• الموقع : الأئمة الإثني عشر عليهم السلام .
        • القسم الرئيسي : عقائدنا (الشيعة الامامية) .
              • القسم الفرعي : معالم الايمان والكفر .
                    • الموضوع : مصادر التشريع والحديث .

مصادر التشريع والحديث

بسم الله الرحمن الرحيم

يَعملُ الشيعة الإمامية في العَقائد والأُصول بأحاديث مرويّةٍ عن رسولِ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عن طريق ثقات يُعتَمَد عليهم، سواء أكانت هذه الروايات والأحاديث. في كتب الشيعة أم في كتب أهل السُّنّة.
من هنا ربّما استَنَد الشيعة في كتبهم الفقهيّة إلى رواياتٍ منقولة عن طريق رواة من أهل السّنة أيضاً، ويُسمّى هذا النوع من الحديث الذي تُصَنَّف أقسامه على أربعة أقسام، بالموثّق.
وعلى هذا فإنّ ما يرمي به البعض من المغرضين «الشيعةَ الإماميةَ» في هذا المجال لا أساس له من الصحّة مطلقاً.
إنّ الفقه الشيعيَّ الإماميَّ يقوم - أساساً - على الكتاب والسُّنّة، والعقل، والإجماع.
والسُّنَّة عبارة عن قول المعصومين وفعلهم وتقريرهم وعلى رأسهم رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم).
وعلى هذا إذا روى شخصٌ ثقة حديثاً عن رَسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) واشتمل ذلك الحديثُ على قولِ النبي، أو فعله، أو تقريره، كانَ معتبراً في نظرالشيعة الإمامية وتلقّوه بالقبول وعملوا وفقه.
وما نجده في مؤلّفات الشيعة ومصنّفاتهم شاهدُ صدق على هذا القول، ويجبُ أن نقول:
إنَّه ليس هناك أيُّ فرقٍ بين كتب الشيعة في الحديث، وكتب أهل السنّة في الحديث، في هذا المجال، إنّما الكلام هو في تشخيص من هو الثقة، وفي درجة اعتبار الراوي.
حجيّة الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: إنّ الأحاديث والرّوايات التي تُنْقَل عن أئمة أهل البيت المعصومين بأسنادٍ صحيحة، حجّةٌ شرعيّة، ويجب العمل بمضمونها، والإفتاء وفقها.
إنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ليسوا بمجتهِدين أو «مفتين» - بالمعنى الإصطلاحيّ الرائج للَّفظَتين - بل كلُّ ما يُنقَلُ عنهم حقائق حَصَلوا عليها من الطُرُقِ التالية:
ألف- النَقْل عن رَسُول اللهِ (صلى الله عليه و آله و سلم):
إنّ الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) أخَذَوا أحاديثهم من جَدّهمْ رسولِ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) (خَلفاً عن سَلَف وكابِراً عن كابر) ثم رووها للنّاس.  وإنّ هذا النَوع من الأحاديث والرِّوايات التي رَواها كلُّ إمام لاحق عن الإمام السابِق إلى أن يصل السَند إلى رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) كثيرة في أحاديث الشيعة الإمامية.
ولو أنّ هذه الأحاديث التي وردت عن أهل البيت واتصل سَنَدها برسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) جُمِعَت في مكانٍ واحدٍ لحصل مِنها مُسْنَدٌ كبيرٌ يُمثل كَنزاً عظيماً للمحدّثين، والفُقَهاء المسلمين، لأنّ مثل هذه الأحاديث والروايات بهذه الأسانيد المُحكَمة القَوِيّة لا نَظير لها في عالم الحَديث، ونشير إلى نموذج واحدٍ من هذه الأحاديث، ويسمّى بحديث «سلسلة الذهب» ويُقال انّ السامانيّين كانوا يحتفظون بنسخةٍ منه في خزانتهم حبّاً منهم للأدب والعلم. روى الشيخُ الصَّدوقُ، عن أبي سعيد محمد بن الفَضل النيسابوري، عن أبي علي الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعديّ، عن أبي الصَّلت الهَرَويّ، قال: كنتُ مع علي بن موسى الرّضا (عليه السلام) حين رَحَلَ من «نيسابور» وهو راكبٌ بغلةً شهباء، فاذا محمدُ بن رافع، وأحمد بن حرب، ويحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وعدّةٌ من أهل العلم، قد تَعَلَّقوا بلجام بغلته في المربعة فقالوا:
بحقّ آبائِك المطهَّرين، حدِثنا بحديثٍ قد سَمِعته من أبيك، فأَخرَجَ رأسَه من العَمارية، وعَليه مِطرف خزٍ ذو وجهين، وقال: «حَدَّثَني أبي العبدُ الصالح موسى بنُ جعفرٍ قال: حَدَّثني أبي الصادقُ جعفرُ بنُ محمدٍ قالَ: حَدَّثني أبي أبو جَعفر محمدُ بنُ عليٍ باقر عِلمِ الأَنبياء قالَ: حَدَّثَني أبي عليُّ بن الحسين زينُ العابِدين قالَ: حَدَّثني أبي سيدُ شبابِ أهلِ الجَنَّةِ الحسينُ قالَ: حَدَّثني أبي عليُّ بنُ أبي طالب قالَ: سَمعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله و سلم يقول: قالَ الله جَلَّ جَلالُه: لا إلهَ إِلّا اللهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أمنَ مِن عَذابي».
فلَما مَرَّتِ الراحِلةُ، نادانا: «بِشُروطِها، وأنا مِن شُروطِها»«1».

