بسم الله الرحمن الرحيم
«الغُلُوّ» في اللُّغة هو التجاوز عن الحدّ، وقد خاطب القرآنُ الكريمُ أهلَ الكتاب قائلًا:
«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ»«1».
ولقد خاطَبهم القرآنُ بهذا الخطاب لأنّهم كانُوا يغالُون في حق السيّد «المسيح» ويتجاوزون الحدّ، إذ يقولون إنّه إلهٌ، أو ابنُ الله، أو ربّ. وقد ظَهَرتْ بعد وفاةِ رسولِ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فرقٌ وطوائفُ غالَت فيه (صلى الله عليه و آله و سلم) أو في الأئمة المعْصُومين، من بعده وتجاوزت الحدَّ، ووصفوهم بمقامات مختصَّة بالله وحده، ومن هنا سُمّي هؤلاء بالغُلاة، لتجاوزِهم حدود الحق. يقولُ الشيخُ المفيد رحمه الله: «الغُلاة من المتظاهرين بالإسلام همُ الذين نَسَبوا أمير المؤمنين إلى الالُوهية والنبوَّة، ووصفوهم من الفضلِ في الدين والدنيا، إلى ما تجاوزوا فيه الحدَّ، وخَرَجُوا عن القصد»«2». ويقول العلّامةُ المجلسيّ: إنّ الغُلُوّ في النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) إنّما يكون بالقول بأُلُوهيتهم، أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبوديّة، أو في الخلق، والرزق، أو أنّ الله تعالى حلَّ فيهم، أو اتّحدَ بهم، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحيٍ أو إلهام من الله تعالى، أو بالقولِ في الأئمّة أنّهم كانوا أنبياء، أو القول بأنّ معرفتهم تُغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي«3».
ولقد تبرَّأَ الإمامُ عليٌّ وأبناؤُهُ الطاهرون (صلوات اللَّه عليهم) من الغلاة، وكانوا يلعنونهم على الدّوام، ونحن هنا نكتفي بإدراج حديثٍ واحدٍ في هذا المجال.
يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «إحذَرُوا على شَبابِكُمُ الغُلاةَ لا يُفْسدُوهُمْ، فإنَّ الغلاةَ شرُّ خلقِ اللهِ، يُصغِّرونَ عظمةَ اللهِ ويَدَّعُون الرَّبوبيَّة لِعبادِ اللهِ»«4».
ولهذا لا قيمة لتظاهر الغُلاة بالإسلام، فهم عند أئمةِ الدين كفارٌ ضُلَّالٌ.
هذا ومن الجدير بالذِكر هنا أنْ يقال: كما يجب الاجتنابُ حتماً عن الغلوّ، يجب أن لا نعتبر كلَّ تصوّرٍ واعتقادٍ في حقّ الأنبياء، وأولياء الله غُلوّاً، ويجب الاحتياط في هذا المجال كبقيّة المجالات الأُخرى، وتقييم العقائد بشَكل صحيح.
__________
(1) النساء/ 171
(2) تصحيح الاعتقاد ص 13
(3) بحار الأنوار ج 25، ص 364
(4) المصدر السابق، ص 36
|