بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في كتاب فلك النجاة في الإمامة والصلاة - علي محمد فتح الدين الحنفي - الصفحة 157:
تذنيب: في بيان (فدك) قد أثبتنا أن العمل شريك الإيمان (كما مر من كنز العمال)(1): الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه فينقصان العمل نقصان الإيمان، وقد ثبت أن مودة أقرباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واجب وبإغضابهم إغضاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبإغضاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إغضاب الله تعالى، وهو مستلزم لحبط الأعمال والإيمان.
وليس بمستتر أن الخلفاء الثلاثة أغضبوا عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في (فدك)، فمن أجل ذلك أوردنا ذكرها عقيب ذكر إيمانهم، والآن نبين التفاصيل بعونه سبحانه.
إعلم أن إغضاب أبي بكر فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) من غصب (فدك) وهجرانها إياه حتى ماتت، ولم تؤذن له بجنازتها وأن عليا دفنها ليلا (كما في الفتح، والتحفة للدهلوي، وإزالة الخفاء)(2). ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا، وكان ذلك بوصية منها من الشهرة التي لا حاجة إلى إثباتها، وكفاك بها سندا الشيخان، وأحمد. روى البخاري في صحيحه (في باب الخمس) :
فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت(3).
وفي صحيح مسلم: فوجدت فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي(4).
قال ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة): قالت فاطمة لأبي بكر وعمر: أسخطتماني، وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأشكوكما إليه، (وقد ذكر)(5).
وفي نهج البلاغة: ومن كلام له (عليه السلام) عند دفن سيدة النساء فاطمة (عليها السلام): السلام عليك يا رسول الله (إلى أن قال) وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها(6).
وفي استدلال أبي بكر لمنع فاطمة عن (فدك) إشكالات:
الأول: أن حديث " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " خبر واحد معارض للآيات القرآنية، أي يوصيكم الله ، " ولكل جعلنا موالي "، " وآت ذا القربى حقه ".
الثاني: قال السيد في كتابه الزهراء (ناقلا عن العلامة ابن أبي الحديد): هذا حديث غريب لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده(7)، وفيه: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحد من ذلك علما، فقال أبو بكر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقو ل " إنا معاشر الأنبياء "، أخرجه البغوي، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات، وابن عساكر في تأريخه(8).
الثالث: أن صاحب الدار أدرى بما فيها فكيف يتصور أن هذا الحديث لم يعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام). ولا عباسا، ولا فاطمة وعلم أبا بكر وحده، أو أبنته وحدها.
وفي الصواعق، وتاريخ الخلفاء: واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إنا معاشر الأنبياء " الحديث (9).
وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: المحتاج إلى هذه المسألة ما كان إلا عليا وفاطمة والعباس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء في الدين. وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة لأنه ما كان يخطر بباله أنه يرث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف يليق بالرسول أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها، ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة، (إنتهى)(10) وكذا في التفسير النيشابوري(11).
الرابع: إن عليا والعباس إن كانا سمعاه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف يطلبانه من أبي بكر، وأن كانا سمعاه من أبي بكر أو في زمانه بحيث ثبت عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر، وأجاب عمر رأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا (كما في مسلم)(12) وقد أقر بهذا الإشكال الحافظ في (الفتح) بقوله فيه إشكال شديد(13)
وقال السيد في رسالة (الزهراء) ناقلا عن ابن أبي الحديد أنه نقل عن الإمام الجوهري أنه قال في كتاب (السقيفة) قال عمر: أنتما (علي وعباس) تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم وفاجر، والله يعلم أنه لصادق، ثم قال: وأنتما تزعمان أني فيها ظالم فاجر والله يعلم إني لصادق.
الخامس: إنه قد روت هذا الحديث " أي معاشر الأنبياء " عائشة وحدها، فصدقها أبوها مع وحدتها أو بالعكس، ولم يصدق أبو بكر شهادة علي، والحسنين، وأم أيمن.
السادس: قد سلم أن شهادة خزيمة بمنزلة شهادتين لحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف لا يعتبر شهادة علي، والحسنين المعصومين، مع أن شهادة رجل واحد قد يعتبر بضم حلفه، كما في كنز العمال عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يقضون بشهادة الواحد واليمين. وفي (التلويح شرح التوضيح): أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق.