ب: الرِواية من كتابِ عليٍّ (عليه السلام):
لقد صاحَبَ عليٌ (عليه السلام) رسولَ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في فترةِ بعثته كلّها، ولهذا استطاع أن يحفظ ويدوّن قدراً عظيما من أحاديث رسولِ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في كتاب (وفي الحقيقة كان ذلك الكتابُ من إملاءِ رسولِ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) وكتابة علي (عليه السلام)).
ولقد ذُكِرَت خُصوصيّات هذا الكتاب الذي صار بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) إلى أهل بيته في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام). يقول الإمام الصّادق عن هذا الكتاب: «طولُه سَبْعون ذراعاً، إملاء رسولِ الله صلى الله عليه و آله و سلم قاله من فِلقِ فِيه، وخطّ علي بن أبي طالب عليه السلام بيده، فيه والله جميع ما تحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة»«2». ومِنَ الجدير بالذّكِر أنّ هذا الكتاب بقيَ عند أهل البيت يتوارثه إمامٌ من إمامٍ، وقد نقل الإمامُ الباقر والإمام الصّادق (عليهما السلام) رواياتٍ عديدةٍ منه وربّما أطلَعُوا بعضَ شيعتهم عليه.
ويوجَدُ قسمٌ كبير من أحاديثه الآن في المجاميع الحديثية الشيعية وبالأخص كتاب «وسائل الشيِعة».
ج: الإِلْهاماتُ الإِلهِيّة: إنّ لِعلومِ أهلِ البيت (عليهم السلام) مَنبعاً آخر يمكن أن نسَمّيه بالإلهام.
والإلهامُ ليس مخصوصاً بالأَنبياء، فقد كان في طول التاريخ من الشخصيات المقدَّسة مَن كان يحظى بهذا الإلهام، مع أنّهم لم يَكونوا أنبياء، وقد كانت تلقى إليهم بعضُ الأسرار من عالم الغيب، وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى ذلك عندما تَحدَّثَ عن مرافق النبيّ موسى (خضر) الّذي علّم موسى بعضَ الأشياء فقال:«آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدنا وَعَلّمناهُ من لَدُنّا عِلْماً»«3». كما وأنّه قال في شأن شخصٍ من حاشية النبيّ سليمان (عليه السلام) (وهو آصف بن برخيا) قال:«قالَ الّذِي عندَهُ عِلْمٌ مِن الكِتاب»«4».
إنّ هؤلاء الأشخاص لم يَتَعلَّموا علومَهم، ولم يَكتسبُوا مَعلوماتهم من طريق التعلّم، بل هو كما يُعَبّرُ عنه القرآنُ عِلْمٌ لَدُنّيٌ: «عَلَمَنّاهُ مِنْ لَدُنّا عِلماً». وعلى هذا الأساس لا يكونُ عدم كون الشخص نبيّاً، مانِعاً من أن يحظى بالإِلهام الإلهيّ، كما يحظى بعضُ الأشخاص من ذوي الدَرَجات المعنويّة الرفِيْعَة بالإلْهامِ الإلهيّ.
وقد أُطلق على هذا النَمَط من الأشخاص في أحاديث الفريقين وصف «المُحدَّث» يعني الّذين تَتَحَدّثُ معهم الملائكةُ من دون أن يكونوا أنبياء.فقد رَوى البخاريُّ في صحيحِهِ عن النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «لَقَدْ كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ مِن بَني إِسْرائِيل يُكلَّمون مِن غَيرِ أنْ يَكُونُوا أنْبِياء»«5».
من هنا كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) - لكونهم مراجعَ للأُمة في بيان المعارف الإلهيّة، والأحكام الدينيّة - يجيبون على الأسئلة التي لا توجَد أجوبتها في أحادِيث النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أو في كتاب علي عليه السلام، من طريق «الإلهام» والتعليم الغيبي، والعِلمِ اللَدُنِيّ«6».
