بسم الله الرحمن الرحيم
يَجبُ على كلّ مسلم أن يصلّيَ لله كلّ يومٍ وليلةٍ خمسَ مرّات في الأوقات الشرعيّة التي بيّنها الله تعالى ورسولهُ الكريم في القرآن والسُّنة. فوقت صلاة الظهر والعصر يَبدَأُ من الزَّوالِ إلى الغُروب، ووقتُ صَلاةِ المغرب والعشاء يبدأ من المغرب إلى منتصف اللَّيْل، ووقتُ صلاة الصُّبح يبدأ من طلوع الفجر إلى طلوع الشَّمس.
إنّ الشيعة تعتقد بأنّ الظُّهَر إلى المغرب هو الوقت المشترك بين الصَّلاتين، إلّا بمقدار أربع ركعات من أوّل الوقت، فهو وقت مختص بصلاة الظهر، وبمقدار أربعة ركعات من آخرِ الوقتِ فهو وقتٌ مختصٌ بصَلاةِ العَصر.
وعلى هذا الأَساس يجوزُ للإنسان الإتيانُ بكلتا الصَّلاتين: الظُّهرِ والعصرِ في الوقت المشتَرَك (أمّا في وقت الظهر ووقت العصر فلا يجوز إلّا الإتيان بالصلاة المختصّة به فيه) وإن كان الأفضل أن يفصلَ بين الظهرين والعشائين، ويأتي بكلّ واحدةٍ منهما في وقتِ فضيلتها التي ستُذكر فيما بعد«1» ولكنه في نفس الوقت يجوز الجمعُ بينهما، وترك وقت الفضيلة.
يقول الإمامُ الباقرُ (عليه السلام): إذا زالتِ الشَّمسُ دَخَلَ الوقتان الظهرُ والعصرُ، وإذا غابتِ الشمسُ دخلَ الوقتان المغربُ والعشاءُ الآخرة «2». وقال الإمامُ الصادق (عليه السلام): «إذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقتُ الظُّهرِ والعَصرِ جميعاً، إلّا أنَّ هذِهِ قبلَ هذهِ، ثم إنّه في وقت منهما جميعاً حتى تغيبَ الشمسُ»«3».
ويُخبرُ الإمامُ الباقر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه كان يَجمعُ بين الظُّهر والعَصر مِن دون عذر أو علة«4». إنّ جوازَ الجمع بين الصلاتين (الظّهرين، والعِشائين) موضعُ اتّفاق بين جميع فقهاء الإسلام، فجميع الفقهاء يجوّزُون الجمع بين الصلاتين: الظُّهر والعَصر في عرفة والمغرب والعشاء في المزدلفة.
كما أنّ فريقاً كبيراً من فُقَهاءِ أهل السُّنّة يجوّزُون الجمعَ بين الصَلاتين في السَّفر.
وما يَختلفُ فيه الشيعةُ عن الآخرين هو أنّهم يتوسَّعُون في هذه المسألة إستناداً إلى الأدِلّة السّابقة (مع القبول بأفضلية الإتيان بالصلوات الخمس في أوقات فضيلتها والقول به وترجيحِهِ) فيجوّزُونَ الجمعَ بين الصَّلاتين مطلقاً.
وحكمة هذا الأمر هي - كما جاء في الأحاديث - التوسعة على المسلمين والتخفيف عنهم، وقد جَمَعَ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسُه في مواضع كثيرة بين الصَّلاتين من دون عذر (كالسَّفر، والمرض وغيرهما) ليخفّف بذلك عن المسلمين، ويوسّعَ عليهم، حتى يستطيع ان يجمع بينهما كلُّ من شاءَ أنْ يجمع، ويُفّرِقَ بَينّهما كلُّ من شاءَ أنْ يفرّق.
فقد رَوى مُسْلم في صحيحه الحديث الآتي: «صَلّى رسولُ الله الظُّهرَ والعَصرَ جميعاً، والمغرب والعِشاء جميعاً في غير خوف ولا سَفَرٍ»«5». وقد أُشير في بعض الرّوايات إلى حِكمة هذا العمل.
