بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ لِصَحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) الّذين آمَنوا به في حياته، واستفادوا منه المعرفةَ، وأخذوا عنه العلمَ، والسنة، احتراماً خاصّاً عندنا نحن الشيعة الإمامية، وذلك من دون فرقٍ بين الذين استُشهدوا في معركة «بدر» و «أُحد» و «الخندق» و «حُنين»، أو بقوا على قيد الحياة بعد رَسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم).
فكل هؤلاء الذين آمنوا برسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) وعاشوا معه، وصَحِبُوه محترمون، ولا يجوز لمسلمٍ في العالم أن يسيء إلى صحابة رسولِ اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) (من جهة كونهم صحابةً للنبيّ) أو يؤذيهم، ونِسبة مثل هذا الموقف إلى فريق من المسلمين نسبةٌ ظالمةٌ وافتراءٌ مرفوض. ولكن إلى جانبِ هذه المسألة ثمّت مسألةٌ أُخرى يجب دراستها من دون تعصّب أو حبّ وبُغض غير مُبرَّرَين، وهي: هل أن جميع صحابة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) عدولٌ وأتقياء، ومنزَّهون عن الذنوب، أو أنّ حكمَ الصحابة في هذه النقطة هو عين حكم التابعين الذين لا يمكن ان نعتبر جميعهم عدولًا أتقياء.
إنّ من البديهيِّ أنَّ مرافقة رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ورؤيته وان كانت مبعث فخرٍ واعتزاز لمن يرافقه ويراه إلّا أنّ كل هذه الأُمور لا توجب المصونية لهم من الذنوب، ولا الحصانة من المعاصي، ولا يمكن النظر إلى جميع الصحابة بنظرة واحدة ومساوية، واعتبارهم جميعاً عدولًا أتقياء، مبرَّأين عن كلّ زَلَلٍ وخطل، ذلك لأنّهم - بشهادة القرآن - من حيث الإيمان والِنّفاق، ومن حيث الطاعة والعِصيان، والتسليم وعدم التسليم أمامَ الله ونبيّه (صلى الله عليه و آله و سلم) على أصناف مختلفة، وفي هذا التصنيف لا يمكن اعتبارهم جميعاً في مرتبةٍ واحدةٍ، ولا اعتبارهم جميعاً عدولًا أتقياء.
إنّه ممّا لا شكَّ فيه أنّ القرآن الكريم مدح أصحاب النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) في مواقع مختلِفة«1»، وللمثال قد ذَكَرَ القرآنُ أنّ اللهَ رضى عن الّذين بايَعوا تَحتَ الشجرة في حالة صلح الحديبية، إذ قال سبحانه: «لَقَد رَضي اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيبا»«2».
فالآية تعكس رضى الله سبحانه عن المؤمنين، لكنّها لا تعني انّهم صاروا بذلك عدولًا أتقياء إلى آخر عمرهم وان عَصَوا وخالفوا أمره سبحانه، نعم ثبت رضاه سبحانه عنهم في فترة خاصة وهو حال المبايعة بشهادة قول: «إذ يبايعونك» وهو ظرف للرضا. فهذا المدح لهم لا يدلُّ على ضمان صلاحِهم واستقامتِهم حتى آخر لحظة من حياتهم.
ولهذا إذا سلك شخصٌ أو أشخاصٌ منهم طريق الخلاف فيما بعد لم يكن رضا الله تعالى عنهم في طرف المبايعة دليلًا على تقواهم المستمرّ، ولا شاهداً على فلاحِهم الأبديّ، لأنّ شأنَ هذا الفريق، ومقامَهم ليس أعلى ولا أسمى من شأن ومقام رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الذي قال الله مخاطباً إيّاه: «لَئنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»«2».
إنّ الآيات المادحة للمهاجرين والأنصار تبيّن ما حصل عليه هؤلاء الأشخاص من الكمال في تلك الحالة، ومن البديهيِّ أنّهم سيكونون مفلِحين دائماً إذا حافظوا على هذا الكمال إلى آخر لحظة من حياتهم.
وعلى هذا الأساس لو دلّتِ الدلائلُ القاطعة من الكتاب والسُّنّة على انحراف فردٍ، أو أفرادٍ لا يَصحُّ في هذه الحالة الاستنادُ إلى المدائح المذكورة لهم. ولنضربْ مَثَلًا على ذلك ما جاء في القرآن الكريمِ في حق أحد الصحابة.
فإنّ القرآنَ الكريمَ وصف أحد الصحابة بأنّه «فاسق»«3» إذ قال: «إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بنباً فَتَبَيَّنُوا»«4».
وقال في آية أُخرى: «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّايَسْتَوُونَ»«5».
إنّ هذا الفرد بِشهادة التاريخ القطعيّ هو «الوليد بن عُقبة» وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) رغم كونه صحابيّاً ومهاجراً وهما فضيلتان سامقتان إلّا أنّه لم يتمكّن من المحافظة على هاتين الفضيلتين، بل تسبَّبَ كِذبُه على طائفة «بني المصطَلَق» بأن يُذكَر بلفظ «الفاسق». ومع الإلتفات إلى هذه الآية ونظائرها «6» وكذا ملاحظة الأحاديث التي وَرَدَت في ذمّ بعض الصَّحابة في كتب الحديث«7»، وكذا في ضوء مطالعة التاريخ الإسلاميّ والوقوف على سيرة بعضهم«8» لا يمكن اعتبار جميع صحابة النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) الذين يتجاوز عددهم المائة ألف شخصٍ عُدولًا أتقياء جميعاً.
على أنّ ما نحن بصدد بحثِه ودراستهِ هنا هو «عدالةُ جميع الصحابة» لا سبّ الصحابة، وإنّ من المؤسف أنّه لم يفرّق البعضُ بين المسألتين، وإنّما عمد إلى اتّهام المخالفين في المسألة الأُولى والإيقاع فيهم في غير حق.
وفي الخاتمة نؤكّدُ على أنّ الشيعةَ الإماميّة لا ترى احترام صحبة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) مانعاً من مناقشة أفعال بعض صحابته (صلى الله عليه و آله و سلم) والحكم عليها وتعتقد بأنّ معاشرةَ النبي لا تكون سبباً للمصُونيّة من المعاصي إلى آخر العمر. على أنّ موقف الشيعة، في هذا المجال ينطلق من الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة، والتاريخ القطعي، والعقل المحايد الحصيف.
(1) لاحظ سورة التوبة/ 100، وسورة الفتح/ 18 و 29، وسورة الحشر/ 8 و 9
(2) الفتح18
(3) الزمر/ 65
(4) راجع التفاسير عند توضيح هاتين الآيتين
(5) الحُجُرات/ 6
(6) السجدة/ 18
(7) لاحظ آل عمران/ 153- 154، الأحزاب/ 12، التوبة/ 45- 47
(8) صحيح البخاري، ج 5، تفسير سورة النور، ص 118- 119
|