وفي البخاري كتب ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى باليمين على المدعى عليه. وفي مسلم عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى بيمين وشاهد.
وفي منهاج السنة لابن تيمية: نعم يحكم في مثل ذلك بشهادة ويمين الطالب عند فقهاء الحجاز، وفقهاء أهل الحديث(14)
وفي التقريب للعسقلاني: خزيمة بن ثابت، ذو الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدرا، وقتل مع علي بصفين.
وفي (منهاج السنة): وشهادة الزوج لزوجته تقبل، وهي مذهب الشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر.
ليت شعري لا نعلم أن أبا بكر كان على مذهب أبي حنيفة في عدم قبول شهادة الزوج لزوجته.
وقد رووا جميعا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أم أيمن امرأة من أهل الجنة "، وأم أيمن هي أم أسامة بن زيد، وهي حاضنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي من المهاجرات ولها حق حرمة.
السابع: أن الأنبياء السابقين قد ورثوا آباءهم (كما قال الثعلبي في عرائس المجالس)(15) ورث سليمان داود (يعني نبوته وحكمته، وعلمه وملكه). وفي البيضاوي والكشاف، وبحر المعاني، والمدارك، والمعالم، وربيع الأبرار للزمخشري تحت قوله تعالى: " إذ عرض عليه ": ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس، قال النووي عن الحسن البصري: " يرثني ويرث من آل يعقوب " المراد وراثة المال، ولو أراد وراثة النبوة لم يقل " وإني خفت الموالي من ورائي " الآية، إذ لا يخاف الموالي على النبوة(16)
قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وأبو صالح، وابن جرير: خاف زكريا أن يرثوا ماله. وقال ابن جرير في قوله " هب لي من لدنك وليا يرثني " يقول زكريا: فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا يرثني من بعد وفاتي مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة.
وفي السيرة الحلبية: ترك عبد الله (أبو محمد) خمسة أجمال، وقطعة من غنم فورث ذلك رسول الله من أبيه. وفيه: سيف يقال له مأثور ورثه (عليه السلام) من أبيه(17) وفي زاد المعاد لابن القيم: مأثور وهو أول سيف ملكه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورثه من أبيه.
وفي (الفتح): أن الدار التي أشار إليها (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله هل ترك عقيل من رباع، أو دور كانت دار هاشم بن عبد مناف(18) ثم صارت لعبد المطلب وابنه فقسمها بين ولده حين عمر، ثم صار للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حق أبيه وفيها ولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). الثامن: أنه (عليه السلام) قد ورث أباه (كما مر آنفا).
التاسع: أنه قد أقطعها (أي فدك) عثمان لصهره مروان وحاله معلوم مما ذكروا لفاطمة مع استحقاقها، وإعطاء عثمان لمروان قد ذكره ابن حجر في الفتح، وابن الشحنة في روضة المناظر(19)
أقول: أنظر أيها المنصف أن (الشيخين) منعا فاطمة، وما أعطياها (فدكا)، وقد ردها عثمان إلى مروان اللعين، فلم يعلموا قدر فاطمة كقدر مروان (نعوذ بالله من ذلك).
العاشر: قد ردها عمر بن عبد العزيز في زمانه إلى بني هاشم فلعله لم يرض بتعامل من سبق.
الحادي عشر: أن عائشة قالت: أرسل أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله، فكنت أنا أردهن، فقلت لهن إلا تتقين الله ألم تعلمن أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا نورث (الحديث، رواه البخاري في كتاب المغازي، والصواعق)(20) فعلم من هذا الحديث أن الورثة كلهم ما كانوا عالمين بحديث لا نورث لا أزواجه، ولا أهل بيته، ولا عثمان والأحق بالعمل لهذه المسألة هم كانوا فكيف يقال إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعلم من لهم تعلق خاص بهذه المسألة، وعلم مخفيا لأبي بكر وبنته، ولا يقال أن الصحابة صدقوا حديث أبي بكر، وصدق علي والعباس أيضا لأنا نقول إن التصديق ليس بثابت.