تدوين الحديث: إنّ الأحاديث النَبَويّة تحظى باعتبارٍ خاصٍّ، مثل القرآن الكريم، فالكتاب والسُّنّة كانا ولا يزالان من مصادر المسلمين الاعتقادية والفقهيّة. ولقد أحجَمَ فريقٌ من المسلمين بعد رحلة النبيّ الأكرمِ (صلى الله عليه و آله و سلم) وتحت ضغطٍ من السُّلُطات الحكومية بعد النبيّ، من كتابة وتدوين الحديث، ولكنّ أتباع أهلِ البيت (عليهم السلام) لم يغفَلوا - ولحسن الحَظّ - ولا لحظة واحدة عن تدوين الحديث، فدوَّنُوا، وضَبَطوا الحديث بعد رحيل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم). ولقد قام علماءُ مدرسة أهل البيت وعلى طول التاريخ، بتأليف مجاميع حديثيّة كبيرة، ومدوَّنات تضمُّ الرّوايات والأخبار، جاءَ ذكرها في كتب الرجال، خاصّة في القرنِ الرابعِ والخامسِ الهجريّين، مستفيدين - في هذا الصعيد - من الكتب التي تمَّ تأليفُها وتدوينُها في عصر الأئمة (عليهم السلام)، وعلى أيدي أصحابهم وتلامذتهم العَدِيدين. والكتب الحديثية الجامعة المدَوَّنة التي تعتَبَرُ اليومَ محوراً للعقائد والأحكام الشيعية هي عبارة عن:
1. «الكافي» تأليف محمّد بِنِ يعقوب الكلينيّ (المتوفّى عام 329 ه) في ثمانية أجزاء.
2. «مَنْ لا يَحْضرُه الفقيهُ»، تأليف محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالصدوق (306- 381 ه) في أربعة أجزاء.
3. «التَهذيب» تأليف محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسيّ (385- 460 ه) في عشرة أجزاء.
4. «الإستبصار»، تأليف المؤلف السابق، في أربعة أجزاء.
وهذه هي ثاني مجموعة من المجاميع الحديثيّة التي دوَّنها ونَظَّمها الشيعةُ، طوال التاريخ، بجهودِهِمُ الحثيثة حتى القرن الرابع والخامس الهجريّين، وقد أُلّفَتْ - كما ذكرنا - في عصر الأئمة أي القرن الثاني والثالث جوامع حديثيّة تُسمّى بِالجَوامع الأوَّليّة، بالإضافة إلى «الأُصول الأربعمائة» وقد انتقلت محتوياتها إلى الجوامع الثانويّة.
وحيثُ إنّ عِلمَ الحديث كانَ دائماً موضعَ إهتمام الشيعة، لذلك أُلّفَت في القرنِ الحادي عشر، والثاني عشر مجاميعُ حديثية أُخرى نترك ذكر أسمائها لعلّة الاختصار. إلّا أنّ أكثر هذه المجاميع شهرة هو «بحار الأنوار» للعلامة محمد باقر المجلسي، ووسائل الشيعة لمحمد بن الحسن الحرّ العاملي. هذا ومن البديهيّ أنّ الشيعة لا تعمل بكل حديث، ولا تعمل بأخبار الآحاد، في العقائد، أو التي تخالف في مضمونها القرآنَ أو السّنة القطعيّة، وليست بحجّة عندهم، على أنّ مجرّد وجود الرواية في كتب الحديث عندهم لا يَدلُّ على إعتقاد المؤلّف بمفاده، بل الأحاديث تتنوَّع عند هذه الطائفة إلى صحيح وحَسَن، وموثَّق، وضعيف، ولكلِّ واحدٍ من هذه الأنواع أحكامٌ خاصّة، ودرجةٌ خاصّة من الاعتبار، وقد جاء بيان ذلك على وجه التفصيل في علم الدراية.
(1) التوحيد للشيخ الصدوقَ: الباب 1، الأحاديث 21، 22، 23
(2) بحار الأنوار ج: 26/ 18- 66
(3) الكهف/ 65
(4) النمل/ 40
(5) صحيح البخاري: 2/ 149
(6) راجع حول المحدَّث وتعريفه كتاب إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 6/ 99 وغيره

 

 


  • المصدر : http://www.12imam.net/subject.php?id=132
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12