت ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . فالوهابية التي تسمي زائري القبور عبـاد الأوثان ، إنما هي قد عبدت الوثن حيث أنه‍ا جعلت معبودها جسماً كالحيوان جالساً على عرشه ، ينزل ويصعد نزولاً وصعوداً حقيقيين ، وله وجه ويد ورجل وأصابع حقيقية ، مما يتنزه عنه المعبود الحق .
وإذا رد عليهم بالبراهين العقلية وأثبت لهم أن ذلك مناف للالوهية عند العقل ، قال‍وا في الجواب : لا مجال للعقل الحقير البشري في مثل هذه الأمور التي طورها فوق طور العقل ، فأشبهوا في ذلك النصارى في دعوى التثليث ، فإنك إذا سألتهم قائلاً كيف يكون الثلاثة واحداً والواحد ثلاثة ؟ قالوا : إن معرفة هذا فوق طور العقل ، ولا يجوز إعمال الفكر في ذلك ! لا ريب أنه إذا تعارض العقل والنقل أُوّل النقل ، إذ لا يمكن حينئذ الحكم بثبوت مق‍تضى كل منهما لما يلزم عنه من اجتماع النقيضين ، ولابانتفاء ذلك لاستلزامه ارتفاع النقيضين ، لكن بقي أن يقدم النقل على العقل أو العقل على النقل ، والأول باطل لأنه إبطال للأصل بالفرع .
وإيضاحه أن النقل لا يمكن إثباته إلا بالعقل ، وذلك لأن إثبات الصانع ومعرفة النبوة وسائر ما يتوقف صحة النقل عليه لا يتم إلا بطريق العقل ، فهو أصل للنقل الذي تتوقف صحته عليه ، فإذا قدم على العقل وحكم بثبوت مقتضاه وحده فقد أبطل الأصل بالفرع ، ويلزم منه‌ إبطال الفرع أيضاً ، إذ تكون حينئذ صحة النقل متفرعة على حكم العقل الذي يجوز فساده وبطلانه فلا يقطع بصحة النقل ، فلزم من‌تصحيح النقل بتقديمه على العق‍ل عدم صحته! وإذا كان تصحيح الشئ منجراً إلى إفساده ، كان مناقضاً لنفسه ، فكان باطلاً. فإذا لم يكن تقديم النقل على العقل بالدليل السابق ، فقد تعين تقديم العقل على النق‍ل، وهو المطلوب .
إذا علمت هذا تبين لك جلياً وجوب تأويل ما عارض ظاهره العقل من الآيات القرآني‍ة التي هي ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات ، إما تأويلاً إجمالياً ويفوض تفصيله إلى الله تعالى كما هو مذهب أكثر السلف ، وإما تفصيلياً كما هو مذهب أكثر الخلف . فالإستواء في قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ، هو الإستيلاء ، ويؤيده قول الشاعر : قد استوى عمروٌ على العراق مـن غيـر سيـف و دم مُهْراق
وقوله تعالى : وجاء ربك والملك صفاً صفاً ، أي جاء أمره .
وقوله : إليه يصعد الكلم الطيب ، أي يرتضيه ، فإن الكلم عرض يمتنع عليه الإنتقال بنفسه .
وقوله سبحانه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظللٍ من الغمام ، أي يأتي عذابه .
وقوله تعالى : ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين ، أو أدنى ، أي قرب رسوله إليه بالطاعة ، والتقدير بقاب قوسين تصوير للمعقول بالمحسوس . وقوله (صلى الله عليه وسلم) : إنه تعالى ينزل إلى السماء الدينا في كل ليلة فيقول هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له ، معناه تنزل رحمته ، وخص باللي‍ل لأنه مظنة الخلوات وأنواع الخضوع والعبادات . إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث . رابعا: الشيخ محمد أبو زهرة
قال الشيخ محمد أبوزهرة في تاريخ المذاهب الإسلامية (4). نقصد بالسلفيين أولئك الذين نحلوا أنفسهم ذلك الوصف ، وإن كنا سنناقش بعض آرائهم من حيث كونها مذهب السلف ، وأولئك ظهروا في القرن الرابع الهجري وكانوا من (الحنابلة) وزعموا أن جملة آرائهم تنتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل الذي أحيا عقيدة السلف وحارب دونها ، ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري ، أحياه شيخ الإسلام ‌ابن تيمية وشدد في الدعوة إليه، وأضاف إليه أموراً أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها أحوال عصره ، ثم ظهرت تلك الآراء في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري ، أحياها محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية وما زال الوهابيون ينادون بها ، ويتحمس بعض العلماء من المسلمين لها ، ولذلك كان لابد من بيانها . وقد تعرض هؤلاء الحنابلة للكلام في التوحيد وصلة ذلك بالأضرحة ، كما تكلموا في آيات التأويل والتشبيه ، وهي أول ما ظهروا به في‌القرن الرابع الهجري ، ونسبوا كلامهم إلى الإمام أحمد بن حنبل ، وناقشهم في هذه النسبة بعض فضلاء الحنابلة .
وقد كانت المعارك العنيفة تقوم بينهم وبين الأشاعرة ، لأنهم كانوا يظهرون حيث يك‍ون للأشاعرة سلطان قوي لا ينازع ، فتكون بين‌الفريقين الملاحاة الشديدة وكل فريق يحسب أنه يدعو إلى مذهب السلف ، وقد بينا مذهب الأشاعرة في ذاته وإن كنا لم نبين مقدار صلته بالآراء التي أثرت عن السلف ، وفي هذا الجزء سنتعرض لتمحيص العقيدة السلفية في أثناء عرضنا لتفكير هؤلاء الذين نحلوا أنفسهم ذلك الإسم موازنين بين الإسم والحقيقة .