وأما السكوت فإنما كان لرعب السلطنة كما يظهر عن وقعة علي، والعباس زمن عمر، والباقون كذلك على أنا لا نسلم تصديق كلهم، بل وضع الحديث لتضييع أهل الحق والمؤولون أولوه تأويلا بعيدا، وتحيروا تحيرا شديدا، ولم يأتوا قولا سديدا كما أقر به الشيخ الدهلوي في شرح المشكاة(21).
الثاني عشر: إن صلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت أحق وآكد بل أوجب وأفرض على كل أحد فما رعوها حق رعايتها بل ضيعوها حق الضياع، ووصلوا أقاربهم (كما في الفتح) قال الخطابي: إنما أقطع عثمان (فدكا) لمروان لأنه تأول أن الذي يختص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها فوصل بها بعض قرابته(22). وفي (روضة المناظر على هامش مروج الذهب): أقطع عثمان بن عفان مروان بن الحكم (فدكا) صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تزل في يد مروان وبنيه إلى أن ردها عمر بن عبد العزيز صدقة(23).
الثالث عشر: إن أبا بكر وعمر كانا لم يعلما علم الميراث، ويسألان عليا (عليه السلام) وغيره. (كما سيأتي في ذكر علمهما)، والعجب أنهما كانا عالمين بميراث بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحرمانها.
الرابع عشر: قال (السيد) في رسالة (الزهراء) ناقلا عن الإمام نور الدين علي بن برهان الحلبي الشافعي في كتاب (إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون): قال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: جاءت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي بكر، وهو على (المنبر) فقالت يا أبا بكر أفي كتاب الله أن ترث أبيك، ولا أرث أبي، فاستعبر أبو بكر باكيا ثم قال بأبي أبوك، وبأبي أنت، ثم نزل فكتب لها (بفدك)، ودخل عليه عمر فقال ما هذا قال كتبته لفاطمة ميراثها من أبيها، فقال فماذا تنفق على المساكين، وقد حاربتك العرب، ثم أخذ عمر الكتاب فشقه (وكذا في السيرة الحلبية)(24). قال السيد في رسالة الزهراء : قال ابن السمان في كتاب (الموافقة في فاطمة وأبي بكر) جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: أعطني (فدكا) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهبها لي، فقال صدقت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسمها فيعطي الفقراء والمساكين، وابن السبيل بعد أن يعطيكم منها قوتكم، (وكذا كتبه الخواجة محمد پارسا في كتابه فصل الخطاب)(25). وفي كنز العمال (عن أم هانئ) أن فاطمة قالت يا أبا بكر من يرثك إذا مت، قال ولدي وأهلي، قالت فما شأنك ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دوننا، (رواه ابن سعد). وفيه: بمعناه (رواه أحمد، وأبو داود، وابن جرير، والبيهقي)(26). وفيه: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه، وجاء معهما علي فقال أبو بكر:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " لا نورث ما تركناه صدقة " فقال علي (عليه السلام) : ورث سليمان داود، وقال زكريا " يرثني ويرث من آل يعقوب "، قال أبو بكر: هو هكذا، وأنت والله تعلم مثل ما أعلم، فقال علي (عليه السلام) : هذا كتاب الله ينطق، فسكتوا، وانصرفوا (رواه ابن سعد)(27).
أقول: قد ثبت من هذا وضع الحديث لأنه إن لم يكن موضوعا لم يعطها أبو بكر، وثبت من هذا رد عمر حكم أبي بكر، وهتكه وقهره على فاطمة (كما في إزالة الخفاء) من قصة عتبة والأقرع في أرض السبغة(28).
الخامس عشر: عن جابر بن عبد الله يقول قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو جاء مال البحرين وأعطيك (هكذا) و (هكذا) - ثلاثا - فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما جاء مال البحرين وقدم إلى أبي بكر، أمر أبو بكر مناديا فنادى من كان له عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دين أو عدة فليأتني، قال جابر فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا، قال فأعطاني فحثا لي حثية فعددتها فإذا خمسمائة، قال خذ مثيلها (الحديث رواه البخاري)، وهكذا في صحيح مسلم، وهكذا وقع لأبي شيبة المازني (كما ذكره في كنز العمال)(29).
أقول: قد ثبت من هذا (الحديث) أن أبا بكر أعطى جابرا مالا كثيرا بمجرد دعواه بغير شهادة وصدقة ولم يصدق دعوى بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا شهادة علي (عليه السلام) وابنيه (أي الحسنين)، وأم أيمن أهل الجنة. (الله أكبر).