فقد جاء في إحدى تلك الروايات ما هذا نصُّه: «جَمَعَ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) بين الظُّهر والعصر وبين المغرب والعِشاء.فقيلَ له في ذلك. فقال: صَنَعْتُ هذا لِئلّا تُحرَجَ أُمّتي»«6».
إنّ الروايات التي تحدّثت عن جمع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بين الصلاتين وردت في الصحاح والمسانيد وهي تنص على جواز الجمع بين الصلاتين تربو على واحدة وعشرين رواية، بعضُها يرتبط بالسَّفر، والبعض الآخر يكون في غير السفر والمرض والمطر. وفي بعضها أُشيرَ إلى حكمة الجَمع بين الصَّلاتين وهو التوسعة والتخفيف عن المسلمين، وقد استفاد فقهاء الشيعة من هذا التسهيل تجويز الجمع بين الصلاتين (الظهرين والعشائين) مطلقاً، وأمّا كيفية الجمع فهي على النحو الذي كان المسلمون جميعاً يجمعون في عرفة والمزدلفة. وقد يُتَصوَّر أن المقصود من الجَمع هو أن يؤتى بالصلاة الأُولى من الصَّلاتين في آخر وقت الفَضيلة (مثلًا عندما يبلغُ ظل الشاخص إلى مقداره) ويؤتى بالصلاة الثانية في أوّل وقت العصر، وبهذا العمل يكون المصلّي في الحقيقة - قد أتى بكلتا الصلاتين في وقتهما وإن كان أحداهما في نهاية وقتها والآخرى في بدايته.
ولكن هذا التصوُّر مخالفٌ لظاهر الرّوايات لأنّ كيفية الجمع بين الصلاتين - كما أسلفنا - هي على غرار ما يفعله المسلمون جميعاً في عرفة والمزدلفة، يعني انّهم في عرفة يأتون بكلتا الصلاتين (الظهر والعصر) في وقت الظهر، وفي المزدلفة يأتون بكلتا الصلاتين (المغرب والعشاء) في وقت العشاء.وعلى هذا الأساس يجب أن يكون الجمع بين الصّلاتين الذي جاء في لسان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ناظراً إلى هذا النمط من الجَمع، وليس الجمع الذي يؤتى فيه بإحدى الصلاتين في آخر وقته، وبالأُخرى في أوّل وقتها. هذا مضافاً إلى أنّ حكمة الجمع بين الصلاتين وُصِفت في بعض الروايات بأنّها التوسعة والتخفيف وفي بعض الرّوايات وصُفِت بأنّها لرفع الحَرَج، وهذا إنّما يتحقّق إذا كان المصلّي في الجمع بين الصلاتين على خيارٍ كاملٍ يعني أن يجوز له أن يأتي بالظهر والعصر، والمغرب والعشاء متى شاء. هذا مضافاً إلى أنّه على أساس هذا التفسير للمقصود يجب أن يُقال إنَّ النبيّ لم يأت بشيءٍ جديدٍ، لأنّ مثل هذا الجمع كان جائزاً حتى قبل أن يفعله النبيّ، فإنّ أي مسلم كان يجوز له أن يؤخّر صلاة الظهر إلى آخر الوقت، ويأتي بالعصر كذلك في أول وقته.
ولقد كَتبَ فقهاءُ الشيعة الإمامية حول الجَمع بين الصَّلاتين وأدلّتِهِ رسائلَ مفصّلةً يمكن لمن يحبُّ التوسعَ مراجعتها.
(1) وقت فضيلة صلاة الظهر من أوّل زوال الشمس إلى الوقت الذي يصير فيه ظلّ الشاخص بمقدار نفسه، ووقت فضيلة صلاة العصر كذلك عندما يصير ظل الشاخص ضعفي مقداره.
(2) وسائل الشيعة: ج 3، أبواب المواقيت الباب 4، الرواية 1
(3) وسائل الشيعة: ج 3، أبواب المواقيت، الباب 4، الرواية 4 و6
(4) نفس المصدر
(5) صحيح مسلم: 2/ 151، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر
(6) شرح الزرقاني على موطأ مالك، ج 1، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ص 294
|