ـ وقال أبو زهرة في ج1 ص232 ـ 235 : وهكذا يثبتون كل ما جاء في القرآن أو السنة من أوصافه سبحانه أو شؤونه ، فيثبتون له المحبة والغضب والسخط والرضا والنداء والكلام والنزول إلى الناس في ظلل الغمام ، ويثبتون له الإستقرار على العرش والوجه واليد من غير تأويل ولا تفسير بغير الظاهر ... فهو (ابن تيمية) بهذا يرى أن مذهب السلف يثبت لله اليد م‍ن غير كيف ولا تشبيه ، والوجه من غير كيف ، والفوقية والنزول وغير ذلك من‌ظواهر النصوص القرآنية ، ويقصد الظواهر الحرفية لا الظواهر ولو مجازية ، وهو يعد ذلك المذهب ليس مجسماً ولا معطلاً ويقول في ذلك : (ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل فلا يمثلون صفات الله تعالى بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذات بذوات خلقه ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله فيعطلوا أسمائه الحسنى وصفاته العليا ويحرفون الكلم عن مواضعه ويلحدون في أسماء الله وآياته ، وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل جامع بين التعطيل والتمثيل) ويكرر هذا المعنى فيقول مؤكداً إن الله ينزل ويكون في فوق وتحت من غير كيف : (ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا عن أحد من سلف الأمة ولا من الصحابة والتابعين ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والإختلاف ، حرف واحد يخالف ذلك لا نصاً ولا ظاهراً ، ولم يقل أحد منهم إن الله ليس في السماء ولا أنه ليس على العرش ولا أنه في كل مكان ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ، ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها . (الحموية الكبرى في مجموعة الرسائل الكبرى)(5).
وعلى ذلك يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية وتحتية واستواء على العرش ووجه ويد ومحبة وبغض، وما جاء في السنة من ذلك أيضاً من غير تأويل وبالظاهرالحرفي، فهل هذا هو مذهب السلف حقاً؟ نقول في الإجابة عن ذلك : لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بينا وادعوا أن ذلك مذهب السلف ، وناقشهم العلماء في ذلك الوقت وأثبتوا أنه يؤدي إلى التشبيه والجسمية لا محالة ، وكيف لا يؤدي إليهما والإشارة الحسية إليه جائزة ! ولذا تصدى لهم الإمام الفقيه الحنبلي الخطيب ابن الجوزي ونفى أن يكون ذلك مذهب السلف ، ونفى أيضاً أن يكون ذلك رأي الإمام أحمد ، وقال ابن الجوزي في ذلك : (رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح... فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام . فحملوا الصفات على مقتضى الحس فسمعوا أن الله خلق آدم على صورته فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات وفماً ولهوات وأضراساً وأضواء لوجهه ويدين وإصبعين وكفاً وخنضراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين ، وقالوا ماسمعنا بذكر الرأس ! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات‌ فسموها بالصفات تسمية مبتدعة ، ولا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن‌الظواهر إلى المعاني الواجبة الله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من صفات الحدث . ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ، ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة ، مثل اليد على النعمة والقدرة ، ولا المجئ والإتيان على معاني البر واللطف ، ولا الساق على الشدة، بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين . والشي‌ء إنما يحمل على حقيقته إن أمكن ، فإن صرف صارف حمل على المجاز ، ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من اضافته اليهم ويقولون نحن أهل السنة ، وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام ، وقد نصحت التابع والمتبوع وقلت : يا أصحابنا أنتم‌ أصحاب نقل واتبِّاع ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل ، فإياكم أن تبتدعوا من مذهبه ما ليس منه ، ثم قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها فظاهر القدم الجارحة ، ومن قال استوى‌ بذاته المقدسة فقد أجراه سبحانه مجرى الحسيات ، وينبغي ألا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل ، فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت ما أنكر أحد عليكم ، وإنما حملكم إياه على الظاهر قبيح. فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل السلفي ما ليس فيه).
خامسا: ابن الجوزي وقد استفاض ابن الجوزي في بيان بطلان ما اعتمدوا عليه من أقوال .
ولقد قال ذلك القول الذي ينقده ابن الجوزي القاضي أبو يعلي الفقيه الحنبلي المشهور المتوفى سنة 457 وكان مثار نقد شديد وجه إليه ، حتى لقد قال فيه بعض فقهاء الحنابلة (لقد شان أبو يعلى الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار) وقال مثل ذلك القول من الحنابلة ابن الزاغوني المتوفى سنة 527 وقال فيه بعض الحنابلة أيضاً(إن في قوله من غرائب التشبيه ما يحارفيه النبيه). وهكذا استنكر الحنابلة ذلك الإتجاه عندما شاع في القرن الرابع والقرن الخامس! ولذلك استتر هذا المذهب حتى أعلنه ابن تيمية في جرأة وقوة ... ونرى هنا أنه يجب أن نذكر أن ادعاء أن هذا مذهب السلف موضع نظر ، وقد نقلنا رأي ابن الجوزي في ذلك الرأي عندما شاع في عصره . ولنا أن ننظر نظرة أخرى وهي من الناحية اللغوية لقد قال سبحانه : يد الله فوق أيديهم ، وقال : كل شئ هالك إلا وجهه . أهذه العبارات يفهم منها تلك المعاني الحسية ، أم أنه تفهم منها أمور أخرى تليق بذات الله تعالى، فيصح أن تفسر اليد بالقوة أو النعمة ، ويصح أن يفسر الوجه بالذات ، ويصح أن يفسر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب حسابه ، وقربه سبحانه وتعالى من العباد . إن اللغة تتسع لهذه التفسيرات ، والألفاظ تقبل هذه المعاني، وكذلك فعل الكثيرون من علماء الكلام ومن الفقهاء والباحثين ، وهو أولى بلا شك من تفسيرها بمعانيها الظاهرة الحرفية والجهل بكيفياتها كقولهم إن لله يداً ولكن لا نعرفها ، وليست كأيدي الحوادث ، ولله نزولاً وليس كنزولنا إلى آخره ، فإن هذه إحالات على مجهولات ، لا نفهم مؤداها ولا غاياتها ! بينما لو فسرناها بمعان تقبلها اللغة وليست غريبة عنها ، لوصلنا إلى أمور قريبة ، فيها تنزيه وليس فيها تجهيل .