قال السيد في كتابه (الزهراء) ناقلا عن الكرماني (وهو ينقل عن الطحاوي): أما تحمل أبي بكر بعدة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الوعد منه يلزم فيه الإيجاز لأنه من مكارم الأخلاق، وإنه " لعلى خلق عظيم "، وأما تصديق أبي بكر جابرا في دعواه، لقوله (عليه السلام): " من كذب علي متعمدا " فهو وعيد، ولا يظن بأن مثله يقدم عليه(30).
قال الحافظ في (الفتح): وفيه قبول خبر الواحد العدل من الصحابة، ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه، وقال العلامة العيني: إنما لم يلتمس شاهدا منه لأنه عدل بالكتاب والسنة.
أما (الكتاب) فقوله تعالى " كنتم خير أمة "، و " كذلك جعلناكم أمة وسطا "، فمثل جابر إن لم يكن من (خير أمة) فمن يكون. وأما السنة فقوله (عليه السلام): " من كذب علي متعمدا " الحديث.
ولا يظن كذلك لمسلم فضلا عن صحابي، فلو وقعت هذه المسألة اليوم فلا يقبل إلا ببينة. قال الذهبي في ميزان الاعتدال: إن ابن حجر، والعيني أديا فرض البخاري على الأمة (أي بشرحهما كتابه).
أقول: يا للعجب أن دعوى جابر وحده صدقة أبو بكر لعدالته، وكونه صحابيا، وحسن الظن عليه بأنه لم يكذب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يحتمل هذه الاحتمالات على علي، وفاطمة، والحسنين، وأم أيمن مع أن كلهم من أهل الجنة، ولهم من الفضائل ما ليس لجابر. فظهر أن أبا بكر لم يجعلهم كجابر وغيره.
السادس عشر: قد ادعت فاطمة مرة بالميراث، ومرة بالهبة. أما الميراث (فكما مر)، وأما الهبة فكما في (لباب النقول): أخرج الطبراني، وغيره عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت " وآت ذا القربى حقه " دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة، فأعطاها (فدكا)، وهكذا في الدر للسيوطي وزاد: ورواه أبو يعلى، والبزار، وسكت على إسناده(31). وكذا في (ترجمان القرآن).
وأما في شرح المواقف: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نحلها (أي أعطاها فدكا نحلة - أي عطية) وبمعناه في الصواعق، وكنز العمال، ومستدرك الحاكم(32). قال السيد في كتابه (الزهراء)، وفي الاكتفاء لإبراهيم ابن عبد الله اليمني الشافعي قالت فاطمة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاني فدكا، قال أبو بكر: هل لك على هذا بينة، فجاءت بعلي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشهد لها، ثم بأم أيمن فقالت: أليس تشهد أني من أهل الجنة، قال بلى، قالت فأشهد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاها (فدكا). فقال أبو بكر فبرجل تستحقها، وتستحقين بها القضي (33)؟! قال الفخر الرازي في (تفسيره الكبير): لما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادعت فاطمة (عليها السلام) أنه كان نحلها (فدكا) فقال: أنت أعز الناس علي فقرا، وأحبهم إلي عنى، لكني لا أعرف صحة قولك، ولا يجوز أن أحكم بذلك فشهدت لها أم أيمن، ومولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي (الطبقات) لابن سعد بإسناده قال سمعت عمر يقول: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلما كان من الغد جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر، ومعها علي (عليه السلام) فقالت: " ميراثي "، (هكذا ذكره السيد في رسالة الزهراء)(34)
قال العلامة ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): سألت علي بن علي الفاروقي الشافعي (مدرس المدرسة العربية ببغداد) فقلت له ألا كانت صادقة؟! قال: نعم. فقلت فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك، وهي عنده صادقة، فتبسم (ثم قال كلاما لطيفا): لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا، وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يمكنه الاعتذار والمدافعة بشيء لأنه يكون قد استحل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي، (إنتهى).
