بسم الله الرحمن الرحيم
يقول أحمد بن حنبل : والقرآن كلام الله تكلم به ، ليس بمخلوق ومن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول ، ومن زعم أنّ ألفاظنا به ، وتلاوتنا له مخلوقة ، والقرآن كلام الله فهو جهمي ، ومن لم يكفر هؤلاء القوم فهو مثلهم(1).
ويقول أيضاً : وما في اللوح المحفوظ وما في المصحف وتلاوة الناس وكيفما وُصف ، فهو كلام الله غير مخلوق ، فمن قال مخلوق ، فهو كافر بالله العظيم ، ومن لم يكفره فهو كافر ... الخ (2).
إلى أنْ قال : وأما الجهمية ، فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم قالوا : إنّ الجهمية افترقت ثلاث فرق ، فقالت طائفة منهم القرآن كلام الله وهو مخلوق ، وقالت طائفة : القرآن كلام الله وسكتت ، وهي الواقفة الملعونة ، وقالت طائفة منهم : ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، فهؤلاء كلهم جهمية كفار يُستتابون ، فإن تابوا وإلا قتلوا(3) .
وكلمات أحمد بن حنبل وغيره بهذا الشأنْ كثيرة يمكن تتبعها في كتب الحنابلة التي صنفت في العقائد مثل كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل وأصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي الطبري وغيرهما .
وهذا الكلام مضافاً إلى كونه يرفض كون حتى الألفاظ التي تصدر منا عند قراءة القرآن الكريم مخلوقة لله عز وجل لانه يقول (ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، فهؤلاء كلهم جهمية كفار) وهو خلاف الوجدان ، فإنه ما هو المقتضي للحكم على المتردد بالكفر ، والحكم على من لا يكفر من يقول بقدم القرآن بالكفر .
وبعبارة أخرى ، فإنّ أحمد بن حنبل كفر عامة المسلمين الذين لا يقولون بمعتقده ، مع أنّ المسألة من المسائل الخلافية بين الفرق الإسلامية ، وقد ذهب الأشاعرة من بعده إلى أنّ الكلام اللفظي ليس بكلام الله عز وجل وأنه مخلوق ، وأنّ الكلام الذي يوصف بالقدم إنما هو الكلام النفسي وقال المعتزلة في أيامه وبعد أيامه ، والكثير من المسلمين لو سئل عن خلق القرآن قد تراه على أقل تقدير يتردد ، وعلى وفق مقتضى كلام أحمد بن حنبل فلا بد من الحكم غالبية المسلمين أو عدد ضخم معتد به منهم بالكفر ، ولا أظن أحداً من الناس خصوصاً من لا يعرف قول أحمد بن حنبل لوسئل هل ألفاظنا التي نقرأ بها القرآن وهل تلاوتنا بالقرآن التي تكون بأصواتنا مخلوقة لله عز وجل أم لا ؟ سيجيب بأنها غير مخلوقة ، بل سيقول أنها مخلوقة لله عز وجل ، وحينئذ فعليه أنْ ينتظر القرار بالحكم عليه بالكفر من قبل الإمام أحمد بن حنبل ، وسيحكم عليه تبعاً لذلك أتباع مدرسته من الحنابلة ، فلم تُسجل حسب الإطلاع على مصادرهم الكثيرة ولا عبارة واحدة تنكر عليه هذا القول وتدعوا إلى حقن الدماء وعدم التسرع بتكفير المسلمين بمجرد الإختلاف الاجتهادي ، ثم ما هو المقتضي للحكم بالتكفير عند الخلاف في صفة الكلام الإلهي ، ولا يحكم بالتكفير عند الخلاف في باقي الصفات التي وقعت محل البحث والنقاش عند المسلمين أزمنة متمادية عبر التاريخ ، فمنهم من اثبت التجسيم ومنهم من نفاه ، وحتى الحنابلة أنفسهم لم يتفقوا على قول واحد في جميع مسائل الصفات الإلهية ، فهذا هو ابن الجوزي في رده على المجسمة لم يقبل منه ابن تيمية وغيره كثير من الردود مع أنه مثلهم شديد النكير على الأشاعرة وعلماء الكلام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العقيدة ،الامام أحمد بن حنبل برواية عبدوس العطار ، المطبوع مع العقيدة برواية أبي بكر الخلاّل ص 79 ط. دار قتيبة / دمشق سنة 1408هـ - 1988م .
(2) العقيدة للإمام أحمد بن حنبل برواية مسدد بن مسرهد المطبوع برواية الخلال ص 60 .
(2) العقيدة للإمام أحمد بن حنبل ص 61 .
|