سادسا: السيد الأمين: قال في كشف الإرتياب في أتباع ابن عبد الوهاب(6).
الكتاب والخبر عربيان وفيهما كسائر كلام العرب الحقيقة والمجاز ، فالحقيقة الكلم‍ة المستعملة فيما وضعت له، كقولك سمعت زئير الأسد في الغاب وتريد الحيوان المفترس . والمجاز الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لمناسبة ما وضعت له ، مناسبة موافقة للعرف غير مستهجنة كقولك رأيت أسداً في الحمام وتريد رجلاً شجاعاً ، والمناسبة بينهما الشجاعة . وقد كثر المجاز في كلام العرب جداً ومنه الكتاب والخبر ، بل أكثركلام العرب مجاز . ومما جاء منه في القرآن : يد الله فوق‌ أيديهم . واصنع الفلك بأعيننا . ولتصنع على عيني . فإنك بأعيننا . ولو ترى إذ وقفوا على ربهم . ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله . كل شئ هالك إلا وجهه . أينما تولوا فثم وجه الله . ويبقى وجه ربك . الرحمن على العرش ‌استوى . يخافون ربهم من فوقهم . فكان قاب قوسين أو أدنى . إلا من رحم ربك . إلا من رحم الله . وغضب الله عليه . الله يستهزي‌ء بهم . وجاء ربك .
والقرينة على المجاز في الكل عدم إمكان إرادة المعنى الحقيقي المستلزم للتجسيم والتحيز والوجود في مكان دون غيره ، وكونه محلاً للحوادث ... ولا بد للمجاز من قرينة كقولنا في المثال المتقدم في الحمام ، لأن الحيوان المفترس لا يكون في الحمام عادة ، وقد تكون القرينة حالية لا مقالية فتخفى على بعض الأفهام ويقع فيها الإشتباه . وقد يكثر استعمال اللفظ في المعنى المجازي حتى يصير مجازاً مشهوراً لا يحتاج إلى قرينة غير الشهرة ، وقد يكثر حتى يبلغ درجة الحقيقة فيسمى منقولاً . وقال في كشف الإرتياب ص119 : وادعى الوهابيون أنهم هم الموحدون وغيرهم من جميع المسلمين مشركون كما سيأتي ، ولكن الحقيقة أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأتباعهما قد أباحوا حمى التوحيد وهتكوا ستوره وخربوا حجابه ، ونسبوا إلى الله تعالى ما لا يليق بقدس جلاله ، تقدس وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً . فأثبتوا لله تعالى جهة الفوق ، والإستواء على العرش الذي هو فوق السماوات والأرض ، والنزول إلى سماء الدنيا ، والمجئ والقرب وغير ذلك ، بمعانيها الحقيقية ، وأثبتوا له تعالى الوجه واليدين اليد اليمنى واليد الشمال والأصابع والكف والعينين ، كلها بمعانيها الحقيقية ‌دون تأويل ، وهو تجسيم صريح . وحملوا ألفاظ الصفات على معانيها الحقيقية فأثبتوا لله تعالى المحبة والرحمة والرضا والغضب وغير ذلك بمعانيها الحقيقية من غير تأويل ، وأنه تعالى يتكلم بحرف وصوت ، فجعلوا الله تعالى محلاً للحوادث وهو يستلزم الحدوث ، كما بين في محله من علم الكلام .أما ابن تيمية فقال بالجهة والتجسيم والإستواء على العرش حقيقة والتكلم بحرف وصوت . وهو أول من زقا بهذا القول وصنف فيه رسائل مستقلة كالعقيدة الحموية والواسطية وغيرهما ، واقتفاه في ذلك تلميذاه ابن القيم الجوزية وابن عبدالهادي وأتباعهم ، ولذلك حكم علماء عصره بضلاله وكفره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه ، فأخذ إلى مصر ونوظر فحكموا بحبسه فحبس، وذهبت نفسه محبوساً بعد ما أظهر التوبة ، ثم نكث . ونحن ننقل ما حكوه عنه في ذلك وما قالوه في حقه لتعلم ما هي قيمة ابن تيمية عند العلماء : قال أحمد بن حجر الهيثمي المكي الشافعي صاحب الصواعق في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم ، في جملة كلامه الآتي في فصل الزيارة : إن ابن تيمية تجاوز إلى الجناب المقدس وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ... الخ .
وقال ابن حجر أيضاً في الدرر الكامنة على ما حكي : إن الناس إفترقت في ابن تيمية فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكره في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك بقوله ان اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله، وأنه مستو على العرش بذاته ، فقيل له يلزم من ذلك التحيز والإنقسام فقال : أنا لا أسلم أن التحيز والإنقسام من خواص الأجسام ، فألزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله ....
وعن صاحب أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل أنه قال في بيان إرخاء العمامة بين الكتفين : قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه ذكرشيئاً بديعاً وهو أنه (ص) لما رأى ربه واضعاً يده بين كتفيه ، أكرم ذلك الموضع بالعذبة! قال العراقي ولم نجد لذلك أصلاً . أقول : بل هذا من ‌قبيل رأيهما وضلالهما إذ هو مبني على ما ذهبا إليه وأطالا في الإستدلال له والحط على أهل السنة في نفيهم له ، وهو إثبات الجهة والجسمية لله ، تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً . ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما تصم عنه الآذان ، ويقضي عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان ، قبحهما الله وقبح من قال بقولهما . و الإمام أحمد وأجلاء مذهبه مبرؤون عن هذه الوصمة القبيحة كيف وهي كفر عند كثيرين . انتهى .
وعن المولوي عبدالحليم الهندي في حل المعاقد حاشية شرح العقائد : كان تقي الدين ابن تيمية حنبلياً لكنه تجاوز عن الحد وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحق تعالى وجلاله ، فأثبت له الجهة والجسم ، وله هفوات أخر ....