قال السيد في كتابه الزهراء ناقلا عن (شرح نهج البلاغة) للعلامة ابن أبي الحديد، من كتاب (السقيفة) للإمام الجوهري صاحب (الصحاح) في خطبة الزهراء المسماة بخطبة (لمة) إن فاطمة خطبت في مجمع من المهاجرين والأنصار عند أبي بكر في خطبة طويلة قالت: ثم أنتم تزعمون أن لا إرث لي أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، يقول الله عز وجل ثناؤه " وورث سليمان داود " مع ما اقتص من خبر يحيى بن زكريا " إذ قال رب هب لي من لدنك وليا "، وقال تبارك وتعالى " يوصيكم الله " فزعمتم أن لاحظ لي، ولا إرث لي من أبي، أفحكم الله بأنه أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي، " أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ".
وقالت في آخرها: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون (35).
قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى " يوصيكم الله ": روى أن فاطمة لما طلبت الميراث احتجوا بقوله " نحن معاشر الأنبياء "، واحتجت بقوله تعالى حكاية عن زكريا " يرثني ويرث من آل يعقوب "، وبقوله " وورث سليمان داود " والأصل في التوريث المال، ووراثة العلم والدين مجاز وبعموم قوله تعالى " يوصيكم الله ".
وفي (الفتاوى) لعبد العزيز الدهلوي: وردت في معارج النبوة هذه الرواية: وقف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم هذه القرية المملوكة (فدك) بحدودها على فاطمة وقفا محرما على غيرها مؤبدا عليها من بعدها على ذريتها " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه أن الله سميع عليم "(36)، وفي الصواعق المحرقة: ودعواها أنه نحلها فدكا لم تأت عليها إلا بعلي، وأم أيمن فلم يكمل نصاب البينة(37).
وقال ابن حزم في (المحلى): روي أن علي بن أبي طالب شهد لفاطمة عند أبي بكر الصديق، ومعه أم أيمن، فقال له أبو بكر، لو شهد معك رجل وامرأة أخرى لقضيت لها بذلك.
أخرج الحافظ عمر ابن شيبة قال: أتت فاطمة أبا بكر، فقالت إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاني فدكا، فقال هل لك شاهد فشهد لها علي، وأم أيمن.
السابع عشر: يلزم أن فاطمة (صلوات الله عليها) ادعت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كذبا فصدق عليها قوله (عليه السلام): " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " حاشاها الله تعالى.
الثامن عشر: يلزم من شهادة علي، والحسنين، إما الزور، وإما الجهل، وكلاهما بعيد عن شأنهم.
وفي تأريخ الخلفاء (في قصة درع علي (عليه السلام) عند يهودي ورفع الحكم عند شريح وشهادة قنبر والحسن) فقال شريح ألك بينة يا أمير المؤمنين، قال: نعم قنبر والحسن، فقال شريح شهادة الأبن لا تجوز لأب، فقال علي (عليه السلام) : رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(38).
أقول: قد ظهر ظهورا بينا بحيث لا غبار عليه أن عليا (عليه السلام) استدل بقبول شهادة أهل الجنة، ولو كانوا أقرباء مع أنه سبحانه وتعالى لم ينه عن الشهادة للأقارب، كما قال ابن القيم الحنبلي في (أعلام الموقعين عن رب العالمين): وقد ذكر الله سبحانه نصاب الشهادة في القرآن في خمسة مواضع، فذكر نصاب شهادة الزنا أربعة في سورة النساء، وسورة النور. وأما في غير الزنا فذكر شهادة الرجلين والرجل والمرأتين في الأموال فقال في آية الدين " واستشهدوا شهيدين " باستشهاد عدلين من المسلمين، أو آخران من غيرهم، وغير المؤمنين هم الكفار. والآية صريحة في قبول شهادة الكافرين على وصيته في السفر عند عدم الشاهدين المسلمين وقد حكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة بعده ولم يجئ بعدها ما ينسخها فإن (المائدة) من آخر القرآن نزولا، وليس فيها منسوخ، وليس لهذه الآية معارض البتة(39)، وفيه: قد ثبت في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحديث في ثبوت الرضاع بشهادة امرأة واحدة وأن كانت أمة(40).
وفيه بل الحق أن الشاهد الواحد إذا ظهر صدقه حكم بشهادته وحده، وقد أجاز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادة الشاهد الواحد لأبي قتادة بقتل المشرك، ودفع إليه سلبه بشهادته وحده، ولم يحلف أبا قتادة، فجعله بينة تامة(41).
