بسم الله الرحمن الرحيم
اتّفق فقهاء الإسلام على أنّ غنائم الحرب تقسَّم بين المجاهدين ما عدا خمس الغنائم، فإنّه يجب صرفُه في موارد خاصّة جاء ذكرُها في قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شيءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ وَلذِي القُربى واليَتَامى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ»«1».
والفرقُ الوحيد بين فقهاء الشيعة وبين غيرهم من الفقهاء هو أنّ الفريقَ الثاني يخصّون «الخُمْسَ» بغنائم الحرب، ولا يقولون بفرض «الخمس» في غير ذلك، ممّا يكتسبه الإنسان ويستحصله ويَستدلون لهذا الموقف بهذه الآية المباركة التي ذُكِرَت فيها غنيمةُ الحرب والقتال.
ولكنّ هذا الموضوع غير صحيح لسببين:
أوّلًا: أنّ الغنيمة تُطلَقُ في لغَة العَرب على كلّ ما يفوزُ به الإنسان، ولا تختص بما يَحصَلُ عليه من العَدُوّ في الحرب، وبالقتال.
يقول ابن منظور: «الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة»«2».كما أنّ القرآنَ الكريمَ يستعمل هذه اللفظة في نِعَمِ الجنة، إذ يقول: «فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كثيرَةٌ»«3».وأساساً: «الغنيمةُ» في مقابل «الغرامة» فكلّما حُكمَ على الشخص بأن يدفَعَ مبلغاً من دون أن يستفيدَ من شيء سُمّيَ ذلك المبلغ «غرامة»، وإذا فاز بشيء وحَصَل عليه سمّي ذلك «غنيمة». وعلى هذا الأساس لا تختصُّ لفظة الغنيمة بغنائم الحرب، ونزولُ الآية في غنيمة معركة «بدر» لا يَدلُّ على اختصاصها بغنيمة الحرب، وقانون تخميس الأرباح قانون شاملٌ وكاملٌ، ومورد الآية غير مخصّص لهذا لحكمِ العامّ.
وثانياً: لقد وَرَدَ في بعض الروايات أنّ النبيَّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) فرض «الخمسَ» على كلّ ربح، فعندما حضر عنده وفدٌ من قبيلة عبد القيس وقالوا: إنّ بينَنا وبينَك المشركين، وإنّا لا نصل إليك إلّا في الأشهر الحُرُم فمرنا بجُمل الأمر، إن عَمِلنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه مَن وَراءنا؟ فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): «آمُرُكم بأربع: وأنهاكُمْ بأربع: شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم»«4».إنّ المراد من الغنيمة في هذه الرواية، غير غنيمة القتالِ لأنّ وفد عبد القيس قالوا: إنّ بيننا وبينكَ: المشركين، يعني انّنا نخاف أن نصل إليك في المدينة لوجود المشركين بيننا وبينك، وهذا يفيد أنهم كانوا محاصَرين من قِبَل الكفّار والمشركين ولم يكن في مقدورهم مقاتلة المشركين حتى يحصلوا على غَنيمة منهم، ثم يقوموا بتخميسها.
هذا مضافاً إلى أنّ الرّوايات الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام) تصرّح بوجوب دفع «الخمس» مِن كل ربح يحصل عليه الإنسانُ، وهذا ممّا لا يدع مجالًا للشكّ والغموض«5».
_____________
(1) الأنفال/ 4
(2) لسان العرب، كلمة غَنَم، ويقرب من هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير في النهاية، والفيروز آبادي في قاموس اللغة
(3) النساء/ 94
(4) صحيح البخاري، ج 2 ص 25
(5) وسائل الشيعة، ج 6، كتاب الخمس، الباب الأوّل
|