وحكم قاضي القضاة بحبسه سنة 705 ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه ، كذا في مرآة الجنان للإمام أبي محمد عبدالله اليافعي ، ثم تاب وتخلص من السجن سنة 707 وقال إني أشعري ، ثم نكث عهده وأظهر مرموزه فحبس حبساً شديداً ، ثم تاب وتخلص من السجن وأقام في الشام ، وله هناك واقعات كتبت في كتب التواريخ ورد أقاويله . وبين أحواله الشيخ ابن حجر في المجلد الأول من الدرر الكامنة ، والذهبي في تاريخه ، وغيرهما من المحققين. والمرام أن ابن تيمية لما كان قائلاً بكونه تعالى جسماً قال بأنه ذو مكان، فإن كل جسم لابد له من مكان على ماثبت ، ولما ورد في الفرقان الحميد (الرحمن على العرش ‌استوى) قال إن العرش مكانه ، ولما كان الواجب أزلياً عنده وأجزاء العالم حوادث عنده ، اضطر إلى ‌القول بأزلية جنس العرش وقِدَمِهِ وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية، فمطلق التمكن له تعالى أزلي والتمكنات المخصوصة حوادث عنده ، كما ذهب المتكلمون إلى حدوث التعلقات . انتهى . وعن تاريخ أبي الفدا في حوادث سنة 705 : وفيها استدعي تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشق إلى مصر وعقد له مجلس ، وأمسك وأودع الإعتقال بسبب عقيدته ، فإنه كان يقول بالتجسيم . انتهى .
وجاء في المنشور الصادر بحقه من السلطان : وكان الشقي ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ومد عنان كلمه ، وتحدث في مسائل القرآن والصفات ، ونص في كلامه على أمور منكرات ، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء الأعلام ، وخالف في ذلك علماء عصره ، وفقهاء شامه ومصره ، وعلمنا أنه استخف قومه فأطاعوه ، حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله بالحرف والصوت والتجسيم . انتهى.
وأما محمد بن عبدالوهاب فاقتفى هو وأتباعه في ذلك أثر ابن تيمية ، كما اقتفى أثره في زيارة القبور والتشفع والتوسل وغير ذلك ، وبنى على أساسه وزاد ، وقد أثبت ابن عبد الوهاب لله تعالى جهة الفوق والإستواء على العرش الذي هو فوق السماوات والأرض والجسمية والرحمة والرضا والغضب واليدين اليمنى والشمال‌ والأصابع والكف كلها بمعانيها الحقيقية من دون تأويل ...
وأما أتباع محمد بن عبدالوهاب فأثبتوا لله تعالى جهة العلو والإستواء على العرش والوجه واليدين والعينين والنزول إلى سماء الدنيا والمجي‌ء والقرب و غير ذلك بمعانيها الحقيقية ، ففي الرسالة الرابعة من الرسائل الخمس المسمى مجموعها بالهدية السنية لعبداللطيف حفيد محمد بن عبدالوهاب عند ذكر بعض اعتقادات‌ الوهابية وأنها مطابقة لعبارة أبي الحسن الأشعري قال : وأن الله تعالى على عرشه كما قال : الرحمن على العرش استوى، وأن له يدين بلاكيف كما قال : لما خلقت بيدي ، بل يداه مبسوطتان ، وأن له عينين بلا كيف ، وأن له وجهاً كما قال : ويبقى وجه ‌ربك ذو الجلال والاكرام .
وقال : ويصدقون بالأحاديث التي جاء‌ت عن رسول الله (ص) أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر . إلى أن قال : ويقرون أن الله يجي يوم القيامة كما قال : وجاء ربك والملك صفاً صفاً ، وأنه يقرب من خلقه كيف شاء كما قال : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد .
وفي الرسالة الخامسة لمحمد بن عبد اللطيف المذكور : ونعتقد أن الله تعالى مستو على عرشه عال على خلقه، وعرشه فوق السماوات ، قال تعالى: الرحمن على العرش استوى ، فنؤمن باللفظ ونثبت حقيقة الإستواء ولا نكيف ولا نمثل . قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس وبقوله نقول ، وقد سأله رجل عن الإستواء فقال : الإستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة .....
ونقول : يلزم من ذلك أحد أمرين : التجسيم أو القول بالمحال وكلاهما محال ، لأن حصول حقيقة الإستواء مع عدم الكيف محال بحكم العقل ، ومع الكيف تجسيم ، فلا بد من التأويل والمجاز ، والقرينة العقل .
ومنه تعلم أن الكلام المنسوب إلى الإمام مالك لا يكاد يصح وحسن الظن به يوجب الري‍بة في صحة النسبة إليه ، وذلك لأن قوله الإستواء معلوم إن أراد أنه معلوم بمعناه الحقيقي فهو ممنوع بل عدمه معلوم بحكم العقل باستحالة الجسمية عليه تعالى ، واستحالة الإستواء الحقيقي بدون الجسمية ... ثم كيف يكون السؤال بدعة ، والتصديق بالمجهول محال ؟! وإن أراد أنا نؤمن به على حسب المعنى الذي أراده الله تعالى منه وإن لم نعلمه تفصيلاً ، فإن كان يحتمل أنه أراد حقيقة الإستواء ففاسد ، لما عرفت من استحالته بحكم العقل ، وإن كان الترديد بين المعاني المجازية فقط ، فأين حقيقة الإستواء التي أثبتناها .
وإذا كان قول الإمام مالك عند هؤلاء قدوة وحجة في مثل هذه المسألة الغامضة ، فَلِمَ لم يقتدوا بقوله فيما هو أوضح منها وأهون ، وهو رجحان استقبال القبر الشريف والتوسل بصاحبه عند الدعاء ؟ حسب ما أمر به مالك المنصور فيما مرت الاشارة إليه ...
أما قول عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية أنه لا يلزم أن نكون مجسمة وإن قلنا بجهة العلو ، لأن لازم المذهب ليس بمذهب ! ففيه : أن كون لازم المذهب ليس بمذهب إن صح فمعناه أن من ذهب إلى القول بشئ لا يجب أن يكون قائلاً بلازمه ، إلا أنه إذا كان هذا اللازم باطلاً كان ملزومه الذي ذهب إليه باطلاً ، لأن بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم ، وإلا لبطلت الملازمة . فمن قال بجهة العلو وإن لم يقل بالتجسيم إلا أنه لازم قوله ، فإذا كان التجسيم باطلاً فالقول بجهة العلو خطأ وباطل ، مع أنك قد عرفت آنفا أن قدوتهم ومؤسس ضلالتهم ابن تيمية قد صرح بالجسمية وكفره علماء عصره لذلك وحكموا بقتله أو حبسه ، وأن مؤسس مذهبهم ابن عبد الوهاب اقتدى بابن تيمية في ذلك فأثبت اليدين اليمين والشمال والأصابع والكف ، وهم على طريقته لا يحيدون عنها قيد أنملة ، فلا ينفعهم التبري من القول بالتجسيم .