وفيه: لم يستثن الله سبحانه، ولا رسوله من ذلك أبا، ولا ولدا، ولا أخا، ولا قرابة، ولا أجمع المسلمون على استثناء أحد من هؤلاء فتلزم الحجة بإجماعهم.
وقد ذكر عبد الرزاق عن أبي بكر بن أبي سيرة عن أبي الزناد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال:
قال عمر بن الخطاب: تجوز شهادة الوالد لولده والأخ لأخيه(42).
وبالإسناد عن الزهري: قال لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الزوج لامرأته.
وفيه: قد دل عليه القرآن " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين "(43).
وقبول شهادة الطفل الصغير على عصمة يوسف لعصمته، وشهادة عيسى بن مريم على عصمة مريم في المهد ثابتتان بالقرآن الكريم، فأي معصوم أفضل من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأي سبب بلا توهين العترة الطاهرة راد للشهادة، والله أعلم.
أما هجران فاطمة لأبي بكر فكان مشروعا. كما قال الحافظ في (الفتح) تحت قوله (عليه السلام) : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ". قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه، أو يدخل منه على نفسه، أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز. (ورب هجر جميل من مخالطة) مؤذية، وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق ابن الزبير(44).
وفيه: قوله (باب ما يجوز من الهجران لمن عصى) أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجرة سبب مشروع، فتبين هنا السبب المسوغ للهجر هو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها(45). وقد مر عن البخاري (فلم تزل مهاجرته)، وفي رواية معمر: (فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت).
في (الفتح): وتعقبه الشاشي بأن قرينة قوله " غضبت " يدل على أنها امتنعت من الكلام جملة، وهذا صريح الهجران، وأما ما أخرجه أبو داود من طريق أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أهله، قال: لا بل أهله قالت: فأين سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:
سمعت رسول الله يقول: إن الله إذا أطعم نبيا طعمة جعلها للذي يقوم من بعده، فرأيت أن أرده على المسلمين قالت: فأنت وما سمعته(46).
فلا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران، ولا يدل على الرضا بذلك. (ثم نقل عن البيهقي قصة إرضاء أبي بكر فاطمة) وقال: هو مرسل.
وأما إرضاء أبي بكر فاطمة (عليها السلام) ليس بسديد لوجوه، أحدها: الإغضاب متفق عليه، والإرضاء مختلف فيه، وغير مسلم. فالمتفق عليه لا يسقط عن الاحتجاج إلا بمثله.
ثانيها: ثبوت هجرانها، وعدم تكلمها به حتى ماتت.
ثالثها: وصيتها لعلي (عليه السلام) بعدم الإيذان لأبي بكر على جنازتها (كما مر)، ولم يصل أبو بكر عليها (كما قال الشيخ في أشعة اللمعات، وكذا في الفتح، وإزالة الخفاء، وغيرها).
ورابعها: قولها (عليها السلام): " أشكو إلى النبي " - كما مر من الإمامة والسياسة(47) -.
وخامسها: أن رواية السخط مذكورة في (الصحيحين)، ورواية الرضا في (البيهقي)، ومن المسلمات أن رواية الصحيحين أوثق من غيرهما عندهم (كما في جامع الأصول). النوع الأول من المتفق عليه اختيار الإمامين أبي عبد الله البخاري، وأبي الحسن مسلم وهو الدرجة العليا من الصحيح، فثبت أن رواية (الرضا) ساقطة عن الاعتبار لأن (السخط) متيقن، وهو لا يزول بالشك، كما هو مبرهن في مقامه، وما جاء في بعض الروايات من دعوى الإرث، وفي بعضها من دعوى الهبة، فلا منافاة بينهما، لأنها (عليها السلام) ادعت مرة بالإرث، ومرة بالهبة لإتمام الحجة، ولا يخفى أن غضب فاطمة مقرون بغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغضبه (عليه السلام) مقرون بغضب الله تعالى.
كما جاء في الصحيحين " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ". وفي رواية " يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها " البخاري، وكذا في الخصائص للنسائي، وفي مسلم(48). وروى الترمذي عن زيد بن أرقم (مرفوعا) قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي وفاطمة والحسن والحسين: " أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم "، قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل حال وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا(49).
