إن التقدم في المذهب الشيعي خلال القرون الثلاثة الأخيرة كان بشكله الطبيعي كما في السابق, والوقت الحاضر الذي هو أواخر القرن الرابع عشر الهجري, يعتبر التشيع مذهبا رسميا في إيران, ومعظم شعبي اليمن والعراق من الشيعة, وتتواجد الشيعة في كل الدول الإسلامية في العالم, قلت أم كثرت, ويعد الشيعة في مختلف الأقطار في العالم, بما يربو على المائة مليون.
إنشعاب بعض الفرق وانقراضها:
يشتمل كل مذهب على مسائل وأمور تعتبر الأسس الأولية لذلك المذهب, وهناك مسائل ثانوية واختلاف أهل المذاهب في كيفية المسائل الأصلية والرئيسية ونوعيتها مع الاحتفاظ بالأصول المشتركة بينها, يسمى إنشعابا.
توجد الانشعابات في جميع الأديان, وخاصة في الأديان السماوية, اليهودية والمسيحية والمجوسية والإسلام, ويظهر الانشعاب في مذاهبها أيضا والمذهب الشيعي لم يطرأ عليه, ولم يظهر فيه أي انشعاب في زمن أئمته الثلاثة (الامام علي والحسن والحسين عليهم السلام ), ولكن بعد استشهاد الامام الحسين (عليه السلام), اعترف أكثرية الشيعة بإمامة علي بن الحسين (عليه السلام) السجاد, وذهب الأقلية منهم والذين عرفوا بالكيسانية, إلى الاعتقاد بإمامة محمد بن الحنفية إماما رابعا لهم, وانه المهدي الموعود عندهم, ويعتقدون انه قد غاب في جبل رضوا, وسيظهر يوما.
وبعد وفاة الامام السجاد (عليه السلام) اعتقد أكثرية الشيعة بإمامة ابنه محمد الباقر (عليه السلام), وذهب الأقلية منهم إلى التمسك بمذهب زيد الشهيد وهو الولد الأخر للإمام السجاد(عليه السلام), واشتهروا بالزيدية.
وبعد وفاة محمد الباقر (عليه السلام) آمن شيعته بولده الامام جعفر الصادق (عليه السلام) وبعد وفاته, ذهب الأكثرية إلى أن الامام السابع هو ولده الامام موسى الكاظم (عليه السلام), واعتقد فريق أن إسماعيل ابن الامام الأكبر هو الامام السابع, والذي وافاه الأجل في زمن أبيه الصادق, وانفصل هؤلاء عن الأكثرية الشيعية, وعرفوا بالإسماعيلية, وذهب بعضهم إلى امامة عبد اللّه الأفطح ابنه الآخر, وذهب آخرون إلى إمامة محمد وتوقف بعض في إمامته, واعتبروه آخر الأئمة.
وبعد استشهاد الامام موسى الكاظم (عليه السلام), ذهب الأكثرية إلى إمامة ابنه الرضا (عليه السلام), إماما ثامنا, وتوقف جماعة في إمامة الامام السابع, واشتهروا بــ(الواقفية ).
ولم يظهر إنشعاب بعد الامام الثامن وحتى الامام الثاني عشر, وهو عند الأكثرية المهدي الموعود, وإذا ما كانت هناك حوادث أو وقائع فإنها لم تكن سوى أيام معدودة ولم يحدث انشعاب, وعلى فرض حدوث انشعاب, لم يدم كثيرا, وانتهى إلى الانصهار, كما حدث بعد وفاة الامام العاشر, إذ ادعى ولده جعفر الإمامة وتبعه جمع, إلا أنهم تفرقوا وتشتتوا بعد فترة قصيرة, ولم يتابع جعفر دعوته هذه, وهناك اختلاف في الأراء بين رجال الشيعة في المسائل العلمية والكلامية والفقهية, إلا انه لا يمكن اعتباره انشعابا في المذهب.
انقرضت الفرق المذكورة التي انشعبت وظهرت أمام الأكثرية الشيعية, في زمن قصير, الفرقة (الزيدية) و (الاسماعيلية) اللتين استقامتا, ولا يزال معتنقو هذين المذهبين يعيشون في مناطق مختلفة من العالم, كاليمن والهند ولبنان ومناطق أخرى, فعلى هذا نكتفي بذكر هاتين الطائفتين مع الأكثرية الشيعية وهم الاثنا عشرية.
|