ـ وقال في كشف الإرتياب ص380 :
استدراك : في بعض ما يحكى عن ابن تيمية من المعتقدات التي فاتنا ذكرها عند ذكر معتقده في صدر الباب الأول : ففي كتاب دفع شبه التشبيه والرد على المجسمة من ال‍حنابلة لأبي الفرج عبدالرحمن ابن الجوزي الواعظ المشهور ، عند ذكر الآيات التي ظاهرها التجسيم قال : ومنها قوله تعالى : ثم استوى على العرش ، إلى أن قال : قال ابن حامد : الإستواء مماسة وصفة لذاته، والمراد القعود ، وقد ذهبت طائفة من أصحابنا إلى أن الله تعالى على عرشه ما ملأه ، وأنه يقعد نبيه على العرش . وفي ال‍حاشية ما لفظه : قال الجلال الدواني في شرح العضدية : وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به ، أي بالقدم النوعي في العرش . انتهى . وقال الشيخ محمد عبده فيما علقه عليه: وذلك أن ابن تيمية كان من الحنابلة الآخذي‍ن بظواهر الآيات والاحاديث، القائلين بأن الله استوى على العرش جلوساً ، فلما أورد عليه أنه يلزم أن يكون العرش أزلياً كما أن الله أزلي ، وأزلية العرش خلاف مذهبه ، قال إنه قديم بالنوع ، أي أن الله لايزال يعدم عرشاً ويحدث آخر من الأزل إلى الأبد، حتى يكون له الإستواء أزلاً وأبداً . ولننظر أين يكون الله بين الإعدام والإيجاد ، هل يزول عن الإستواء فليقل به أزلاً . فسبحان الله ما أجهل الإنسان ، وما أشنع ما يرضى به لنفسه . انتهى المنقول في‌الحاشية .
فانظر إلى قول الحنابلة سلف ابن تيمية الذين يدين بمذهبهم أن الله مستو على ال‍عرش استواء مماسة وقعود ، وأنه ما ملأ العرش بل‌العرش أكبر منه، وأنه يجلس معه نبيه على العرش تشبيهاً بالملك الذي يجلس معه وزيره على السرير! والى قول ابن تيمية إن العرش قديم‌ بالنوع حادث بالشخص ! تعالى الله عمايقول الظالمون علواً كبيراً .
وفي كتاب دفع شبه التشبيه أيضاً عند ذكر الأحاديث التي ظاهرها التجسيم : الحديث التاسع عشر روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي (ص) ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، يقول من يدعوني فأستجيب له . قال ابن حامد : هو على العرش بذاته مماس له وينزل من مكانه الذي هو فيه وينتقل . وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على الله . ومنهم من قال يتحرك إذا نزل ، وما يدري أن الحركة لا تجوز على الله ، وقد حكوا عن الإمام أحمد ذلك ، وهو كذب عليه. انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة : ذكروا أنه ذكر أي ابن تيمية حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال كنزولي هذا ، فنسب إلى التجسيم. انتهى . وفي الحاشية : حكى ذلك أبو يعلى في طبقاته عن أحمد بطريق أبي العباس الإصطخري . وعجيب من ابن تيمية أنه كتبه في معقوله غير منكر ما يرويه حرب بن اسماعيل الكرم‍اني صاحب محمد بن كرام في مسائله عن أحمد وغيره في حقه سبحانه أنه يتكلم ويتحرك . ونقل أيضاً يعني ابن تيمية عن نقض الدارمي ساكتاً أو مقراً : الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ، لأن إمارة ما بين الحي والميت التحرك ، وكل حي متحرك لامحالة ، وكل ميت غير متحرك لا محالة! بل يروى عنه نفسه أنه نزل درجة وهو يخطب على المنبر في دمشق وقال : ينزل الله كنزولي هذا ، على ما أثبته ابن بطوطة من مشاهداته في رحلته. انتهى .
سابعا: السقاف: وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية (7).
ثم اعلم بأن من نهج السلف الصالح إثبات المجاز في اللغة ولا أظن أن عاقلاً يشك في ذلك ، فهذا الإمام أحمد يثبت المجاز ويقول في بعض الأمور : هذا من مجاز اللغة كما اعترف بذلك ابن تيمية (95) في كتابه الإيمان ص85، وذكره الحافظ الزركشي في البحر المحيط في علم الأصول  عن الإمام أحمد (8).
وقال السقاف في هامشه : (95) ومحاولة ابن تيمية وابن القيم وغيرهما إنكار المجاز محاولة فاشلة جداً ! وق‍د ناقضوا أنفسهم فيها ! فابن القيم الذي يعتبر المجاز في كتابه الصواعق المرسلة طاغوتاً ، يتناقض مع نفسه حيث يثبت المجاز ويدلل عليه بأوجه كثيرة في كتابه الفوائد المشوقة ! كما أن الشيخ المتناقض (يقصد الألباني) يخالف ابن تيمية في هذه المسألة فيثبت المجاز في مقدمة مختصر العلو ص23 في الحاشية ! وقد بينا هذا التناقض الواقع بين آرائهم العقائدية وغيرها في رسالتنا البشارة والاتحاف ص31 ، فارجع اليها ! وصاحب تفسير أضواء البيان المعاصر المنكر للمجاز في الظاهر ، إنما أنكره تحت وطأة الضغط والاكراه الذي أجبر عليه في البلد التي كان يعيش فيه آخر حياته ، والمكره له أحكام ! وعلى كل الأحوال فإنكاره لذلك ليس حجة يصح أن يتشبت بها طالب العلم ومبتغي معرفة الرجال بالحـق ، المبتعد عـن نحلة من يعرف‌ الحق بالرجـال وخاصة بعد وضوح الأدلة والبراهين في هذا الأمر والله الهادي ! ومن العجيب الغريب أن يقول ابن تيمية في كتابه الإيمان (9). وأما سائر الأئمة فلم يقل أحد منهم ولا من قدماء أصحاب أحمد : إن في القرآن مجازاً لا مالك ولا الشافعي ولا أبو حنيفة ، فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في الثالثة وما علمته موجوداً في المائة الثانية ، اللهم إلا أن يكون في أواخرها ! ونقول له ولمن ينغر بقوله : لماذا هذا التخبط في تحديد التاريخ (في ثلاثة قرون) ! وماذا وراءه إلا تضليل القارئ ! بل قد ذكر الأئمة المجاز ومنهم الشافعي في الرسالة ولو سماه بغير هذه التسمية ، وقد صنف أهل القرن الثاني في المجاز ومنهم معمر بن المثنى المولود سنة 106 هجرية في أواخر القرن الأول وأوائل الثاني واسم كتابه مجاز القرآن . أنظر سيرأعلام النبلاء 9 ـ 446 .
ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية(10).
احتجت المجسمة بقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ، على أن الله تعالى جالس على العرش وأنه عال عليه علواً حسياً ، وبعضهم يعتقد ذلك ولا يصرح بلفظ الجلوس ولا بالعلو الحسي إنما يقول : الله في العلو ويشير إليه إلى جهة السماء وهذا خطأ محض بلا شك ، لأن الله تعالى منزه عن المكان ، والعرب تقول عمن أرادت تعظيمه على وجه المجاز فلان في السماء أي عظيم القدر . واليكم تفصيل الكلام على هذه الآية وما شابهها من كلام الإمام الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه(11). مع تعليقاتنا عليه في الحاشية قال رحمه الله : ومنها قوله تعالى : ثم استوى على العرش ، قال الخليل بن أحمد : العرش : السرير فكل سرير ملك يسمى عرشاً ، والعرش مشهور عند العرب في الجاهلية والاسلام ، قال الله تعالى : ورفع أبويه على العرش وقال تعالى : أيكم يأتيني بعرشها . واعلم أن الإستواء في اللغة على وجوه منها : الإعتدال ، قال بعض بني تميم : فاستوى ظالم العشيرة والمظلوم أي اعتدلاً ، والإستواء : تمام الشئ قال الله تعالى : ولما بلغ أشده واستوى ، أي تم . والإستواء القصد إلى الشي‌ء، قال تعالى: ثم استوى إلى السماء ، أي قصد خلقها.
والإستواء الإستيلاء على الشئ قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غيـر سـيف ودم مهـراق
ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية(12).
يزعم المجسمة والمشبهة على اختلاف مشاربهم بأن الذي ينفي أن يكون الله تعالى داخل العالم وخارجه يكون منكراً لوجوده سبحانه ، وهذه مغالطة واضحة لا قيمة لها ! وذلك لأنهم يقيسون الله تعالى على الأجسام ويتوهمون أن الله سبحانه شئ كالأشياء يأخذ حيزاً في الفراغ كبقية الأجسام ! وبعضهم يتخيله سبحانه وتعالى جسماً كثيفاً كالإنسان ، وبعضهم يتخيل بأنه من قبيل الأشياء اللطيفة كالهواء والنور والغاز ونحو ذلك ! وجميعهم متفقون مهما حاولوا الإنكار على أنه جسم يتخيله ويتصوره العقل بإزاء العالم ، خارجاً عنه!
ونحن بدورنا يجب علينا أن نجلي المسألة ونكشف عما كان غامضاً منها ونبين ما هو القرآن الصحيح في ذلك من نصوص الكتاب والسنة حتى يتبين مذهب أهل الحق فيها . إعلم أن معنى قول أهل العلم إن الله تعالى لاداخل العالم ولا خارجه ، أي أن الله سبحانه لا يوصف بأنه متصل بالعالم وكذلك لا يوصف بأنه منفصل عنه ، وذلك لأن الإتصال والإنفصال من أوصاف الأجسام ، فالجسم إما أن يكون متصلاً بالآخر أو منفصلاً متنائياً عنه ، والله تعالى (ليس كمثله شئ) كما وصف نفسه . وإن المنطقة التي يتخيلها المجسمة والمشبهة فوق العرش والتي يتصورون أن المولى س‍بحانه وتعالى حال فيها هي مكان بلا شك ولا ريب ، ولولا أنها مكان لما أمكن تخيلها ولما صح وصفه بأنه فيها وأنه في جهة ما فوق العرش ، ولما صحت أيضاً إشارتهم إليه، فهم بناء على ذلك‌ يتخيلون أن الله تعالى ذات من الذوات الجسمانية فيقيسونه سبحانه على الأجسام التي وصفناها قريباً ، وأنه خلق العالم والعرش تحته فصار يتخيلون أن الله تعالى ذات من الذوات الجسمانية فيقيسونه سبحانه على الأجسام التي وصفناها قريباً ، وأنه خلق العالم والعرش تحته فصارهو فوقه! فهم إذا يتصورون ويتخيلون بأن الله تعالى قبل خلق هذا العالم وإيجاده من العدم كان له تحت ، وإذا كان له تحت فله فوق وأمام وخلف ويمين ويسار!
فالعقدة الموجودة في عقول هؤلاء المجسمة والمشبهة هي أنهم لم يسلموا للشرع ، فلم يقولوا بأن الله تعالى لا يمكن إدراكه وتصوره وأنه خارج عن كل ما يجول في الأوهام ويحوم في الخواطر والنفوس ، ولو أنهم سلموا بوجوده سبحانه مع إقرارهم بأنه لا يمكن تصوره لنجوا ، وكانوا على عقيدة الإسلام الحقة عقيدة التنزيه !
ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية (13).
لقد صرح علماء الإسلام من فحول أهل الحديث وحذاق الأئمة الذين يعول على كلامهم ويعتد بهم في الاجماع والخلاف ، بتنزيه الله تعالى عن أن يكون داخل العالم أو خارجه ، فتارة يعبرون عن ذلك بعبارة لا داخل العالم ولا خارجه ، وتارة يعبرون بأنه لا متصل ولا منفصل ، وتارة بالإجتماع والإفتراق ، وتارة يقولون لا مماس ولا مباين ، والمعنى واحد بلا شك ولا ريب ، واليكم نصوصهم في ذلك :
1- قال الإمام الغزالي : في الإحياء (14). إن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات ، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ، ولا هو متصل ولا هو منفصل عنه ، قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته . وكذلك ذكر نحو هذا الكلام في عدة من مؤلفاته .
2و3- الإمام الحافظ النووي والامام المتولي : قال الإمام الحافظ النووي في روضة الطالبين (15). قال المتولي : (من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع كالألوان ، أو أثبت له الإتصال أو الإنفصال كان كافراً) . وأقره عليه فيكون هذا قول إمامين من كبار الأئمة .
4- وقال نحو هذا الإمام الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات بتفصيل دقيق(16) . وكذا له نصوص في ذلك في شعب الإيمان .
5- الشيخ العز بن عبد السلام : ذكر في كتابه القواعد (17). إن من جملة العقائد التي لا تستطيع العامة فهمها هو أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا منفصل عن العالم ولا متصل به .
6- الإمام أبو المظفر الاسفراييني في التبصير في الدين (18). بتحقيق الإمام الكوثري مطبعة الأنوار 1359 هـ حيث قال (وأن تعلم أن الحركة والسكون... والإتصال والإنفصال ... كلها لا تجوز عليه تعالى ، لأن جميعها يوجب الحد والنهاية .
7- الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي : قال في كتابه دفع شبه التشبيه ص130 من ط‍بعة دار الإمام النووي بتحقيقنا(19).(وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه ، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات) اه‍ . فهؤلاء جماعة من العلماء صرحوا بأن الله تعالى لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله .
ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية (20).
هذه الصورة (ثلاث دوائر) هي ترجمة كلام الألباني وإمامه ابن تيمية كما نصا عليها ، أنظر صحيح الترغيب ص (116) وهذا نصه هناك بحروفه (فائدة هامة: إعلم أن قوله في هذا الحديث : فإن الله قبل وجهه . وفي الحديث الذي قبله : فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم ، لاينافي كونه تعالى على عرشه فوق مخلوقاته كلها ، كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم ورزقنا الإقتداء بهم ، فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله ، وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل ، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه ، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه . وإذا كان عالي المخلوقات يستقبل سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب، فكيف بشأن من هو بكل شئ محيط وهو محيط ولا يحاط به . وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية كالحموية والواسطية وشرحها للشيخ زيد بن عبدالعزيز بن فياض(21). انتهى .
ونقل الألباني المتناقض ! في مقدمة مختصر العلو(22)، عن ابن تيمية الحراني من التدمرية مستدلاً بقوله (كأنه نص شرعي !) مقراً مباركاً له ! مانصه (أتريد بالجهة أنها شئ موجود مخلوق فالله ليس داخلاً في المخلوقات، أم تريد بالجهة ماوراء العالم فلا ريب أن الله ‌فوق العالم . وكذلك يقال لمن قال الله في جهة : أتريد بذلك أن الله فوق العالم ، أو تريد به أن الله داخل في شئ من المخلوقات ؟ فإن أردت الأول فهو حق ، وإن أردت الثاني فهو باطل).
فاعتبروا يا أهل الأبصار والعقول كيف يقولون بأن هناك وراء العالم منطقة ليست داخلة في المخلوقات!فهناك وفي تلك المنطقة يوجد معبود هذه الطائفة!!
ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية (23).
المجسمة والمشبهة : المجسمة هم المشبهة أنفسهم ، وهم الذين يتخيلون بأن الله تعالى جسم على شكل ما من الأشكال ، وغالبهم يتصورونه ويتخيلونه على صورة رجل جالس على كرسي عظيم (وهو كرسي الملك) والذي يدل على ذلك عباراتهم التي يرددونها في كتبهم التي يتكلمون فيها عن مسائل التوحيد والإعتقاد . وكتاب (السنة) المنسوب لابن الإمام أحمد من أوضح الأدلة والشواهد على ذلك ! وبعضهم يكابر ويجادل بالباطل فيقول : بأنه لا يتصور الله تعالى مثل ما ذكرنا عنهم ! وهم غير صادقين في تلك المكابرة والمجادلة العقيمة ، ومؤلفاتهم وكلماتهم وفلتات ألسنتهم وما يسرونه لكثير من أتباعهم وغير ذلك من الأمور الظاهرة ، دلالات ظاهرة تحكم بصدق دعوانا عليهم ! ومن أوضح الأمثلة على ذلك أيضاً أن المجسمة والمشبهة يثبتون لله تعالى أعضاء يسمونها صفات كاليد والأصابع والوجه والساق والقدم والرجل والعين والجنب والحقو والجلوس والحركة والحد والجهة ، وغير ذلك من صفات المحدثات والأجسام كما تقدم !
ثامنا: الألباني فتاوي الألباني (24). السائل يقول : ثَمَّ بدعة جديدة ابتدعها السقاف... وأنه قال : أنا أثبت الله فوق السماء كما أثبتت الجارية ...
جواب : إن هذه كلمة يقولونها بألسنتهم هرباً من الحجة ، لأن الرجل في كتبه يصرح بأن القول بأن الله في السماء كفر ، هكذا ... ويقول إن الله ليس في مكان وليس خارج مكان ، الله لا داخل العالم ولا خارجه... ولذلك هو شنشنة المعطلة ... انتهى . ويقصد السائل بالجارية حديث الجارية الخرساء التي روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) سألها أين الله تعالى ؟ فأشارت إلى السماء ، فارتضى جوابها . وقد استدل به الوهابيون على إثبات الفوقية له تعالى والجهة ، وقد رفض السقاف تفسيرهم ، لكن قال إني أؤمن بصحة قول الجارية ، لكن على معنى العلو المعنوي وليس المادي . وهذا أمر صحيح يرتضيه كل المسلمين إلا المجسمة ، ولذلك لم يقتنع به الألباني واتهم السقاف وكل من ينكر الصفات المادية لله تعالى بالتعطيل ! وبذلك كرر الألباني حكم أسلافه المجسمة على من خالفهم فقد قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج(25). قال صفوان بن صالح : سمعت مروان بن محمد وقيل له : إنهم يقولون ليس لله عين ولا يد ، فقال : إن مذهبهم التعطيل ! انتهى .فلا بد لك حتى تؤمن بالله عندهم أن تعترف بالعلو الظاهري الحسي المادي لله ‌تعالى ، وبالقدم واليد والعين والوجه كل ذلك بالمعنى الحسي المادي! وإلا فأنت من المعطلين الملحدين بأسماء الله تعالى وصفاته !! فانظر إلى هذا المنطق الذي يخلط عن عمد بين صفات الأعضاء وصفات المعاني والأفعال ، ويتجرأ على القول بأن كل من لايؤمن بالصفات المادية لله تعالى فهو معطل ملحد كافر .
وانظر إلى هذه المادية الدينية التي مازالوا يسوقون بعصاها الناس، ويبذلون لها الأموال ليجدوا لها منظرين من الهند وبلاد الشام ،وذلك في القرن العشرين ! الذي شهد انهيار المادية التاريخية .(26)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السبكي ،في طبقات الشافعية ،ج9 ص 34.