وقد قال الله تعالى " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعد لهم عذابا مهينا "، قال " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات " فإذا ثبت أن من آذى فاطمة فهو ملعون، وظالم، وناقص الإيمان، ثبت أن يتبرأ منه لما قال سبحانه " الذين آمنوا ولم يلبسوا أيمانهم بظلم فأولئك لهم الأمن وهم مهتدون " فالظالم ليس بمهتد، ولم يستحق بالاقتداء الاهتداء.
ولا يقال: إن هذا الحديث الذي تمسك به أبو بكر ثابت في الكافي للكليني (باب صفة العلم) لأنا نقول هذا الحديث رواه أبو البختري، وهو من أكذب البرية عند الإمامية (كما في رجال الكشي): أبو البختري اسمه وهب بن وهب بن كثير بن زمعة بن الأسود صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو رباه وقال علي أيضا، قال أبو محمد الفضل بن شاذان: كان أبو البختري من أكذب البرية، قال أبو العباس: وذكر رجل لأبي الحسن (الرضا) أبا البختري وحديثه عن جعفر وكان الرجل يكذبه، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): لقد كذب على الله وملائكته ورسله، (إنتهى ملخصا) (50).
وفي رجال النجاشي: وهب بن وهب عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، أبو البختري، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان كذابا، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب.
وأما عند أهل الجماعة وإن كان مقبولا كما قال ابن حجر في التقريب، لكن يثبت عن كتبهم أنه كذاب ووضاع كما قال السيد في (منهج الوصول إلى اصطلاح أحاديث الرسول)، قال زكريا الساجي: بلغني أن أبا البختري دخل على الرشيد وهو يطير الحمام فقال: هل تحفظ في هذا شيئا قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطير الحمام(51).
وفي حياة الحيوان: ذكر أن هارون الرشيد كان يعجبه الحمام، واللعب به فأهدي له حمام، وعنده أبو البختري (وهب القاضي)، فروى له بسنده عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو جناح. فزاد: (أو جناح)، وهي لفظة وضعها للرشيد فأعطاه جائزة سنية، فلما خرج قال الرشيد: والله لقد علمت أنه كذب على الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، (ثم قال) وكان أبو البختري المذكور قاضي مدينة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ولي قضاء بغداد بعد أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، (إنتهى ملخصا)(52).
وإن سلم فالجواب: أن معنى الحديث ليس كما زعم، بل معناه أن العلماء ليسوا بورثة الأنبياء في الدراهم والدنانير وغيرهما، بل هم ورثتهم في الأحاديث، وإنما ورثة مالهم هم الوارثون من الأقربين كما لسائر الناس، وإنما قال (عليه السلام) لرفع شبهتهم الواقعة من لفظة ورثة الأنبياء. وأما ما جاء في بعض رواياتهم أن أبا بكر قال لفاطمة أعمل كما عمل فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمردود بعمله، لما روى في سنن أبي داود (المترجم لوحيد الزمان، وفي غير المترجم)، والمسند لأحمد عن جبير بن مطعم: كان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله غير أنه لم يكن يؤتي قربى رسول الله ما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعطيهم، (الحديث)(53). وفي نيل الأوطار بإسناد البخاري مثله (54).
وأما ما قالوا أن عليا أسخط فاطمة بخطبة بنت أبي جهل، فمدفوع بأنه كذب، كما في كنز العمال عن ابن عباس قلت: يا أمير المؤمنين (عمر) إن صاحبنا (علي) من قد علمت والله ما تقول أنه ما غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله أيام صحبته، فقال (عمر): ولا بنت أبي جهل، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة؟ قلت: قال الله في معصية آدم " ولم نجد له عزما "، وصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد دفعها عن نفسه، الحديث، (رواه الزبير ابن بكار في الموفقيات)(55).
أقول: هذا عندهم، وأما عند الإمامية فلم تثبت خطبته، بل أشاع المنافقون خبر إرادة الخطبة عند فاطمة، فجرت القصة فلما علمت فاطمة (عليها السلام) أنه كذب زال سخطها، كما قال الحافظ في (الفتح): وإنما خطب النبي ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به (إلى أن قال): وزعم الشريف المرتضى (من الإمامية) أن هذا الحديث موضوع لأنه من رواية المسور، وكان فيه انحراف عن علي(56).