(2) النبهاني، في شواهد الحق ،ص54.

(3) الزهاوي ،في الفجر الصادق، ص 28.

(4) الشيخ محمد أبوزهرة، في تاريخ المذاهب الإسلامية ،ج1 ص225.

(5) الحموية الكبرى، في مجموعة الرسائل الكبرى، ص 419.

(6)السيد الأمين، قال في كشف الإرتياب في أتباع ابن عبد الوهاب، ص94.

(7) السقاف ،في شرح العقيدة الطحاوية ،ص 165 ـ 166.

(8) الحافظ الزركشي، في البحر المحيط في علم الأصول، 2ـ182.

(9) ابن تيمية، في كتابه الإيمان، ص85.

(10) السقاف ،في شرح العقيدة الطحاوية ،ص311.

(11) الإمام الحافظ ابن الجوزي، في دفع شبه التشبيه، ص121.

(12) السقاف، في شرح العقيدة الطحاوية، ص 324 ـ 325.

(13) السقاف ،في شرح العقيدة الطحاوية،ص334 ـ 335 .

(14) الإمام الغزالي ، في الإحياء ،ص4 ـ 434 .

(15) الإمام الحافظ النووي، في روضة الطالبين،ص 1064.

(16) الإمام الحافظ البيهقي، في الأسماء والصفات ،ص410 ـ 411.

(17) الشيخ العز بن عبد السلام ،ذكر في كتابه القواعد، ص201.

(18) الإمام أبو المظفر الاسفراييني، في التبصير في الدين، ص97.

(19) الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي، في كتابه دفع شبه التشبيه ،ص130.

(20) السقاف، في شرح العقيدة الطحاوية، ص339.

(21) للشيخ زيد بن عبدالعزيز بن فياض، (ص 203 ـ 213).

(22) الألباني ، في مقدمة مختصر العلو، ص (71).

(23) السقاف ،في شرح العقيدة الطحاوية، ص 358 ـ 359.

(24) الألباني، فتاوي الألباني، ص520.

(25) الذهبي ،في تاريخ الإسلام ،ج14 ص384 .

(26) من كتاب الوهابية والتوحيد للشيخ علي الكوراني.

 

 

 

 

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=227
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12