فصل: في بيان علم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إعلم أنه تعالى أمرنا بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم لكونه تعالى عليه، كما قال سبحانه " إن ربي على صراط مستقيم "، ولكون نبيه عليه، كما قال تعالى " إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم "، ولهديه إليه بقوله " إنك لتهدي إلى صراط مستقيم "، " وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ". وهذا لا يحصل بدون العلم.
ومن أجل ذلك أمر الله نبيه " قل رب زدني علما "، وأعز الله العلم وأهله قال " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات "، " وقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "، " وإنما يخشى الله من عباده العلماء " وقد أشهد الله تعالى على وحدانيته أهل العلم، وأشركهم في هذه المرتبة العظيمة والدرجة الكريمة بشهادته، وشهادة ملائكته. فهذا من أعظم درجات العلماء، وأكبر كمالاتهم كما قال عز اسمه " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ".
وفي فضائل العلم دفاتر لا تكاد تحصى.
----------------------------------------------------------
(1) كنز العمال، ج 1، ص 9 - 24.
(2) فتح الباري، ج 4، ص 17، وإزالة الخفاء، ج 2، ص 30.
(3) البخاري، ج 3، ص 140.
(4) صحيح مسلم، ج 2، ص 91.
(5) الإمامة والسياسة، ص 15.
(6) نهج البلاغة، ص 165.
(7) الزهراء ، ص 109.
(8) المصدر السابق، ص 110.
(9) الصواعق، ص 19، وتاريخ الخلفاء، ص 50.
(10) التفسير الكبير، ج 3، ص 230.
(11) النيشابوري، ج 4، ص 197.
(12) صحيح مسلم، ج 2، ص 90.
(13) فتح الباري، ج 3، ص 144.
(14) ابن تيمية، ج 2، ص 166.
(15) عرائس المجالس، ص 400.
(16) النووي، ص 434.
(17) السيرة الحلبية، ج 1، ص 56، وج 3، ص 355.
(18) فتح الباري، ج 3، ص 360.
(19)ابن حجر، ج 3، ص 141.
(20) البخاري، ج 4، ص 29، والصواعق، ص 22.
(21) شرح المشكاة، ج 3، ص 480.
(22) الفتح، ج 3، ص 141.
(23) روضة المناظر، ص 209.
(24) رسالة الزهراء ، ص 100، والسيرة الحلبية، ج 3، ص 391.
(25) رسالة الزهراء ، ص 93.
(26) كنز العمال، ج 3، ص 125.
(27) المصدر السابق، ص 134.
(28) إزالة الخفاء، ج 2، ص 195.
(29) صحيح البخاري، ج 1، ص 91.
(30) الزهراء ، ص 103.
(31) السيوطي، ج 4، ص 177.
(32) شرح المواقف، ص 735، والصواعق المحرقة، ص 31، وكنز العمال، ج 2، ص 158، والمستدرك للحاكم، ص 187.
(33) الزهراء ، ص 97.
(34) أيضا، ص 96.
(35) أيضا، ص 148.
(36) الدهلوي، ص 143.
(37) الصواعق، ص 21.
(38) تأريخ الخلفاء، ص 125.
(39) إعلام الموقعين، ص 32.
(40) المصدر السابق، ص 34.
(41) أيضا، ص 36.
(42) أيضا، ص 41.
(43) أيضا، ص 42.
(44) فتح الباري، ج 5، ص 571.
(45) المصدر، ص 572.
(46) الفتح، ج 3، ص 140.
(47) الإمامة والسياسة، ص 15.
(48) البخاري، ج 5، ص 143، والنسائي، ص 78، وصحيح مسلم، ج 2، ص 290.
(49) شرح النووي، ج 2، ص 290.
(50) رجال الكشي، ص 199، (طبعة بومباي).
(51) منهج الوصول، ص 96.
(52) حياة الحيوان، ج 1، ص 236.
(53) سنن أبي داود (المترجم)، ص 735، و (غير المترجم)، ص 416، ومسند أحمد، ج 4، ص 83.
(54) نيل الأوطار، ج 7، ص 281.
(55) كنز العمال، ج 7، ص 53.
(56) الفتح، ج 14، ص 393. |